في صباح يوم عادي من أيام الله استيقظت الشابة «نور» على صراخ من عاملة المنزل. هرعتْ إليها لتجد قطة تهاجم عصفورة بيضاء داخل قفص العصافير. حاولت الشابة إبعاد القطة، لكنها رأتْ في عينيها جوعًا ووحشية لم تستطع تجاهلهما، إلى درجة أنها شعرت للحظة بكراهية القطط كلها. كانت العصفورة لا تزال على قيد الحياة حين أمسكتها نور بيدها، لكن «قلبها ينبض بتسارع مرعب، والدماء متناثرة في أرجاء القفص».
وردتْ هذه الحكاية في كتاب «يأتي بخلقٍ جديد» للكاتبة لجين غالب، الصادر مؤخرًا عن دار «بوك لاند» الكويتية، والذي يُمكن عَدُّه تحية إعجاب وتقدير من كاتبة عُمانية إلى كاتب التنمية الذاتية المكسيكي دون ميجيل رويز، وتحديدًا إلى كتابه «القواعد الأربع»، (له ترجمة بالعربية صدرتْ عن دار جرير بعنوان «الاتفاقيات الأربع»)، الذي لخّص فيه حكمة حضارة التولتيك المكسيكية القديمة في أربع قواعد هي: «كن صادقًا»، و«لا تأخذ الأمور بشكل شخصي»، و«تجنب الافتراضات»، و«افعل دائما أفضل ما لديك».
وإذن؛ تقدم لجين غالب في كتابها هذا «دعوةً لكل مَن يسعى لتغيير حياته، لبناء الثقة بالنفس، وتنمية الوعي الروحي، وتحقيق التوازن الداخلي»، كما جاء في غلاف الكتاب الخلفي. إنها كتابةٌ على الكتابة، إن جاز التعبير، إذْ استلتْ المؤلفة قواعد رويز الأربع، وبنتْ عليها كتابها الذي يشرح هذه القواعد ويفسرها، ولكن من منظور فتاة عُمانية متدينة. كل ذلك في قالب سردي اختارت له لجين حبكة بسيطة، هي عبارة عن محادثات افتراضية عن طريق برنامج «زوم» هدفها الأساس تعلّم اللغة الإنجليزية، بين الفتاة العُمانية «نور» ومعلمة اللغة الإنجليزية «تالي»؛ الأمريكية القاطنة في نيويورك، والتي اختارت الكاتبة أن تجعلها مسنة تبلغ من العمر ستًّا وستين سنة، لتكون مؤهلة لتقديم الحِكَم والنصائح لتلميذتها الشابة، وعلى رأس هذه الحكم قواعد رويز الأربع. لكن «نور» لا تكتفي بمجرد استقبال هذه الحِكَم، بل تعلق عليها من منظور اجتماعي وديني، وتستشهد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية لتثبت أن هذه القواعد/ الحِكَم موجودة أصلًا في ديننا الحنيف، وإن لم نكن منتبهين لها.
وكان كتاب «القواعد الأربع» قد نُشِرَ للمرة الأولى عام 1997 وحظي بشعبية كبيرة، بعد أن أشادت به الإعلامية الأمريكية الشهيرة أوبرا وينفري. وعدا العربية؛ فقد تُرجم إلى أكثر من أربعين لغة أخرى، وبيع منه أكثر من ثمانية ملايين نسخة في الولايات المتحدة وحدها، كما تربع فترة غير قصيرة في قائمة صحيفة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا.
وبالعودة إلى قطة «نور» التي قتلت العصفورة بوحشية، فإنها تظهر في فصل لاحق، لكنها لم تَبدُ هذه المرة شرسة أو جائعة، بل هادئة تمامًا، ما حدا بالشابة إلى معاتبتها (بتعبير أدقّ توبيخها) على وحشيتها تجاه العصفورة، بيد أن نور مع ذلك تُشفق على القطة، فتضع بعض الطعام أمامها، وقد استقبلت القطة هذا الكرم بهدوء لافت، وكأنها تجسيد لعبارة الشاعر رينيه شار: «فقط يتمثل الهدوء في قطّ جالس». تعلق الشابة على فعلها ذاك بالقول: «لم أكن أدرك أنني بترك الطعام لها، قد حررتُ نفسي من ألمٍ دفين، من كراهية عميقة كنتُ أحملها». وبعد عدة أيام لاحظت نور أن القطة لا تزال قابعة في مكانها وقد أخذ منها الهزال كل مأخذ، ثم ما لبثت أن رقدتْ بلا حراك، لتجد نور نفسها تحملها في يدها وتدفنها كما فعلت مع العصفورة، «وكأن القدر قد أعاد المشهد ولكن بأدوار معكوسة»، ليكون تعليق صديقتها هذه المرة: «شيء مات فيك منذ فترة طويلة، سيرجع ويحيا بأمر الله من جديد».
يحيلني هذا على القطط وتوظيف حكاياتها لدى مؤلفي كتب التنمية الذاتية، ولعلّ أبرع هؤلاء الكاتب الفرنسي ستيفان جارنييه في كتابه «فكر وتصرف كأنك قط» (تُرجِم إلى العربية عن طريق فالن بولس، وصدر عن دار «لغة» للنشر والتوزيع في القاهرة عام 2023)، إذ يستعرض جارنييه في هذا الكتاب الكثير من سلوكيات القطط مثل نزوعها للاستقلالية، والهدوء، والصمت، وقدرتها على الرفض والتمرد، وركونها للراحة بالنوم الكثير، حاثًّا القارئ على تبني هذه الصفات لتحسين جودة حياته الشخصية والمهنية، ودامجًا بين الملاحظة السلوكية للقطط وتطبيقاتها العملية في حياة الإنسان اليومية. غير أن أشهر حكايات القطط في التنمية الذاتية هي قصة «مَنْ ركل القطة؟» التي يستخدمها مدربو التنمية الذاتية كثيرًا في دورات الذكاء العاطفي وتدريبات القيادة الأخلاقية وبعض الندوات الأسرية وورش إدارة الغضب. تبدأ القصة بمدير يوبخ أحد موظفيه، فينفّس هذا الموظف عن توتره وغضبه في زميل له. يصاب هذا الزميل بالإحباط فيعود إلى بيته ويصرخ في وجه زوجته. تغضب الزوجة فلا تجد أمامها إلا طفلها لتنفّس عن هذا الغضب فتنهره. يحزن الطفل المسكين ويشعر بالضيق فيرى أمامه قطة نائمة فيركلها برجله. وهكذا نكتشف في النهاية أن القصة ليست عن القطة في الحقيقة، بل عن طريقة انتقال المشاعر السلبية من شخص إلى آخر لتنتشر انتشار النار في الهشيم، وكيف أن شحنة غضب واحدة، لم تُفَرَّغْ بشكل صحيح، يمكن أن تمتد وتتوسع لتؤذي مَنْ لا علاقة لهم بالحدث الأصلي.
ويبدو أن لجين غالب تُدرك أهمية رسائل القطط في كتاب تنمية ذاتية كهذا، فها هي تعود إليها مرة أخرى في فصل متقدم، إذْ تكتشف نور قطة أخرى في منزلها وهي ترقد مع صغارها المولودين حديثًا، فتفهم أن هذه رسالة جديدة، مفادها بأنها بدأتْ حياة جديدة، وأنها -أي نور- مثل هذه القطة، قد وُلِدتْ من جديد، بشكل أكثر قوةً وصفاء.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التنمیة الذاتیة
إقرأ أيضاً:
قصور الثقافة تقدم "رصد خان" و"القطة العامية" ضمن عروض الموسم المسرحي بجنوب الصعيد
شهد قصر ثقافة قنا، الأربعاء، عرضين مسرحيين، ضمن عروض الموسم الحالي الذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، بإقليم جنوب الصعيد الثقافي، في إطار خطة وزارة الثقافة.
عرض رصد خانجاء العرض الأول بعنوان "رصد خان"، لفرقة كوم أمبو المسرحية، وتدور أحداثه في إطار فانتازي حول رحلة بحث الجد "ابن غانم" عن كنز قارون الذي خسف به الأرض، ليقرر بناء خان أثري يجمع فيه تركته، ويكتشف في النهاية أنه خسر كل شيء بعد أن أغواه الشيطان، فيكتب وصيته لأحفاده محذرا إياهم من نفس المصير.
وتمر السنوات، وتقع الوصية منقوصة في يد "سجايا"، إحدى حفيداته، فتقرر نشر إعلان لجمع الورثة بغرض التخلص منهم، من أجل الوصول إلى الكنز الذي يتطلب الوصول إليه إلى سفك الدماء، وتبدأ المأساة حينما يبدأ الورثة في قتل بعضهم البعض.
"رصد خان" تأليف محمد علي إبراهيم، ألحان عبد المنعم عباس، أشعار طه الأسواني، ديكور شادي قطامش، ومخرج منفذ علي جودة.
وأوضح المخرج إيهاب زكريا أن العرض قدم في إطار فانتازي، وبأسلوب تجريبي مغاير، وذلك من خلال الاستعانة بديكور مناسب يمثل خانا أثريا تتخلله أعمدة وجدران منقوشة بالطلاسم، بجانب الأقنعة والعرائس التي أضفت تأثيرات درامية داخل المشاهد، كما أن الموسيقى والألحان ساعدت في خلق حالة من التوتر والغموض طوال العرض.
“ القطة العامية”أما العرض الثاني فجاء بعنوان "القطة العامية" لفرقة المعني المسرحية، ويناقش العديد من المشكلات المجتمعية المعاصرة.
"القطة العامية" أشعار محمد محمد عبد الرحيم، ديكور وإضاءة هاني محمد، مخرج منفذ خالد علي، وإخراج هاني فهمي.
وأشار الكاتب سامح عثمان، أنه كتب النص عام 2003، ويطرح خلاله رؤية تعتمد على تفكيك الواقع وتوظيف الألعاب الشعبية داخل نسيج من الأمنيات المؤجلة والأحلام غير المتحققة، باحثا عن الجوهر الكامن في التراث الشعبي، مؤكدا على أهمية اتخاذ القرار مهما كانت الرؤية مشوشة.
قدمت العروض بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، من خلال الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان أحمد الشافعي، وبحضور محمود عبد الوهاب، مدير عام إقليم جنوب الصعيد الثقافي، وأنور جمال، مدير فرع ثقافة قنا، وأعضاء لجنة التحكيم المكونة من مهندس الديكور الدكتور عبد الناصر الجميل، المخرج خالد أبو ضيف، والناقد المسرحي محمود الحلواني، إلى جانب لفيف من الأدباء والمسرحيين.
العروض المسرحية من إنتاج الإدارة العامة للمسرح برئاسة سمر الوزير، وتقدم يوميا بالمجان حتى منتصف يونيو الحالي، بواقع عرضين يوميا، الأول في السادسة مساء، والثاني في التاسعة مساء.
عرض "بير السقايا"ويستقبل المسرح اليوم الخميس، عرض "بير السقايا"، لفرقة قوص المسرحية، تأليف حسام عبد العزيز، وإخراج محمود النجار، ويناقش قضية الصراع القائم نتيجة العادات القبلية، يليه عرض "أسطورة الغريب" لفرقة قصر ثقافة حوض الرمال، تأليف محمد إبراهيم، وإخراج أحمد الجمل، ويعتبر مرآة تعكس التناقضات الإنسانية في المجتمعات التي تتشبث بالخرافة، وذلك من خلال قصة الغريب الذي يعود إلى بلدته بعد غياب طويل، ما يثير الذعر والتساؤلات بين السكان.