هل تجلب المسيرات السلام الى السودان؟
تاريخ النشر: 30th, April 2025 GMT
بقلم: حسن أبو زينب عمر
(1)
مع الظلام الدامس الذي ينيخ بكلكله على مدن السودان على مدار الأربعة والخمسة أيام ومع تزايد انين مرضى الكلى الذين توقفت أجهزة الغسيل المنقذة لحياتهم لانقطاع الكهرباء ومع عذابات الذين يتقلبون فوق الأسرة يكابدون النوم وسط الرطوبة الخانقة ومع توقف المستشفيات وتصدع دولاب العمل في الكثير من مرافق الخدمة بسبب الأعطال التي تشل الأجهزة الكهربائية ومع تزايد نبرة السخط وتعالى الاحتجاجات بعد نفاد الصبر تكون الرسالة (الخطأ) التي يسعى الكفيل وحامل الإقامة الذهبية ارسالها قد شبت عن النطفة وتجاوزت العلقة ودخلت طور المضغة وهي أجبار الزوجة (النشاز) للعودة الى بيت الطاعة صاغرة ذليلة مهانة بضغط جماهيري وبضغط دولي بإيقاف الحرب والجلوس الى طاولة تفاوض وصولا لتسوية يكون الدعم السريع جزء منها و(يرزقكم من حيث لا تعلمون).
(2)
البرهان وعد الجماهير الصابرة المحتسبة بأن الفعالية التخريبية والتدميرية لمسيرات آل دقلو ستكون خبرا لكان مع تسريبات تتحدث عن هبوط طائرة نقل ضخمة من طراز (انتيوف) حطت في مطار بورتسودان الأسبوع الماضي وفي جوفها شحنة ثقيلة من أجهزة متطورة من المسيرات المضادة .. أما الكفيل الاماراتي الذي تقول التقارير الصادرة منه وعلى استحياء انه يدافع عن مصالحه ومنها قطع شك ذهب جبل عامر ومشروع ميناء أبو عمامة (200 كيلومتر شمال بورتسودان ) يطالب علنا وبلغة كسيحة بإيقاف الحرب ولكنه يمارس بالفعل عكس ما يدعو له وهو تسخير امكانياته الضخمة حتى الرمق الأخير وتجييرها لصالح الدعم السريع ومده بآخر فنون تكنلوجيا التسليح مع إصرار يقف على رافعة مقدراته المالية باستكمال مخططه الى نهاياته مهما كانت التكاليف بعد أن أقنعه بأن هذا العالم غابة يأكل القوى فيها الضعيف وأن الكاش يقلل النقاش كما يقول الخواجات money talks and sometimes walks..أنه عالم واقعي مجرد من الأخلاق عديم المبادئ صفري القيم لا يؤمن بالمثاليات .
(3)
عالم براجماتي بوصلته فقط المصالح القومية national interests ولعل هذا يفسر الفظاعات غير المسبوقة التي ترتكبها الميلشيات دون أن يرف لها جفن ودون اعتبار لعواصف الاستنكارات التي جائت من أقرب أصدقائها ومن المتعاطفين معها عقب الأحداث الدامية. هذا يعني وبالعربي الفصيح ان السودان دخل الآن حلقة مفرغة من سباق تسلح سيكون تمويله من جيب محمد أحمد دافع الضرائب وسوف ينتهي باستنزاف يستهدف كل مقدرات السودان فالميلشيا التي لم يترك أفرادها ومنهم أعداد مقدرة من المرتزقة الأجانب اية موبقة منها التي تخطر على البال والتي لا تخطر على البال والا وارتكبوها سيستهدفون أي مرفق حيوي بما فيها المطارات والموانئ .
(4)
يؤكد هذا المنحى ركام من التجارب عاشها الوطن والمواطن على مدار حولين كاملين منذ اندلاع شرارة الحرب القذرة اللعينة في أبريل 2023 فتاريخ السودان ماضيه وحاضره لا يعرف قتلة يتلذذون بذبح مدنيين عزل لم يشهروا السلاح حتى للدفاع عن أنفسهم .. لا تعرف سجلات أعتى المجرمين قسوة ودناءة رجالا يتبادلون على اغتصاب نساء أمام أبنائهن وأزواجهن يمنعهن الخجل والحياء من الحديث مع الغريب الا بوجوه منكسة. لا يعرف تاريخنا لصوص لم يكتفوا بسرقة ماقل وزنه وثقلت قيمته بل انتزعوا الأبواب والنوافذ وحفروا عشرات الأمتار تحت الأرض لسرقة النحاس من كوابل الكهرباء.
(5)
من الطبيعي أن يذرف الكثيرون الدمع الهتون ويحتسبون ضياع البيوت (شقا العمر) والبنية التحتية التي تم تشييدها عبر عشرات السنين خلال فترة لا تتجاوز ال 24 شهرا بعد تعرضها لتدمير شامل بنوايا الغل والحسد والحقد فيها أكثر من النهب والسرقة ولكنها حرائق الحسرة والغضب التي اجتاحت النفوس بعد العبث بتراث ووثائق وتماثيل نادرة تاريخها ضارب في جذور الأرض تم تخريب بعضها وتهريب البعض الآخر وآخرها نيزك بوزن الطن كان مستقرا في المتحف القومي لا لسبب الا لطمس تاريخ وطن وإلغاء هوية أمة .. وهي حرائق لن تطفئها حتى مياه المحيطات.
(6)
يقولون ان المفاوضات وحدها وليست الحرب هي التي تصنع السلام وان اجترار المرارات ليست الا صبا لمزيد من الزيت على النيران المشتعلة ولكن تبقى النتيجة التي يخرج بها كل ذو بصر وبصيرة وهي أن ميليشيا الدعم السريع لم تترك حتى خط رجعة تصالح بها أهل السودان بل فتحت عليهم أبواب جهنم منذ فجر 15 أبريل 2023 وهي تستهدف الفلول والكيزان كما تزعم فهل سينتهي الوضع حتى عبر فرضية إحداث اختراق break through في جدار المستحيل بأسدال الستار على المشهد المأساوي على طريقة (عفا الله عما سلف) وهل ستنتهي الكارثة ب(التقادم) وكيف يسترد رصاص الموت الأعمى الذي انطلق يحصد الأروح البريئة وينتهي لمجازر بشرية غير مسبوقة .
(7)
بالطبع لا مجال هنا للمقارنة بين أسرة آل دقلو ومعاوني أدولف هتلر رغم الانتهاكات والجرائم المرتكبة المتماثلة هنا وهناك والتي تتوافق مع حرب الإبادة وتتعارض مع قوانين حقوق الانسان فالبرهان ليس بقوة وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني وقتها الذي رفض عرض رودلف هيس نائب هتلر الذي هرب الى بريطانيا لإبرام اتفاقية سلام من وراء الفوهرر وسلمه الى محكمة نورمبرج التي أصدرت بحقه السجن المؤبد كما ان حكومة السودان ليست بقوة دول الحلفاء التي أصدرت أحكاما متفاوتة بالسجن والاعدام ل 24 من قيادات الرايخ الثالث.
(8)
المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا تنظر حتى الآن وحتى اشعار آخر على ان الحرب هي حرب جنرالين وهو يكتفي تارة بإصدار عقوبات بتجميد حسابات شركات وشخصيات تابعة للدعم السريع والحكومة وتارة بالتجاهل التام كما أن نفس المجتمع الدولي ممثلا في مؤسساته الخيرية لم يلتزم سوى بفتات لا يتجاوز 10% من الاحتياجات الإنسانية المطلوبة .. قضية بالغة التعقيد مع ندرة الأوراق التي يمكن اللعب بها ولكن هناك علامة استفهام تحتاج الإجابة عليها الكثير من الحكمة والواقعية والشجاعة والإرادة أمام الأفق المسدود وهي أوليست هناك إمكانية لفتح نافذة مع دولة الشر للتباحث والتفاوض معها بأن مصالحها الاستثمارية مصانة وموجودة وان تحقيقها وجنى ثمارها دانية القطف مع حكومة موجودة على أرض الواقع ولها عضوية في كل المنظمات الدولية والإقليمية حتى لو كانت حكومة أمر واقع بدلا على الرهان على ميليشيا تائهة مدانة فقدت الأرض ولن تجد اعترافا من أحد الآن والى قيام الساعة ؟؟؟.
oabuzinap@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
في جيبي تذاكر السفر!
كان بعض الأدباء والمفكرين وحتى بعض الساسة كثيرا ما كانوا يعتبرون دعاة لسلام في الأرض، فمن خلال أعمالهم وإنتاجاتهم يحرصون على زراعة الأمل في الغد المشرق، يخبرون العالم بأن لا استقرار للنفس ولا هدوء ولا سكينة إلا بالسلام الداخلي والعالمي.
الكاتبة والأديبة اللبنانية سلوى دبوق تقول: الحق يقال إنّ الحرب تجسيد للكراهية وانتصار لثقافة الموت والنهب والإبادة الجماعية. الحرب تفاقم أيضا الفقر وتولد المجاعات والأوبئة. وبالإضافة إلى الأنقاض التي تحدثها، تترك جروحا مفتوحة لا تندمل في ذاكرة الشعوب وقلبها. أي إنسان عاقل يستطيع أن يرى في الحرب وصورها المشؤومة مظهرا من مظاهر الشر المطلق.
ومن الأدب إلى السياسة، تؤكد السياسية الأمريكية إليانور روزفلت: لا يكفي الحديث عن السلام. يجب على المرء أن يؤمن به ويعمل من أجله.
منذ أن وعينا على هذه الدنيا ونحن نسمع عن مؤتمرات السلام، والحديث عن قمم السلام، لكن أين هو السلام؟
من الواضح جليا رفض بعض المفكرين إرجاع مسالة اندلاع الحروب لإرادة بعض الشخصيات السياسية والعسكرية المهيمنة على صنع القرار. يرون أن هناك نوعا من الحتمية التاريخية في الحرب وأن حدوثها وكيفية تطورها يعودان إلى قوى تفوق قدرة الإنسان الذي قد يستطيع التحكم ببدايتها، لكنه يعجز عن توقع مجرياتها.
في ملحمة السلم والحرب، تأثرنا كثيرا بما قاله الأدباء والشعراء، فكلماتهم تتراقص كنغمات حزينة في قلوبنا، وهنا نستحضر ما قاله الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم: وعندما أُقتل في يوم من الأيام، سيعثر القاتل في جيبي على تذاكر السفر .. واحدة إلى السلام واحدة إلى الحقول والمطر واحدة إلى ضمائر البشر.. أرجوك أن لا تهمل التذاكر يا قاتلي العزيز، أرجوك أن تسافر.
نزاعات متلاحقة وقلق دائما، وأطماع لا تنتهي، وشعوب قلوبها ترجف من التهديدات المسلحة، في صفحات التاريخ هناك الكثير من الأسرار التي لا يعرفها إلا الساسة وصناع القرار، أما البسطاء فهم يعيشون مع الأمل المعقود بنهاية الحروب والدخول في بوابات السلام الدائم.
إنني مقتنع تمامًا بأن العلم والسلام ينتصران على الجهل والحرب، وأن الدول سوف تتحد على المدى الطويل ليس للتدمير بل للبناء، وأن المستقبل ملك لأولئك الذين فعلوا الكثير من أجل خير البشرية. - لويس باستور.
من أين يأتي السلام؟ وكيف؟ أسئلة كثيرة، وإجابات تبعد أميالا كثيرة عن الواقع، فالسلام مصطلح يحتاج إلى عمل وتفاهمات ومباحثات ونقاشات مستفيضة، وصمت يهز الأرض بعيدا عن صوت الفنادق والأسلحة المختلفة.
شعوب الأرض، تنشد السلام، لكن الغرباء يحاولون دائما كتابة التاريخ حسب ما يريدون، فالأطماع البشرية مستمرة على مدى التاريخ، وقد تكون هي التي تحرك الجيوش نحو الاقتتال من أجل السيطرة على أراضي الغير، والمبررات الزائفة تكتب بمداد الدم وأرواح الأبرياء.
هناك وجه آخر لمعنى السلام كما تراها الناشطة الحقوقية ريجوبيرتا مينشو حينما تقول: السلام ليس فقط غياب الحرب. ما دام هناك فقر وعنصرية وتمييز واستبعاد، فسيكون من الصعب علينا تحقيق عالم يسوده السلام.
في كل مؤتمر يعقد هنا وهناك من اجل صنع السلام، ينفض بدون أن يكون هناك في نهاية كلمات للسلام، بل هناك وعيد بأن لا سلام في أراضي السلام.
الناشطة الاجتماعية الأمريكية جين آدامز تقول: السلام الحقيقي لا يرتبط ببساطة بغياب الحروب، إنه يتعلق بوجود العدالة. أما مواطنتها الكاتبة أميليا إيرهارت فتقول: الشجاعة هي الثمن الذي تتقاضاه الحياة لمنح السلام.
وأخيرا نتفق مع كل الذين ذهبوا بالقول: إن الشعوب باختلاف أعراقها وانتماءاتها وأجناسها تجتمع على حمل الهموم في قلوبها، وأوجاع الوطن وخوف الشتات، ولنثق بأن العالم سيحكي يوما لبعضه البعض مرثيات لا تموت أبدا، وأن الظلم مهما طال أمده، لن يدفن النور في قلوبنا، وأن الزنبقة التي قتلت في حديث الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، ستزهر من جديد، وأن الجدائل المحترقة ستعود لتتحدى الرماد، وهكذا ستتوالى الأحداث في أجندة التاريخ.
أيضا نحن نشاطر الكاتبة اللبنانية سلوى دبوق في بحثها عن فلسفة الحرب ودورها في حياة الشعوب، فهذه الحرب التي يعرفها أحد رجال عالم السياسة على أنها صراع مسلح بين دول أو أمم عدة، هي حدث يصنع التاريخ ويغير وجه العالم، لكن في الوقت عينه تقضي على حياة الآلاف أو الملايين من البشر، ولطالما أبهرت الحروب أولئك الذين يعشقون الانقلابات ويرنون إلى المجد وعلى الجانب الآخر، تسبب النزاعات القلق لأولئك الذين يخشون دفع حياتهم وحياة عائلاتهم ثمنا لها.