حملة استيطان مسعورة لوأد حل الدولتين
تاريخ النشر: 12th, June 2025 GMT
تسعى حكومة اليمين الفاشي الإسرائيلية إلى استغلال الانشغال بحرب الإبادة الجماعية في غزة، وبأهوالها وبفظائعها وبتداعياتها المتواترة، لإجراء تغيير جوهري في الأوضاع في الضفة الغربية والقدس، لتحقيق مبتغاها في سلب الأرض الفلسطينية وتهجير السكّان، وتوسيع الاستيطان وتشييد حالة من «الردع المطلق» عبر القتل والتدمير، ومحاصرة الوجود الفلسطيني في منعزلات متناثرة في أرجاء الضفة.
لقد برز تعاون وثيق بين وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل عمليا «وزير الاستيطان» أيضا. فقد بادرا معا لتمرير إقامة 22 مستوطنة جديدة في المجلس الوزاري المصغّر، وقال سموتريتش: «هذا يوم عظيم للاستيطان ويوم مهم لدولة إسرائيل الاستيطان في أرض آبائنا هو الجدار الواقي لدولة إسرائيل»،
وأضاف كاتس «هذا القرار التاريخي يقوّي قبضتنا في يهودا والسامرة (الضفة)، ويرسي حقّنا التاريخي في أرض إسرائيل، وهو رد حازم على الإرهاب الفلسطيني.. هذه خطوة تاريخية تمنع إقامة دولة فلسطينية..هذا قرار صهيوني، أمني وقومي وحسم واضح لمستقبل البلاد».
وإذا كان في الماضي بعض التوتّر والخلاف بين سموتريتش ووزير الأمن السابق يوآف غالانت، وقائد المنطقة الوسطى (الضفة الغربية) السابق يهودا فوكس، فإنّه اليوم على انسجام تام مع وزير الأمن كاتس والقائد الحالي للمنطقة الوسطى الجنرال آفي بلوط المستوطن المنتمي إلى تيّار الصهيونية الدينية.
تسعة من المستوطنات التي يشملها القرار هي مستوطنات جديدة، والبقية بؤر استيطانية قائمة، تحظى بموجبه بالاعتراف الرسمي. وتتوزع المستوطنات الجديدة في مناطق الضفة الغربية كافّة، وجرى اختيار مواقعها لاعتبارات فرض التواصل الجغرافي بين المستوطنات، وقطعه بين المناطق السكنية الفلسطينية.
من هذه المستوطنات ثلاث في منطقة جنين، وأربع في منطقة الخليل، وخمس في غور الأردن، وثلاث في محيط نابلس، وخمس في منطقة رام الله، وواحدة في محافظة القدس وواحدة بالقرب من سلفيت. وتقع جميع هذه المستوطنات في عمق الضفة، في مناطق هي جزء من الدولة الفلسطينية، حتى وفق «صفقة القرن»، التي طلع بها ترامب في ولايته الأولى، ويبدو أنّه تراجع عنها ولم يعد يذكرها في ولايته الثانية. ترى قيادة المستوطنين، أن الظروف الحالية هي فرصة لا تعوّض، فالحكومة هي «حكومة مستوطنين» وليس فيها وزير واحد يخالفهم الرأي بشكل جدّي، والوزير المسؤول عن الاستيطان سموتريتش، هو ذاته وزير المالية وهو ممثّلهم ومندوبهم، وله سلطة قوية في استصدار قرارات بناء المستوطنات وضخّها بالميزانيات. بموازاة ذلك يراهن المستوطنون على أن إدارة ترامب تدعمهم، ويمكن التفاهم معها على مشروع الضم.
يخشى المستوطنون أن تؤدّي تغيّرات سياسية إلى إضاعة فرصتهم في «بسط السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة»، وعليه فهم في عجلة من أمرهم لتغيير الواقع في الضفة، عبر التهجير وسلب الأراضي وبناء المستوطنات.
ومع الحديث عن إمكانية إجراء انتخابات مبكّرة للكنيست، يسعى المستوطنون لاستباقها بتمرير قرار بالضم. خلال العامين الماضيين، ارتفع عدد المستوطنات «الرسمية» بنسبة 40%، فبعد القرار الجديد بإنشاء 22 مستوطنة، وصل عدد المستوطنات التي أقرّتها الحكومة الحالية إلى 50 مستوطنة، وزاد عدد المستوطنات من 128، قبل تشكيل الحكومة الحالية إلى 178 اليوم.
هذا ارتفاع غير مسبوق بما يزيد عن 15 ضعفا، عمّا كانت عليه وتيرة إقامة المستوطنات سابقا. ووفق الإحصائيات الأخيرة، وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى 530 ألفا، وفي القدس الشرقية إلى 240 ألفا وبالمجمل حوالي 770 ألف مستوطن، والأعداد في ارتفاع مستمر، والهدف هو الوصول إلى مليون مستوطن في الضفة الغربية، والغاية الاستراتيجية هي انقلاب ديموغرافي عبر «تشجيع» الهجرة الفلسطينية وتسريع تدفّق مستوطنين جدد الى الضفة الغربية باستخدام سلّة من التسهيلات والمحفّزات.
وفي سبيل إحكام السيطرة على الأراضي في منطقة «ج»، أقرت الحكومة الإسرائيلية فتح باب تسجيل الأراضي لدى «وحدة تسجيل الأراضي» التابعة لجيش الاحتلال، وإلغاء التسجيل الفلسطيني ومنع السلطة من مواصلة توثيق ملكية الأرض. وينص القرار الإسرائيلي على أن كل فلسطيني «يدّعي» ملكية أرض أن يأتي بالوثائق اللازمة لتسجيل الأرض، وكل أرض لا تسجّل، أو لا تثبت ملكيتها لشخص محدد، تتحوّل تلقائيا إلى «أراضي دولة».
وأعلن الناطقون بلسان الحكومة الإسرائيلية، أن الهدف وقف «استيلاء الفلسطينيين على الأراضي وتقوية الاستيطان». هذا القرار، بحد ذاته خطير جدا، فهو يعني عمليا سلب الغالبية الساحقة من أراضي منطقة «ج»، التي تشكّل 60% من الضفة الغربية، لكنه أخطر من ذلك لأنّه يفتح شهيّة الاحتلال على تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من أماكن سكناهم الحالية، ناهيك عن أن نسب الأراضي رسميا إلى الاحتلال يفتح الباب على مصراعيه لإنشاء المزيد من المستوطنات. ولا يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية بناء المستوطنات «الرسمية» على أراضيهم فحسب، فهناك عدد كبير من البؤر الاستيطانية غير الرسمية، وصل عددها إلى حوالي 130، وكذلك «المزارع الرعوية الاستيطانية»، وهما معا تسيطران على حوالي 15% من أراض الضفة. ويقوم المستوطنون يوميا بالاعتداءات على «جيرانهم» باقتلاع الأشجار وإشعال الحرائق في المزروعات، واقتحام البيوت والتنكيل بالمواطنين، وإطلاق النار عليهم بهدف منعهم من الوصول إلى أراضيهم.
دعم أمريكي
هناك تيار قوي التأثير في الإدارة الأمريكية، لا يكتفي بمساندة إسرائيل، بل يدعم الاستيطان والمستوطنين، ومواقف اليمين الإسرائيلي المتطرّف بشكل عام. وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق من أشد المؤيّدين للاستيطان وصرّح عام 2020 بأن المستوطنات مشروعة وقانونية، على غيار ما كان عليه الموقف الأمريكي الرسمي قبلها. الإدارة الأمريكية الحالية لم تغيّر هذا الموقف، بل اتضح في عدة مفاصل أنّها داعمة للاستيطان، ومن هذه المفاصل:
أولا، هي ألغت العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على عدد من غلاة المستوطنين
ثانيا، سمحت لبن غفير وسموتريتش وقادة المستوطنين بزيارة واشنطن وأجرى ممثلوها لقاءات مع بعضهم.
ثالثا، التزمت الصمت تجاه المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية، ولم تعرب عن تحفّظ، أو انتقاد كما فعلت الإدارات السابقة.
رابعا، عيّنت اليميني المتطرّف داعم الاستيطان والضم، هاكبي سفيرا لها في إسرائيل.
وفي اعتداءات المستوطنين المستمرة في الضفة الغربية، أفادت «وفا» أن «مستعمرين إسرائيليين اقتحموا سهل مرج سيع، الواقع بين قريتي المغير وأبو فلاح، شمال شرق رام الله (وسط)، وقطعوا أكثر من 70 شتلة زيتون تعود للمواطن وديع خالد علقم، و30 شتلة أخرى للمواطن ياسر جودت».
وحسب «وفا» نفذ المستعمرون الشهر الماضي، 356 عملية تخريب وسرقة لممتلكات فلسطينيين، طالت مساحات شاسعة من الأراضي، إذ تسببت هذه الاعتداءات باقتلاع 1068 شجرة منها 695 من أشجار الزيتون، في محافظات الخليل (جنوب) ورام الله والبيرة (وسط) وسلفيت وطولكرم ونابلس (شمال). وبالتوازي مع إبادة غزة، صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أدى إلى مقتل 973 فلسطينيا على الأقل، وإصابة نحو 7 آلاف، واعتقال ما يزيد على 17 ألفا، وفق معطيات فلسطينية.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الضفة الاستيطان حل الدولتين القدس القدس حل الدولتين الاستيطان الضفة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الضفة الغربیة فی منطقة
إقرأ أيضاً:
الكونتينر حاجز إسرائيلي يعزل جنوب الضفة الغربية
الكونتينر حاجز عسكري إسرائيلي يفصل مدن جنوب الضفة الغربية عن مدينتي القدس ورام الله والمدن الشمالية، ويقع على أراضي بلدة السواحرة في الجنوب الشرقي لمدينة القدس المحتلة.
وتتفنن إسرائيل في تعذيب الفلسطينيين المارين عبر هذا الحاجز، فضلا عن إغلاقه في أحيان كثيرة، مما يعزل -عن العالم- نحو مليون و100 ألف فلسطيني يقطنون في مدينتي الخليل وبيت لحم.
الموقعيجثم حاجز الكونتينر على أراضي بلدة السواحرة التي تقع في الجنوب الشرقي لمدينة القدس المحتلة، وتتبع محافظة القدس وتبعد عنها حوالي 3 كيلومترات، وتديره سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
ويقع الحاجز تحديدا في نهاية طريق وادي النار الذي يربط بيت لحم جنوبا والسواحرة شمالا، وهو طريق صعب وخطر يصل بين قمتي جبلين.
وكغيره من الحواجز الإسرائيلية، يساهم حاجز الكونتينر في تفتيت الضفة وتحويل قراها ومدنها إلى تجمعات معزولة عن بعضها البعض، مما يسهل على الاحتلال السيطرة عليها، والتنكيل بالفلسطينيين ومنعهم من التواصل فيما بينهم.
وقد بدأ تشغيل حاجز الكونتينر عام 2002 إبان عملية "السور الواقي" التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على الضفة، وقد بات من ضمن منشآت عسكرية أقامها الجيش الإسرائيلي على أراض صادرها من بلدة السواحرة.
وبداية عمله كان "الكونتينر" عبارة عن حاجز تفتيش، لكن بعد فترة وجيزة حوله جيش الاحتلال إلى نقطة عسكرية ثابتة، ولم يكن يسمح للفلسطينيين باجتيازه إلا مشيا.
إعلانوعام 2003، سمح جيش الاحتلال بمرور الشاحنات والسيارات العمومية عبر هذا الحاجز. وعام 2007، سمح بمرور السيارات الخاصة.
التسميةيُعزى سبب تسمية الحاجز إلى وجود حاوية شحن (كونتينر) قربه تعود لأحد السكان الفلسطينيين، وكان يستخدمها مقصفا صغيرا لبيع المشروبات والوجبات الخفيفة للمسافرين الذين يتنقلون عبر طريق وادي النار في تلك المنطقة.
وبعد سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة أزالت الحاوية وأقامت حاجزا عسكريا في المكان، وأطلقت عليه اسم "معبر كدرون" لكن الفلسطينيين احتفظوا للحاجز باسم "الكونتينر".
إجراءات أمنية
يتمركز على هذا الحاجز يوميا نحو 6 جنود إسرائيليين يتحكمون في حركة آلاف الفلسطينيين وسياراتهم، وهو الطريق الوحيد أمام السكان الفلسطينيين المتجهين من مدن وبلدات جنوب الضفة إلى مدينتي القدس ورام الله والمدن الشمالية.
وهذا الحاجز محاط بأسلاك شائكة وحواجز إلكترونية، إضافة إلى بوابات حديدية يمكن إغلاقها في أي وقت، فضلا عن كاميرات دقيقة ترصد أي شخص يمر من الحاجز.
وتضع قوات الاحتلال متاريس للسيارات في حاجز الكونتينر إضافة إلى نقطة عسكرية ثابتة، وتحظر على الفلسطينيين المشاة المرور عبر الحاجز إلا بأمر منها، وأي فلسطيني يحاول اجتياز الحاجز راجلا قد يطلق عليه جنود الاحتلال الرصاص الحي.
تنكيل واسعيمزق حاجز الكونتينر أوصال الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ يفصل قرى ومدن جنوب الضفة عن مدينتي القدس ورام الله والمدن الشمالية.
ويتعين على كل فلسطيني يرغب في التوجه إلى مدينتي الخليل وبيت لحم -أو القدوم منهما- المرور بهذا الحاجز، ويخضع للتفتيش الدقيق، ويستغرق عبوره ساعات طويلة.
وتخضع طوابير السيارات -ومنها سيارات الإسعاف- التي تجتاز هذا الحاجز للتفتيش الدقيق حسب مزاج الجنود الذين يتفننون في تعذيب المرضى والشيوخ والأطفال والنساء من خلال إجبارهم على الوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة ساعات طويلة، أو إعاقة مرور مركباتهم من خلال التدقيق الطويل والبطيء في الهويات.
إعلانولم يسلم الطلبة من هذه الانتهاكات، فجيش الاحتلال يعيق وصولهم إلى جامعاتهم في الوقت المناسب، من خلال توقيفهم وتسليمهم أوامر لمراجعة المخابرات.
وتغلق قوات الاحتلال هذا الحاجز في بعض الأحيان أياما طويلة، خاصة في حال وقوع عملية فدائية في إحدى المستوطنات أو القرى القريبة منه.
وتضطر هذه العراقيل الفلسطينيين لتسلق الجبال العالية والحادة إلى بلدة السواحرة من أسفل الوادي لتجاوز الحاجز، مما يعرضهم لمخاطر عدة أبرزها إطلاق النار من قبل دوريات جيش الاحتلال المتحركة.
أحداث شهدها الحاجزيشهد حاجز الكونتينر اعتداءات وانتهاكات إسرائيلية خطيرة بحق الفلسطينيين، كإطلاق النار عليهم، وفي بعض الأحيان اقتيادهم إلى معسكرات الاعتقال والتحقيق.
ففي يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، توفيت الطفلة نور عفانة (14 عاما) من بلدة أبو ديس شرقي القدس المحتلة، وكانت من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعدما أعاق جنود الاحتلال المتمركزين على الحاجز تحرك المركبة التي تقلها لمستشفى بيت جالا الحكومي لتلقى العلاج.
كما أعدم جنود الاحتلال عددا من الفلسطينيين على حاجز الكونتينر، ففي يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 استشهد الشاب أنس الأطرش بعدما أطلق عليه جنود الاحتلال النار بدم بارد، بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن في الحاجز.
ويوم 23 يونيو/حزيران 2020، استشهد الشاب أحمد عريقات بعدما أطلق عليه جنود الاحتلال النار إثر انحراف سيارته عن مسارها بشكل بسيط، وزعموا أنه حاول تنفيذ عملية دهس.
تصاعد المعاناةتصاعدت انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته على الفلسطينيين المارين عبر حاجز الكونتينر، بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ يتعمد الجنود إغلاقه بشكل يومي وساعات طويلة دون أي سبب.
ويضطر السكان إلى سلك طرق ترابية شديدة الوعورة، تستهلك من وقتهم ساعات طويلة ممزوجة بالتعب والخوف، حتى يتمكنوا من الوصول إلى أعمالهم.
إعلانكما زاد الاحتلال من اعتداءاته على الفلسطينيين أثناء مرورهم عبر هذا الحاجز واعتقالهم، واحتجاز هوياتهم وتفتيش أمتعتهم وإلقائها على الأرض.