يصف الاحتلال الإسرائيلي الجاسوس إيلي كوهين، الذي عُرف في سوريا باسم كامل أمين ثابت خلال السنوات الأولى من فترة الستينيات، بأنه "أسطورة وأعظم عميل استخبارات في تاريخ إسرائيل"، بينما تعمل القيادة السياسية حتى الوقت الحالي من أجل استعادة رفاته ومتعلقاته الشخصية.

وخلال الفترة الماضية، وفي أعقاب زيارة خليجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التقى خلالها بالرئيس السوري أحمد الشرع، جرى تسليم وثائق ومتعلقات الجاسوس كوهين إلى "إسرائيل" بهدف "تخفيف التوتر وإظهار حسن النوايا لترامب"، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز".



وأُعلن في أيار/ مايو 2025 عن استعادة آلاف الوثائق والصور والمقتنيات الشخصية التي وُصفت بأنها "جزء من الأرشيف السوري الرسمي" المتعلق بعميل الموساد كوهين، الذي نفذ عمليات استخبارية في سوريا، قبل أن يُكتشف أمره ويُعدم في دمشق عام 1965.

واعتبر مكتب نتنياهو أن كوهين "أسطورة، مع مرور الزمن ها هو يظهر كأعظم عميل في تاريخ الدولة"، واستعادة الأرشيف الخاص به يعكس "التزام إسرائيل الثابت بإعادة جميع مفقودينا وأسرانا ورهائننا".

وجاء هذا الكشف عن تسليم الأرشيف السوري في الذكرى الـ60 لإعدام كوهين، الذي تم في أيار/ مايو 1965.

"أسطورة كوهين"
في مسلسل "الجاسوس - The Spy" على منصة نتفليكس، تم تقديم شخصية إيلي كوهين كجاسوس إسرائيلي بارع، استطاع التغلغل في أوساط النخبة السياسية والعسكرية السورية في الستينيات، متقمصًا هوية رجل أعمال سوري يُدعى كمال أمين ثابت.

ويبدأ المسلسل بإظهار كوهين كموظف بسيط في تل أبيب، ثم يتلقى تدريبات مكثفة من الموساد، ليصبح جاسوسًا يتمتع بكاريزما عالية وقدرة على بناء علاقات وثيقة مع كبار المسؤولين السوريين، مما مكّنه من جمع معلومات استخباراتية حيوية.



استخدم المخرج جدعون راف تقنيات تصوير متباينة، حيث تم تصوير مشاهد سوريا بألوان زاهية تعكس الحيوية، بينما ظهرت مشاهد "إسرائيل" بألوان باهتة، مما يعكس التباين بين حياة كوهين السرية وحياته الحقيقية.


وينتهي المسلسل بمشهد يُظهر القبض على كوهين وتعذيبه وإعدامه في دمشق عام 1965، مما يُسلّط الضوء على التضحيات التي قدمها في سبيل خدمة بلاده.

واختار المسلسل أن يُرجِع سبب كشف غطاء الجاسوس الإسرائيلي إلى "حرصه الشديد" على إيصال معلومات حساسة وعاجلة للقيادة الإسرائيلية، رغم معرفته أن البث اللاسلكي الذي يستخدمه بات مراقبًا، وأن معرفة مكان المُرسِل الدقيق أصبحت مسألة وقت فقط.

ويُذكر أن الرواية الإسرائيلية الرسمية نفسها، التي وردت على لسان قادة الموساد في ذلك الوقت، تؤكد أن كشف أمر كوهين كان بسبب استهتاره وعدم اهتمامه بأبسط احتياطات الأمان المُوصى بها، ظنًا منه أنه فوق كل الشبهات.

الرواية الإسرائيلية
رغم أن الرواية الرسمية الإسرائيلية تُصوّر كوهين كبطل خارق في عالم الجاسوسية، أكدت شهادات ومصادر إسرائيلية عدم صحة ذلك، وكشفت مجموعة من الأخطاء القاتلة التي ارتكبها "كامل" وأدت إلى كشفه واعتقاله.

وبحسب تقرير لـ"القناة 12" الإسرائيلية، نقلًا عن تصريحات مائير عميت، وهو رئيس الموساد في فترة كوهين، فإنه بدأ في الظهور بشكل متكرر مع كبار المسؤولين في حزب البعث، حتى أصبح ملفتًا للنظر ومثيرًا للشك، خاصة في أوساط رجال الأعمال الذين رأوا تصرفاته لا تليق برجل أعمال حقيقي.

وذكر التقرير أن هذا التباهي والظهور العلني أضعف غطاءه الأمني بشكل واضح، وظهر ذلك من خلال دعوته لكبار المسؤولين إلى شقته بشكل متكرر.

ورغم نفي بعض المزاعم عن الحفلات الصاخبة في شقة كامل أمين ثابت، فإن دعوة الشخصيات الرفيعة إلى منزله أثار شبهات أمنية حول طبيعة علاقاته ودوره الحقيقي.

وذكر التقرير أنه حين قرع أحدهم جرس باب "رجلنا في دمشق"، وهي التسمية الرمزية لكوهين في سوريا، كان ذلك أثناء بثه تقريرًا عبر جهاز اللاسلكي، وحينها ارتبك وسقط الجهاز وتعطّل، ما قد يكون قد خلّف إشارات تقنية كشفت موقعه لاحقًا.

وأوضح التقرير أن موظفًا في السفارة الهندية شكّك في وجود تشويش متكرر في موجات البث، وأبلغ السلطات السورية، مما دفعهم لفتح تحقيق، ولاحقًا تم ربط هذا التشويش بأنشطة كوهين، وكانت هذه المعلومة أحد المفاتيح الأخيرة لكشفه.


وسلّط التقرير الضوء أيضًا على حادثة سابقة، عندما نصح كوهين اثنين من أصدقائه بالسفر عبر طريق معين في أوروبا، وعند وصولهما إلى قرية فرنسية تعرّضا لإطلاق نار من مصدر عسكري مجهول، ما دفع أحدهما لاتهام كوهين بشكل مباشر بأنه كان خلف العملية، ما زاد الشكوك حوله.

وأكد التقرير أن كوهين تلقّى تحذيرات من أصدقاء مقربين حول سلوكه العلني وصلاته الواضحة بالحزب الحاكم، لكنه لم يغير من نمطه التصاعدي في الظهور، مما عجّل في كشفه.

وأوضح أنه "بعد مراقبة الشقة، وجدت المخابرات السورية، بدعم روسي، معدات تجسس تشمل عبوات ناسفة، سيانيد، ولاسلكي مُخبّأ، ما قد يشير إلى ضعف في تأمين أدواته أو الاستهتار بإخفائها".
وذكر أنه "عند إجباره على بث تقرير من الإذاعة بعد القبض عليه، استخدم شيفرة تشير إلى وقوعه في الأسر (بقراءة جملة غنائية بطريقة صحيحة)، لكن هذا التحذير لم يُنقذه أو يؤثر في مسار الأحداث، ما يدل على خلل في منظومة الطوارئ أو عدم الجهوزية لدى جهاز الموساد أيضًا".

أمين الحافظ
وبحسب الرواية الإسرائيلية، يُصوَّر إيلي كوهين على أنه كان قاب قوسين أو أدنى من تولّي منصب رفيع في الحكومة السورية، وأنه حظي بعلاقة مباشرة مع شخصيات هامة، منها الرئيس في ذلك الوقت أمين الحافظ، والضابط البارز في وقتها حافظ الأسد.

ويُروّج الاحتلال لكوهين على أنه جرى ترشيحه لمنصب نائب وزير الدفاع، أو كمستشار مقرب من الرئيس للشؤون الأمنية، وكان يتم تقديمه في الدوائر العليا كشخصية قومية ذات نفوذ مالي وفكري واسع.
وأكدت "إسرائيل" أن أمين الحافظ، الذي تولى الحكم في سوريا من 1963 حتى 1966، ثم جرى نفيه، كان يُعدّ من أقرب الشخصيات لكوهين، وكان يرى فيه وطنيًا ثريًا وصادقًا يدعم الحكم البعثي.

وتشير الروايات إلى أن كوهين تردد على منزل الحافظ أكثر من مرة، وشارك في نقاشات شبه رسمية حول الاقتصاد والأمن، ما عزّز من صورته كمستشار موثوق.

وبحسب ما ورد في بعض تقارير الموساد، كان الحافظ يضغط داخل الحكومة لتعيين كوهين في موقع حساس، ربما كمستشار اقتصادي أو حتى كنائب وزير، نظرًا لعلاقاته الخارجية المفترضة وثروته.
وتُروّج الرواية الإسرائيلية أيضًا أن كوهين كان قد التقى حافظ الأسد، الذي كان ضابطًا صاعدًا في سلاح الجو وعضوًا مؤثرًا في حزب البعث، في مناسبات غير رسمية، وقد وُصف اللقاء بينهما بـ"الودي".


ورغم أن العلاقة لم تكن "وثيقة" كعلاقته بالحافظ، فإن الموساد قدّر أن الأسد يعرف كوهين جيدًا ويثق به، خاصة بعد أن رآه وسط دائرة ضباط بعثيين كبار.

وفي شهادته ضمن برنامج "شاهد على العصر" على قناة "الجزيرة"، نفى أمين الحافظ بشكل قاطع أي علاقة شخصية أو رسمية له بالجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، أو حتى "كامل أمين ثابت".

وأكد الحافظ أن كوهين دخل سوريا في أوائل عام 1962، بينما كان هو قد غادرها إلى الأرجنتين في نهاية عام 1961، مما ينفي المزاعم الإسرائيلية التي تدّعي أنه التقى بكوهين هناك وسهّل له الوصول إلى دوائر السلطة في دمشق.



وأوضح الحافظ أن كوهين لم يتمكن من اختراق القيادة السورية على النحو الذي تُروّج له الروايات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن علاقاته كانت محدودة ببعض الضباط، وأنه تم القبض عليه متلبسًا بإرسال رسائل لاسلكية إلى "إسرائيل".

وأشار إلى أن كوهين اعترف بجميع أنشطته التجسسية دون تعرضه لأي تعذيب، وتمت محاكمته وإعدامه شنقًا في ساحة المرجة بدمشق في 18 أيار/ مايو 1965.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الإسرائيلي إيلي كوهين سوريا الموساد دمشق سوريا إسرائيل دمشق الموساد إيلي كوهين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الروایة الإسرائیلیة إیلی کوهین التقریر أن أمین ثابت فی سوریا أن کوهین فی دمشق

إقرأ أيضاً:

6 مقتنيات لـ إيلي كوهين تعود لإسرائيل بعد 60 عاما.. روان أبو العينين توضح

قالت الإعلامية روان أبو العينين إن عالَمِ الجَواسيسِ قصص لا تَنتهي عادةً إلا بِمَشهَدِ الإِعْدامِ أَوِ الهُروبِ، حتّى بَعدَ مُرورِ عُقودٍ، مستشهدة بإِيلي كوهين، الجاسوسُ الإِسْرائيليُّ الَّذي تَسَلَّلَ إلى هَرَمِ السُّلْطةِ السُّورِيَّةِ في السِّتِّينِيّاتِ، وأُعْدِمَ في ساحةِ المَرجَةِ بِدِمَشقَ عامَ 1965، والذي عادت قصته اليَومَ إلى الواجِهَةِ مِن خِلالِ الأَرْشيفِ السُّورِيِّ.

وأضافت خلال برنامج حقائق وأسرار المذاع على قناة صدى البلد أن مَكْتَبُ رَئيسِ الوُزَراءِ الإِسْرائيليِّ بَنيامين نِتَنْياهو كشف عَن نَجاحِ جِهازِ “الموسادِ” في تَنفيذِ عَمَلِيَّةٍ سِرِّيَّةٍ مُعقَّدَةٍ داخِلَ الأَراضي السُّورِيَّةِ، تَمكَّنَ خِلالَها مِن استِعادةِ أَكثَرَ مِن 2500 وَثيقَةٍ وصُورَةٍ، إلى جانِبِ مُقتَنَياتٍ شَخصِيَّةٍ تَعودُ إلى كوهين، ومِن بَينِ ما تَمَّ استِرْدادُهُ: مَفاتيحُ شَقَّتِهِ، جَوازاتُ سَفَرٍ مُزَوَّرَةٌ، صُوَرٌ جَمَعَتْهُ بِكِبارِ المَسؤولينَ السُّورِيِّينَ، رَسائلُ مَكْتوبَةٌ بِخَطِّ يَدِهِ، دَفاتِرُ مُلاحَظاتٍ، وحتّى وَصِيَّتُهُ الأَخيرةُ.

وَتابعت روان أبو العينين: صنفَ مُديرُ “الموسادِ” هذِه العَمَلِيَّةَ بِأَنَّها خُطوَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ في مَسارِ تَحديدِ مَكانِ دَفنِهِ — وهُوَ المِلَفُّ الَّذي تُطالِبُ بِهِ إِسْرائيلُ مُنذُ عُقودٍ. ورَغمَ عَدَمِ الكَشْفِ عَن تَفاصيلِ العَمَلِيَّةِ أَوِ الجِهاتِ الَّتي ساعَدَتْ فيها، فَإِنَّ وَسائِلَ إِعلامٍ إِسْرائيليَّةً أَفادَتْ بِأَنَّ هذِهِ المَوادَّ كانَت مَحفوظَةً لَدَى الأَجهِزَةِ الأَمْنِيَّةِ السُّورِيَّةِ لأَكثَرَ مِن 50 عامًا.

وتابعت روان أبو العينين: في سِياقٍ مُوازٍ، أَعلَنَت إِسْرائيلُ عن استِعادةِ رُفاتِ أَحَدِ جُنودِها الَّذينَ قُتِلوا في مَعْرَكَةِ السُّلطانِ يَعقوبَ عامَ 1982، حَيثُ عُثِرَ عَلَيْهِ في العُمقِ السُّورِيِّ، أَيضًا دونَ تَنسيقٍ مَع السُّلطاتِ الرَّسميَّةِ في دِمَشقَ.

واختتمت قائلة: عَمَلِيَّتانِ في تَوقيتٍ واحِدٍ، تَحمِلانِ دَلالاتٍ سِياسِيَّةً واِسْتِخْباراتِيَّةً بالِغَةً، وتُثيرانِ تَساؤُلاتٍ حَولَ حَجْمِ الاِختِراقِ الإِسْرائيليِّ في مُؤَسَّساتٍ أَمنِيَّةٍ سُورِيَّةٍ طالَما اعتُبِرَت مُغْلَقَةً ومُحْكَمَةً، داخِلَ دَولَةٍ لا تَزالُ تُعانِي مِن تَبِعاتِ الحَربِ والتَّفَكُّكِ الدّاخِلِيِّ.

مقالات مشابهة

  • إعدام متورطين في سرقة المساعدات بغزة
  • إعدام عدد من المتورطين بسرقة المساعدات في غزة
  • إخفاق أمني جديد.. الاحتلال يحقق في فشل استخباراتي بعد هجوم واشنطن
  • 6 مقتنيات لـ إيلي كوهين تعود لإسرائيل بعد 60 عاما.. روان أبو العينين توضح
  • مقتنيات الجاسوس كوهين تفضح الشرع، وتكشف كذب الأنظمة العربية
  • من كشف إيلي كوهين.. .؟ قراءة تحليلية في وثائق الماضي وثرثرة الحاضر
  • تساؤلات بشأن استعادة الموساد ملف الجاسوس كوهين
  • تقرير: أرشيف الجاسوس إيلي كوهين هدية الشرع لإسرائيل ودمشق تسلم رفاته قريبا
  • دمشق توضح طبيعة اللقاء الذي تم في إدلب بين الشرع والسفير السابق روبرت فورد عام 2023