الهند والمأزق الأوكراني في قمة الـ20
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
ربما لم تجد نيودلهي نفسها يوماً في مأزق سياسي كالمأزق الذي تعيشه منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، ونعني بذلك مأزق الاختيار بين الغرب وروسيا، لقد كتب الكثيرون في هذا الموضوع وأشبعوه بحثاً، لكنه يعود مجدداً إلى الواجهة مع استضافة الهند لقمة مجموعة العشرين.
كان الغرب يأمل أن تراجع الهند نفسها بحيث تعطي ظهرها لروسيا
وللتذكير، فإن نيودلهي لم تقم بإدانة موسكو صراحة لاجتياحها أوكرانيا، ورفضت التصويت مع قرارات أممية ضد روسيا في مناسبات عدة، ما تسبب في صدمة للأوكرانيين وحلفائهم الغربيين.
ولعل أقوى موقف هندي مسجل هو قول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر 2022 إن "الزمن اليوم ليس زمن حروب".
حرصت الدبلوماسية الهندية على السير على خيط رفيع بين الغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى بحيث لا تخسر أياً منهما، وإنْ أكدت على أهمية احترام مبادىء الأمم المتحدة والقانون الدولي ذات الصلة باحترام سيادة وسلامة أراضي الدول، وعبرت في بعض المناسبات عن عدم رضاها عما يجري في أوكرانيا.
فروسيا شريكتها الإستراتيجية القديمة منذ زمن السوفييت، ومصدر الجل الأعظم من ترسانتها العسكرية، بينما الغرب في مقدمة شركائها التجاريين والاقتصاديين ومصدر الاستثمارات والتكنولوجيا الحديثة المتطورة ونحو 30 % من وارداتها من الأسلحة المتطورة، علاوة على أن الغرب شريك محوري للهند في إستراتيجيات التصدي لتمدد غريمتها الصينية في المحيطين الهندي والهادىء.
لقد كان الغرب يأمل أن تراجع الهند نفسها مع مرور الوقت وتغير مواقفها بحيث تعطي ظهرها لروسيا، وكان الرهان هو على عوامل مثل تأثرها بتعطل سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الغذاء، وعجز المصانع الروسية عن مدها بالسلاح وقطع الغيار في ظل الحرب، وتزايد اعتماد روسيا على الصين كحليف من أجل تخفيف العقوبات القاسية المفروضة عليها.
إذ برهنت الأحداث أن روسيا بالنسبة للهند قوة جيوسياسية بارزة لا يمكن التفريط في صداقتها ودعمها الدبلوماسي والتسليحي، خصوصاً في ظل احتفاظ النخبة السياسية الهندية بعلاقات متجذرة على مدى عقود مع الروس، وليس أدل على ذلك من تصريح وزير الخارجية الهندية سوبرامانيام جايشانكار (خلال زيارته لموسكو في نوفمبر الماضي) من أن بلاده ترتبط مع روسيا بعلاقات "قوية وثابتة"، ثم رفضه المطلق خلال مقابلاته مع الإعلام الغربي لفكرة الضغط على الهند كي تغير مواقفها لصالح هذه الجهة أو تلك، وتأكيده على أن نيودلهي صاحبة قرار مستقل وتتبنى المواقف التي تعزز مصالحها الوطنية العليا، وتتمسك بمبدأ تنوع شراكاتها الإستراتيجية، ناهيك عن تلميحه إلى أن بلاده تؤيد وتدعم فكرة "نظام عالمي متعدد الأقطاب" التي يدعو لها الكرملين.
وغني عن القول إن نيودلهي بهكذا مواقف كسبت روسيا ولم تخسر الغرب، الذي لحاجته إلى ثقلها الإقليمي في إستراتيجيات التصدي للعملاق الصيني، غضت الطرف عن تعاملاتها التجارية مع الروس ولم تعاقبها، فراحت تحصل على النفط الروسي بأسعار منخفضة في تجارة صبت في مصلحة المشتري والبائع معاً، بل إن مواقفها الحذرة هذه أكسبها أيضاً اهتماماً كبيراً تمثل في تحولها إلى بؤرة زيارات ونشاطات لمسؤولين روس وغربيين.
نعم، لقد ظلت الهند في موقف لا تحسد عليه منذ اندلاع الحرب الأوكرانية لجهة محاولة تحقيق التوازن بين العديد من التهديدات والمصالح والأولويات المختلفة، لكنها تبدو اليوم مع استضافتها لقمة العشرين عازمة على اتخاذ مواقف أكثر حيادية، مع تفهم أكبر لوجهة نظر أوكرانيا، التي تفادى مودي ووزراؤه ذكرها في بياناتهم وتصريحاتهم، من منطلق أنه مع انحياز الصين المتزايد لروسيا، يمكن للهند الاستفادة من حيادها في لعب دور قيادي.
ومن هنا، يمكن فهم أسباب قيام نائبة وزير الخارجية الأوكراني "أمينة جباروفا" بزيارة نيودلهي في أبريل 2022 في أول زيارة لمسؤول أوكراني للهند منذ اندلاع الحرب، حيث أدلت بتصريح قالت فيه إن الحرب كان لها تأثير عالمي، وبالتالي لا ينبغي النظر إليها كمجرد قضية أوروبية، مضيفة أنه يمكن للهند أن تلعب دوراً في حل الصراع.
والواضح هنا أن كييف، التي لم تتحمس كثيراً لمقترحات السلام الصينية ووصفتها بالمنحازة، تثق أكثر في الهند كوسيط للسلام، وهو أمر كان على نيودلهي أن تفكر فيه قبل بكين كونها تحتفظ بعلاقات طيبة وتعاون قديم مع مختلف أطراف الأزمة.. إلى ذلك أرادت المسؤولة الأوكرانية أن تشجع الهند على دعوة رئيسها فولوديمير زيلينسكي إلى قمة العشرين كي يعرض خطته للسلام ذات النقاط العشر، وعلى ضم صوتها لصوته بغية إطلاق نداء عالمي للوصول إلى حل من منبر الدول الأكثر نفوذاً اقتصادياً
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
صفقة طائرات رافال للهند.. زوجة فرانسوا هولاند وقصة الفن المغلف بالفساد
منذ 2021، يجري تحقيق قضائي فرنسي عن تقاطعات مثيرة بين مصالح تجارية وفنية وعلاقات شخصية مرتبطة بالرئيس السابق فرانسوا هولاند، مما يعيد الجدل المحيط بصفقة بيع مقاتلات "رافال" الفرنسية للهند عام 2016.
في مقال بصحيفة "ميديابارت" الفرنسية، يستعرض كارل لاسكي تفاصيل تمويل أحد الأفلام التي شاركت في إنتاجها الممثلة والمنتجة جولي غاييه (زوجة هولاند) من قبل رجل الأعمال الهندي أنيل أمباني، الشريك الصناعي الرئيسي في صفقة "رافال".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2انطلاق "محاكمة القرن" في البرتغالlist 2 of 2اعتقالات جديدة تطال 3 رؤساء بلديات في تركياend of listويقول الكاتب إن التحقيق القضائي الجاري بشأن تمويل أمباني (الشريك الهندي لشركة داسو) فيلما لغاييه يضع هولاند وزوجته تحت ضغط متزايد، مما يفتح الباب للتساؤل عما إذا كان الرئيس الفرنسي السابق ستستجوبه شرطة مكافحة الفساد.
ويتمتع هولاند بحصانة رئاسية وفقا للمادة 67 من الدستور، التي تنص على عدم مساءلة الرئيس عن الأفعال التي قام بها خلال فترة ولايته، إلا في حال تقديمه للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية أو المحكمة العليا. غير أن ذلك لا يمنع استدعاءه شاهدا، كما حدث مع نيكولا ساركوزي الذي استُدعي تحت تهديد أمر إحضار في محاكمة قضية الاستطلاعات المتعلقة بالإليزيه في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وقبل انطلاق التحقيق القضائي، الذي فُتح عام 2021 على خلفية شكوى قدمتها منظمة غير حكومية تُدعى "شيربا" بصفتها طرفا مدنيا، قال فرانسوا هولاند إنه سبق أن أدلى بأقواله بخصوص هذه القضية.
وأوضح الكاتب أنه منذ ذلك الحين، أدت المعطيات التي جمعتها الهيئة المركزية لمكافحة الفساد والجرائم المالية والضريبية خلال الفترة بين 2023 و2024 إلى إضعاف موقف هولاند، الذي عاد ليصبح نائبا في البرلمان عام 2024.
وكشفت صحيفة ليبراسيون عن أن زوجة هولاند (الممثلة والمنتجة جولي غاييه) استجوبتها الهيئة نفسها في إطار التحقيق المتعلق بقطاع السينما في القضية، بتاريخي 16 و31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بصفتها "موضوع استجواب حر".
إعلانويُشتبه في ضلوع غاييه في جرائم استغلال النفوذ بشكل سلبي وتبييض الفساد، بعد تلقيها تمويلا بقيمة 1.65 مليون يورو (1.94 مليون دولار) للمشاركة في إنتاج فيلم، وقدمه رئيس مجموعة "ريلاينس"، أنيل أمباني، الذي أبرم في ذلك الوقت -بصفته شريكا هنديا لشركة داسو- عقد بيع طائرات رافال ضمن اتفاقية حكومية بين فرنسا والهند.
وفي سبتمبر/أيلول 2018، وفي معرض سؤال من موقع "ميديابارت" عن هذه الصدفة الغريبة، أكد هولاند أنه "لم يكن على علم إطلاقا" بشراكة مؤسسة زوجته مع مجموعة أمباني، وأن معرفته به اقتصرت فقط على مشاركته في صفقة طائرات رافال.
وقال هولاند حينذاك إن "الحكومة الهندية هي التي اقترحت مجموعة ريلاينس للخدمات، وداسو هي التي تفاوضت مع أمباني. لم يكن لدينا خيار سوى قبول الطرف الذي تم تقديمه لنا. ولهذا السبب، لا يحق لهذه المجموعة أن تقدم لي أي معروف من أي نوع. لم أستطع حتى تخيل وجود أي صلة مع فيلم لجولي غاييه".
وأشار الكاتب إلى أنه بالرغم من ذلك، فإن تسلسل الأحداث في القضية لا يصب لمصلحة هولاند وزوجته، إذ حافظ رجل الأعمال الهندي وراعي الفيلم، على مدى ما يقرب من عام، على علاقاته مع المنتجة من جهة، ومع زوجها الرئيس السابق من جهة أخرى.
والتقت غاييه رجل الأعمال أمباني في فندق بريستول يوم 26 أبريل/نيسان 2016، قبل أن تنظم عشاءً في الإليزيه بحضور هولاند يوم 12 يونيو/حزيران 2016.
وتزعم غاييه -رغم كل الأدلة- أن هولاند لم يتعرف على رجل الأعمال، ولم يكن يعلم بصفته. ثم في إطار رسمي، التقى فرانسوا هولاند مرة أخرى أنيل أمباني في قصر الإليزيه في فبراير/شباط 2017.
ووفقا لمعطيات التحقيق، فإن الشبهات الموجهة إلى غاييه تُعرِّض هولاند أيضا للمساءلة.
ويستبعد الكاتب عدم دراية الرئيس الفرنسي آنذاك وجهازه الرسمي بإعلانين عامين: أولهما، بيان صادر عن شركة ريلاينس بتاريخ 24 يناير/كانون الثاني 2016، أعلن خلاله شراكة مع مؤسسة جولي غاييه، تزامنا مع وصول الرئيس الفرنسي إلى نيودلهي في زيارة رسمية استمرت 3 أيام. والثاني، مقال نشره موقع "إنتليجنس أونلاين" في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بعنوان "شريك صفقة رافال في دلهي" كاشفا فيه عن أن "ريلاينس" ستتولى تمويل أفلام غاييه القادمة.
وورد اسم "ريلاينس" في أجندة غاييه منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أي قبل عامين من صدور الفيلم، وتقرّ غاييه بأن أمباني كان يعلم منذ البداية أنها زوجة رئيس الجمهورية. وقالت: "أستطيع أن أؤكد لكم أنه بعد وقت قصير من تواصلي مع ريلاينس بشأن موضوع الفيلم، كان أحد المستثمرين البارزين في ريلاينس على علم بهوية غاييه".
وذكر الكاتب أنه خلال التحقيقات طرح المحقق سؤالا بشأن سبب انضمام رجل الأعمال الهندي أنيل أمباني في 12 يونيو/حزيران 2016 إلى المنتجة جولي غاييه والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على مائدة عشاء في قصر الإليزيه.
وردا على ذلك قالت غاييه إن "ذلك كان عشاء أُقيم في الشقق الخاصة بقصر الإليزيه، بحضور أمباني وابنه، إلى جانب أصدقاء مقرّبين يتحدثون الإنجليزية".
وأضافت: "إذا كنت قد وجهت الدعوة إلى أمباني، فذلك لأنني أقوم بذلك غالبا مع فرق العمل المشاركة في أفلامي، لكن في هذه المناسبة كان العشاء في الإليزيه، في الجناح الخاص، لأنني كنت أقيم هناك". وأشارت إلى أن الهدف من العشاء كان "خلق أجواء دافئة وودية".
إعلانوفي معرض استجوابها عن سبب عدم تساؤل الرئيس هولاند عن حضور السيد أمباني، لا سيما أن هذه الشخصية رافقت رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال زيارة رسمية إلى فرنسا عام 2015، قالت غاييه: "أعتقد أنه لم يتعرّف عليه ولم يربط بين الأمرين، لأنه كان مرتبطا بي وبمشروعي السينمائي".
وخلال جلسة استماع جديدة بعد 15 يوما، أوضحت غاييه أن موضوع تمويل الفيلم لم يُطرح خلال ذلك العشاء.
وخلال مطالبتها بتفسير سبب قبول رئيس الجمهورية آنذاك تناول العشاء في شقته الخاصة مع شخص لم يخضع لأي تدقيق من قِبل أجهزة الإليزيه -رغم أنه كان يُعرف عن هولاند قربه من وزير المالية السابق ميشال سابين، الذي أصدر خلال ولايته قانون "سابين 2" المتعلق بالشفافية ومكافحة الفساد وتحديث الحياة الاقتصادية- أجابت غاييه: "لا يمكنني التحدث باسمه. مآدب العشاء الخاصة كانت تُعلن لدى أمانة رئيس الجمهورية، لكي تُدرج في جدول مواعيده. لم تكن تمر عبر البروتوكول أو المستشارين. وأوضح لكم أنني كنت أحيانا أُقيم مآدب عشاء في الشقق الخاصة من دون أن أذكر أسماء ضيوفي، سواء للبروتوكول أو لأي جهة داخل الإليزيه".
وخلال تفتيش هاتف غاييه، لاحظ المحققون أنها سجلت في جدول مواعيدها "عشاء مع أنيل" بتاريخ 16 يونيو/حزيران 2016. كما تبين أنها تحتفظ بأرقام رجل الأعمال وابنه ورئيس شركة ريلاينس الثاني والوسيط المصرفي الفرنسي. وأشاروا إلى استمرار هذه العلاقات عبر تبادل رسائل نصية ودية بين عامي 2020 و2023.
ورغم ذلك، فإن غاييه نفت وجود علاقة شخصية تربطها بأمباني، قائلة: "كان يرسل لي التهاني لسنوات عدة بمناسبة قدوم السنة الجديدة نتيجة لعلاقتنا الطيبة بعد لقائنا". وقد حولت شركة ريلاينس أموال إلى حسابات الإنتاج التنفيذي للفيلم في مارس/آذار 2018، أي بعد 3 أشهر من عرضه في قاعات السينما.
ذعر حقيقيوبيّن الكاتب أنه في إطار دفاعها، حرصت غاييه على التبرؤ من الفيلم ومن عمليات الإنتاج وحتى الإخراج. وحسب تصريحات المخرج سيرج حازانافازايس، فإن الفيلم كان مشروعا أشرفت عليه المنتجة منذ انطلاقه. وقد تواصل اثنان من الممولين من لوكسمبورغ، فريدريك ومايكل رايشلينغ، مع غاييه عام 2011 من أجل "تطوير مشروع مشترك مع كيف آدامز".
وحسب الكاتب، فإنه رغم ظهور اسم شركة ريلاينس في قائمة المنتجين، فإن شركة الاستثمار "فيسفيرز كابيتال" لعبت دور الوسيط بين ريلاينس والإنتاج التنفيذي، حيث تم تحويل الأموال عبر ترتيب مالي معقد.
واختتم الكاتب تقريره بالإشارة إلى أنه في سبتمبر/أيلول 2018، أكدت غاييه لموقع ميديابارت أن شركة "ماي فاميلى" هي التي طلبت من ريلاينس، عبر شريكها "فيسفيرز"، المشاركة في التمويل. وأوضحت أن "استثمار ريلاينس في الفيلم بنسبة 10% من الميزانية جاء بمبادرة من ماي فاميلى فقط، وبشروط مشابهة لباقي المستثمرين".