جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-25@07:49:42 GMT

يا ليت قومي يعلمون!

تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT

يا ليت قومي يعلمون!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

عند ما تسوقك الأقدار الإلهية لأن تكون مصدرًا للحكمة والإنصاف وحفظ حقوق الغير، والحكم بين الأطراف المتخاصمة بالعدل لحقن دماء الأبرياء والوصول إلى حلول منطقية بين الدول والحكومات؛ بل لجميع مكونات المجتمع بدون تمييز أو محاباة لطرف على حساب طرف آخر، فتلك قمَّة التفوق والفوز على المصالح الشخصية والغرائز الذاتية والأنانية والانتهازية، والأهم من ذلك كله هو عند ما تملك نظرة ثاقبة واستقراء لمُستقبل الوطن؛ بل الإقليم بكامله، وتكون الدرع الواقي للجميع والمظلة التي تُغطي بظلالها الأشقاء والجيران، وتعمل بلا كلل أو انقطاع لتجنيب شعوب المنطقة الحروب المدمرة التي تأكل الأخضر واليابس وتقضي على البشر والحجر والبيئة، والأهم من ذلك عند ما تحظى بالقبول والثقة من كل الأطراف المتنازعة.

من هذه المقدمة يتجلَّى لنا بوضوح دور سلطنة عُمان ومواقفها الثابتة في السياسة الدولية، بداية من دول الجوار ومرورًا بالدول العربية ووصولًا إلى العالم من حولنا.

قبل عقد من الزمن كانت مسقط محطة رئيسة للدول الكبرى الخمسة وإيران (مجموعة 5+1)؛ بهدف الوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني وتمكين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الإشراف والتفتيش على المفاعلات الذرية الإيرانية الخمسة عشرة، والهدف الأسمى من ذلك هو تجنب الأخطار المحدقة بتلك المحطات النووية ومنع أي تسريبات وإشعاعات شبيهة بما حصل في ثمانينات القرن الماضي في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مثل مفاعل "تشيرنوبيل"، لكون ذلك إذا ما حصل سوف تكون له آثار كارثية على السكان في المدن الخليجية في الضفة الغربية من الخليج العربي. وهدفت سلطنة عُمان من احتضانها لمجموعة (5+1) إلى العمل بجهد مضاعف لكي تبقى منطقة الخليج بعيدة عن الأسلحة النووية التي تشكل أكبر تحدٍ للإنسانية كما حصل في اليابان من إبادة جماعية للمدنيين من الجيش الأمريكي، وذلك في منتصف القرن الماضي.

وعلى الرغم من النوايا الحسنة للسلطنة حكومة وشعبا، ومواقفها العروبية التي لا يمكن لأحد أن يزايد عليها والتي تسجل بماء من الذهب عبر تاريخها الطويل، بداية بنجدة الأشقاء في اليمن في عهد اليعاربة وتحديدا جزيرة سقطرة التي احتلها الفرنج والأحباش وعاثوا فيها فسادًا؛ مرورًا بالإمام المؤسس أحمد بن سعيد البوسعيدي الذي أرسل ابنه هلال على رأس إسطول بحري لكسر حصار الفرس على البصرة العراقية، وصولًا إلى الموقف الشجاع للعُمانيين من الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إلّا أن هناك من الذين يزعمون جهلًا وزورًا بأن عُمان أقرب للمحور الإيراني على حساب الأشقاء العرب الذين تربطنا بهم علاقة الدم واللغة والثقافة والمصير المشترك عبر الأزمان.

الحقيقة الغائبة عن هؤلاء المُهرِّجين والمُراهقين بعلم السياسة والدبلوماسية والذين يتجاهلون حقيقة مواقف السلطنة ومبادئها التي لا يُمكن أن تتزعزع عنها، مهما ارتفعت أصوات الطُغاة والمُستبدين الذين يتشبثون بالأكاذيب والابتزاز الرخيص لهذا البلد العظيم الشامخ بشعبه الوفي وقيادته القوية التي لا تخاف في الحق لومة لائم.

من هنا، تقف عُمان قلعةً عصيَّةً على الأعداء، داحضةً بذلك وبكل ثقة كل الحملات الدعائية التي تستهدف التأثير على الرأي العام العُماني؛ بسبب مواقف الحكومة المتعلقة بالقرارات السيادية للسلطنة، والمتمثلة في مساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في إقامة دولته حسب القرارات الدولية، وقبل ذلك رفض المشاركة في حرب اليمن، والمحافظة على علاقة متوازنة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لوجود جيرة وحدود مشتركة بين البلدين، وعلى وجه الخصوص مضيق هرمز الذي يُعد الشريان الحيوي للطاقة العالمية.

في هذه الأيام، تعود التهديدات الأمريكية على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستهداف المنشآت الإيرانية النووية على ضفة الخليج الشرقية؛ بهدف التخويف، وإجبار دول المنطقة جميعًا على تقديم تنازلات ومكافآت للحكومتين الصهيونية والأمريكية، والتخلي عن المقاومة الفلسطينية وفتح الطريق لـ"صفقة القرن" مجددًا. من هنا، يتذكر البعض نظرة سلطنة عُمان الثاقبة لأمن الخليج والمخاطر من العربدة الغاشمة لبعض الدول التي تفتقد إلى الحكمة؛ وهو ما أكدته تصريحات رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني عندما قال إنَّ أي هجوم على منشآت نووية إيرانية مقامة على سواحل الخليج، من شأنه أن يحرم المنطقة من المياه. وأضاف- خلال حديثه قبل أسبوعين فقط للإعلامي الأمريكي اليميني تاكر كارلسون-: "إن البحر سيصبح مُلوثًا بالكامل وإن قطر ستشهد نفادًا للمياه خلال ثلاثة أيام فقط". وبالفعل هذا الذي سوف يحصل في المدن الخليجية المُطلَّة على شواطئ الخليج العربي في حالة استهداف المفاعلات النووية الإيرانية. والأهم من ذلك هو أن أسعار النفط إذا ما وقعت الضربة المزعومة سوف تتجاوز سقف 300 دولار أمريكي للبرميل، والخاسر الأكبر هو ترامب والغرب؛ خاصة إذا تمَّ إغلاق الممرات المائية الدولية في المنطقة بفعلِ فاعلٍ.  

وفي الختام.. هناك تحدٍ وجودي يواجه الأُمَّة اليوم، ولا يُمكن الانتصار على المؤامرات التي تُحاك خلف الكواليس إلّا بالوقوف صفًا واحدًا حكومةً وشعبًا أمام الأعداء الذين يُرددون التهديدات المُبيَّتة. ولذا مهما تكن التحديات التي تواجهنا في هذه المرحلة، علينا أن نفتخر جميعًا بما تحقق على تراب هذا الوطن الغالي من إنجازات، في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من ظفار جنوبًا إلى مسندم شمالًا. ولعل أهم هذه الإنجازات على الإطلاق: الوحدة الوطنية التي أزعم أنها واحدة من أفضل النماذج العربية من المحيط إلى الخليج؛ فعُمان أمانة في رقابنا جميعًا، فلنحافظ عليها من الأعداء الذين يهدفون إلى العبث بالأمن الوطني.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عُمان تحتفل اليوم بالذكرى 44 لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية

 

 

 

 

مسقط- العُمانية

تحتفل سلطنة عُمان غدًا مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الشقيقة بالذكرى الـ 44 لتأسيس المجلس في 25 مايو 1981، والذي مثّل انطلاقة نحو تحقيق التكامل بين دوله الست على مختلف الصُّعد، وبما يُعزّز مصالح الشعوب، ويُحقق تطلعاتها نحو الاستقرار والازدهار والتطوُّر والنماء.‏

وقد أكّد حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظّم- حفظه الله ورعاه- في خطابه السامي في يوم تولّي مقاليد الحكم في البلاد في الحادي عشر من يناير 2020م على مواصلة دعم المجلس؛ حيث قال- أعزّه الله: "وسنواصل مع أشقائنا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق أماني شعوبنا ولدفع منجزات مجلس التعاون قُدمًا إلى الأمام".

وتواصل سلطنة عُمان التزامها الثابت بمبادئ المجلس وأهدافه، مساهمةً في صياغة قراراته ومبادراته، ودعم آليات التكامل الاقتصادي، وتنسيق المواقف السياسية، وتعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي؛ انطلاقًا من إيمانها بأنّ تماسك المجلس ركيزةٌ لصمود المنطقة أمام التحوّلات العالمية المتسارعة والمتغيرة.

وفي هذا الشأن، قال سعادة الشيخ أحمد بن هاشل المسكري رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية- لوكالة الأنباء العُمانية- إنّ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 1981 شكّل محطةً تاريخية فارقة في العمل العربي المشترك، ولبنة أساسية لبناء منظومة تعاون إقليمي فاعلة وراسخة ومنذ انطلاقته، وقد قطع المجلس شوطًا مهمًا في ترسيخ أسس التكامل والتنسيق بين دوله الأعضاء في شتى المجالات، مستندًا إلى الروابط التاريخية والمصالح المشتركة بين شعوبه. وأضاف سعادته أنّ من أبرز إنجازات المجلس سياسيًّا، قدرته على توحيد المواقف في المحافل الإقليمية والدولية، ودوره في تعزيز السلم والاستقرار في المنطقة، وعلى الصعيد الاقتصادي، يُعدُّ الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، بالإضافة إلى شبكة الربط الكهربائي ومشروعات النقل، من ثمار التعاون المؤسسي. وذكر سعادته أنه بالرغم من هذه الإنجازات، واجه المجلس بعضًا من التحدّيات، منها التباينات في الرؤى السياسية والتحدّيات الاقتصادية والتحولات الإقليمية المتسارعة، إلا أن آليات الحوار والتشاور التي أرساها المجلس ساعدت على تجاوز العديد من العقبات بروح من المسؤولية والحكمة. وأشار سعادته إلى أنّ طموحات التأسيس للمجلس كانت ولا تزال كبيرة، وقد تحقق الكثير منها، غير أن هناك مجالات لا تزال بحاجة إلى دفع أكبر وتسريع في وتيرة التنفيذ، لا سيما في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، مضيفًا أنّ المجلس يظل إطارًا حيًّا ومتطورًا يعكس الإرادة السياسية لدوله الأعضاء في مواصلة البناء وتعزيز الترابط والتكامل في مختلف المجالات.

وحول دور مجلس التعاون في تعزيز الاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، أكّد المسكري أنّ مجلس التعاون يؤدي دورًا محوريًّا في تعزيز الأمن الجماعي، والتصدي لمصادر التهديد، والدفع باتجاه الحلول السلمية للأزمات الإقليمية. كما يعمل على تقوية شراكاته الاستراتيجية مع القوى الدولية والفاعلين الإقليميين بما يضمن توازن المصالح وحماية أمن واستقرار الخليج والمنطقة. وأشار سعادته إلى أنّ مجلس التعاون ينتهج سياسة مسؤولة ترتكز على احترام مبادئ القانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما يسعى إلى المساهمة الفاعلة في تسوية النزاعات عبر الوساطة والدبلوماسية الوقائية، ومن الأمثلة على ذلك تأكيده الدائم على مركزية القضية الفلسطينية، ورفضه لأشكال التصعيد والتدخلات الخارجية في المنطقة.

وفيما يتعلق بدور سلطنة عُمان في تعزيز التعاون الخليجي، خاصة في الملفات ذات الطابع التوفيقي قال سعادته: "لطالما تبنّت سلطنة عُمان سياسة خارجية قائمة على الحوار والتوازن، وسعت بكل إخلاص إلى تقريب وجهات النظر وتعزيز وحدة الصف الخليجي، مؤكّدًا أنّ سلطنة عُمان تحرص على دعم مسيرة مجلس التعاون في جميع مراحلها، وتشجيع المبادرات التي تُسهم في تقوية العمل الخليجي المشترك، ولا سيما في الملفات التي تتطلب معالجات توافقية وتفاهمات مدروسة". وبيّن سعادته أنّ الرؤية المستقبلية للمجلس تتطلب مواكبة التحولات العالمية من خلال تحديث الآليات، وتفعيل أدوات التكامل، وتعزيز السياسات الموحدة في ملفات استراتيجية كالأمن السيبراني، والتغير المناخي، والتنمية المستدامة، إلى جانب مواصلة العمل نحو اتحاد اقتصادي متكامل يحقق الأمن والرفاه لشعوب دول المجلس.

وحول مستقبل التكامل الخليجي في مجالات مثل الاقتصاد الرقمي، والأمن الغذائي، والطاقة المتجددة أوضح سعادته أنّ هذه المجالات تشكّل أولوية قصوى في أجندة التعاون الخليجي حاليًا، ومن المتوقع أن يشهد التنسيق الخليجي فيها تطورًا ملموسًا، من خلال استراتيجيات موحدة ومبادرات مبتكرة.

وأكّد سعادة الشيخ رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية أنّ سلطنة عُمان تؤمن بأنّ وحدة وتكامل البيت الخليجي، القائم على المصير المشترك والاحترام المتبادل، هو الركيزة الأهم لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة، وهو ما تحرص السلطنة على ترسيخه بالتعاون مع أشقائها في مجلس التعاون، انطلاقًا من رؤية شاملة لمستقبل أكثر ازدهارًا وتماسكًا لدول المجلس وشعوبه.

مقالات مشابهة

  • عُمان تحتفل اليوم بالذكرى 44 لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية
  • هل أنقذت دولُ الخليج أمريكا
  • انتهاء الجولة الخامسة من المفاوضات النووية الإيرانية بتفاؤل حذر
  • قومي المرأة يطلق مبادرة معا بالوعي نحميها بكفر الشيخ.. صور
  • «قومي المرأة» يهنئ وزيرة البيئة على اختيارها أمينة تنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر
  • ما حقيقة التهديدات بضرب المواقع النووية الإيرانية؟.. مباحثات سرية في عمان تطرح القضية
  • الداخلية: غرامة تصل إلى 20,000 ريال بحق حاملي تأشيرات الزيارة بأنواعها الذين يحاولون الدخول إلى مكة والمشاعر المقدسة
  • “أكسيوس”: الجيش الإسرائيلي يستعد لضرب المنشآت النووية الإيرانية
  • جوليان أسانج يرتدي قميصًا يحمل أسماء آلاف الأطفال الذين استشهدوا في غزة- (فيديو)
  • الملكية حق دستوري ومراعاة المستأجرين.. قومي حقوق الإنسان يناقش الإيجار القديم