هل خسر الاحتلال معركة الشرعية؟.. تأثير الدومينو يصل أوروبا بعد موجة الاعترافات بفلسطين
تاريخ النشر: 1st, August 2025 GMT
في مشهد دبلوماسي غير مسبوق، يشهد العالم الغربي تحولات متسارعة نحو الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في خطوات قد تغيّر من ملامح الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتزيد من عزلة الاحتلال على الساحة الدولية. ورغم الطابع الرمزي لتلك التحركات، فإن التوقيت والسياقات السياسية والإنسانية التي تتزامن معها تجعل منها تطوراً استثنائياً.
وخلال الأسبوع الأخير، أعلنت 15 دولة غربية من بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا، أنها تدرس بجدية الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، داعية باقي دول العالم إلى السير على النهج ذاته.
وفي بيان مشترك صدر عقب مؤتمر "حل الدولتين" في نيويورك أمس الأربعاء، أكدت تلك الدول أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل "خطوة أساسية نحو تحقيق حل الدولتين"، ودعت إلى اعتماده قبيل انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل.
وتوالت التصريحات من لندن وأوتاوا، حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن بلاده ستعترف بفلسطين إذا لم يستجب الاحتلال الإسرائيلي لشروط محددة، أبرزها وقف إطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات، والتخلي عن خطط ضم الضفة الغربية.
أما رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، فأكد هو الآخر أن الاعتراف سيتم في أيلول/سبتمبر المقبل، منتقداً إدارة نتنياهو لتحويلها غزة إلى "كارثة إنسانية".
وكان مكتب رئيس الوزراء البرتغالي لويس مونتينيغرو٬ قد أعلن الخميس نية الحكومة التشاور مع البرلمان والرئاسة بشأن الاعتراف بدولة فلسطين خلال فترة الجمعية العامة.
هذه التصريحات، الصادرة عن حلفاء تقليديين للاحتلال٬ فُسرت إسرائيلياً على أنها انقلاب سياسي. وعبر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن استيائه من هذه الخطوات، واصفاً إياها بأنها "عقاب للضحية"، محذراً من قيام ما سماه بـ"دولة جهادية" على حدود الاحتلال الإسرائيلي قد تُهدد أوروبا نفسها.
أما رئيس الكنيست أمير أوحانا فقد ذهب أبعد من ذلك، معتبراً الاعتراف المزمع بدولة فلسطين بمثابة "مكافأة لحماس"، موجهاً كلامه للأوروبيين بقوله: "إذا أردتم إقامة دولة فلسطينية، فأقيموها في لندن وباريس"، محذراً من أن هذا المسار سيقود إلى مزيد من الحروب.
لكن التحول الغربي لا يأتي من فراغ٬ فالضغوط المتزايدة من الرأي العام، والانتقادات الأممية والدولية لانتهاكات الاحتلال في غزة، خاصة مع اتساع المجاعة وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، دفعت هذه الدول إلى مراجعة مواقفها. ووصفت تقارير صحفية هذه الخطوة بأنها تعكس "تآكل الدعم التقليدي الغربي لإسرائيل"، وتحولاً في المزاج الدولي.
وتحذر صحف إسرائيلية من أن استمرار موجة الاعترافات قد يفضي إلى محاسبة تل أبيب دولياً في حال حصول فلسطين على اعتراف رسمي من مجلس الأمن، ما من شأنه أن يشكل غطاءً قانونياً وأخلاقياً لعزل الاحتلال وفرض عقوبات عليها.
حتى أيار/مايو الماضي٬ اعترفت 147 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، أي ما يعادل نحو 75% من المجتمع الدولي. ومن بين دول مجموعة العشرين، اعترفت 10 دول بفلسطين، منها الصين وروسيا وتركيا والبرازيل والسعودية، بينما لم تعترف بها دول كفرنسا وألمانيا وكندا وأمريكا.
ويرى محللون أن الاعتراف بدولة فلسطين يحمل في طياته عدة أبعاد:
أولاً: رمزية سياسية وأخلاقية
رغم أن الأراضي الفلسطينية لا تزال تحت الاحتلال، فإن الاعتراف يمثل دعماً سياسياً وأخلاقياً لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وتؤكد الأكاديمية جولي نورمان من جامعة كولدج لندن٬ في إحدى مداخلاتها الإعلامية أن هذا الاعتراف يُشكل رسالة سياسية قوية، حتى لو لم يُغير من الواقع الميداني.
ثانياً: تعزيز زخم حل الدولتين
يُنظر للاعتراف على أنه خطوة لترسيخ حل الدولتين في وجه البدائل المطروحة مثل الضم الكامل أو الدولة الواحدة. وكتب جوش بول، المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية، أن الاعتراف بدولة فلسطين "يعيد الصراع إلى مساره كقضية بين كيانين متساويين".
ثالثاً: رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي
قد يؤدي الاعتراف إلى تحويل البعثات الدبلوماسية الفلسطينية إلى سفارات كاملة، كما تخطط بريطانيا لفتح سفارة في الضفة الغربية، في إشارة إلى دعم السلطة الفلسطينية.
رابعاً: مراجعة العلاقات مع المحتل
الاعتراف قد يدفع بعض الدول إلى إعادة النظر في علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع تل أبيب، بما في ذلك احتمال حظر منتجات المستوطنات، كما رجح القنصل البريطاني السابق في القدس فنسنت فين.
خامساً: تهديد لعزلة الاحتلال الدولية
أشار تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال إلى أن هذه الخطوة تعكس تصدعات متزايدة في الدعم الغربي للاحتلال الإسرائيلي، خاصة مع ازدياد الانتقادات الموجهة لسلوكها في غزة. وتوقع التقرير أن يؤدي استمرار الحرب إلى تعميق هذه الفجوة، نتيجة الغضب الشعبي في الدول الغربية.
ووصف السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة، جلعاد إردان، الاعترافات بأنها أخطر على المدى البعيد، قائلاً: "إنها تروّج لرواية خطيرة تُظهر إسرائيل كدولة تنتهك حقوق الإنسان وتقتل الأطفال"، محذراً من حملة نزع شرعية قد تؤدي إلى عقوبات دولية.
أما محرر الشؤون الدولية في القناة 12، عيران نير، فاعتبر ما يجري بمثابة "تسونامي سياسي"، مشيراً إلى أن هذه التحركات تهدف للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب والدخول في تسوية، تحت ضغط الرأي العام الأوروبي الغاضب.
في المقابل، وصفت مراسلة موقع "زمان يسرائيل" بيرنيت غورين الاعترافات بأنها رمزية ولا تقدم مساعدة ملموسة للفلسطينيين، لكنها تشكل "إذلالاً سياسياً" للاحتلال في الساحة الدولية.
وبينما تتردد الحكومات الغربية في التدخل العسكري أو استقبال لاجئين فلسطينيين، ترى غورين أن أقصى ما تقدمه تلك الدول هو إسقاط "الفطائر بالمظلات"، في مفارقة سخرية تشير إلى عجز المجتمع الدولي أمام المأساة المتفاقمة في غزة.
وفي ظل انسداد الأفق السياسي، واستمرار المجازر بحق المدنيين، يبدو أن الاعتراف بدولة فلسطين بات أداة بيد الدول الغربية للضغط على الاحتلال الإسرائيلي، وإجباره على التراجع، بعدما فشلت كل الوساطات في وقف حربٍ خلفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وأدخلت غزة في أسوأ كارثة إنسانية بتاريخها.
ومع اقتراب موعد الجمعية العامة للأمم المتحدة، تترقب الأوساط الدولية ما إذا كانت هذه الاعترافات ستُترجم إلى خطوات سياسية وقانونية، أم ستبقى في حدود الرمزية، وسط دعوات فلسطينية لاعتبارها فرصة تاريخية لتحصين الحقوق الوطنية على الساحة الدولية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الاعتراف فلسطين الاحتلال غزة بريطانيا بريطانيا فلسطين غزة الاحتلال اعتراف المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن الاعتراف بدولة فلسطین الاحتلال الإسرائیلی حل الدولتین
إقرأ أيضاً:
السعودية وقطر ترحبان باعتزام كندا ومالطا الاعتراف بفلسطين
رحبت السعودية وقطر، الخميس، بإعلان كندا ومالطا اعتزامهما الاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل.
وقالت الخارجية السعودية، في بيان، إن المملكة ترحب بإعلان رئيس وزراء كندا مارك كارني ورئيس وزراء جمهورية مالطا روبيرت أبيلا عزم بلديهما الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل.
وتابعت: "تُشيد المملكة بهذه القرارات الإيجابية التي ترسّخ مسار حل الدولتين، وتؤكد توافق المجتمع الدولي على ضرورة إنهاء المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الشقيق".
وجددت الرياض دعوتها "بقية الدول لاتخاذ مثل هذه الخطوات الجادة الداعمة للسلام"، وفق البيان.
كذلك رحبت الخارجية القطرية، في بيان، بإعلاني كندا ومالطا، وعدتهما "خطوات إيجابية تنسجم مع الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
كما عدت الإعلانين "دعما مهما للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، بما يمكنه من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية"، حسب البيان.
وأكدت الخارجية أن "هذه القرارات تتسق مع توافق الدول المشاركة في المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية بالوسائل السلمية وتنفيذ حل الدولتين، على خريطة طريق هدفها زيادة الاعترافات بالدولة الفلسطينية".
ومساء الثلاثاء، دعا البيان الختامي لمؤتمر حل الدولتين في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، والذي قاطعته واشنطن وتل أبيب، إلى انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وتسليمه إلى السلطة الفلسطينية.
كما دعا المؤتمر الدولي إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ومنحها عضوية كاملة بالأمم المتحدة، بدلا من الوضع القائم منذ عام 2012، وهو "دولة مراقب غير عضو".
وجددت الخارجية القطرية دعوة الدوحة الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى "اتخاذ خطوات مماثلة تعكس الالتزام بالقانون الدولي، وتدعم الحقوق التاريخية والثابتة للشعب الفلسطيني الشقيق على أرضه".
ومن أصل 193 دولة عضوا بالأمم المتحدة، تعترف 148 دولة بدولة فلسطين، التي أعلنتها القيادة الفلسطينية في المنفى عام 1988.
وفي الفترة الأخيرة أعلنت أكثر من دولة، بينها فرنسا وبريطانيا، اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين، كما لوحت أستراليا بخطوة مماثلة.
والأربعاء، أطلقت 15 دولة غربية، بينها فرنسا وإسبانيا، نداء جماعيا للاعتراف بدولة فلسطين ووقف إطلاق النار في غزة.
وعادة ما تنتقد إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الدول التي تعلن اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين، بل وصل الأمر إلى تهديدات أمريكية.
ويتصاعد حراك الاعتراف بدولة فلسطين على خلفية حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل، بدعم أمريكي، على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 206 آلاف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.
ومنذ عقود تحتل إسرائيل فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.