تأتي أصوات آلات الحياكة الرتيبة الخافتة في خلفية المصنع، بينما يقوم عامل بتشذيب فراء قط بعناية باستخدام مقص. ويجرى على الطاولة المجاورة تنظيف الريش الناعم لببغاء، وفي الناحية المقابلة يقوم عامل آخر بحياكة المخالب كل واحدة على حدة، ليتم تثبيتها على قدمي باندا، ثم يقوم بإلقاء نظرة أخيرة شاملة ليتأكد من أن عيني الدمية تشعان بالبريق، ثم يوضع الحيوان في نهاية المطاف داخل صندوق تعبئة من الورق المقوى.

وفي خارج المصنع يندفع نهر مارا بتلك المنطقة الريفية من القطاع الشرقي من ألمانيا، ويقول هيلموت شاشته صاحب مصنع ألعاب الأطفال (79 عاما) إن "الدمى اللينة ذات الملمس الناعم تكون في الغالب مشحونة بمشاعر عاطفية"، وكان شاشته يعمل في السابق فنيا متخصصا في الآلات الزراعية، واستحوذ على مصنع "كوسنر إشبيلزوج" عام 1992، وتتولى ابنته إدارة النشاط التجاري للمصنع.

ويوضح شاشته فلسفة مصنعه للعب الأطفال، فيقول "إذا كنت طفلا فلن تحتاج لجمع 40 دمية لينة الملمس في فراشك"، ويضيف أن "الأكثر أهمية من ذلك هو إقامة علاقة ود مع دمى الحيوانات".

الأطفال الصغار يتعرفون على العالم من حولهم من خلال الألعاب المختلفة (وكالة الأنباء الألمانية)

واعتبارا من عام 1911، تم إنتاج الدمى لأول مرة في بلدة باد كوزين الألمانية، وأعقب ذلك صناعة لعب الأطفال ذات الملمس اللين، ولا يزال فريق العمل يقوم اليوم يدويا بصناعة دمى الحيوانات التي يمكن احتضانها، حيث يقوم الفريق بتجميع ما يصل إلى 130 قطعة متفرقة معا.

ويقول شاشته إن بعض أجزاء الدمية تكون صغيرة للغاية، لدرجة أن العمال يعلمون بالفعل أن الكمية القليلة من أمتار القماش، الموجودة في المخازن ستكفي احتياجاتهم لأكثر من 30 عاما.

وما زالت الآلات المستخدمة في المصنع قديمة الطراز ولم تشهد تطورا، وعلى سبيل المثال يشير شاشته إلى أن بعض الآلات المستخدمة في صناعة الشعر المستعار للدمى، تم إنتاجها في العام الذي ولد فيه.

إعلان

بيد أن عجلة الزمن لم تتوقف تماما في مصنع لعب الأطفال، فبالتعاون مع معاهد الأبحاث في ولايتي تورينجيا وساكسونيا، يقوم الآن فريق العاملين بالمصنع بتطوير دمي مزودة بتقنيات حديثة.

ويركز فريق البحث العامل في تطبيق شبكة "بيتبلاش" للتفاعلات الصوتية "على أشكال جديدة من التواصل بين الأطفال والدمى وقنوات للتفاعل بينهما".

وتقدم جامعة أنهالت الألمانية للعلوم التطبيقية وصفا للمشروع، يقول "دعونا نفترض أن الجدة وحفيدها يعيشان في مكانين مختلفين، ويريدان البقاء على اتصال مستمر بينهما، بشكل يتجاوز الهاتف والشاشة".

ويضيف الوصف "سيكون بحوزة كل منهما دمية لطيفة ذكية، يمكنها أن تسجل التغيرات في درجة الصوت والحرارة والحركة عن طريق أجهزة استشعار".

من المهم تعليم الأطفال استخدام الألعاب التي تساعدهم على التعبير عن أنفسهم للتغلب على الخوف (غيتي إيميجز)

ويسعى العلماء لاستكشاف كيف يمكن أن تساهم الدمى اللطيفة الذكية في تدعيم الروابط العاطفية بين أفراد العائلة الذين يقيمون بعيدا عن بعضهم البعض، عن طريق استخدام أشكال تخيلية للتعبير، وذلك وفقا لما يقوله أرنيه بيرجر المشرف على المشروع، وهو يشغل منصب أستاذ التفاعل البشري مع الحاسوب، بجامعة انهالت للعلوم التطبيقية ببلدة كوتين الألمانية.

ويضيف أنه من بين هذه الأشكال على سبيل المثال، أن يتسبب احتضان دمية لحيوان ما في التفاعل مع دمية لحيوان آخر، أو أن يجعل شعر فرائه ينتصب.

وتقوم وزارة التعليم لألمانية بتمويل المشروع بنحو 3.1 ملايين دولار، وبينما تكون أشكال الاتصال الرقمية الأخرى، مثل منصات التواصل الاجتماعي أو المؤتمرات التي تنظم بتطبيقات الفيديوكونفرانس، محدودة بالقنوات السمعية والبصرية يمثل المشروع طريقة لتسجيل البيانات، بديلة لتقنيات المراقبة، وفقا لموقع وزارة التعليم الألمانية.

إعلان

وهذا المشروع يمكن أن يعزز الروابط العاطفية بين أفراد العائلات، التي يعيش كل منهم في مكان مختلف عن الآخر، بدون أن يحل محل أي من الأشكال الأخرى للتفاعل الاجتماعي.

ومع ذلك، دعت السلطات الأمنية الألمانية إلى اتخاذ الحذر عندما يتعلق الأمر بألعاب الأطفال الذكية، قائلة إنه من جهة تساعد هذه النوعية من الألعاب الصغار على التعلم، ولكن من جهة أخرى يمكنها أن "تصبح جاسوسا في غرفة الأطفال".

ويوضح البروفسور بيرجر أن "ألعاب الأطفال الذكية، ينتج عنها نفايات خطيرة بسبب العناصر التقنية الداخلة في تركيبها، وبالتالي فهي ليست صديقة للبيئة، كما أنه ينبغي أن تكون الدمى اللينة قابلة للغسيل، حتى يمكن استخدامها لأطول فترة ممكنة".

ويعمل الباحثون مع معاهد النسيج في مناطق أخرى من ألمانيا أيضا.

ويشارك مصنع الألعاب في بلدة باد كوزين في هذه الأبحاث حتى الآن، وهو يقاوم إنتاج دمى متحركة أو متكلمة.

ويرى شاشته المتحدث باسم المصنع أنه بشكل عام، يحظى الأطفال بخيال واسع خاص بهم، ومع ذلك تشارك الشركة في مشروع البحث حيث ترى أنه سيكون له فائدة حقيقية.

بينما يقول مدير الإنتاج بالمصنع إلياس ستايجر "نحن شركة تقليدية لتصنيع لعب الأطفال، ولكن عندما يبدو الأمر ممكنا نحاول أن نستخدم التكنولوجيا"، ودرس ستايجر تقنيات النسيج والملابس بمدينة درسدن وهو يقيم بمنطقة المصنع.

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية شارك ستايجر في الأبحاث والابتكارات التقنية، بما فيها طرق إنتاج ورقمنة نماذج الدمى.

وبشكل عام صار من الصعب العثور على عمال في مجال صناعة ألعاب الأطفال، مع نقص العمالة الماهرة في ألمانيا، الأمر الذي يؤثر أيضا على مجال إنتاج لعب الأطفال.

ولا يستطيع أحد التكهن بالشكل الذي ستكون عليه الدمية المحشوة الذكية، التي ستخرج من مصنع بلدة باد كوزين، حيث إن المشروع أمامه عامان آخران ليرى النور.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحج حريات الحج ألعاب الأطفال لعب الأطفال

إقرأ أيضاً:

حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي

كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.

إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.

تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».

انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.

طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».

أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!

حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».

ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».

لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».

الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.

كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.

وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.

في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.

مقالات مشابهة

  • بينهم طفلان .. مصرع 3 أشخاص إثر انفجار مصنع للوقود الحيوي في الولايات المتحدة
  • افتتاح مصنع للعطور والبخور في مدينة ريسوت الصناعية باستثمار يتجاوز 3 ملايين ريال عُماني
  • إصابة إثنين من عمال مصنع إسمنت الوحدة برصاص مسلح في أبين
  • بالصور: فؤاد أبو عودة يصنع ألعاب الأطفال في ظل ظروف الحرب بغزة
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • وفد من جامعة البلقاء التطبيقية يزور مصنع “الدُرّة” للصناعات الغذائية
  • الصين تعزز استخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة الذكية
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • يهدد الصحة النفسية.. دراسة تحذر من آثار استخدام الهواتف ‏الذكية على الأطفال
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي