ملتقى شبهات وردود بالجامع الأزهر يناقش قضية الأمن الاقتصادي في الإسلام
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
عقدَ الجامع الأزهر حلقة جديدة من ملتقى «شبهات وردود»، التي جاءت بعنوان «الإسلام والأمن الاقتصادي»، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
وحاضر في ملتقى هذا الأسبوع، الدكتور فياض عبد المنعم، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة بنين جامعة الأزهر، والدكتور رمضان محمد أحمد الروبي، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، والدكتور محمود الصاوي، الوكيل السابق لكليتي الدعوة والإعلام الديني بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء الشيخ أحمد سنجق، رئيس قسم القرآن الكريم والتجويد بالجامع الأزهر.
وقال فياض عبد المنعم إن الإسلام هو النظام الكامل الذي ارتضاه الله - تبارك وتعالى- لإسعاد البشرية، فهو الذي يحل كل مشاكل البشرية، والإسلام له توجيهات وقيم اقتصادية ونظام اقتصادي، وقد شهدت الأمة الإسلامية على مدار نحو ثمانية قرون ازدهارًا عظيما في الاقتصاد، شهد به أعداء الإسلام.
وتابع أستاذ الاقتصاد: إن للإسلام قواعده المتميزة، وتشريعاته الناجحة في علاج المشكلة الاقتصادية، وقد وردت كلمة «الأمن» مصدرًا في القرآن في خمسة مواضع، كما وردت اشتقاقاتها في أكثر من موضع، وقد أسس النبي ﷺ العديد من المؤسسات الاقتصادية كمؤسسة الزكاة وغيرها ليعم الأمن الاقتصادي في الدولة الإسلامية.
أهم مقاصد الإسلامأكد الدكتور محمود الصاوي، أن الأمن الاقتصادي من أهم مقاصد الإسلام، فهو المدخل للحياة المادية وسبيل الاستمرار فيها، ففيه المأكل والمشرب والملبس والدواء وغير ذلك، وتتجلى أهمية الاقتصاد أنه إذا أصابه خلل على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع تختل معه الحياة، ولذلك جاءت الأحكام الإسلامية المتنوعة التي تراعي الأمن الاقتصادي.
وأضاف «الصاوي»، إذا فُقد الأمن فقدت الحياة، لقد زخرت الآيات القرآنية بالعديد من المواضع التي وردت بها كلمة الأمن بمشتقاتها سواء أكانت مدنية أم مكية، مما يدل على اهتمام التشريع بالأمن اهتماما بالغا، كما اهتمت الشريعة الإسلامية بالاقتصاد والاعتدال في جميع أمور الحياة ومتطلباتها، قال تعالى «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ».
ولفت الدكتور رمضان الروبي، إلى أهمية الأمن بصفة عامة وأنه من ضروريات الحياة والتي لا يهنأ الإنسان في العيش بدونها، وكذلك الأمن الاقتصادي بصفة خاصة لأن الأمن الاقتصادي هو الذي تقوم عليه الحياة، فقد اهتم الإسلام اهتمامًا بليغًا بقضية الأمن وذلك في العديد من الآيات القرآنية.
وكذلك وردت الآثار النبوية التي تبين أهمية الأمن؛ فحينما تحدث رسول الله ﷺ عن قضية الأمن قال" من أصبح آمنًا في سربه، معافًا في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"، فكلمة سِربه بكسر السين وسكون الراء تعني النفس، وبفتح السين والراء تعني الطريق، وبفتح السين وسكون الراء تعني البيت، وعليه فالإنسان الذي يملك الأمن في نفسه وبيته وطرقه معافًا في بدنه، ويملك قوت يومه فقد حاز الدنيا بتمامها، فالأمن والعافية هما قاعدتا النعم كلها، فلا فائدة بدونهما.
وأوضح الشيخ أحمد سنجق، أن الأزمات الاقتصادية قد تجاوزت البلدان وأصبحت عابرة للقارات، فكان لزاما على الأزهر الشريف بيان المنهج الإسلامي في علاج المشكلة، ولقد حبا الله مصر بالأمن من الخوف فقال تعالى «وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ»، وبشرها بالأمن من الجوع فجعلها خزائن الأرض، قال تعالى «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ»، لذا وجب علينا شكر هذه النعمة، كما أن الإسلام تناول قضية الكسب والإنفاق ووضع ضوابط لكل منهما ووضع الحدود التي تحفظهما من الخلل.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الجامع الأزهر الأمن الاقتصادي الأزهر الأمن الاقتصادی
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر: الاستهداف الممنهج للصحفيين بغزة يهدف لإسكات صوت الحقيقة
ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الثلاثاء، كلمة في افتتاح مؤتمر «قمة الإعلام العربي»، الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ولفيف من القيادات الإعلامية العربية.
أعرب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لـ«قمة الإعلام العربي» بدبي، عن تمنياته للقائمين على المؤتمر والمشاركين بالتوفيق في الوصول إلى استراتيجية إعلام عربي مشترك قابلة للتطبيق، وقادرة على التعبير عن واقع هذه الأمة، وعن آلامها ومآسيها، وقادرة على حماية شبابنا، وقد أوشك على الوقوع فريسة في شباك منصات رقمية تتحكم في توجيه مشاعره وعواطفه، وتعمل -جاهدة- على تغييبه عن واقع أمته وعن مواجهة تحدياتها، بل وأوشكت أن تزين له سوء عمله بهدم الفوارق وإزالة الحدود بين الفضيلة والرذيلة في أذهان كثيرين منهم، ومع تسويق شعارات زائفة وشديدة الإغراء، مثل: التقدم والانفتاح والحرية والحداثة ونبذ الرجعية والظلامية والتخلف، وشعارات أخرى أصابت بلادنا بشيء غير قليل من الأمراض المجتمعية التي أثرت بالسلب على الذوق العام والفطرة السليمة، واضطربت بسببها معايير الحٌسن والقبح، وموازين الخطأ والصواب.
وأكد الإمام الأكبر أن العرب والمسلمين قد عانوا من رسائل وتقارير إعلامية شوهت صورتهم في مرآة الغرب، بعد ما ربطت بين الإسلام وبين العنف والتطرف، وظلم المرأة، وصورته -زورًا وبهتانًا- في صورة «حركة اجتماعية» أو «أيديولوجية سياسية» تدعو للعنف والتعصب والكراهية والتمرد على النظام العالمي.
لافتًا أن الإعلام الغربي قد تولى كبر هذه المفتريات، ولا يزال يمارسها حتى يوم الناس هذا، مستشهدًا بما سجله الكاتب والمفكر الفلسطيني المسيحي المنصف: الدكتور إدوارد سعيد في كتابه الذائع الصيت: «تغطية الإسلام»، حيث يقول في وصف تناول الإعلام الغربي لهذا الدين، الذي يدين به ما يقرب من ملياري مسلم في شرق العالم وغربه، يقول: «لقد أظهرت البحوث الدقيقة أنه لا يكاد يوجد برنامج تلفزيوني في وقت الذروة دون عدة حلقات تحتوي على صور نمطية عنصرية، ومهينة للمسلمين، وبالتالي يعتبر المسلم الواحد ممثلا لجميع المسلمين وللإسلام بشكل عام».
وشدد على أن الكثير من الصور المضللة قد تسللت إلى بلاد العرب والمسلمين، والتي انعكست آثارها –سلبا واستلابًا- على خطابنا الإعلامي العربي، واستخدمت في سبيل هذه الخطة شخصيات من بني جلدتنا برعوا في تصدير ثقافة زائفة، تعني بنقد كل ما هو عربي المنشأ أو إسلامي الفكر والتوجه، ما زاد من جسامة التحديات الراهنة، وفي مقدمتها توسيع الفجوة بين وعينا المعاصر، وبين تراثنا الذي كان أمس القريب من أقوى مصادر عزنا وفخارنا وصمودنا في وجه العابثين بماضي هذه الأمة وبحاضرها.
وحول ما يؤرق المهمومين بهموم العرب والمسلمين، قال الإمام الأكبر: "ما أظن أن منصفًا –في الشرق أو في الغرب- يتمارى في أن القضية التي يجب أن تدور حولها ماكينة الإعلام العربي صباحًا ومساءً، هي: قضية «غزة» وما نزل بساحتها من عدوان ودمار، وما صاحبها من انتهاكات بشعة أنكرتها شعوب العالم ولازالت تنكرها وتزدريها وعلى مدى تسعة عشر شهرًا متواصلة"، مؤكدًا على تزايد الأهمية القصوى والمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الإعلام العربي، ودوره في الكشف المستمر عن مظلومية أصحاب الأرض وأصحاب الحق، وإبراز صمود هذا الشعب وتشبثه بأرضه، وإبقاء قضية فلسطين شعلة متقدة في وجدان شعوب العالم شرقًا وغربًا، وأن من واجب الإنصاف أن نقدر وأن نرحب بما نشهده اليوم من تغير في مواقف دول كثيرة من دول الاتحاد الأوربي حيال ما حدث ولا يزال يحدث في غزة، ونحيي كثيرا يقظة ضميرهم الإنساني النبيل.
ووجه التحية إلى الموقف العربي الصامد في مواجهة آلة العدوان، والساعي لوقف فوري لإطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية رغم تغطرس الاحتلال، وإلى كل أحرار العالم الذين يرون فيما يحدث جريمة إنسانية يجب وقفها علي الفور، مشددًا على أننا لا نزال بانتظار الكثير من جهود إعلامية مكثفة تٌبذل لمواجهة الظاهرة اللقيطة المسماة بظاهرة: «الإسلاموفوبيا»، والتصدي لآثارها السيئة في الشارع الغربي، رغم أنها لا تعدو أن تكون وهمًا أو خيالًا مريضًا صنعت منه تهاويل لتشويه صورة الإسلام والحط من مبادئه التي تقوم على السلام والعيش المشترك، رغم ما هو ثابت من حقوق الإنسان والحيوان والنبات والجماد في شريعة الإسلام، ولا نعرف له مثيلا في قوانين وأنظمة وسياسات معاصرة ما دام تغنى بها واضعوها، وعيرونا بافتقادها، وما إن جاءت كارثة شعب غزة حتى انكشف الغطاء وسقط القناع، وما خفي كان أعظم وأطم.
وأضاف شيخ الازهر أن حملات الإعلام الغربي تعدت مهمة تشويه الإسلام، وما نشأ في ظلاله من حضارة كبرى يعرف الغربيون قيمتها وقدرها وإسهامها في تنوير البشرية، وتعليمها وترقيتها، إلى مهمة أخرى هي: محاولة الطعن في ثوابت حضارة الشرق وأصول أخلاقياتها واجتماعها الإنساني والأسري، والدعوة إلى طمس معالم هذه الأخلاق، وقد نادت هذه الحملات بالحرية الشخصية أولا حتى لو أدى ذلك إلى تدمير الأسرة وتغيير شكلها، واستبدالها بأنظمة أخرى تضرب حقوق الأطفال في مقتل، وتبيح اقتراف ما حرمته الشرائع، بل الذوق الإنساني والأعراف البشرية، وسمحت بأن يتزوج الرجل الرجل، والمرأة المرأة، جنبًا إلى جنب إلى تسويغ الإلحاد والتمرد على فطرة التدين، وفي مسعى يهدف إلى تجفيف كل منابع القوة والاستقلال ومشاعر الاعتزاز بالشخصية العربية والإسلامية، وكل ذلك، أو بعضه، جدير بأن يضع في رقابنا جميعًا -وبخاصة الإعلاميون- أمانة التفكير الجاد في كيفية التصدي لهذه الرياح المسمومة وإنقاذ شبابنا وأوطاننا مما تحمله من عوامل الاستلاب والفناء والذوبان.
كما أكد الإما الأكبر أن التطور التقني والتكنولوجي الذي يشهده عصرنا الحاضر، في مجال الذكاء الاصطناعي لا بد أن يحاط بسياج من المسؤولية الأخلاقية والضوابط المهنية، وذلك حتى لا ينقلب إلى وحش كاسر يهدد الإنسانية بأسرها، والمسؤولية هنا تقع على عاتق الخبراء والمشرعين، وعليهم وحدهم حراسة هذه التقنيات من الانحراف عن غاياتها الصحيحة، انطلاقًا من مبادئ إنسانية بعيدة كل البعد عن أغراض الهيمنة والسيطرة والغزو الثقافي، مشيرًا إلى مشروع إصدار وثيقة جامعة حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، الذي كان قد بدأه مع الأخ الراحل البابا فرنسيس، وكانت على وشك الظهور لولا أن الأقدار شاءت -برحيل البابا- ترتيبًا آخر، مؤكدًا استمرار التواصل مع الفاتيكان في عهدها الجديد لإتمام هذا المشروع.
واستحضر شيخ الأزهر في ختام كلمته مأساة الصحفيين الفلسطينيين، وغيرهم ممن شاءت أقدارهم أن يدفعوا حياتهم ثمنا لشرف الكلمة وحرمة الحقيقة وتصوير الواقع دون تدليس أو تزوير، وقد استشهد منهم ما يزيد على مائتي إعلامي على تراب غزة، وآخرون غيرهم ممن أصيبوا بجروح بالغة، أو ممن بترت أطرافهم، أو هدمت بيوتهم، أو فقدوا أسرهم، أو تشردت عائلاتهم، مؤكدًا أن الاستهداف الممنهج للصحفيين في غزة إنما يهدف إلى إسكات صوت الحقيقة، ومنع الصورة الشاهدة والفاضحة لبشاعة العدوان، وطمس الأدلة وتضليل العدالة والحيلولة دون توثيق الجرائم التي ترتكب آناء الليل وأطراف النهار. ومن هذا المنطلق دعى فضيلة الإمام الأكبر كل من ينتسب إلى مهنة الإعلام النبيلة، أن يشارك في وضع استراتيجية إعلام عربي، تكون درعًا يحمي الحق، ويصون قيم الأمة ويحفظ هويتها.