الثورة نت:
2025-08-01@08:07:20 GMT

يقظة أوروبا على صوت فلسطين

تاريخ النشر: 8th, June 2025 GMT

 

 

في الأيام والأسابيع الأخيرة، جرت تحركات أوروبية أعلى صوتا ضد حرب الإبادة والقتل الوحشي والتجويع والتعطيش بالجملة في “غزة”، بدت التحركات الجديدة مفاجئة للبعض، وقارن الكثيرون عن حق بين اليقظة الأوروبية النسبية وبين الموات العربي والإسلامي، رغم أن مآسي “غزة” ومحنة فلسطين تجرى في قلب العالم العربي والإسلامي، ويفترض أن تكون المشاعر والضمائر أكثر حرارة وفيضانا عند شعوب الدول العربية والإسلامية، وأن تكون الحكومات العربية والإسلامية أكثر مبادرة ونشاطا، لكن ما حدث ويحدث هو العكس بالضبط، وباستثناءات محدودة أهمها في اليمن وفى “صنعاء” بالذات، بينما بدا العالم العربي ـ وقبله العالم الإسلامي ـ غارقا في الصمت والتبلد وخذلان “غزة” واللا مبالاة بالدم المسفوح، بل ذهبت بعض حكومات العالم العربي إلى تقديم الهدايا للقتلة، ورمي تريليونات الدولارات تحت أقدام الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، ربما ليدفع من عوائدها مالا وسلاحا ومشاركة بحروب كيان الاحتلال “الإسرائيلي”، وتشجيعه على الإيغال في تدمير وإبادة وتهجير الفلسطينيين، والاستيلاء على أراضي دول عربية مجاورة، وتقويض أي تحرك عربي مشترك ولو كان صوريا، على طريقة استجابة أغلب الحكام العرب لأوامر “ترامب”، وامتناعهم عن المشاركة اللائقة في قمة “بغداد” العربية الأخيرة، ثم اكتفاء القلة التي حضرت بمناشدة “ترامب” القاتل نفسه أن يفعل شيئا لوقف حرب الإبادة، ومن دون أن تسأل هذه الحكومات نفسها عما تفعله هي، ولا أن تبرئ ذمتها من أوزار التواطؤ العاجز، ولا أن تفكر حتى في قطع علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع حكومة كيان الاحتلال.


قد لا يكون موقف الحكومات العربية في حاجة إلى شروح، فأغلب هذه الحكومات ـ إن لم تكن كلها ـ مقطوعة الصلة بحس شعوبها، ومفروضة بالقوة والقسر في قصور الحكم، وتحظر التظاهر الشعبي لنصرة الشعب الفلسطيني، وتخشى أن يتحول التظاهر تضامنا مع الفلسطينيين إلى تحرك ضد أنظمة التخاذل ذاتها، وبعض هذه الحكومات تعلن جهارا نهارا كفرانها بالقضية وبالحق الفلسطيني، ولا تخفى تحالفها الفعلي مع كيان الاحتلال، وسعيها لدعمه وتمديد سطوته في المنطقة، والعداء المطلق لأى حركة مقاومة فلسطينية أو غير فلسطينية، وعملها الدائب لنزع سلاح المقاومين، بل والتبرؤ من أي صفة عربية كانت، حتى ولو كانت قبرا من رخام على طريقة الجامعة العربية وقممها الموءودة، والتحول إلى روابط بديلة عسكرية وسياسية، تكون “إسرائيل” مركز قيادتها ومحركها بالوكالة عن الحماية والرعاية الأمريكية، وبدعاوى تمويه ضالة، من نوع أولوية مواجهة الخطر الإيراني، وإحلال طهران في مركز العداوة بدلا من “تل أبيب” .
من هنا، تبدو المفارقة ظاهرة ومفهومة بين الموات المفجع للضمير العربي الإسلامي وبين الصحوة النسبية للضمائر الأوروبية، ففي أوروبا لا توجد حكومات “عربية” تقمع وتقهر أهلها، وتحظر التظاهر الشعبي، وفى عواصم أوروبا الكبرى والصغرى، كانت مظاهرات التضامن مع الفلسطينيين تتدفق إلى الشوارع والميادين، وعلى نحو بدا تدريجيا وتصاعديا عبر عشرين شهرا من حرب الإبادة والتقتيل الوحشي في “غزة” والضفة الغربية ولبنان، وإلى أن بدت حركة التظاهر كانشقاق مؤثر في المشهد الأوروبي، بين فئات شعبية تحتكم إلى الضمير الإنساني، وبين حكومات من اليمين ومن اليسار، ورثت وواصلت موقفا أوروبيا داعما مواليا بالخلقة لكيان الاحتلال “الإسرائيلي”، ومحتضنا للحركة الصهيونية، التي دمجت نفسها منذ البواكير مع الثقافة الغربية الأوروبية، ومع حكومات أوروبا الإمبريالية الاستعمارية، ومع الشعور الأوروبي باقتراف الذنب والتقصير في حماية اليهود من الافتراس النازي في الحرب “العالمية” الثانية، وهكذا تحول اليهود من ضحايا وعبيد لنسق الغرب الأوروبي في العصور الوسطى، ثم لنسق العنصرية الأوروبية في طورها الألماني النازي، وإلى أن بدت الحركة الصهيونية ـ في التعريف الأوروبي ـ كحركة تحرير لليهود من استعباد أوروبي متطاول المدى، بينما لم تكن لليهود من مظلمة تذكر في العالم العربي الإسلامي، وأرادت أوروبا العنصرية الاستعمارية حل مشكلة يهودها على حساب العرب والمسلمين بالذات، وتوالى اندفاع الخطى الأوروبية على ما يعرف الكافة، بدءا من “وعد بلفور” البريطاني، وإلى تسهيل بريطانيا ـ التي كانت عظمى ـ لإقامة كيان الاحتلال في فلسطين، ثم احتضان بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين للكيان، وإلى أن حلت أمريكا في قيادة الدور نفسه، بعد قطع ذيل الأسد البريطاني في حرب السويس 1956م، ورغم التحولات التي جرت في الأدوار العالمية، إلا أن الرأي العام الأوروبي في أغلبه، ظل على عادات التأييد والدعم المطلق لكيان الاحتلال “الإسرائيلي “، الذى جرى تصويره كقطعة من الحضارة الغربية، وكمنارة للديمقراطية الغربية في منطقة متخلفة مظلمة، ومع صعود أمارات التحدي العربي لكيان الاحتلال وتوالى ظهور حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، بدت علامات تشقق هامشية في مشهد الرأي العام الغربي والأوروبي بالذات، بلغت ذروتها في شهور حرب الإبادة الجارية، وإن بدت حركة التظاهر في الشارع بعيدة عن التأثير في مواقف الحكومات، ولعب التطور الهائل في وسائط الاتصال والشبكات الاجتماعية دورا ملحوظا، فقد كانت حرب “غزة” أول حرب إبادة مرئية للكل في مطلق التاريخ الإنساني، وتكفل النقل المرئي اللحظي بالصوت والصورة في يقظة ضمائر أوروبية غير مسبوقة، ولوقت طويل مضى ثقيلا محبطا، بدا أن مظاهرات الشوارع الأوروبية في جانب من المشهد، بينما ظلت مواقف الحكومات في أغلبها على الجانب الموالي بإطلاق لسردية كيان الاحتلال “الإسرائيلي”، وإلى أن بدأت المواقف الحكومية في التشقق تأثرا بما يجرى في الشوارع والجامعات، وتتابعت موجات التغير النسبي في مواقف الحكومات المنتخبة ديمقراطيا، وشهدنا موجة أولى في تغير مواقف حكومات “أيرلندا” و”أسبانيا” و”النرويج” و”سلوفينيا” و”بلجيكا” وغيرها، التي توالت اعترافاتها بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على الأراضي المحتلة في حرب 1967م، ثم مرت مرحلة طويلة من تباطؤ الإيقاع، وإلى أن وصلنا إلى المرحلة الأخيرة مع حملة خنق وتجويع “غزة”، وإعلان مواقف جديدة من دول أوروبية، عرفت تاريخيا بالتصاقها مع حركة كيان الاحتلال تسليحا وتمويلا، ورأينا البيان المشترك لبريطانيا وفرنسا وكندا عبر المحيط الأطلنطي، الذى ندد بما أسماه “السلوك المشين” لحكومة الاحتلال، ولوح بتوقيع عقوبات على حكومة “بنيامين نتنياهو”، وطالب بفتح معابر المساعدات الإنسانية فورا، وإيقاف حرب الإبادة في “غزة” وتجميد الاستيطان في الضفة، ثم تطور الموقف المعلن إلى حدود أبعد، بإبداء الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطينية، وكان لافتا، أن حكومة بريطانيا التي لعبت الدور الأكبر تاريخيا في إنشاء كيان الاحتلال، راحت تستدعى سفيرة “إسرائيل” في لندن لتوبيخها، وتعلن وقف مفاوضات تطوير اتفاقية التجارة الحرة مع “إسرائيل”، ولم يكن ذلك ليحدث على محدوديته ورمزيته، إذا لم تكن حركة التظاهر المؤيدة للحق الفلسطيني قد تطورت، وبلغ عدد المشاركين بإحداها نحو نصف مليون متظاهر، وهو ما جرى مثله في عواصم ومدن أوروبية أخرى، فقد تظاهر مائة ألف في “لاهاي” الهولندية حيث محاكم “الجنايات” و”العدل” الدولية، ودعت الحكومة الهولندية إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي و”إسرائيل”، وهو ما يلقى إلى الآن تأييدا ظاهرا من أغلب أعضاء الاتحاد الأوروبي (17 دولة مؤيدة)، وربما يواجه معارضة وتعطيلا من حكومة ألمانيا اليمينية بالذات، وعلى عكس حكومة “أسبانيا”، التي ذهبت إلى موقف أكثر تقدما، وأقر البرلمان الأشباني بالأغلبية مبدأ مراجعة ووقف صادرات السلاح وغيرها إلى كيان الاحتلال، ثم كان الغضب الأوروبي العام بعد إطلاق جيش الاحتلال النار على موكب الدبلوماسيين الأوروبيين على مشارف مخيم “جنين”، والتهديدات الأوروبية الأوسع بفرض عقوبات على الكيان .
وقد يرى البعض، أن الحراك الأوروبي الرسمي ليس كافيا بعد، وهذا صحيح طبعا، وإن كان لا يصح إنكار ما جرى من تغير نسبى، دفعت إليه تراكمات مظاهرات الشارع الغاضبة في بيئة ديمقراطية، لعبت فيها الجاليات الفلسطينية والعربية دورا بارزا ومؤسسا، فقد تكفل فلسطينيو أوروبا بدعم ونصرة شعبهم الفلسطيني في الداخل المحتل، تماما كما أن صمود “غزة” الأسطوري وصبرها المحتسب، لعب الدور الأعظم في إيقاظ الضمائر، ودفع غالب الحكومات الأوروبية إلى لغة أفضل .

* كاتب وسياسي مصري

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

زامير مهاجما سموتريتش: استمرار الحرب يؤدي لاعتراف مزيد من دول أوروبا بفلسطين

كشفت وسائل إعلام عبرية عن تصاعد الخلافات داخل المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينيت"، في ظل تضارب أهداف الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وسط تحذيرات من قيادة الجيش من مغبّة الانزلاق إلى مستنقع احتلال طويل الأمد.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية، الأربعاء، إن رئيس أركان الجيش إيال زامير حذر خلال اجتماع "الكابينيت" من تضارب الأهداف بين القضاء على حركة حماس من جهة، وإعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة من جهة أخرى، مؤكداً أن استمرار الغارات المركزة لن يحقق الأهداف المعلنة دون استراتيجية متكاملة.

صدام بين زامير وسموتريتش
وفي السياق ذاته، نشب خلاف حاد بين رئيس الأركان الجديد ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، خلال الجلسة ذاتها، بحسب ما أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت، التي أكدت أن النقاش تحوّل إلى "مواجهة كلامية عنيفة".

وأوضحت الصحيفة أن زامير حذر من أن احتلال غزة بالكامل سيستغرق سنوات، في وقت يفتقر فيه الاحتلال الإسرائيلي إلى خطة سياسية واضحة لما بعد الحرب، وهو ما أثار غضب سموتريتش، الذي قال له بلهجة هجومية: "أين هاليفي؟! نحن نفتقده"، في إشارة إلى رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي، الذي كان هدفاً سابقاً لانتقادات الوزير ذاته.

ووفق الصحيفة، عبّر سموتريتش عن سخطه من خطط الجيش "غير الكافية"، قائلاً: "غزة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل. لا يوجد ما يمنعنا من السيطرة عليها وإعادة الاستيطان فيها".

نتنياهو يطرح خطة ضم.. وواشنطن توافق
من جانبها، كشفت صحيفة هآرتس العبرية أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو طرح على أعضاء الكابينيت خطة لاحتلال أجزاء من قطاع غزة تدريجياً، في محاولة لاسترضاء سموتريتش والحفاظ عليه ضمن الائتلاف الحكومي، بعد تلويحه بالاستقالة احتجاجاً على إدخال مساعدات إنسانية للقطاع المحاصر.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن تل أبيب ستمنح حركة حماس مهلة قصيرة للموافقة على وقف إطلاق النار، وإلا فسيتم الشروع في تنفيذ خطة الضم الجزئي، والتي قال إنها "تحظى بموافقة الإدارة الأمريكية".

يأتي ذلك بعد تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعرب فيها عن ندمه على انسحاب الاحتلال الإسرائيلي الأحادي من قطاع غزة عام 2005، واصفاً إياه بأنه "قرار غير حكيم أدى إلى مزيد من الفوضى".


الموقف البريطاني يغضب تل أبيب
وفي تطور سياسي لافت، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عزمه الاعتراف بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر المقبل، ما لم يتخذ الاحتلال الإسرائيلي خطوات جادة لإنهاء ما وصفه بـ"الوضع المروع في غزة"، بحسب ما أوردته وكالة رويترز.

وأثارت التصريحات البريطانية حفيظة وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي وصفتها بأنها "مكافأة لحماس"، محذرة من أنها تضر بجهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ورأت تل أبيب أن تغير الموقف البريطاني جاء "تحت ضغوط داخلية وسيراً على النهج الفرنسي".

وبحسب وسائل إعلام عبرية، تُرجّح تل أبيب اعتراف مزيد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين، في ظل تنامي الغضب الشعبي والبرلماني في العواصم الغربية من العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.

وفي ظل انسداد أفق المفاوضات، تتصاعد الاتهامات داخل الاحتلال الإسرائيلي لرئيس الوزراء نتنياهو بإفشال محادثات صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، بسبب "اعتبارات سياسية شخصية"، بحسب قيادات عسكرية ومعارضة، حذرت من أن نتنياهو يستخدم قضية الأسرى كورقة مساومة داخلية.

وتستمر حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، متجاهلةً كافة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها، في وقت وثقت فيه تقارير حقوقية مقتل أكثر من 206 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، أغلبهم من النساء والأطفال.

كما تجاوز عدد المفقودين تسعة آلاف شخص، وسط تحذيرات من مجاعة كارثية تهدد مئات آلاف المدنيين، بفعل سياسة التجويع المتعمد ومنع دخول المساعدات الإنسانية، التي وصفتها منظمات دولية بأنها "أداة حرب تستخدمها إسرائيل لإخضاع السكان".


مقالات مشابهة

  • هل خسر الاحتلال معركة الشرعية؟.. تأثير الدومينو يصل أوروبا بعد موجة الاعترافات بفلسطين
  • خصيات اجتماعية: يقظة الشعوب في مواجهة الطغيان مرتكز النهوض الحضاري
  • الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين خطوة رمزية تقلق إسرائيل
  • ماكرون يقرّ: صفقة ترامب مع الاتحاد الأوروبي أفقدت أوروبا هيبتها
  • المؤسسة العربية الأوروبية تثمن إعلان بريطانيا استعدادها للاعتراف بفلسطين
  • زامير مهاجما سموتريتش: استمرار الحرب يؤدي لاعتراف مزيد من دول أوروبا بفلسطين
  • صاروخ يمني يشلّ كيان الاحتلال.. تعطيل الرحلات وإيقاف المباريات وفرار ملايين الصهاينة إلى الملاجئ
  • الحكومات وأسواق سنداتها السيادية
  • العربي الناصري: السفارات ليست ساحة للصراعات.. ومصر تدفع ثمن التزامها تجاه فلسطين
  • حين يُسجَن العربي لأنه ناصر فلسطين.. فهل الغرب حقّا أكثر وفاء؟