إبراهيم شقلاوي يكتب: السودان.. معادلات الأمن والنفوذ
تاريخ النشر: 5th, June 2025 GMT
من واقع التحولات التي يشهدها السودان، ومع تراجع وتيرة الحرب ، تزايدت المؤشرات على أن مسار إعادة تشكيل الدولة بدأ يُدار بتوازنات ذكية، وبأن غرف العمليات السودانية باتت تمسك أكثر من أي وقت مضى بخيوط مستقبل البلاد. في هذا السياق، برزت تحركات غير تقليدية تقودها أجهزة المخابرات في دول الجوار، في محاولة لإعادة تعريف الأمن والسلطة في السودان.
بدأت هذه التحركات الأمنية بزيارة خافتة إعلاميًا، لكنها مثّلت إشارة مبكرة لتغير المزاج الإقليمي، زيارة مدير المخابرات في إفريقيا الوسطى، هنري وانزيت، إلى بورتسودان الذي نقل رسالة شفاهية من الرئيس فوستين أركانج تواديرا، إلى الرئيس البرهان، تتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية، وسبل دعمها، وتطويرها. حرص الوفد الزائر على التعبير عن دعم مباشر من رئيس إفريقيا الوسطى، حيث عكست الزيارة اهتمامًا غير عادي بترتيب التفاعلات الأمنية في السودان، خاصة في ظل حدود مفتوحة ومشحونة بإرث الصراعات واللاجئين.
لم تمض أيام على هذه الزيارة حتى حطت طائرة الوفد الإثيوبي في بورتسودان، بقيادة مدير جهاز المخابرات رضوان حسين، حاملاً رسالة مباشرة من رئيس الوزراء آبي أحمد إلى الرئيس عبد الفتاح البرهان. بدأ الامر كأنه إعلانًا رسميًا لعودة إثيوبيا إلى ساحة التأثير المباشر في الملف السوداني عبر التنسيق المشترك، بعد شهور من التوترات التي بلغت ذروتها في بدايات الحرب، عندما اقترحت أديس أبابا تدخلًا إفريقيًا لحفظ السلام، وأثارت حينها حفيظة الخرطوم.
الوفد الإثيوبي، الذي ضم أيضًا غيتاتشو رضا القائد السابق في تغيراي والمستشار الحالي لرئيس الوزراء الإثيوبي بحسب” الشرق الأوسط “الواضح أنه جاء لإعادة هندسة العلاقة الأمنية بين البلدين، واستكشاف فرص إعادة التموضع الإثيوبي داخل المسرح السوداني. اللقاءات التي جرت، والتفاهمات التي تسرّبت عنها معلومات لاحقة، أشارت إلى جدول أعمال يتجاوز التنسيق الثنائي ليطال قضايا استراتيجية مثل أمن القرن الإفريقي، وضبط الحدود، واحتواء تدفقات اللاجئين، والتعامل مع ملفات الفاعلين غير الشرعيين داخل السودان .
ما كان لافتًا في هذه المرحلة هو التدرج الواضح في الوزن الأمني والسياسي للزوار، فبين إفريقيا الوسطى وإثيوبيا مسافة في التأثير، لكن الاتجاه واحد، السودان بات ملفًا أمنيًا، تتقدمه أجهزة المخابرات ويتصدر أولوياته معادلات دعم الأمن.
على خلفية هذه التحركات، يبرز اسم صلاح قوش مجددًا، الرجل الذي عرفته العواصم الإفريقية ، وعُرف بقدرته على عقد الصفقات خلف الأبواب. عودة اسمه للتداول، ولو بهدوء، تزامنت مع إعادة رسم خارطة التوازنات الأمنية، لتؤكد أن السودان في طريقه نحو صيغة مؤقتة من “الأمن أولًا “،لترتيب المرحلة القادمة.
المفارقة أن عودة قوش المحتملة، أو حتى مجرد طرح اسمه، تُقرأ في بعض الدوائر الإقليمية والدولية كإشارة إلى نضوج لحظة “ما بعد الحرب”، بمعنى إدارة مخرجاتها. في ظل وجود قيادة مدنية موحدة عقب تعين د. كامل إدريس رئيسا للوزراء، وتفرغ المؤسسة العسكرية لجبهات القتال، تظهر الحاجة إلى شخصية ذات قدرة على إعادة بناء شبكات النفوذ، دون الحاجة إلى مؤسسات انتقالية معقدة.
كل هذا يجري في ظل حركة حثيثة من الإتحاد الإفريقي لإعادة السودان إلى منظومته، ولو عبر بوابة مرنة تتقبل فكرة حكومة انتقالية مدعومة أمنيًا. ترحيب الاتحاد بتعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء فهم على نطاق واسع كإشارة إلى استعداد القارة لغضّ الطرف عن البُعد العسكري للحكم، مقابل ضمان استقرار يسمح بعودة السودان إلى المؤسسات الإفريقية، يعجل بطي ملف الحرب ويدعم الأمن والاستقرار في السودان وفي منطقة القرن الأفريقي والجوار الإقليمي.
أن التقاء الأجهزة الاستخباراتية في بورتسودان، رغم تباين التأثير، يحمل رسالة واحدة بحسب ما نراه من#وجه_الحقيقة مفادها: أن الدولة السودانية تتشكل من جديد، وفقاً لإرادة السودانيين، بجانب موازين المصالح في الإقليم. وهي رسالة جيدة، تراقب وترصد وتنتظر اللحظة المناسبة للانخراط والتأثير. وربما آن الأوان للسودانيين، سياسيين وعسكريين ومدنيين، أن يدركوا أن إعادة بناء الدولة لن تتم عبر استنساخ شعارات الماضي، بل عبر قراءة دقيقة لما يجري من حولهم، واستعادة زمام المبادرة التي توحد النسيج الاجتماعي وتدعم الأمن و استعادة المشروع الوطني الذي يحفظ السيادة ويحجز للسودان مقعدا متقدما بين الشعوب.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأربعاء 4 يونيو 2025 م [email protected]
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مديرالأمن العام يفتتح سرية الهجّانة الرابعة في مغفر أم القطين التاريخي بعد إعادة ترميمه وتأهيله
صراحة نيوز- افتتح مدير الأمن العام، اللواء الدكتور عبيد الله المعايطة، اليوم الأربعاء، مبنى سرية الهجّانة الرابعة / قلعة أم القطين، التابعة لقيادة مجموعة مراسم الأمن العام، وذلك داخل مبنى قلعة مغفر أم القطين التاريخي الذي أُعيد ترميمه وتأهيله بعناية.
وأكد اللواء المعايطة خلال الافتتاح، أهمية المحافظة على المباني الأمنية التاريخية وإعادة تأهيلها، لما تحمله من رمزية وطنية وعمق تاريخي، كونها شاهدة على بطولات وتضحيات راسخة قدمها رجال الأمن الأوائل، وورثها جيل اليوم بفخر واعتزاز.
وأشار إلى أن مغفر أم القطين، الذي شُيّد عام 1934م، يُعد أحد المعالم الأمنية العريقة، وأن إعادة تأهيله واستخدامه مجددًا كمقر لسرية الهجّانة يأتي انسجامًا مع نهج مديرية الأمن العام في صون إرثها المؤسسي، وتعزيز الانتشار الأمني، وتقديم الخدمات الأمنية والإنسانية للمواطنين والزوار على امتداد ربوع الوطن.
وأوضح أن هذه السرية، التي كانت تُشغل سابقًا من قبل الهجّانة في بدايات تأسيسها، ثم تحولت إلى مغفر أمني، يُعاد اليوم توظيفها لتكون سرية للهجّانة من جديد، جامعةً بين الطابع العسكري والانتماء البدوي الأصيل، بما يجسد جسرًا يربط الحاضر بجذور الماضي العريق.