إسماعيل بن شهاب البلوشي

في محطات سابقة من تاريخ النهضة العُمانية، كانت فكرة تخصيص أعوام وطنية تحت مُسميات مثل "عام الصناعة"، "عام الشباب"، و"عام الحرفيات" خطوة طموحة تعكس التوجه نحو تنويع مصادر التنمية وبناء الإنسان العُماني. لكنها، وبالرغم من النوايا الطيبة، اتخذت طابعًا احتفاليًا وإعلاميًا أكثر من كونها نقطة انطلاق لمسار مستدام من الإنتاج والتطوير.

اليوم، ومع تسارع التحديات الاقتصادية وارتفاع مطالب الشباب الباحث عن فرص العمل والإبداع، آن الأوان لنفكر خارج الأطر التقليدية. لماذا لا نُعيد تجربة هذه الأعوام، ولكن هذه المرة لا على هيئة شعارات، بل كساحات تنافسية بين الولايات والمحافظات، يتحول فيها كل عام إلى مختبر وطني للإبداع والتنمية والتوظيف الذكي؟

الاقتراح: أعوام إنتاجية تنافسية

تقوم الفكرة على تخصيص كل عام لقطاع حيوي (مثل: عام التصنيع المحلي، عام الأمن الغذائي، عام التقنيات البيئية، عام الابتكار الحرفي…)، وتُدعى فيه كل ولاية لتشكيل فريق عمل متخصص من الشباب ورواد الأعمال والمهنيين المحليين، يتعاونون سرا لعدة أشهر على بلورة مشروع حقيقي وملموس يُعرض لاحقًا في معرض وطني كبير، وتُمنح فيه جوائز للولايات الأكثر إبداعا واستدامة بل وتنفيذه على أرض الواقع لاستحقاق جائزة سلطانية مستحقة.

أما آلية التنفيذ المقترحة، فنوضحها كما يلي:

1- تشكيل لجنة وطنية للإشراف على المشروع السنوي، تضم خبراء من مختلف القطاعات (الاقتصاد، التعليم، البيئة، الحرف، الاستثمار…).

2- تخصيص ميزانية سنوية واضحة، توزّع على الولايات بالتساوي كبداية لرأس المال التشغيلي.

3- تحديد معايير التحكيم مسبقًا، تشمل: عدد الوظائف المستحدثة، استدامة الفكرة، جدواها الاقتصادية، قابليتها للتوسع، ومدى ارتباطها بالهوية المحلية.

4- مرحلة التحضير والتنفيذ بسرية لمدة 6 أشهر، تتبعها مرحلة التقييم والعرض الجماهيري والمعرض السنوي.

5- تكريم الولايات الفائزة، ليس فقط بجوائز رمزية، بل بمنح إضافية لتنفيذ مشاريعها على نطاق أوسع.

ومثل هذه المبادرة لن تقتصر فوائدها على الإبداع المحلي، بل ستكون جسرا لتحقيق أهداف استراتيجية أعمق، منها:

تنشيط الاقتصاد المحلي: عبر تحويل الأفكار إلى مُنتجات وخدمات قابلة للتسويق داخليا وخارجيا. توظيف الطاقات الشابة: بتوفير مساحات فعلية للعمل والإنتاج ضمن فرق ومبادرات مجتمعية تنافسية. تعزيز الانتماء للولاية والمكان: لأنَّ الشاب سيُسهم في مشروع حقيقي يحمل بصمة منطقته. تسويق الولايات كوجهات للفرص: مما يخلق ديناميكيات تنموية جديدة تتجاوز المفهوم الإداري المركزي.

إنَّ كثيرًا من المبادرات الوطنية- رغم صدق أهدافها- لم يُكتب لها النجاح؛ لأنها جاءت على شكل مشاريع مركزية تطبّق من الأعلى إلى الأسفل. أما هذه المبادرة المُقترحة، فتعتمد على قاعدة "التوزيع العادل للفرص" عبر تمكين كل ولاية من رسم تجربتها الخاصة، وفق قدراتها ومواردها وهويتها. وهذا هو جوهر العدالة التنموية الحديثة: أن نمنح الجميع ذات الفرصة، ونترك المجال للتنافس الشريف في كيفية استثمارها.

ختامًا.. ليس المطلوب أن نكرر تجارب الماضي، بل أن نتجاوزها. نُريد أن ننتقل من فكرة "الاحتفال بالعام" إلى "إنتاج العام". لا نريد أن يُختزل عام الصناعة في ملصقات ومنتديات، بل أن يُرى في مشروع ناجح في مرباط، أو مصنع منزلي في عبري، أو تقنية زراعية مطورة في خصب.

هذه ليست دعوة رومانسية، بل خطة عملية، وقابلة للتنفيذ، تستند إلى فطرة العُماني القادرة على الإبداع حين تمنح الثقة والمسؤولية. فلنُطلق سباق الأفكار، ولنجعل كل ولاية صفحة جديدة في كتاب التاريخ العُماني المُشرق.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي تطلق نداءً لبناء منظومة اقتصادية إسلامية تنافسية

انطلقت اليوم الجمعة في مدينة إسطنبول أعمال القمة العالمية الثانية للاقتصاد الإسلامي، التي ينظمها منتدى البركة، بمشاركة واسعة من صنّاع القرار، والمفكرين، والخبراء الاقتصاديين من مختلف أنحاء العالم. وتستمر القمة، التي تُعد من أبرز الملتقيات العالمية المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي، حتى يوم الأحد المقبل.

الحدث الذي حضره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتزامن مع تصاعد النقاش العالمي حول بدائل اقتصادية أكثر عدالة واستدامة، ويهدف إلى إبراز نموذج الاقتصاد الإسلامي كمنظومة مالية متكاملة، قادرة على تقديم حلول حقيقية لتحديات التنمية، والاستقرار المالي، وتوسيع الشراكات الدولية.

وقد شددت الكلمات الافتتاحية على أهمية تطوير بيئات تنظيمية حديثة تتيح تفعيل أدوات التمويل الإسلامي مثل الوقف، الزكاة، التكافل والصكوك، وتوسيع استخدامها في مشاريع التنمية المستدامة.

وفي كلمته بالجلسة الافتتاحية لأعمال القمة، أكد رئيس مجلس أمناء منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، عبد الله صالح كامل، أنّ العواصم الكبرى في العالم العربي والإسلامي تشهد حراكًا تنمويًا لافتًا، يعكس تطورًا مؤسسيًا واستعدادًا حقيقيًا للمساهمة في صياغة مستقبل الاقتصاد العالمي، من خلال نموذج يجمع بين القيم والكفاءة.
وأشار كامل إلى أن ما تشهده العديد من البلدان العربية من تحولات اقتصادية، يعكس جاهزية عواصم العالم الإسلامي لتبنّي نموذجٍ اقتصاديٍ عصريٍ يرتكز على مبادئ ثابتة، ويقدم حلولًا حقيقية لتحديات التنمية والاستقرار المالي.
وأكد كامل أن الاقتصاد الإسلامي ليس بديلًا نظريًا، بل منظومة مالية متكاملة أثبتت جدواها في ميادين التمويل والاستثمار؛ من خلال أدوات مثل الوقف، الزكاة، التكافل، والصكوك، التي يمكن تفعيلها ضمن بيئات تنظيمية حديثة ومسؤولة، وأضاف أن العالم الإسلامي يملك من الثروات البشرية والموارد الطبيعية والأسس الفكرية ما يؤهله لبناء نموذج اقتصادي تنافسي، مشددًا على أن المرحلة المقبلة تتطلب توسيع الشراكات بين الدول والمؤسسات والمجتمعات، وتحويل التجارب الناجحة إلى منظومات قابلة للنمو والانتشار على المستوى الدولي.

ويُعد منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، المنظم لهذه القمة، منصة بحثية مستقلة تأسست أولى ندواته في المدينة المنورة عام 1981، ويواصل منذ ذلك الحين عقد لقاءات سنوية لتطوير الفكر الاقتصادي الإسلامي، وتعزيز مكانته في النظام المالي العالمي.

مقالات مشابهة

  • بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس عيد العائلة المقدسة والمناولة الاحتفالية بالمطرية
  • ورشة عمل لزراعة حمص حول تكامل العملية الإنتاجية وتخفيف دور الوسيط
  • العودات: الشباب عنوان التحديث السياسي وركيزة للعمل الحزبي المستدام
  • مدبولي: مشروع جريان نقلة نوعية في مستقبل المدن الذكية صديقة البيئة
  • الرئيس السيسي يتابع خطوات تعزيز تنافسية الاقتصاد المصري وزيادة الاستثمارات الأجنبية
  • الرئيس السيسي يطلع على الخطوات التنفيذية لتعزيز تنافسية الاقتصاد وزيادة الاستثمارات
  • استعدادات ضخمة لعيد الأضحى.. وفرة في المعروض وأسعار تنافسية للمواطنين
  • القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي تطلق نداءً لبناء منظومة اقتصادية إسلامية تنافسية
  • دراج ألمانيا يريد العودة إلى السباقات رغم الإصابة الخطيرة