كانت زيارة اليمن الأسبوع الماضي فرصة للاطلاع عن كثب على التحديات التي ازدادت حدتها مؤخراً في اليمن الشقيق، بما في ذلك الهدنة التي أصبحت أكثر هشاشة من أي وقت مضى، فبعد 15 شهراً من إعلانها في 5 أبريل (نيسان) 2022. يتصاعد العنف على عدد من الجبهات في غياب تقدم ملموس من الأمم المتحدة لتثبيت وقف إطلاق النار أو بدء الحل السياسي، أو بوادر حل للاقتصاد المتدهور أو الأزمة الإنسانية التي تزداد عمقاً وشراسة.

 

وهناك إحباط ملموس لأن الحكومة اليمنية نفّذت تعهداتها بموجب اتفاق الهدنة، فتم فتح مطار صنعاء للرحلات الدولية، وازدادت حركة الواردات إلى ميناء الحديدة، بما في ذلك شحنات الوقود، ولكن لم يقابِل ذلك تنفيذ الحوثيين التزاماتهم سواء نحو الحل السياسي أو فتح الطرق أو فك حصار تعز الذي دخل عامه التاسع، وذلك فضلاً عن الخروقات العسكرية المتكررة للهدنة.

 

ويقول اليمنيون إن آمالهم في أن تخفيف التوتر مع إيران قد يؤدي إلى انفراجة في اليمن لم تتحقق، خصوصاً في ضوء التشدد الحوثي إزاء الوساطة السعودية - العمانية. فبعد هدوء نسبي في بدايات الهدنة، بدأ الحوثيون بالتصعيد العسكري مؤخراً، ففي إحاطة المبعوث الأممي لمجلس الأمن في شهر يوليو (تموز) أشار إلى تجدد الهجمات على محافظات الضالع، وتعز، والحديدة، ومأرب، وشبوة، وأضاف -مشيراً إلى تصريحات قادة الحوثيين دون أن يسميهم- أن «هذه الهجمات المتكررة، مصحوبة بالتهديدات العلنية بالعودة إلى الحرب واسعة النطاق، تزيد من التوترات والمخاوف».

 

ومنذ إحاطة غروندبرغ، ازدادت حدة الهجمات الحوثية على مناطق سيطرة الحكومة. فخلال الأسابيع القليلة الماضية هاجم الحوثيون محافظات مأرب ولحج والضالع وتعز، بما في ذلك ثلاث هجمات صاروخية متزامنة في 30 أغسطس (آب) على مخيمات النازحين في مأرب، واستأنف القناصة الحوثيون نشاطهم على خطوط التماس في مناطق أخرى.

 

وتعد منظمات دولية الحصار الخانق لثلاثة ملايين من البشر في تعز إحدى أخطر الكوارث الإنسانية، ففي تقرير للمنظمة الحقوقية (الأورومتوسطى لحقوق الإنسان) قالت إن سكان تعز يعانون نقصَ الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الطعام والدواء، وتعرضهم للقتل أو الإصابة من قذائف الحوثيين وقناصتهم، ووصفت المنظمة الحصار بأنه «نوع من العقاب الجماعي ضد المدنيين يمكن عدّه جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني».

 

فبدلاً من تنفيذ ما يخصهم من اتفاق الهدنة، رفع الحوثيون سقف مطالبهم، مستخدمين العنف للضغط على الحكومة لدفع مرتبات الموظفين الذين يعملون في مناطق سيطرتهم، وطالبوا بحصة من دخل البترول الذي كانت الحكومة تقوم بتصديره من الموانئ الخاضعة لسلطتها، في حين يرفض الحوثيون التخلي عن أي حصة من الموارد التي يحصلونها في مناطقهم، مثل الجمارك ورسوم الموانئ والاتصالات وجميع أنواع الجباية التي يقومون بها. وقد عرضت الحكومة إحالة ما يحصّله الجانبان إلى البنك المركزي لدفع المرتبات، ولكنَّ الحوثيين رفضوا هذا المقترح.

 

وبهدف إجبار الحكومة إلى الانصياع، قصف الحوثيون في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي موانئ تصدير البترول، مما أدى إلى توقف عمليات التصدير حتى الآن. ومن دون دخل البترول لم تتمكن الدولة من موازنة حساباتها، ولولا تقديم المملكة العربية السعودية في أول شهر أغسطس (آب) منحة بمبلغ (1.2) مليار دولار لما استطاعت الحكومة تنفيذ التزاماتها الأساسية، كما يقول الأشقاء اليمنيون. ولكن مثل هذا الإجراء يحل الأزمة وقتياً فقط، فالمطلوب استئناف الصادرات في أسرع وقت لتوفير حل طويل المدى. ولمعالجة النقص الحاد في الطاقة، استمرت المملكة العربية السعودية كذلك في تقديم شحنات الوقود لضمان استمرار محطات الكهرباء في العمل.

 

وبسبب انخفاض دخل الحكومة فإنها قد لا تتمكن من تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، فالملايين من اليمنيين يواجهون اليوم أزمة إنسانية تتفاقم يومياً، خصوصاً في البيئات الهشة، مثل مخيمات النازحين، حيث يوجد نحو مليونين منهم في محافظة مأرب فقط، وأصبحت الأزمة أكثر حدة بعد أن قلصت منظمات الإغاثة العالية مساعداتها، بما في ذلك برنامج الغذاء العالمي.

 

أما التنمية الاقتصادية فقد تراجعت مع تقلص قدرة الحكومة على تمويل مشروعاتها، كما أن الجمود في المسار السياسي دفع الكثير من الجهات المانحة والمستثمرين إلى التوقف. ففي مواجهة المجهولات الأمنية والسياسية، رأوا تجميد قرارات الدعم والاستثمار أو تخفيضها، وقصر مساهماتهم على تمويل أعمال الإغاثة، أو توجيهها إلى أماكن أخرى في العالم مثل أوكرانيا، وهو أمر يُشعر اليمنيين بالمرارة.

 

وفي هذه الأثناء يستخدم الحوثيون التصعيد العسكري وتفاقم الأزمة الإنسانية وسائل ضغط على الجانب الحكومي والمجتمع الدولي للاستجابة لمطالبهم المتزايدة.

 

ولهذا فإنه خلال زيارة الأسبوع الماضي لم نجد سوى تفاؤل ضئيل بأن الوضع سيتحسن ما لم يكن هناك ضغط حقيقي على الحوثيين لخفض التصعيد وتنفيذ التزاماتهم والانخراط في مفاوضات السلام.

 

وهناك الكثير من العتب على الأمم المتحدة للتحرك بسرعة أكبر على المسار السياسي، والأمل الكبير بأن يـهُبّ المانحون، بما في ذلك دول مجلس التعاون والصناديق الإقليمية، لمساعدة اليمن على التعامل مع هذه الأزمة السياسية الأمنية الإنسانية، خصوصاً في ظل تقليص المنظمات الدولية مساعداتها لليمن الذي في جاء في الوقت الخطأ حقاً.

 

وأمام هذه التحديات فإن التحرك نحو السلام في اليمن يتطلب جهوداً مكثفة ومنسقة على أربع جبهات على الأقل. فالأمم المتحدة تحتاج إلى التحرك بسرعة أكبر على المسار السياسي ولا تسمح لمطالب الحوثيين بإبطاء هذا المسار. وثانياً يتعين على اليمن وشركائه أن يَجدوا طريقاً سريعاً لاستئناف تصدير البترول لمساعدة الحكومة على سد عجزها المالي. وثالثاً، من المهم أن تكثف المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي جهودها لمساعدة اليمن على تعظيم موارد الدولة وتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها. وأخيراً فإن من الضروري أن تراجع منظمات الإغاثة الدولية قراراتها بتقليص المساعدات لليمن.

 

ولتحقيق هذه الأهداف أصبح استكمال تنفيذ اتفاق الرياض أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى لتعزيز وحدة الصف أمام التعنُّت الحوثي، ومن ناحية أخرى فإن التنسيق بين الجهات المانحة، وكذلك بين أصدقاء اليمن، ضرورة ملحة كذلك. فمن دون وحدة الصف بين الأشقاء اليمنيين وتنسيق جهود أصدقاء اليمن فإن الحوثيين سيستمرون في عرقلة أي جهود حقيقية لإنقاذ اليمن من محنته.

 

* الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات بمجلس التعاون لدول الخليج العربية


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن العويشق الأزمة اليمنية مجلس التعاون الحوثي بما فی ذلک فی الیمن

إقرأ أيضاً:

الدفاع البريطانية تنفي صحة إعلان "الحوثيين" استهداف سفينة "دايموند" البريطانية في البحر الأحمر

أفادت وزارة الدفاع البريطانية اليوم الأحد بأن التقارير التي نشرتها حركة "أنصار الله الحوثيون" اليوم حول استهداف المدمرة البريطانية "دايموند" غير صحيحة.

إقرأ المزيد "الحوثيون" يعلنون استهداف مدمرة بريطانية وسفينتين تبحران إلى موانئ إسرائيلية (فيديو)

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية: "هذه الادعاءات لا تتوافق مع الحقيقة".

وأفادت هيئة التجارة البحرية البريطانية بوقوع هجوم على سفينة في السواحل اليمنية بخليج عدن.

وأعلن "الحوثيون" في وقت سابق اليوم تنفيذ 3 عمليات في البحرين الأحمر والعرب استهدفت الأولى المدمرة البريطانية "دايموند" وسفينتين أخريين "انتهكتا قرار حظر الوصول إلى الموانئ الإسرائيلية".

وقال الناطق العسكري باسم "الحوثيين" العميد يحيى سريع في بيان: "انتصارا لمظلومية الشعب الفلسطيني وردا على مجزرة النصيرات في قطاع غزة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي يوم أمس السبت، نفذت القوة الصاروخية عملية عسكرية استهدفت المدمرة الحربية البريطانية دايموند في البحر الأحمر وذلك بعدد من الصواريخ الباليستية وكانت الإصابة دقيقة".

ومنذ نوفمبر، شن الحوثيون عشرات الهجمات بالصواريخ والمسيّرات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب، يعتبرون أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، ويقولون إن ذلك يأتي دعما للفلسطينيين في قطاع غزة في ظل الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وفي وقت سابق، أكد الحوثيون استعدادهم لمعركة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، مشددين على أنهم يفرضون سيطرة كاملة على الممرات المائية في البحر الأحمر وبحر العرب، وفق تعبيرهم.

وردا على ذلك شكلت الولايات المتحدة وحلفاؤها قوة عسكرية للتعامل مع ضربات الحوثيين، حيث شنت الطائرات الأمريكية والبريطانية ضربات عدة على مناطق متفرقة من اليمن، فيما ينفذ الجيش الأمريكي مهمات منفصلة عن أي تحالف بحري بالمنطقة.

المصدر: تاس + RT

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة ترفض اتهامات الحوثيين "المشينة"
  • زواج المصلحة.. الحوثيون يزودون حركة الشباب الصومالية بالأسلحة
  • اعترافات واتهامات شبكة التجسس الأمريكية التي أعلنها الحوثيون.. ما لم يتمكن المتهمون من قوله؟
  • الحوثيون يتهمون 14 منظمة أممية ودولية بتوفير غطاء لشبكة تجسس أمريكية-إسرائيلية
  • الحوثيون يعلنون ضبط شبكة تجسس على علاقة بأمريكا وإسرائيل
  • ٣٠ قتيلا على الأقل من المهاجرين الأفارقة غرقوا قبالة اليمن
  • اختطفوا مدراءها.. الحوثيون يضعون أيديهم على كبرى شركات الدواء في اليمن
  • باكستان.. مقتل سبعة جنود نتيجة انفجار عبوة ناسفة
  • الدفاع البريطانية تنفي صحة إعلان "الحوثيين" استهداف سفينة "دايموند" البريطانية في البحر الأحمر
  • بالفيديو.. الحوثيون يعلنون تنفيذ عمليات جديدة في البحر الأحمر