دور ثورة 21 سبتمبر في تعزيز الوحدة اليمنية ورفض مشاريع التشطير والأقاليم
تاريخ النشر: 23rd, May 2025 GMT
يمانيون | تقرير
مثّلت ثورة 21 سبتمبر 2014، نقطة تحوّل سياسي حاسم في مسار اليمن المعاصر، حيث تبنّت خطابًا واضحًا يرفض مشاريع التقسيم التي طُرحت خلال المرحلة الانتقالية، وعلى رأسها مشروع الأقاليم الستة المنبثق عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل في عام 2014.
في هذا التقرير، نستعرض كيف أسهمت الثورة في تعزيز وحدة اليمن، ورفض مشاريع التشطير، وذلك من خلال رؤية السيد القائد عبد الملك الحوثي والخطاب السياسي لأنصار الله.
الثورة وتصحيح مسار الدولة اليمنية
أعلن السيد عبد الملك الحوثي في خطابه بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة أن “مشروع الأقاليم ليس سوى بوابة لتفتيت اليمن والسيطرة عليه عبر أدوات داخلية وأجندات خارجية” (قناة المسيرة، 2017). وأكد أن الثورة جاءت لتصحيح مسار الدولة اليمنية، لا للاستحواذ على السلطة، مشددًا على أن الوحدة الحقيقية لا تكون بالشعارات، بل ببناء دولة عادلة لجميع اليمنيين.
برنامج الرؤية الوطنية وموقف أنصار الله
انطلاقًا من مبادئ الثورة، تضمن “البرنامج التنفيذي للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة”، الصادر عن المكتب السياسي لأنصار الله، بنودًا تؤكد على الالتزام بالسيادة الوطنية والوحدة، ورفض أي صيغة حكم قد تؤدي إلى التمزيق أو التبعية.
وأشارت دراسة لمركز صنعاء للدراسات إلى أن أنصار الله تبنوا، منذ عام 2015، خطابًا سياسيًا يركز على مركزية الدولة ووحدة القرار السياسي، لا سيما في ظل تدخلات إقليمية دعمت توجهات انفصالية، خاصة في الجنوب.
مشروع الأقاليم والتشطير
خرج مؤتمر الحوار الوطني في عام 2014 بمقترح تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم كحل فيدرالي. إلا أن أنصار الله رفضوا المشروع، واعتبروه تفكيكًا مقنّعًا للدولة اليمنية، حيث يؤدي إلى حرمان بعض الأقاليم من الثروات والمنافذ البحرية.
وفي تأكيد لموقف أنصار الله، قال الناطق الرسمي محمد عبد السلام في مقابلة مع قناة الجزيرة:
“موقفنا من الوحدة ثابت ومبدئي ولا يمكن أن يتغير. نحن مع الوحدة ورفضنا مشروع الأقاليم ونرفض الشرذمة.”
وأضاف أن الشعب اليمني بكل مكوناته يرفض أي مسعى للتقسيم، وأن الوحدة اليمنية تمثل “خطًا أحمر لا يمكن المساس به”.
الثورة كمنطلق لبناء دولة موحدة
جاءت ثورة 21 سبتمبر لوضع حد لتدهور الدولة والانقسام السياسي، وسعت – بحسب بيانها الأول – إلى بناء دولة مدنية عادلة تقوم على الشراكة الوطنية، وترفض التبعية والإقصاء.
ونصّت وثيقة “الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة” على:
“إرساء دعائم دولة موحدة، قوية، مستقلة، ترفض مشاريع التشطير أو الإضعاف الداخلي بأي شكل من الأشكال.”
موقف الثورة من القضية الجنوبية
على الرغم من التوترات مع بعض القوى الجنوبية، لم تتخذ أنصار الله موقفًا عدائيًا من الجنوب. بل شدد السيد عبد الملك الحوثي، في خطاب له عام 2020، على أن:
“الحل العادل للقضية الجنوبية لا يكون بالانفصال، بل ببناء دولة عادلة تحتضن الجميع.”
ووصفت قناة الميادين هذا التوجه بأنه:
“نقلة في التعامل مع الجنوب من ملف أمني إلى أفق سياسي عادل ضمن يمن موحد.”
الثورة ومواجهة مشاريع الخارج
منذ بدء العدوان على اليمن في مارس 2015، قدم أنصار الله هذا العدوان كمشروع خارجي يهدف إلى تقسيم اليمن والسيطرة على موارده. وبيّن تقرير لمركز صنعاء للدراسات عام 2020 أن خطاب أنصار الله أصبح أكثر تمسكًا بوحدة الدولة في مواجهة مشاريع انفصالية برعاية خارجية.
خاتمة:
رغم الجدل الواسع الذي رافق ثورة 21 سبتمبر، فإنها تمثل حركة تصحيحية هدفت إلى إنقاذ اليمن من التمزق والانهيار، وتعزيز وحدته الداخلية عبر بناء دولة تقوم على الشراكة لا الإقصاء. إن رفض مشروع الأقاليم والدعوة إلى وحدة عادلة هما دليل واضح على أن هذه الثورة ترى في التشطير خطرًا وجوديًا يهدد كيان الدولة اليمنية.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: مشروع الأقالیم الدولة الیمنیة ثورة 21 سبتمبر أنصار الله
إقرأ أيضاً:
د. أحمد ماهر أبو رحيل يكتب: ثورة 30 يونيو وعوامل "الدولة الأمة"
تشير شواهد السنوات الماضية، التي تفككت خلالها العديد من الدول في الشرق الأوسط، بل وانهارت هذه الدول وأصبحت دويلات طبقًا للنزعة الدينية أو العرقية أو الإثنية أو الجهوية، إلى أن هناك أزمة حادة في طبيعة وتركيبة هذه الدول، كما أن هذه الدول تعاني من نقص شديد في عوامل وجود (الدولة ـــ الأمة).
وبداية يجب الإشارة إلى مفاهيم (الدولة - الأمة - الدولة الأمة):
حيث يشير مصطلح (الأمة) إلى جماعة بشرية تشترك في عناصر ثقافية أو لغوية أو دينية أو تاريخية، وقد لا تتطابق بالضرورة مع حدود الدولة، كما تشتمل على مجموعة من الخصائص منها اللغة المشتركة والانتماء الثقافي أو الديني أو العرقي، والهوية الجماعية المشتركة، أو الطموح المشترك، مثل الاستقلال أو الوحدة أو النهضة.
أما مصطلح (الدولة) فيشير إلى كيان سياسي يتمتع بالسيادة على إقليم جغرافي محدد، ويضم مجموعة من السكان الذين يخضعون لسلطة سياسية مركزية، وقد تطور مفهوم الدولة عبر العصور، من دول المدن القديمة إلى الدول المدنية الحديثة.
بينما يشير مصطلح (الدولة الأمة) إلى منطقة جغرافية تستمد شرعيتها السياسية من تمثيلها أمة أو قومية مستقلة وذات سيادة، وبينما الدولة هي كيان سياسي وجيوسياسي، والأمة هي كيان ثقافي وإثني، فإن مصطلح «الدولة الأمة» يفيد التقاء وتوافق السياسي والجيوسياسي مع الثقافي والإثني معًا، حيث تتطابق حدود الدولة مع حدود الأمة.
وبالنظر إلى واقع منطقة الشرق الأوسط، لا يزال خطر التفكك والانهيار يطال عددًا آخر من الدول التي يعد بعضها من "أقوى دول المنطقة" استنادًا لمعايير القوة المادية؛ حيث تعاني الدولة في منطقة الشرق الأوسط بوجه عام من أزمة تكامل قومي حادة نتجت عن عاملين أساسيين: أولهما، الطبيعة المصطنعة التي كرستها عمليات ترسيم الحدود عبر المنطقة منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر؛ وثانيهما، فشل مشروع تأسيس "الدولة - الأمة" (Nation state)، في ظل الطبيعة الإقصائية التي ميزت دولة ما بعد الاستقلال عبر المنطقة.
والحقيقة أن هذين السببين هما نتيجة اتفاقية "سايكس بيكو"، حيث وقعت اتفاقية سايكس بيكو السرية بين فرنسا وبريطانيا على اقتسام تركة "الدولة العثمانية" على الأراضي العربية الواقعة شرقي المتوسط عام 1916م، ولم يعرف العرب شيئًا عن الاتفاقية إلى أن نشرت الحكومة البلشفية في روسيا نصوصها أواخر عام 1917م، حيث رسمت الاتفاقية "خطًّا في الرمال"، هذا الخط قسم الشرق الأوسط على خرائط وقسّم معه النسيج القبلي والعشائري والانتماءات الدينية.
وبالتمحيص والتدقيق في حالة (مصر)، نجد أنها كانت استثناءً من تلك الطبيعة المصطنعة للدولة في الشرق الأوسط، حيث توافر لمصر من عوامل التكامل القومي والمجتمعي ما تطور طبيعيًا عبر التاريخ، مما أتاح لها أن تكون نموذج "الدولة الأمة" الوحيد عبر هذه المنطقة.
حيث إن المخزون التاريخي لـ("الدولة – الأمة") في مصر لا يزال قويًا وحاكمًا للأسباب الآتية:
أولًا: نموذج تنموي مشترك وواحد وهو "الزراعة تاريخيًّا":حيث نشأ المجتمع المصري، عبر هجرات بشرية متتالية ومتنوعة، مرتبطًا بنهر النيل الذي وفر مورد الحياة الرئيسي طوال قرون طويلة وممتدة، لهذه المجموعات البشرية كافة.
ثانيًا: مصلحة مشتركة:تنظيم مياه النهر وإدارتها مصلحة يشترك فيها من أقام على ضفتيه، والذين امتهن أغلبهم النشاط الزراعي تاريخًا ممتدًّا، حيث لم يكن ممكنًا لأي جماعة أن تنعزل عن مسؤوليات التنظيم والإدارة.
ثالثًا: ثقافة مشتركة:اكتسب الجميع مع الوقت قيمًا وانتماءات مشتركة تجاوزت أي تباينات، هكذا نشأ في مصر مجتمع ذو طبيعة تعددية، لكنها تعددية انتظمت في لحمة وطنية واحدة، أسستها عبر تفاعل تاريخي هو الأطول في التاريخ الإنساني، هو حتمية التعايش المشترك، بالإضافة إلى عدم وجود تعدد ديني، كما توجد لغة واحدة عربية مشتركة، بالإضافة إلى جنس بشري واحد.
وهذه العوامل السابقة التي تم الإشارة إليها تؤكد على استمرار فاعلية قيم "الدولة الأمة" وحيويتها في مصر، كما تشير إلى قدرة المجتمع المصري قبل الدولة المصرية على مواجهة الإرهاب والتطرف، ونبذ العنف، والدعوة إلى التعايش السلمي، ونشر الخير والرخاء؛ وهذا اتضح جليًّا في ثورة الثلاثين من يونيو 2013م، حيث رفض المجتمع المصري الحكم الفاشي لجماعة الإخوان، التي تستند إلى أسس دينية شكلية، والدين بريء منهم ومن أفعالهم، حيث واجه المجتمع المصري محاولات اختراق عديدة لتركيبته منذ منتصف سبعينات القرن العشرين ونهاية الثمانينيات والتسعينيات، وانتهاءً بأحداث ثورة الثلاثين من يونيو 2013م، حيث شهدت مصر خلالها موجة عنيفة من الإرهاب والتطرف، ومحاولة تقسيم المجتمع المصري على أساس ديني، حيث تُعد هذه المرحلة من أخطر المراحل التي مرت على تاريخ مصر، حيث كادت الدولة أن تتحول إلى ساحة للحرب والقتال، وشهد المجتمع محاولات للتقسيم والانتماءات الدينية والعرقية والجهوية والقبلية، وانقسم المجتمع المصري على نفسه إلى فريق مؤيد للدولة وفريق معارض، إلا أنه بفضل الله أولًا، ثم بفضل المؤسسات الوطنية للدولة، وبفضل طبيعة وتركيبة المجتمع المصري، تم تجاوز هذه المرحلة من تاريخ البلاد، وتم استرجاع الدولة المصرية إلى الأمة المصرية.
وفي النهاية، يجب الانتباه إلى أن الجزء الأكبر من عوامل وجود "الدولة الأمة" في مصر، التي أسست لوجودها وتكاملها، بدأت تتعرض للهجوم الشديد والتآكل بفعل تطورات التكنولوجيا والعولمة من جانب، وعدم وجود نموذج تنموي شامل يستفيد منه جميع الفئات في المجتمع دون تمييز من جانب آخر، وهو ما دعا القيادة السياسية إلى تبني مفهوم "الجمهورية الجديدة" لكي تكون نموذجًا تنمويًّا شاملًا يستفيد منه الجميع، ورفع شعار "مصر للجميع دون تمييز".
حفظ الله مصر. حفظ الله "الدولة الأمة".