أزمة السيولة في غزة.. هندسة التجويع وسلاح الاحتلال الصامت من القصف إلى الجوع
تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT
في خضمّ حرب الإبادة المستمرة على غزة، تتفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية التي تثقل كاهل السكان، وتبرز أزمة السيولة النقدية بين أبرز التحديات اليومية التي تواجه المواطنين منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع.
فمع شحّ السيولة النقدية، وإغلاق البنوك التام بفعل الحرب، ومنع الاحتلال إدخال الأموال منذ بدايتها، إلى جانب ممارسات بعض التجار الذين يعمدون إلى إخفاء السيولة طمعا في تحقيق أرباح إضافية، يضطر كثيرون إلى دفع عمولات مرتفعة تصل إلى أكثر من 30% من المبلغ المراد سحبه عبر التطبيقات البنكية، مما يؤدي إلى استنزاف دخل المواطنين المحدود، وتنعكس سلبًا على حركة السوق التي أصابها الشلل شبه التام.
وفي الأيام الماضية، تصاعدت نسبة العمولة على عمليات السحب النقدي لتصل إلى نحو 45%، فأثار ذلك جدلًا واسعًا بين سكان القطاع عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط توقعات بارتفاعها أكثر خلال الأيام القادمة، من دون وجود مؤشرات على حلول قريبة.
"هندسة التجويع" واستنزاف السيولةوقال مغردون إن نسبة العمولة وصلت حاليا إلى 50%، أي إن من يتقاضى راتبًا أو يتسلم حوالة مالية بقيمة 3 آلاف شيكل لا يحصل نقدًا إلا على 1500 شيكل فقط. ووفق هذا المعيار، فإن هذه الـ1500 شيكل لا تساوي فعليا أكثر من 50 شيكلا من حيث القدرة الشرائية.
إعلانواعتبر المغردون أن هذه الممارسات تمثل النقطة الأولى في سلسلة "هندسة التجويع المبرمج" التي تكتمل في النقطة الثانية عبر قيام بعض التجار، بالتعاون مع الاحتلال، بإدخال بضائع غير أساسية وهامشية إلى القطاع بهدف سحب السيولة وشفطها بالكامل من أيدي المواطنين، ليصبح رصيدهم النقدي صفرًا.
وأشار آخرون إلى أن هذه السياسات تهدف إلى جعل المواطنين أسرى انتظار المساعدات المجانية التي توزعها مؤسسات أميركية مدعومة من الاحتلال، في محاولة لخلق تبعية اقتصادية أولية تتحول لاحقًا إلى تبعية سياسية، تُفرض على الناس قسرًا، ضمن ما وصفوه بأنه "أكبر عملية هندسة تجويع اجتماعي وسياسي يشهدها قطاع غزة في التاريخ الحديث".
سحب العملة من السوقورأى مدونون أن سبب ارتفاع العمولة على سحب الأموال إلى نحو 40% يعود إلى قيام بعض التجار بشراء بضائع من الاحتلال عبر "تنسيقات خاصة" تُدفع نقدًا، حيث تصل قيمة هذه الدفعات إلى 6–7 ملايين شيكل دفعة واحدة، لشراء سلع مثل الهواتف المحمولة، والسجائر، والقهوة وغيرها.
وأوضحوا أن هؤلاء التجار يسحبون السيولة النقدية المتداولة والصالحة من أيدي المواطنين إلى خارج القطاع، محذرين من أن النسبة مرشحة للارتفاع في المرحلة القادمة لتتجاوز 50–60%.
عمولة سحب المصاري في غزة وصلت 40% وممكن توصل لـ60%، والسبب إنه في تجار بيشتروا بضايع من الاحتلال وبدفعوا نقد، فبسحبوا ملايين الشواكل من السوق، وهيك بيخلوا السيولة تختفي.
اللي بصير كأنه تطبيق عملي لخطة جدعون، اللي كان بدّه يمنع ورقة الـ200 شيكل من التداول بغزة.
— Atlas (@atlasurfav) June 8, 2025
خطة جدعون ساعر.. تجفيف السيولة "بنعومة"وفي السياق ذاته، اعتبر آخرون أن ما يجري يمثل التطبيق العملي للخطة التي اقترحها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قبل شهرين، والرامية إلى إلغاء ورقة الـ200 شيكل من التداول في قطاع غزة.
إعلانورغم فشل تنفيذ المقترح بشكل مباشر، فإن الاحتلال -وفق رأيهم- لجأ إلى سحبها تدريجيا وبأسلوب ناعم، فأدى ذلك إلى نقص السيولة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وزيادة نسبة الأوراق التالفة غير الصالحة للتداول.
اسرائيل تسمح للقطاع التجاري بالاستيراد (المحدود) شرط دفع التكاليف (كاش)
هذه خطة ساعر، يساعد التجار سواء بقصد او بدون قصد في تنفيذ هذه الخطة من خلال جمع السيولة من أسواق القطاع ودفعها للجانب الاسرائيلي، ما يعني أننا أمام أزمة سيولة خانقة وانفجار في عمولات السحب
حروب داخل الحرب
— Mohammad Shoaib Al-Farra (@mohshoaibfarra) June 8, 2025
وكان ساعر قد بادر إلى طرح الخطة، قبل أن يُبدي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تأييده لها، واصفًا إياها "بالممتازة"، معلنًا نيته مناقشتها مع محافظ البنك المركزي الإسرائيلي.
وزعم ساعر أن هذه الخطوة تستهدف تدمير القدرات الاقتصادية لحركة "حماس"، كونها تمتلك كميات كبيرة من هذه الفئة من العملة.
وأشار بعض المغردين إلى أن إلغاء ورقة الـ200 شيكل بشكل مباشر كان سيكون أسهل من سحبها التدريجي، معتبرين أن الحرب على المواطن الغزي متعددة الأوجه، ولا تقتصر فقط على القتل والتجويع، بل تهدف إلى الاستنزاف الدائم ومنعه من الشعور بالراحة أو الأمان، ليكون مهيأ في أي لحظة لسيناريو التهجير القسري.
"القتل البطيء" بالحرمان الماليوحلل ناشطون أن سحب السيولة النقدية من المجتمع يعكس قناعة الاحتلال بأن القصف وحده لا يكفي لكسر مجتمع متماسك، لكنه يرى في الحصار المالي أداة لتفتيت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وأوضحوا أن الاحتلال يسعى لتحويل غزة إلى مجتمع مفكك طبقيا (قلة تملك وكثرة تسأل)، ومجتمع منهك نفسيا لا طاقة له على المقاومة، يعتمد اقتصاديا على العدو، ويفقد استقلاله في القرار والمعيشة.
واعتبروا أن هذا الشكل من الحرب الصامتة يمكن تسميته "بالقتل البطيء بالحرمان المالي"، حيث لا يُعد سحب العملة مجرد إجراء اقتصادي عابر، بل سياسة احتلالية إستراتيجية تهدف إلى تقويض المجتمع من الداخل، وتحويله إلى مجتمع فاقد للثقة ومرهق وعاجز.
إعلانوأشاروا إلى أنه إذا لم تتدخل الأطراف الدولية والمنظمات الإنسانية لكسر الحصار المالي، فإن النتائج لن تقتصر على الفقر، بل ستصل إلى تفكك وجودي للمجتمع الفلسطيني، وارتفاع معدلات الخروج الطوعي والاستجداء وبيع الممتلكات مقابل الهجرة.
دعوات لتفعيل النظام الإلكترونيفي المقابل، اقترح مدونون تفعيل النظام المالي الإلكتروني في قطاع غزة، من خلال تشجيع المواطنين والتجار على شراء بضائعهم ودفع مستحقاتهم عبر التطبيقات البنكية، في ظل الارتفاع غير المسبوق في نسبة العمولة، وقيام جهات منظمة بسحب السيولة النقدية من السوق بشكل ممنهج.
كما طالبوا بصيانة النظام البنكي وعودة عمل البنوك ولو بشكل جزئي، إلى جانب استبدال العملات المهترئة، وإدخال السيولة النقدية إلى القطاع. وأكدوا أن هذه الخطوات تُعد أساسية في التخفيف من تبعات الحرب الاقتصادية، خاصة في ظل الجوع والفوضى المصاحبة لحرب الإبادة.
وتساءل المدونون عن غياب تدخل سلطة النقد الفلسطينية، وعدم اتخاذها خطوات فعلية بالتعاون مع البنوك الفلسطينية، لمواجهة أزمة شح السيولة النقدية التي تعصف بقطاع غزة منذ اندلاع الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات السیولة النقدیة أن هذه
إقرأ أيضاً:
داخلية غزة ستبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب منها الاحتلال
غزة - صفا أعلنت زارة الداخلية والأمن الوطني في غزة أن أجهزتها ستبدأ الانتشار في المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال الإسرائيلي بمحافظات القطاع كافة، والعمل الحثيث على استعادة النظام ومعالجة مظاهر الفوضى التي سعى الاحتلال لنشرها على مدار عامين. وأهابت الوزارة في بيان وصل وكالة "صفا"، يوم الجمعة، بالمواطنين جميعًا إلى المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، والابتعاد عن أية تصرفات قد تشكل خطرًا على حياتهم، وإلى التعاون مع ضباط وعناصر الأجهزة الشرطية والأمنية والخدماتية، حرصًا على أمنهم وسلامتهم. ودعتهم إلى الالتزام بكافة التوجيهات والتعليمات التي ستصدر عن الجهات المختصة في أجهزتها خلال الأيام القادمة وباركت الوزارة لشعبنا الفلسطيني في القطاع خاصة ولعموم شعبنا في أماكن تواجده كافة، اتفاق وقف حرب الإبادة التي استمرت عامين وقالت إن الاحتلال الإسرائيلي مارس خلال الحرب، شتى الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، لتكون هذه الحرب الشعواء الجريمة الأكبر التي ترتكب بحق شعب أعزل في العصر الحديث. وأضافت أن الصمود الأسطوري لشعبنا في قطاع غزة أمام آلة الحرب والإجرام الإسرائيلية، أكد مجددًا أنه الأجدر بالبقاء وبناء مستقبل أجياله من احتلال همجي زائل لا محالة. وأكدت أن دماء أطفالنا ونسائنا ستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية، لن تمحى مهما طال الزمن، وستظل شاهدة على همجية الاحتلال وداعميه، وأحقية شعبنا الفلسطيني في أرضه المروية بدماء أبنائه. وأشارت إلى أنها قدمت في هذه الملحمة التاريخية التي سطرها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة خيرةَ قادتها ومنتسبيها في ميدان شرف الخدمة لشعبنا الصامد. وتابعت "رغم بشاعة العدوان وقساوته وتجاوزه لكل المحرمات والأعراف والقوانين الإنسانية والدولية، أوفى قادة أجهزة الوزارة وضباطها ومنتسبوها بالقسم الذي قطعوه على أنفسهم في خدمة شعبهم ووطنهم، وكانت دماؤهم وأرواحهم برهانًا جديدًا على صدق انتمائهم وولائهم لهذا الشعب". وأوضحت أن الاحتلال ركز الاحتلال على استهداف الوزارة محاولًا بذلك ضرب أحد عوامل صمود شعبنا في وجه العدوان. وأردفت "بالرغم من الثمن الفادح الذي دفعته الوزارة من خيرة قادتها وضباطها إلا أنها بقيت تعمل بكل الإمكانات المتاحة في ظل ظروف بالغة التعقيد، وتصدت بكل ما تملك لمخططات الاحتلال في إشاعة الفوضى والفلتان داخل المجتمع الفلسطيني في القطاع.