تخطيط المستقبل على الرمال.. كيف تحول الدولة الأراضي إلى أدوات إصلاح مالي؟
تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT
في لحظة تتقاطع فيها التحديات الاقتصادية مع الرؤى الإصلاحية، تتخذ الدولة المصرية قرارات محورية ترسم ملامح المستقبل المالي، وتُعيد ضبط إيقاع السياسة الاقتصادية.
وفي هذا السياق، جاء القرار الجمهوري الأخير للرئيس عبدالفتاح السيسي بتخصيص قطعة أرض ضخمة بمحافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، كخطوة استراتيجية تحمل في طياتها أبعادًا تتجاوز مجرد نقل ملكية عقارية، لتصل إلى عمق التوجهات الرامية إلى خفض الدين العام وتنويع أدوات التمويل، خاصة عبر الصكوك السيادية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
صدر القرار الجمهوري رقم 303 لسنة 2025، ونُشر في الجريدة الرسمية، وينص على تخصيص مساحة قدرها 41515.55 فدانًا، أي ما يعادل نحو 174,399,900 متر مربع، من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة، بمحافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية.
ويهدف هذا التخصيص إلى تمكين الوزارة من استخدام هذه الأصول العقارية في دعم خطط خفض الدين العام وإصدار الصكوك السيادية، وذلك وفقًا لما نص عليه القانون المصري من قواعد وإجراءات في هذا الشأن.
وتأتي هذه الخطوة في إطار توجه حكومي أوسع لتعزيز الشفافية المالية، واستغلال الأصول غير المستغلة كوسيلة للتمويل، بما يرفع من قدرة الدولة على تلبية التزاماتها وتحقيق توازن مالي أكثر استدامة.
أداة تمويل حديثة بخلفية شرعيةتُعد الصكوك السيادية واحدة من الأدوات المالية التي تتيح للحكومات الحصول على التمويل اللازم دون مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، حيث ترتبط بأصول حقيقية وتُستخدم في تمويل مشاريع بعينها، أو في دعم الميزانية من خلال موارد ملموسة.
وفي هذا السياق، صرّح وزير المالية المصري أحمد كجوك في أبريل الماضي أن مصر تخطط لإصدار صكوك سيادية بقيمة ملياري دولار خلال عام 2025، في خطوة تستهدف توسيع نطاق أدوات الدين وتخفيض تكلفته.
كما كشف مسؤول حكومي لموقع "العين الإخبارية" عن أن مصر عينت خمسة بنوك، من بينها ثلاثة بنوك خليجية، للقيام بدور المستشار المالي والمنسق الرئيسي في عملية الإصدار المزمع. وتشمل قائمة البنوك:
إتش إس بي سي (HSBC)سيتي بنك (Citi Bank)بنك دبي الإسلاميبنك أبوظبي الأولمصرف أبوظبي الإسلاميوستتولى هذه البنوك مهمة الترويج للصكوك من خلال ترتيب اجتماعات مع مستثمرين دوليين، بهدف ضمان نجاح عملية الطرح وجذب سيولة أجنبية تدعم الاحتياطي النقدي.
سندات مستحقة ومحدودية في الإصدارات الجديدةتأتي هذه الخطوة في وقت حساس بالنسبة للاقتصاد المصري، حيث تستعد الدولة لسداد سندات مستحقة بقيمة 1.5 مليار دولار خلال يوم واحد، بحسب بيانات وزارة المالية.
كما تلتزم الحكومة بعدم تجاوز حاجز 4 مليارات دولار من الإصدارات الدولية للديون خلال السنة المالية الحالية، في إطار سياسة تحوّطية تهدف إلى ضبط هيكل الدين وعدم إثقال كاهل الموازنة بمزيد من الالتزامات الخارجية.
يعد الفرق الجوهري بين الصكوك والسندات يتمثل في طبيعة الضمان. فبينما تُعد السندات التزامًا ماليًا عامًا على الجهة المُصدِرة، فإن الصكوك ترتبط بأصل عيني يُستخدم لضمان حقوق المستثمر.
وعادة ما تقدم عائدًا أقل مقارنة بالسندات، لكنها توفر أمانًا أكبر للمستثمرين بفضل ارتباطها بأصول حقيقية، مما يعزز الثقة في استرداد قيمة الاستثمار حتى في حال حدوث اضطرابات مالية.
كما أن الحكومة تهدف من خلال طرح الصكوك محليًا إلى استقطاب شرائح جديدة من المستثمرين الذين لا يتعاملون حاليًا مع أدوات الدين التقليدية مثل أذون الخزانة والسندات، وخاصة أولئك الباحثين عن أدوات متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
الدين الخارجي لمصر.. أرقام وتحليلاتأظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري أن إجمالي الدين الخارجي لمصر بلغ نحو 155.093 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024، مقارنة بـ 155.204 مليار دولار في سبتمبر من نفس العام، مما يعكس استقرارًا نسبيًا في مستوى الدين الخارجي.
وسجلت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 42.9% في ديسمبر، مقارنة بـ 40.8% في سبتمبر، كما بلغ متوسط نصيب الفرد من الدين الخارجي 1293 دولارًا بنهاية العام، بانخفاض طفيف عن 1294 دولارًا في سبتمبر.
وفيما يتعلق بخدمة الدين، أشار التقرير إلى أن مصر سددت خلال الربع الأخير من عام 2024 ما قيمته 13.354 مليار دولار، منها 1.861 مليار دولار فوائد، و11.492 مليار دولار أقساطًا مستحقة.
خطوة استراتيجية تدعم الاستقرار وترسّخ الثقةفي ظل هذه المعطيات، يُعد قرار تخصيص أراضٍ لصالح وزارة المالية خطوة ذكية ومدروسة تستهدف الاستفادة من الأصول غير المستغلة، وتوظيفها في دعم استقرار المالية العامة للدولة. كما يفتح الباب أمام توسيع قاعدة المستثمرين من خلال أدوات مالية مبتكرة ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مما يعزز ثقة الأسواق ويدعم تصنيف مصر الائتماني على المدى المتوسط والطويل.
إن ربط أدوات الدين بأصول حقيقية مثل الأراضي الحكومية لا يعزز فقط ثقة المستثمرين، بل يرسخ نهجًا جديدًا في إدارة الدين العام، يُبشّر بتحولات نوعية في هيكل التمويل الحكومي، تضع الاقتصاد المصري على مسار أكثر استدامة وقدرة على مواجهة التحديات.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الاقتصاد البحر الأحمر السيسي قطعة أرض الصكوك الصكوك السيادية الشریعة الإسلامیة الصکوک السیادیة الدین الخارجی وزارة المالیة ملیار دولار من خلال
إقرأ أيضاً:
مدبولي يتابع جهود اقتصادية قناة السويس:11.4 مليار جنيه إيرادات و8.6 مليار دولار تعاقدات استثمارية
التقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مساء اليوم، بمقر الحكومة بالعلمين الجديدة، وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس؛ لمُتابعة عددٍ من ملفات عمل الهيئة.
وخلال الاجتماع، استعرض وليد جمال الدين، تقريراً حول نتائج زيارته الترويجية الأخيرة بعدد من المقاطعات الصينية خلال الفترة من 21 يوليو إلى 25 يوليو الجاري، وذلك في إطار خطة الهيئة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات الصناعات المختلفة والطاقة الجديدة والمتجددة، والخدمات البحرية واللوجستية، مُشيراً إلى أن الزيارة تضمنت عقد عدد من الاجتماعات مع ممثلي كبرى الشركات الصينية، لافتاً إلى أنه خلال الزيارة تم توقيع عدد 6 عقود مع مختلف المستثمرين لمشروعات صناعية جديدة في قطاع الملابس والمنسوجات بقيمة 117.5 مليون دولار.
وخلال الاجتماع، استعرض رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس الموقف المالي للهيئة من حيث الإيرادات والفائض، وكذا الجهود الترويجية التي قامت بها الهيئة بدءًا من العام المالي 2022/2023 حتى يونيو 2025، مُشيراً إلى أن إجمالي الإيرادات الفعلية خلال العام المالي 2024/ 2025 بلغت 11.425 مليار جنيه، وتم تحقيق فائض لنفس الفترة بلغ 8.487 مليار جنيه، مُضيفاً أن الجهود الترويجية التي قامت بها الهيئة قد أسهمت في تحقيق تعاقدات فعلية في المشروعات الصناعية والخدمية واللوجستية بقيمة 7.09 مليار دولار لعدد 286 مشروعاً، بالإضافة إلى مشروعات الموانئ البحرية بقيمة 1.5 مليار دولار لعدد 11 مشروعاً، بإجمالي 8.6 مليار دولار لعدد 297 مشروعا.
كما تطرق جمال الدين، خلال الاجتماع، إلى موقف تنفيذ المشروعات المختلفة في المنطقة الاقتصادية بالعين السخنة والقنطرة غرب، مُشيراً في هذا الصدد، إلى أن الهيئة نجحت في جذب شركات عالمية لإقامة مشروعاتها بالمنطقة الصناعية بالسخنة في بعض القطاعات مثل الطاقة الجديدة، والصناعات الإلكترونية، والأدوية، ومكونات وقطع غيار السيارات والمكونات المعدنية، مُضيفاً أنه تم تنفيذ عدد 31 مشروعاً بالمنطقة الصناعية بالقنطرة غرب على مساحة 2 مليون متر مربع بإجمالي 799 مليون دولار تكاليف استثمارات، توفر 45 ألف فرصة عمل، لافتاً إلى تطور حركة الإنشاء للمشروعات الاستثمارية في المنطقة الصناعية بالقنطرة غرب لعدد من الشركات الأجنبية.
وفي السياق نفسه، استعرض رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس موقف الاستثمارات بالمنطقة الصناعية بالإسماعيلية شرق (وادي التكنولوجيا)، موضحًا أن تلك المنطقة تهدف إلى إنشاء مجتمع عمراني جديد يعتمد على النشاط الاقتصادي الناتج عن تفاعل الاستثمار والتدريب والبحث العلمي القائم على الصناعات ذات التقنية العالية؛ وتستهدف الهيئة جذب مشروعات في الأنشطة الصناعية والخدمية مثل: صناعة التكنولوجيا وأشباه الموصلات، صناعة الأجهزة الإلكترونية والمعدات الهندسية والآلات، الخلايا الشمسية الكهروضوئية، مراكز التدريب المهني، الصناعات التعدينية لرمال السيليكا والخامات الأولية للصناعة، مُضيفاً أن الهيئة نجحت في جذب استثمارات جديدة في الصناعات التعدينية للسيليكا ومواد البناء الحديث بإجمالي 43 مليون دولار استثمارات أجنبية.