في مشهد دبلوماسي غير مسبوق، يشهد العالم الغربي تحولات متسارعة نحو الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في خطوات قد تغيّر من ملامح الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتزيد من عزلة الاحتلال على الساحة الدولية. ورغم الطابع الرمزي لتلك التحركات، فإن التوقيت والسياقات السياسية والإنسانية التي تتزامن معها تجعل منها تطوراً استثنائياً.



وخلال الأسبوع الأخير، أعلنت 15 دولة غربية من بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا، أنها تدرس بجدية الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، داعية باقي دول العالم إلى السير على النهج ذاته. 

وفي بيان مشترك صدر عقب مؤتمر "حل الدولتين" في نيويورك أمس الأربعاء، أكدت تلك الدول أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل "خطوة أساسية نحو تحقيق حل الدولتين"، ودعت إلى اعتماده قبيل انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل.

وتوالت التصريحات من لندن وأوتاوا، حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن بلاده ستعترف بفلسطين إذا لم يستجب الاحتلال الإسرائيلي لشروط محددة، أبرزها وقف إطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات، والتخلي عن خطط ضم الضفة الغربية. 

أما رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، فأكد هو الآخر أن الاعتراف سيتم في أيلول/سبتمبر المقبل، منتقداً إدارة نتنياهو لتحويلها غزة إلى "كارثة إنسانية".

وكان مكتب رئيس الوزراء البرتغالي لويس مونتينيغرو٬ قد أعلن الخميس نية الحكومة التشاور مع البرلمان والرئاسة بشأن الاعتراف بدولة فلسطين خلال فترة الجمعية العامة. 

هذه التصريحات، الصادرة عن حلفاء تقليديين للاحتلال٬ فُسرت إسرائيلياً على أنها انقلاب سياسي. وعبر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن استيائه من هذه الخطوات، واصفاً إياها بأنها "عقاب للضحية"، محذراً من قيام ما سماه بـ"دولة جهادية" على حدود الاحتلال الإسرائيلي قد تُهدد أوروبا نفسها.

أما رئيس الكنيست أمير أوحانا فقد ذهب أبعد من ذلك، معتبراً الاعتراف المزمع بدولة فلسطين بمثابة "مكافأة لحماس"، موجهاً كلامه للأوروبيين بقوله: "إذا أردتم إقامة دولة فلسطينية، فأقيموها في لندن وباريس"، محذراً من أن هذا المسار سيقود إلى مزيد من الحروب.

لكن التحول الغربي لا يأتي من فراغ٬ فالضغوط المتزايدة من الرأي العام، والانتقادات الأممية والدولية لانتهاكات الاحتلال في غزة، خاصة مع اتساع المجاعة وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، دفعت هذه الدول إلى مراجعة مواقفها. ووصفت تقارير صحفية هذه الخطوة بأنها تعكس "تآكل الدعم التقليدي الغربي لإسرائيل"، وتحولاً في المزاج الدولي.

وتحذر صحف إسرائيلية من أن استمرار موجة الاعترافات قد يفضي إلى محاسبة تل أبيب دولياً في حال حصول فلسطين على اعتراف رسمي من مجلس الأمن، ما من شأنه أن يشكل غطاءً قانونياً وأخلاقياً لعزل الاحتلال وفرض عقوبات عليها.

حتى أيار/مايو الماضي٬ اعترفت 147 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، أي ما يعادل نحو 75% من المجتمع الدولي. ومن بين دول مجموعة العشرين، اعترفت 10 دول بفلسطين، منها الصين وروسيا وتركيا والبرازيل والسعودية، بينما لم تعترف بها دول كفرنسا وألمانيا وكندا وأمريكا.


ويرى محللون أن الاعتراف بدولة فلسطين يحمل في طياته عدة أبعاد:

أولاً: رمزية سياسية وأخلاقية
رغم أن الأراضي الفلسطينية لا تزال تحت الاحتلال، فإن الاعتراف يمثل دعماً سياسياً وأخلاقياً لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وتؤكد الأكاديمية جولي نورمان من جامعة كولدج لندن٬ في إحدى مداخلاتها الإعلامية أن هذا الاعتراف يُشكل رسالة سياسية قوية، حتى لو لم يُغير من الواقع الميداني.

ثانياً: تعزيز زخم حل الدولتين
يُنظر للاعتراف على أنه خطوة لترسيخ حل الدولتين في وجه البدائل المطروحة مثل الضم الكامل أو الدولة الواحدة. وكتب جوش بول، المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية، أن الاعتراف بدولة فلسطين "يعيد الصراع إلى مساره كقضية بين كيانين متساويين".

ثالثاً: رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي
قد يؤدي الاعتراف إلى تحويل البعثات الدبلوماسية الفلسطينية إلى سفارات كاملة، كما تخطط بريطانيا لفتح سفارة في الضفة الغربية، في إشارة إلى دعم السلطة الفلسطينية.

رابعاً: مراجعة العلاقات مع المحتل
الاعتراف قد يدفع بعض الدول إلى إعادة النظر في علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع تل أبيب، بما في ذلك احتمال حظر منتجات المستوطنات، كما رجح القنصل البريطاني السابق في القدس فنسنت فين.

خامساً: تهديد لعزلة الاحتلال الدولية
أشار تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال إلى أن هذه الخطوة تعكس تصدعات متزايدة في الدعم الغربي للاحتلال الإسرائيلي، خاصة مع ازدياد الانتقادات الموجهة لسلوكها في غزة. وتوقع التقرير أن يؤدي استمرار الحرب إلى تعميق هذه الفجوة، نتيجة الغضب الشعبي في الدول الغربية.

ووصف السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة، جلعاد إردان، الاعترافات بأنها أخطر على المدى البعيد، قائلاً: "إنها تروّج لرواية خطيرة تُظهر إسرائيل كدولة تنتهك حقوق الإنسان وتقتل الأطفال"، محذراً من حملة نزع شرعية قد تؤدي إلى عقوبات دولية.

أما محرر الشؤون الدولية في القناة 12، عيران نير، فاعتبر ما يجري بمثابة "تسونامي سياسي"، مشيراً إلى أن هذه التحركات تهدف للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب والدخول في تسوية، تحت ضغط الرأي العام الأوروبي الغاضب.

في المقابل، وصفت مراسلة موقع "زمان يسرائيل" بيرنيت غورين الاعترافات بأنها رمزية ولا تقدم مساعدة ملموسة للفلسطينيين، لكنها تشكل "إذلالاً سياسياً" للاحتلال في الساحة الدولية.

وبينما تتردد الحكومات الغربية في التدخل العسكري أو استقبال لاجئين فلسطينيين، ترى غورين أن أقصى ما تقدمه تلك الدول هو إسقاط "الفطائر بالمظلات"، في مفارقة سخرية تشير إلى عجز المجتمع الدولي أمام المأساة المتفاقمة في غزة.

وفي ظل انسداد الأفق السياسي، واستمرار المجازر بحق المدنيين، يبدو أن الاعتراف بدولة فلسطين بات أداة بيد الدول الغربية للضغط على الاحتلال الإسرائيلي، وإجباره على التراجع، بعدما فشلت كل الوساطات في وقف حربٍ خلفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وأدخلت غزة في أسوأ كارثة إنسانية بتاريخها.

ومع اقتراب موعد الجمعية العامة للأمم المتحدة، تترقب الأوساط الدولية ما إذا كانت هذه الاعترافات ستُترجم إلى خطوات سياسية وقانونية، أم ستبقى في حدود الرمزية، وسط دعوات فلسطينية لاعتبارها فرصة تاريخية لتحصين الحقوق الوطنية على الساحة الدولية.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الاعتراف فلسطين الاحتلال غزة بريطانيا بريطانيا فلسطين غزة الاحتلال اعتراف المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن الاعتراف بدولة فلسطین الاحتلال الإسرائیلی حل الدولتین

إقرأ أيضاً:

ذوبان التربة الصقيعية يهدد بتأثير الدومينو

#سواليف

أفاد علماء جامعة تومسك أن #ذوبان #التربة_الصقيعية قد يؤدي إلى سلسلة من #التغيرات الشبيهة بتأثير #الدومينو، الأمر الذي من شأنه تسريع #ذوبان_الجليد وإطلاق #معادن_سامة في البيئة.

ويشير المكتب الإعلامي للجامعة إلى أنه:
“وفقا للعلماء، قد يحدث تأثير الدومينو في المراحل الأولية، حيث يعزز انبعاث غازات إضافية ظاهرة الاحتباس الحراري، ما يؤدي إلى ذوبان أسرع للتربة الصقيعية، الذي سيُطلق بدوره كميات أكبر من الكربون العضوي المذاب.”

ويرى علماء التربة في الجامعة أن التغير المناخي السريع سيؤثر سلبا في ذوبان التربة الصقيعية، ما سيؤدي إلى إطلاق عدد كبير من العناصر الكيميائية في الأنهار والبحيرات والغلاف الجوي، بالإضافة إلى غازات الاحتباس الحراري. وقد يؤثر ذلك بصورة غير مباشرة على توازن ثاني أكسيد الكربون على الأرض.

مقالات ذات صلة أطعمة تساعد على استعادة ميكروبيوم الأمعاء 2025/12/02

وتوصل الباحثون إلى هذه الاستنتاجات بعد تحليل عينات أُخذت من التربة الصقيعية في منطقة تازوفسكي بإقليم يامالو-نينيتس.

وأظهرت النتائج أن جليد غليزيم — وهو جليد قديم للغاية — يحتوي على كمية من المنغنيز تفوق 30 ضعف مستوى الماء في طبقات التربة نفسها. ويتجلى ذلك في حالة الأنهار التي تطلق المنغنيز بنشاط في البيئة مع ذوبان التربة الصقيعية. كما اكتشف العلماء أعلى مستويات للمواد العضوية والحديد والألمنيوم والعناصر الدقيقة الأخرى على عمق يتراوح بين 40 و90 سم، وهي الطبقة التي تقع مباشرة فوق التربة الصقيعية، وتعرف باسم الطبقة النشطة — وهي منطقة تتجمد وتذوب سنويا.

ويقول الباحث أرتيوم ليم:
“سيؤثر ذوبان التربة المعدنية في مناطق التربة الصقيعية، وفق جميع سيناريوهات الاحترار المناخي المتوقعة، على التوازن بين النظم البيئية الأرضية والساحلية. ومن المرجح أن يؤدي ذوبان الجليد المشتت المحتبس في مسام التربة إلى إطلاق كميات كبيرة من الكربون العضوي، إضافة إلى العناصر العضوية وغير العضوية وغيرها.”

وبحسب الباحثين، يمكن أن تفاقم هذه الآلية ظاهرة الاحترار المناخي، إذ إن ذوبان الجليد يؤدي إلى إطلاق مواد عضوية ومغذيات في المياه التي تصب في الأنهار الرئيسية وتصل إلى المنطقة الساحلية للمحيط المتجمد الشمالي. ومن جانب آخر، قد يحتوي هذا الجليد أيضا على معادن سامة، وعند ذوبانه يمكن أن تصل إلى المياه، ما يشكل مخاطر بيئية.

ويشير الباحثون إلى أن إطلاق هذه العناصر يؤثر في المناخ والبيئة، لأن معظمها يزيد النشاط البيولوجي. وعندما تزداد المواد العضوية في الماء، تمتص الأكسجين بنشاط وتتحلل، مطلقة كميات من ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهما من الغازات الدفيئة التي تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

مقالات مشابهة

  • بوتين مُحذرًا: روسيا مُستعدة إذا أرادت أوروبا الحرب
  • سايحي يبحث مع ممثلة المنظمة الدولية للهجرة تعزيز التعاون في مكافحة الهجرة غير الشرعية
  • ممثل "يونيسف" بفلسطين: الوضع في غزة كارثي والبرد يفتك بالعائلات
  • تقرير أممي يحذر من تأثير AI على العدالة الاقتصادية العالمية
  • استنفار دبلوماسي على وقع التسخين الإسرائيلي.. أي تأثير للحراك الدولي؟
  • مشهد الدفاع في أوروبا: ما الدول الأكثر إنفاقا؟
  • ذوبان التربة الصقيعية يهدد بتأثير الدومينو
  • بعد معركة بيت جن..ترامب ينحاز للشرع ضد نتيناهو ويحذر الاحتلال
  • محافظ أبين: معركة الاستقلال قادمة ولا بقاء لأدوات الاحتلال في أرض اليمن
  • مدرب فلسطين يتحدث عن تأثير غياب وسام أبو علي في كأس العرب