ترجمة: أحمد شافعي -

لم يبق غير فرصة ضئيلة إن أردنا منع ركود عالمي لا داعي له. ففي الوقت الذي يشهد انفصال الصين والولايات المتحدة، تحتدم حروب تجارية مزعزعة، منذرةً بالانحدار إلى حروب عملات، وفرض حظر على واردات وصادرات واستثمارات وتكنولوجيا، وحرق أسعار مالية من شأنه أن يدمر ملايين الوظائف حول العالم. لا يكاد يبدو من المعقول أن يجثو العالم على ركبتيه بسبب اقتصاد بلد واحد، يعيش خارجه 96٪ من السكان، وينتجون 84٪ من السلع المصنعة في العالم.

ولكن برغم أن مسؤولين أمريكيين تحدثوا من قبل عن سياسة تعريفات جمركية قائمة على مبدأ «التصعيد بهدف تهدئة التصعيد»، فإن هدف دونالد ترامب هو إرغام التصنيع على العودة إلى الولايات المتحدة، وتخفيفه لبعض التعريفات لمدة 90 يوما لا يعني أنه ينوي نزع فتيل الأزمة.

في يوم الاثنين الماضي، حذر كير ستارمر من أن العالم لن يعود إلى ما كان عليه من قبل، وذكَّرنا بأن «محاولة إدارة الأزمات دون تغيير جذري لا تؤدي إلا إلى تدهور منظم». وهو على حق. فما تعلمته من أزمة عام 2008 المالية هو أن المشاكل العالمية تقتضي حلولا منسقة عالميا. فلا بد لنا من استجابة دولية جريئة تواكب حجم الطوارئ. وبمثل ما أقام رئيس الوزراء ـ ويحسب هذا له كثيرا ـ تحالفا للدفاع عن أوكرانيا، فلا بد لنا من تحالف اقتصادي من الراغبين: أي قادة العالم متشابهي التفكير المؤمنين بأن علينا في هذا العالم المترابط أن ننسق السياسات الاقتصادية عبر القارات إذا أردنا حماية الوظائف ومستويات المعيشة.

ويتمثل التحدي الملِح في التخفيف من صدمات جانب العرض الناجمة عن جدار ترامب الجمركي. وكما تقترح راشيل ريفز، فإن علينا أن نحافظ على حركة التجارة العالمية. وبرغم أنه ما من أزمتين متشابهتان أبدا، لكن تقديم قروض ممتدة لشركات التصدير والاستيراد كان محوريا في الاستجابة العالمية لانهيار التجارة عام 2009. وعلينا أيضا أن نذكِّر الصين بأنها إن أرادت أن تقدم نفسها بوصفها داعمة للتجارة الحرة، فمن مصلحتها التركيز على توسيع الاستهلاك المحلي بدلا من إغراق الأسواق العالمية بسلع ذات أسعار مخفضة لا تستطيع بيعها الآن في الولايات المتحدة.

غير أن التحديات العالمية تتجاوز بكثير إدارة صدمة الرسوم الجمركية. ولن يكون إنعاش التجارة أمرا سهلا دون تنسيق السياسات الاقتصادية الكلية والمالية عبر القارات. فسوف يرتفع التضخم العالمي، حتى بعد مراعاة التأثير الانكماشي للصادرات الآسيوية منخفضة الأسعار. ولكن هذه الصدمة تهون أمام مشكلة أكبر هي انهيار ثقة المستهلك وتراجع استثمارات الأعمال. ويعني هذا أننا قد نحتاج إلى خفض متزامن لأسعار الفائدة ـ وهي مبادرة يحتمل جدا أن تنضم إليها الولايات المتحدة ـ مدعومة بنشاط مالي في البلاد التي تتوافر فيها مساحات للتوسع.

لقد أقيمت مؤسساتنا الاقتصادية الدولية على اعتقاد مفاده أن استدامة الرخاء تتطلب تقاسمه، وأنه لا يمكن تحقيق النجاح الاقتصادي في كل مكان إلا إذا كنا مستعدين للتحرك أينما دعت الحاجة. وبمساعدة الولايات المتحدة أو بدونها، يجب علينا فورا جمع قدرة البنك الدولي على تقديم المنح والقروض البالغة 150 مليار دولار، والقوة المالية لصندوق النقد الدولي البالغة تريليون دولار، وأقل الأسباب الداعية إلى ذلك هو مساعدة الاقتصادات النامية الأكثر ضعفا والمتضررة من الرسوم الجمركية. ففي عام 2009، كان مزيج الائتمانات التجارية وأموال البنوك متعددة الأطراف هو الذي عزز الاقتصاد العالمي بمقدار 1.1 تريليون دولار، ومنع الركود من التحول إلى كساد.

ولا يتيح لنا النهج التنسيقي محض فرصة لتحقيق استقرار الاقتصاد العالمي، وإنما لـ«إعادة البناء بشكل أفضل» ـ على حد تعبير عام 2020. ويعني هذا، بالنسبة للمملكة المتحدة، العمل بشكل أوثق مع الاتحاد الأوروبي. والحق أن التغييرات الجارية في أوروبا حاليا تتيح التعاون على نطاق أوسع حتى من مجرد إزالة الحواجز التجارية المفروضة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لطالما كان هناك توتر بين رغبة أوروبا في القيادة، التي تدفعها إلى الجرأة، ورغبتها في البقاء متحدة، بما يدفعها إلى الجبن، لكن أوروبا اليوم تعاني من معدل تضخم أقل من الولايات المتحدة، ويمكنها خفض أسعار الفائدة بشكل أسرع.

لقد بلغ إنفاق العجز الأمريكي منذ عام 2010 أضعاف إنفاق منطقة اليورو، مما جعل ألمانيا تحديدا أقل ديونا بكثير من الولايات المتحدة نسبيا. وبفضل المرونة المالية التي أوجدها المستشار الألماني الجديد، فريدريش ميرز، والاتحاد الأوروبي، يمكن ضخ موارد جديدة في الاقتصاد العالمي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطبيق تقرير دراجي حول القدرة التنافسية الأوروبية، ويكتمل هذا بزيادة الإنفاق في الصين. في الوقت نفسه، ينبغي تمديد اتفاقية التعاون الدفاعي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لتمكين شراء أسلحة مشتركة أكثر فعالية من حيث التكلفة. ولإتاحة الموارد في مجالات أخرى، ينبغي أن نمضي قدما في المناقشات حول صندوق أوروبي شامل لأغراض خاصة متعلقة بالدفاع والأمن خارج الميزانيات العمومية.

وقد تكون أوروبا مطالبة بالقيادة في جانب آخر إذا ما أحاطت الشكوك باستعداد الولايات المتحدة للعمل كملاذ أخير لإقراض العالم. وتجب مطالبة مجلس الاستقرار المالي العالمي بتقديم تقرير فوري حول المخاطر التي قد تضر بالاستقرار والتي قد تحتاج إلى معالجة في القطاعين المصرفي وغير المصرفي. وإذا لزم الأمر، من الممكن أيضا مطالبة البنك المركزي الأوروبي بسد الفجوة الناجمة عن الولايات المتحدة (وتحاول الصين شغلها) من خلال توسيع نطاق مقايضات العملات لتشمل مجموعة أوسع من الدول التي تحتاج إلى دعم السيولة.

يمثل العمل المنسق متعدد الأطراف ضرورة إذا ما أرادت بريطانيا ضمان النمو الذي نحتاج إليه وتقوده الصادرات. وسوف يتم تعزيز هذا النمو من خلال إعادة السياسة الصناعية إلى التركيز على تعزيز القطاعات التنافسية دوليا ـ من علوم الحياة والذكاء الاصطناعي، إلى التحول في مجال الطاقة والصناعات الإبداعية. ويستوجب تعزيز هذه التجمعات الرائدة عالميا، كما قال وزير المالية، استثمارا أكبر في البحث والتطوير والمهارات رفيعة المستوى. ولكنه يستوجب منا أيضا دعم نظام داعم للمنافسة لا يفضل شركات التكنولوجيا العملاقة على حساب منافسيها الأصغر حجما في المملكة المتحدة، أو يضعف قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية الحيوية للمواهب الإبداعية.

ليس النظام الاقتصادي متعدد الأطراف وحده هو الذي يتعرض للهجوم، وإنما كل ركن آخر من أركان النظام القائم على القواعد، من احترام القانون إلى تقرير مصير الدول والالتزامات التاريخية بالمساعدات الإنسانية. فالحق أننا نشهد انهيارا متزامنا في الأنظمة الاقتصادية والجيوسياسية. وفي مقالة تالية لهذه المقالة، سوف أقترح طريقة تمكِّننا من إقامة نظام جديد مما يتحول بسرعة إلى أنقاض النظام القديم. لكننا أولا بحاجة إلى أن نظهر أن العالم قادر على العمل المشترك لدعم مستويات معيشة الناس. فسوف يظهر ذلك المبادئ الأساسية المطروحة: إن التعاون الدولي يصب في مصلحتنا الجماعية، وأن عالما لا ربح فيه للبعض إلا بخسارة البقية تتنافس فيه القوميات هو عالم يجعلنا جميعا أكثر فقرا وأقل أمنا.

جوردن براون رئيس وزراء بريطانيا من 2007 إلى 2010

عن ذي جارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

تهديدات ترامب تطال آبل وسامسونغ والاتحاد الأوروبي.. كيف انعكست على الأسواق؟

في خطوة جديدة تهدد بإشعال فتيل حرب تجارية شاملة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية صارمة تطال شركات تكنولوجية كبرى من بينها "آبل" و"سامسونغ"، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. وجاءت تصريحاته في إطار مساعيه لتعزيز سياسة "أمريكا أولًا"، ودفع الشركات لنقل أنشطتها التصنيعية إلى الأراضي الأمريكية.

وخلال مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض، قال ترامب إن التهديدات التي وجهها بشأن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% لا تقتصر على شركة آبل فحسب، بل تمتد لتشمل شركات أخرى مثل "سامسونغ للإلكترونيات"، مضيفًا: "سيكون الأمر أوسع من ذلك، سيشمل سامسونغ وأي شركة تصنّع هذا النوع من المنتجات خارج الولايات المتحدة، وإلا فلن يكون الأمر عادلاً".
YOU CAN’T MAKE THIS UP.

As soon as Trump trashed Apple for making phones overseas, his own iPhone started ringing and buzzing. Then he seemed to incorrectly swipe to answer it before clicking off, saying it was a congressman.

He turned red so fast I wonder who it really was. ???? pic.twitter.com/SFkODXOEqP — CALL TO ACTIVISM (@CalltoActivism) May 23, 2025
وأكد ترامب أن هذه الرسوم ستكون "مناسبة" وستُصبح جاهزة للتطبيق بحلول نهاية حزيران/يونيو الجاري، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل. 

وتزامنت هذه التصريحات مع منشور للرئيس الأمريكي على منصته "تروث سوشال"، هدّد فيه صراحة بفرض رسوم على شركة آبل إن لم تنقل إنتاج أجهزة "آيفون" من الهند إلى الولايات المتحدة.


آبل تتجه للهند... وترامب يرفض
ووفقًا لتقارير إعلامية، جاءت تهديدات ترامب عقب اجتماع عقده مع الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، في البيت الأبيض. 

وقال ترامب عن اللقاء: "أخبرني تيم أنه سيتجه إلى الهند لبناء مصانع، فقلت له: لا بأس بذلك، لكن لا يمكنك بيع منتجاتك في الولايات المتحدة دون دفع رسوم جمركية".


وقد أثرت هذه التصريحات على أسهم شركة آبل مباشرة، حيث هبطت بنسبة 3% في تداولات بورصة نيويورك، في إشارة إلى حالة القلق التي اجتاحت الأسواق إثر هذه التهديدات.

كشفت وكالة "رويترز" أن شركة آبل بصدد تحويل معظم إنتاجها المخصص للسوق الأمريكية إلى الهند خلال الربع الحالي، تجنبًا لتأثير الرسوم الجمركية التي فُرضت في السنوات الأخيرة على الصين. 

إلا أن هذه الخطوة لم تلق ترحيبًا من ترامب، الذي عبّر عن استيائه خلال زيارة له إلى الشرق الأوسط، قائلًا: "كانت لدي مشكلة صغيرة مع تيم كوك أمس، إنه يبني مصانع في الهند، لا أريدك أن تفعل ذلك".

وفيما تخطط آبل للاستثمار بنحو 500 مليار دولار داخل الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة، يتضمن ذلك إنشاء مصنع جديد للخوادم في هيوستن وأكاديمية للموردين في ميشيغان، يرى محللون أن هذه المبادرات لا ترقى إلى مستوى المطالب الرئاسية بإعادة كامل عمليات التصنيع إلى الداخل الأمريكي.


شبكة توريد عالمية تعرقل التصنيع بأمريكا
ويعود أحد أبرز أسباب عدم تصنيع "آبل" في الولايات المتحدة ٬هو اعتماد الشركة على شبكة توريد عالمية واسعة، تضم نحو 187 مورّدًا موزعين على 28 دولة، يعملون على تصنيع ما يقارب 2700 مكوّن مختلف يدخل في صناعة الجهاز.

ووفقًا لما كشفته مصادر مطلعة لصحيفة "فاينانشال تايمز"، تخطط "آبل" لنقل كامل عمليات إنتاج هواتف "آيفون" المخصصة للسوق الأمريكية إلى الهند بحلول عام 2026، في خطوة تعكس التحوّل المتزايد نحو تنويع سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على الصين. وتبيع الشركة أكثر من 220 مليون جهاز سنويًا حول العالم، يُخصص منها نحو 60 مليون جهاز للسوق الأمريكية وحدها.

ورغم الحجم الهائل للطلب الأمريكي، فإن نسبة التصنيع المحلي لمكونات "آيفون" لا تتجاوز 5%، وتشمل مكونات مثل الغلاف الزجاجي، وأجهزة الليزر المستخدمة في تقنية التعرف على الوجه (Face ID)، بالإضافة إلى بعض المودمات.

الهيمنة الصينية على الإنتاج
تُعد الصين القلب النابض لعملية تصنيع معظم مكونات "آيفون"، خصوصًا المكونات ذات الطابع التصنيعي الضخم. ومع ذلك، فإن الأجزاء عالية التقنية مثل الرقائق الدقيقة تُنتج في تايوان، بينما تُصنع بعض المكونات الرئيسية الأخرى في كوريا الجنوبية واليابان، ما يعكس الطابع المتعدد الجنسيات لعملية الإنتاج.

وتكشف تفاصيل تصنيع مكوّن واحد فقط، كالشاشة، عن التعقيد الهائل في سلاسل الإمداد: إذ يُنتج الزجاج الخاص بها في الولايات المتحدة، بينما تُصنّع الأجزاء المسؤولة عن الاستجابة للمس في كوريا الجنوبية، قبل أن تُركب نهائيًا في الصين.


 من الألمنيوم الصيني إلى البراغي الهندية
تتميّز هواتف "آيفون" بهيكل خارجي مصنوع من قطعة ألمنيوم واحدة، يتم تشكيلها باستخدام آلات متخصصة لا تتوفر سوى في الصين، ما يجعل من الصعب نقل هذه العملية إلى دول أخرى. أما البراغي الدقيقة التي تُستخدم في تثبيت أجزاء الجهاز، فغالبًا ما تُصنّع في مصانع تقع في بكين ونيودلهي.

وتجمع نحو 85% من شحنات "آيفون" العالمية في الصين، وتحديدا في منشأة "تشنغتشو"، التي تستأثر وحدها بنصف الإنتاج العالمي. أما النسبة المتبقية، فتُنتج في الهند، التي تسعى "آبل" إلى تعزيز دورها كمركز بديل لتجميع أجهزتها، في إطار سعيها لتقليل اعتمادها على بكين.


"موتورولا" نموذجا
سجلت محاولات سابقة لإنتاج الهواتف الذكية داخل الولايات المتحدة نتائج مخيبة، إذ أعلنت شركة "موتورولا" عام 2013 افتتاح مصنع لها في ولاية تكساس، إلا أنها اضطرت إلى إغلاقه خلال عام واحد فقط، بسبب ضعف المبيعات وارتفاع تكاليف الإنتاج.

سامسونغ في مهب التصعيد
وتعد شركة سامسونغ الكورية الجنوبية من أكبر الشركات التي تعتمد على سلاسل توريد آسيوية معقّدة، ولا تمتلك الولايات المتحدة حتى الآن بنية تحتية صناعية متكاملة تمكنها من تعويض تلك الشبكات بسهولة. 
BREAKING:

Samsung, because of Tariffs, will build Massive Facilities in the United Stateshttps://t.co/A92pbvn0JD pic.twitter.com/tWDnhqPUFK — MJTruthUltra (@MJTruthUltra) April 30, 2025
وقد امتنعت كل من سامسونغ وشركة "ألفابت"، المالكة لغوغل، عن التعليق على تصريحات ترامب، رغم أن نظام "أندرويد" التابع لغوغل يشغّل معظم أجهزة سامسونغ.

تهديدات لأوروبا: رسوم بنسبة 50% 
وفي تصعيد مواكب، أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، تدخل حيز التنفيذ في الأول من حزيران/يونيو القادم، واصفًا التكتل الأوروبي بأنه "أُنشئ لاستغلال الولايات المتحدة تجاريًا". 

وأضاف في منشور آخر على منصة "تروث": "من الصعب جدًا التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، مناقشاتنا معهم لا تفضي إلى أي نتيجة".

من جهته، صرّح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أن المقترحات التجارية الأوروبية "ليست كافية"، مضيفًا أن الرئيس ترامب يأمل في أن يؤدي التهديد بالرسوم إلى تحفيز التكتل الأوروبي في المفاوضات. 
وأشار إلى أن "العديد من شركاء الولايات المتحدة التجاريين يتفاوضون بنوايا حسنة، باستثناء الاتحاد الأوروبي".


بروكسل ترفض سياسة التهديد
وفي ردّ حازم على التصعيد الأمريكي الأخير، أكد المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، أن التكتل الأوروبي المكوّن من 27 دولة يظل ملتزماً بإبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة يستند إلى مبدأ "الاحترام المتبادل" لا "التهديدات".

وقال سيفكوفيتش، في بيان صحفي أعقب اتصالاً هاتفياً مع كل من الممثل التجاري الأمريكي جيميسون غرير٬ ووزير التجارة هوارد لوتنيك: "الاتحاد الأوروبي ملتزم تماماً بإبرام صفقة تجارية تحقق مصالح الطرفين". 

وأضاف: "العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فريدة من نوعها، ويجب أن تقوم على الاحترام المتبادل لا على سياسة الإملاءات والضغوط. نحن مستعدون تماماً للدفاع عن مصالحنا إن لزم الأمر".


شراكة تجارية ضخمة مهددة
ويُعد الاتحاد الأوروبي من أبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، إذ بلغت قيمة صادراته إلى السوق الأمريكية أكثر من 600 مليار دولار خلال العام الماضي، مقابل واردات من الولايات المتحدة تجاوزت 370 مليار دولار، بحسب بيانات رسمية صادرة عن الحكومة الأمريكية.

ورغم هذا التبادل الضخم، عبّر ترامب مراراً عن امتعاضه من الميزان التجاري المختل، متهماً الاتحاد الأوروبي – ولا سيما ألمانيا – بإغراق السوق الأمريكية بالسيارات، في مقابل أعداد محدودة من المركبات الأميركية التي تجد طريقها إلى الأسواق الأوروبية.

وتأثرت مؤشرات الأسهم الأوروبية بالتوترات التجارية، إذ سجلت تراجعاً خلال تعاملات منتصف اليوم، على خلفية التهديدات الأميركية. وشمل التراجع المؤشرات الرئيسية الثلاثة، من بينها مؤشر "فوتسي 100" في بورصة لندن، وسط قلق المستثمرين من تداعيات نزاع تجاري محتمل بين ضفتي الأطلسي.

اليورو يتراجع
انعكست التوترات التجارية على سوق العملات، حيث هبط اليورو بعد أن كان قد ارتفع بنحو 0.8% في وقت سابق من اليوم. 

وفي أحدث التداولات، سجل اليورو ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.45% إلى 1.1336 دولار. وتراجع الدولار أمام الين الياباني بنسبة 1% إلى 142.52 ين، مدفوعًا ببيانات قوية عن التضخم في اليابان، بينما هبط أمام الفرنك السويسري بنسبة 0.7% إلى 0.8225 فرنك.


صدمة في الأسواق العالمية
تسببت هذه التهديدات في حالة من الهلع في الأسواق العالمية، حيث سجلت مؤشرات الأسهم الأمريكية تراجعات ملحوظة عند افتتاح التداول أمس الجمعة. 

وانخفض مؤشر "داو جونز" الصناعي بنسبة 0.80%، في حين هبط "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 1.2%، وتراجع "ناسداك" بنسبة 1.60%، متأثرًا بالضغوط على شركات التكنولوجيا، وعلى رأسها آبل التي خسرت 2.5% من قيمتها السوقية.


خبراء يحذرون
يرى محللون اقتصاديون أن فرض رسوم جمركية على شركات كبرى مثل آبل وسامسونغ قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار المنتجات، مما ينعكس سلبًا على المستهلك الأمريكي.

وقال المحلل براندون نيسبل من شركة "كي بانك كابيتال ماركتس" إن الشركة قد تضطر إلى رفع أسعار هواتف آيفون، ما سيؤثر على هامش الربح الإجمالي في الأجل القريب.

وبحسب تقديرات "بلومبيرغ"، فإن تصنيع هواتف آيفون في الولايات المتحدة سيقلص هامش الربح لشركة آبل بنسبة تتراوح بين 3 و3.5 نقطة مئوية في السنة المالية 2026، فيما قد تصل تكلفة الجهاز الواحد إلى آلاف الدولارات إذا أُنتج محليًا.

مشروع قانون ضرائب ضخم
تزامنت التوترات التجارية مع أنباء عن مشروع قانون ضرائب جديد اقترحه ترامب، من شأنه أن يضيف تريليونات الدولارات إلى الدين العام الأمريكي. 
“THE ONE, BIG, BEAUTIFUL BILL” has PASSED the House of Representatives! This is arguably the most significant piece of Legislation that will ever be signed in the History of our Country! The Bill includes MASSIVE Tax CUTS, No Tax on Tips, No Tax on Overtime, Tax Deductions when… — Donald J. Trump (@realDonaldTrump) May 22, 2025
وقد وافق مجلس النواب على المشروع بفارق ضئيل، ليُحال لاحقًا إلى مجلس الشيوخ الذي من المتوقع أن يخضع فيه لمناقشات مطولة.

ويأتي ذلك في وقت خفضت فيه وكالة موديز تصنيفها للديون الأمريكية، ما أثار قلق المستثمرين حيال استدامة الوضع المالي للولايات المتحدة على المدى الطويل.

 مؤشرات على "ركود تضخمي"
أدت هذه التطورات إلى تراجع عوائد سندات الخزانة الأمريكية، لا سيما عائد السندات لأجل عامين، والذي انخفض بمقدار تسع نقاط أساس إلى 3.90%، وهو أدنى مستوى له منذ 9 أيار/مايو الجاري.

وتحدث راسل براونباك، مدير المحافظ في "بلاك روك"، عن مؤشرات لما وصفه بـ"ركود تضخمي" يجمع بين تباطؤ اقتصادي وتضخم مرتفع، مما يُقيّد خيارات البنك الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة.

وتجاوز عائد السندات لأجل 30 عامًا نظيره لأجل خمس سنوات بفارق نقطة مئوية كاملة هذا الأسبوع، وهو أوسع فارق يُسجل منذ أكثر من ثلاث سنوات، في ظل تصاعد القلق بشأن حجم الاقتراض الحكومي المستقبلي.


النفط يتراجع
لم تسلم أسواق الطاقة من تداعيات التصعيد التجاري، حيث تراجعت أسعار النفط بنسبة 1% أمس الجمعة، متجهة نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية منذ ثلاثة أسابيع. 

وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت إلى 63.80 دولارًا للبرميل، فيما بلغ سعر خام غرب تكساس الوسيط 60.56 دولارًا.

ويرجع هذا التراجع إلى مخاوف من ضعف الطلب العالمي على خلفية التوترات التجارية، بالإضافة إلى توقعات بأن يواصل تحالف "أوبك+" زيادة إنتاجه خلال تموز/يوليو القادم.

وتشير التقديرات إلى أن التحالف سيرفع الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميًا، مع احتمالية إلغاء باقي التخفيضات الطوعية بحلول تشرين الأول/أكتوبر القادم.

"أميركا أولًا" أمام اختبار اقتصادي صعب
وتكشف التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي عن توجه أكثر حدة في تطبيق سياسة "أميركا أولًا"، من خلال استخدام سلاح الرسوم الجمركية للضغط على كبرى الشركات والتكتلات الاقتصادية. 

إلا أن هذه الخطوات قد تأتي بنتائج عكسية، خاصة في ظل عدم جاهزية البنية التحتية الصناعية الأمريكية لتعويض القدرات التصنيعية المتطورة في آسيا وأوروبا.

وبينما يسعى ترامب لإعادة الصناعة الأمريكية إلى الداخل، تشير كل المؤشرات إلى أن المستهلك الأمريكي والأسواق العالمية قد يدفعون الثمن أولًا.

مقالات مشابهة

  • وُصفت بـ "الفظيعة".. الاتحاد الأوروبي يرد على هجوم ترامب
  • قرقاش: كلمة الرئيس الأمريكي في الرياض تعكس تحولاً في توجه الولايات المتحدة
  • ترامب يؤجل فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي حتى هذا التاريخ
  • ساعر: الولايات المتحدة أقرب حلفاء إسرائيل في العالم
  • تمديد الولايات المتحدة مهلة المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي يرفع أسعار النفط ويؤثر سلبا على “المعدن الأصفر”
  • تراجع أسعار الذهب بعد تأجيل الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية على واردات الاتحاد الأوروبي
  • الذهب يتراجع بعد تأجيل الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية على واردات الاتحاد الأوروبي
  • هل يمكن تصنيع آيفون في الولايات المتحدة الأمريكية؟.. خبراء يجيبون
  • زيلينسكي يندد بصمت الولايات المتحدة بعد الهجوم الروسي بالطائرات المسيرة والصواريخ
  • تهديدات ترامب تطال آبل وسامسونغ والاتحاد الأوروبي.. كيف انعكست على الأسواق؟