لجريدة عمان:
2025-07-29@19:58:39 GMT

السباق العسكري في عصر الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT

يتبادر إلى أذهاننا المفهوم السائد أن العلم يقود البشرية إلى الازدهار، ويسهم في تطوير حضارتها، ويجعل البعض هذا المفهوم مسلّمة لا تزرع الشك بوجود أي جانب مظلم للطفرات العلمية غير المحكومة بقواعد الأخلاق؛ كون التطور العلمي يسهم في حل مشكلات كثيرة في حياتنا، ويمنحنا الأمل في حل ما صَعُبَ حله في ماضينا، إلا أن هذا المفهوم لم يعد مقبولا عند البعض بشكل مطلق؛ إذ يرى البعض أن العلم بطفراته المتنامية والسريعة -في بعض حالاته- يتحرك بتهور دون قيود وقواعد أخلاقية واضحة؛ فنجد العلم يتحرك وفق مصالح تجارية وسياسية تتجاوز في كثير من حالاتها المعايير الأخلاقية لصالح الأرباح المالية والهيمنة السياسية؛ فتحدّ من استقلالية العلم والعلماء وصرامة النظام الأخلاقي في المنهج العلمي؛ فبمجرد أن يفقد العلماء سلطتهم الأخلاقية فإنَّهم لا يملكون قرارتهم العلمية الأخلاقية التي يمكن لها أن توجّه العلم لمشروعاته الصميمة التي ترعى مصلحة الإنسان وقيمه؛ فيفقد العلم مفهومه السائد، ويكون أداة دمار شاملة كما سنرى في هذا المقال الذي سيتناول استعمالات الذكاء الاصطناعي في القطاعات العسكرية بشتّى أنواعها، وآثاره السلبية التي ينبغي الالتفات إليها وإدراك مخاطرها الوجودية قبل فوات الأوان.

سبق التطرق إلى بعض مخاطر الذكاء الاصطناعي -في مقال نشرته الأسبوع المنصرم- التي أصبحت واقعًا مقلقًا، وهذا النوع من المخاطر الذي تناولته الأسبوع الماضي كان فيما يخص تهديدات الأنظمة الذكية للخصوصية الفردية والأسس الأخلاقية للمجتمعات بعد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على تزييف المقاطع المرئية والصوتية، ونتائجها السلبية على الأفراد والمجتمعات، وما يمكن أن تسببه من آثار نفسية ومجتمعية سلبية، أما المخاطر الحالية والمتصاعدة بسبب وجود نماذج الذكاء الاصطناعي في القطاع العسكري وتوابعه؛ فهي تهديدات تتجاوز العامل النفسي والاضطراب السياسي والمجتمعي؛ لتمتد في تهديد حياة الإنسان ووجوده، ويمكن تقسيم هذه المخاطر إلى 3 مجموعات؛ فهناك تهديدات تتمثل في تطوير أسلحة حربية مباشرة -مثل الأسلحة النووية والصورايخ والدبابات والطائرات بأنواعها- تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتهديدات تتعلق بتمكين الذكاء الاصطناعي في صناعة أسلحة بيولوجية -تُستعمل سلاحا في حالة الحرب المباشرة أو غير المباشرة- فتّاكة، وتهديدات تتعلق بالأمن السيبراني وأمن المعلومات، وما يترتب عليه من تأثيرات اقتصادية وسياسية.

بدأت مؤخرا تخرج للعلن العديد من المشروعات العسكرية التي تتبنى صناعة أسلحة حربية تعمل وفق خوارزميات الذكاء الاصطناعي -وما خفي أكثر مما أعلن عنه-، ودخل بعض هذه الأسلحة حيّز التطبيق العملي رغم أن وجود أنظمة الذكاء الاصطناعي في الأسلحة ليس حدثًا جديدا يتزامن مع صعود الذكاء الاصطناعي وانتشاره، بل سبق للولايات المتحدة الأميركية تطوير صواريخ حربية موجهة بواسطة الذكاء الاصطناعي، واستعملتها في هجومها على العراق فترة حرب الخليج الثانية -عملية عاصفة الصحراء- في بداية تسعينات القرن العشرين كما ذكر «ستيوارت راسِل» في كتابه «ذكاء اصطناعي متوافق مع البشر»؛ فحينها -مع بدء استعمال الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات العسكرية- لم تكن تطبيقات الذكاء الاصطناعي محصورة داخل مراكز الأبحاث سواء السرية أو العلنية، بل كانت المؤسسات العسكرية والأمنية -في الدول الكبرى- تسعى للبحث عن سبل التطبيق لهذه الأنظمة في مجالاتها العسكرية. نأتي إلى حاضرنا -الذي لم يعد من السهل إخفاء كل التطويرات العسكرية في ظل عالم تتسارع فيه وتيرة انتقال المعلومة- الذي يشهد تطويرات عسكرية مخيفة تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي مثل الطائرات بدون طيّار «الدرون» التي يمكن لبعضها أن يحلّق لمسافات وساعات طويلة، ويحمل صواريخ، ويشنّ هجوما على أهداف أرضية، وتعمل خوارزمية الذكاء الاصطناعي على توجيه الطائرة وتحديد الأهداف المطلوبة عبر تقنيات تحليل الصور أثناء المسح الجوي المباشر أو عبر البيانات التي يتلقاها من الأقمار الصناعية، وكذلك عبر القدرة العالية في تمييز الأهداف وانتقائها وفق معايير محددة مسبقا أثناء مرحلة التدرب على البيانات. تأتي كذلك الصورايخ الموجّهة -وأخطرها القادرة على حمل الروؤس النووية- بواسطة الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورا من النسخ السابقة التي استعملت في نهايات القرن الماضي. أُعلنَ كذلك قبل فترة عن اقتراب تدشين دبابات ذاتية القيادة والهجوم تعمل عبر الذكاء الاصطناعي، وجنود آليين يعتمدون على أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويعملون محاربين بديلا عن الجنود البشر؛ لتقليل الخسائر البشرية للجيوش التقليدية (البشرية) التي تتكبدها المؤسسات العسكرية، وكذلك وجود نوع آخر من الجنود الذي يُمثّل التوأمة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي؛ حيث يكون الجندي -البشر- مزودا بأنظمة ذكية لمضاعفة قدراته في التحليل والمناورة العسكرية يشمل التحفيز الذهني والنفسي عبر ربط الدماغ بأنظمة ذكية توفر له هذه القدرات، وسبق الحديث في مقال سابق عن مشروع توأمة الإنسان والذكاء الاصطناعي. يشكّل هذا النوع من الأسلحة مخاطر تتجاوز حدود عملها العسكري؛ إذ من الممكن أن تتطور خوارزمياتها لتتجاوز المعايير الأخلاقية؛ فتكون الأهداف المدنية بجانب الأهداف العسكرية أهدافا أيضا لهذه الأسلحة الذكية التي تعمل على الإبادة البشرية -خصوصا الأنواع الفتّاكة مثل الأسلحة النووية- دون أيّ هوادة وخيارات بشرية تصل بأيّ مبادئ أخلاقية.

لا تقتصر الوسائل العسكرية والأسلحة في جانبها الآلي والناري بل تشمل الأسلحة البيولوجية التي استعملت من قبل بعض الجيوش والدول في حروب سابقة، وبوجود الذكاء الاصطناعي وقدراته الفائقة بوجود أنظمة حاسوبية ورقمية متقدمة مثل الحوسبة الكمومية التي تضاعف من قدرات الذكاء الاصطناعي التحليلية فإن القدرة والسرعة على ابتكار أسلحة بيولوجية خطيرة ستكون عالية مثل استحداث أوبئة فتّاكة سريعة الانتشار. ومن الوسائل العسكرية الأخرى التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعمل فيها أنظمة الأمن السيبراني التي يمكن أن تعمل وفق استراتيجية الهجوم والدفاع معا؛ فيستطيع الذكاء الاصطناعي شنّ هجوم سيبراني على أنظمة حاسوبية ورقمية مهمة -حتى مع وجود أنظمة تشفير قوية-؛ مما يؤدي إلى تعطيل أنظمة عسكرية حساسة، وأنظمة مالية وبنكية تشلّ اقتصاد الدول ونظامها المالي، وفي المقابل يمكن استعمال الذكاء الاصطناعي في توفير الحماية السيبرانية العالية عبر أنظمة البحث المستمرة عن أي ثغرات مخفية، ورفع كفاءات التشفير وتحديثه المستمر. يحمل المستقبل بشأن الصناعات العسكرية مفاجآته المخيفة بتضاعف شراسة الأسلحة، ومع بلوغ الذكاء الاصطناعي مرحلته العامة «الخارقة»، وتوفّر الأنظمة الحاسوبية الحاضنة مثل الحوسبة الكوانتمية؛ فإن هذه الطفرات الرقمية إن لم تجد لها حوكمة صارمة؛ ستقود البشرية إلى دمار غير معهود، وهذا ما حذّر منه علماء وخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي والأمين العام للأمم المتحدة قبل عدة أشهر.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بواسطة الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی التی یمکن

إقرأ أيضاً:

عائدات AT&T تتضاعف نتيجة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي

في وقت أصبحت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي تسيطر على مشهد التكنولوجيا – من Galaxy AI إلى Apple Intelligence – يبدو أن شركات الاتصالات بدورها تراهن بقوة على هذه الثورة، وعلى رأسها شركة AT&T التي باتت تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافها التشغيلية والمالية.

 عائد مضاعف واستراتيجية تقود إلى توفير 3 مليارات دولار

بحسب تصريحات الشركة، فإن كل دولار استثمرته AT&T في الذكاء الاصطناعي التوليدي عاد عليها بعائد مضاعف، في خطوة تعكس النجاح الفعلي لهذه الاستثمارات.

وتستهدف الشركة تحقيق وفورات مالية تصل إلى 3 مليارات دولار سنويًا بحلول نهاية عام 2027، عبر دمج حلول الذكاء الاصطناعي في مختلف قطاعاتها.

 دمج الذكاء الاصطناعي في جميع مستويات العمل

تحدث آندي ماركوس، كبير مسؤولي البيانات والذكاء الاصطناعي في AT&T، لمجلة Forbes، موضحًا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرًا على الفرق التقنية، بل أصبح جزءًا من سير العمل اليومي في كافة أقسام الشركة. 

ومنذ انضمامه إلى AT&T عام 2020، يقود ماركوس استراتيجية الذكاء الاصطناعي التي تشمل الخدمات الموجهة للمستهلكين، والأعمال، والوظائف الداخلية.

وحتى الآن، أكمل أكثر من 50,000 موظف تدريبات رسمية على الذكاء الاصطناعي، بينما تُشغّل الشركة أكثر من 600 نموذج من نماذج التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي ضمن بيئاتها الإنتاجية، وتُراجع آلاف حالات الاستخدام الخاصة بالذكاء الاصطناعي التوليدي.

 تطبيقات عملية تعزز الكفاءة وتحسّن تجربة العملاء

تشمل استخدامات الذكاء الاصطناعي في AT&T مجالات مثل كشف الاحتيال، منع المكالمات المزعجة، تحسين عمليات التوزيع الميداني، وأداة موظفين تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي تحمل اسم Ask AT&T. 

وتهدف هذه التطبيقات إلى رفع كفاءة العمل الداخلي وتحسين تجربة العملاء على حد سواء.

وتُدار هذه الجهود من خلال إطار حوكمة صارم وتعاون بين الأقسام المختلفة، مع التركيز على سلامة البيانات، لا سيما وأن الشبكة تنقل يوميًا نحو 900 بيتابايت من البيانات، ما يستدعي إدارة مسؤولة وحذرة.

 المرحلة القادمة: أنظمة ذكية تتخذ قرارات ذاتية

تُخطط AT&T للدخول في المرحلة التالية من تطوير الذكاء الاصطناعي، وهي الأنظمة العاملة ذاتيًا (Agentic Systems)، والتي يُمكنها اتخاذ قرارات بشكل مستقل. ويرى ماركوس أن إمكانيات الذكاء الاصطناعي لا سقف لها، مؤكدًا أن الشركة تواكب هذه التطورات بتفاؤل مدروس.

 تحذيرات من فقاعة محتملة في سوق الذكاء الاصطناعي

ورغم التفاؤل الذي تبديه الشركات، تزداد التحذيرات من جهات متعددة بشأن فورة الذكاء الاصطناعي في الأسواق. 

يرى بعض المحللين أن شركات التكنولوجيا اليوم مبالغ في تقييمها بشكل يُذكّر بفقاعة الإنترنت في مطلع الألفية، مع ارتفاع في نسب السعر إلى الأرباح، واستثمارات بمليارات الدولارات في البنية التحتية والمواهب، دون خارطة طريق واضحة أو نهاية محددة.

ومع اشتداد المنافسة العالمية، هناك قلق متزايد من أن حمى الذهب الخاصة بالذكاء الاصطناعي قد تنتهي بانفجار اقتصادي مؤلم، إن لم يتم توجيه هذه الاستثمارات بحكمة.

طباعة شارك الذكاء الاصطناعي Apple Intelligence Galaxy AI

مقالات مشابهة

  • «السعودية للكهرباء» تستضيف ورشة عمل حول الذكاء الاصطناعي التوليدي لاستكشاف تطبيقات أنظمة الطاقة الكهربائية
  • بي بي سي تختار مديرة تنفيذية من ميتا لإدارة الذكاء الاصطناعي
  • وضع الذكاء الاصطناعي يصل إلى الشاشة الرئيسية في هواتف أندرويد
  • عائدات AT&T تتضاعف نتيجة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
  • هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟
  • تعلن دائرة القضاء العسكري نيابة المنطقة العسكرية الثالثة أن على المتهمين المذكورة اسماؤهم الحضور الى المحكمة
  • عاجل | المتحدث العسكري باسم أنصار الله: قررنا تصعيد عملياتنا العسكرية والبدء في المرحلة الرابعة من الحصار على العدو
  • جنرال أمريكي: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ساهمت في تطوير التكتيكات العسكرية الأمريكية
  • دعوة لمقاربة شاملة لتنظيم الذكاء الاصطناعي