أمين معلوف: العالم يسير كالنائم نحو مواجهة كارثية
تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT
اندلعت قبل عام ونصف العام تقريبا حرب مدمرة على تخوم أوروبا، وأعادت إحياء أسوأ صدمات الماضي؛ فالتهديدات بحدوث كارثة نووية حاضرة باستمرار، ورغم أن كثيرين اعتقدوا أنها مستبعدة بشكل نهائي، فإن الواقع يوضح أن هناك مواجهة عالمية تضع الغرب في مواجهة الصين وروسيا.
ومن الواضح أن هناك اضطرابا كبيرا أثّر بالفعل على حياة الناس في بلدان العالم الغربي، ودفع للتشكيك في أسس الحضارة الغربية، ولكن لم يفكر أحد حتى الآن في هذه الأزمة بالعمق الذي تستحقه، كما يقول المفكر والأديب الفرنسي اللبناني أمين معلوف، ويتساءل: كيف وصلنا إلى هنا؟
يعود معلوف، في كتابه الجديد "متاهة الحائرين" (2023)، إلى أصول هذه المواجهة الجديدة بين الغرب وخصومه من خلال تتبع رحلة أربع دول عظمى: اليابان الأولى في عصر ميجي (868-1912م) التي كانت أول دولة آسيوية تدخل عالم الكبار، وروسيا السوفياتية التي شكلت لمدة ثلاثة أرباع قرن من الزمان تهديدا هائلا للغرب ونظامه وقيمه، قبل أن تنهار؛ ثم الصين التي تمثل في هذا القرن الـ21 التحدي الرئيسي لتفوق الغرب بتنميتها الاقتصادية وثقلها الديمغرافي وأيديولوجية قادتها، وأخيرا الولايات المتحدة التي وقفت في وجه الثلاثة الذين تحدوها والتي أصبحت المرشد الأعلى للغرب والقوة العظمى الأولى على كوكب الأرض.
كل هذه القصص تشكل خلفية تلقي الضوء على قضايا الصراعات الحالية، ودوافع أبطالها، ومفارقات عصرنا الغريبة. وفي بداية الكتاب، يقتبس المؤلف هذه الكلمات من أديب نوبل الأميركي فوكنر، الذي كتب ذات مرة قائلا "إن الماضي لا يموت أبدا. لا ينبغي عليك أبدا أن تعتقد أنه مضى وانقضى".
على صفحات كتابه الأخير، يقدم الأمين الدائم الجديد للأكاديمية الفرنسية تأملات قوية ومقلقة حول مستقبل العالم يمكن اعتبارها في الوقت نفسه درسا مهما في التاريخ، حيث يسلط معلوف الضوء على الأسباب العميقة للصراعات الحالية، ويحذر من خطر نشوب حرب عالمية ثالثة قد تكون أكثر تدميرا من الحربين السابقتين، ويدعو أوروبا والولايات المتحدة إلى بناء نظام عالمي يمكن للبشرية جمعاء أن ترى لنفسها مكانا فيه، حسب ألكسندر ديفيكيو الذي استعرض أهم صفحات هذا الكتاب لصحيفة لوفيغارو الفرنسية.
ويتساءل معلوف هل هناك حقا تراجع غربي؟ مشيرا إلى أن الفكرة ليست جديدة لأنها طرحت مرارا وتكرارا بأقلام الأوروبيين أنفسهم منذ الحرب العالمية الأولى، لأن قوى القارة القديمة شهدت بالفعل "تدنيّا" مقارنة بالمكانة التي كانت تتمتع بها في زمن الإمبراطوريات الاستعمارية الكبرى، ولكن جزءا كبيرا من تفوقها المفقود تم "استرداده" من قبل هذه القوة الغربية الأخرى: الولايات المتحدة الأميركية.
صعدت هذه "الأمة الكبيرة" من وراء المحيط إلى المركز الأول منذ أكثر من مئة عام، وهي التي أخذت على عاتقها سد الطريق أمام كل أعداء معسكرها، ولا تزال حتى كتابة هذه السطور تحتفظ بتفوقها من خلال قوتها العسكرية وقدراتها العلمية والصناعية، وكذلك من خلال تأثيرها السياسي والثقافي والإعلامي في جميع أنحاء الكوكب، فهل هي اليوم أيضا على وشك السقوط من قاعدتها؟ يتساءل معلوف.
وعلى هذا السؤال يرد معلوف بقوله "نعم الانحدار حقيقي، ويأخذ في بعض الأحيان مظهر الإفلاس السياسي والأخلاقي، ولكن من يحاربون الغرب ويتحدون تفوقه لأسباب جيدة أو سيئة يواجهون هم أيضا فشلا أخطر من فشله"، لأنه "لا الغربيون ولا خصومهم الكثيرون قادرون اليوم على إخراج البشرية من المتاهة التي تتخبط فيها"، وبالتالي "لا بد من إعادة التفكير في الطريقة التي يُحكم بها عالمنا من أجل إعداد مستقبل أكثر هدوءًا للأجيال القادمة وخاليا من الحروب الباردة أو الساخنة، ومن صراعات لا نهاية لها من أجل التفوق".
ونبّه معلوف إلى أنه مخطئ كل من يعتقد أن البشرية لا بد أن تكون لها بالضرورة قوة مهيمنة على رأسها، مؤكدا أنه لا أحد يستحق أن يحتل مثل هذا الموقف الساحق، لا الصين ولا أميركا ولا روسيا ولا الهند ولا إنجلترا ولا ألمانيا ولا فرنسا ولا حتى أوروبا الموحدة، إذ إن الجميع بلا استثناء سيصبحون متعجرفين ومفترسين وطغاة ومكروهين، إذا وجدوا أنفسهم قادرين على كل شيء، حتى لو كانوا حاملين لأنبل المبادئ، لأن هذا هو الدرس العظيم الذي يقدمه لنا التاريخ.
"انتقام التاريخ"عندما خرجت الولايات المتحدة في نهاية الثمانينيات منتصرة من الحرب الباردة، اعتقد الكثيرون أن انتصارها سيكون حاسما، وأنه سيؤدي إلى إنشاء نظام عالمي جديد ملهم ومضمون بقيادتها، وأنه لن يكون هناك سوى نموذج واحد للمجتمع يقبله الجميع، ولكن التاريخ الذي غامر البعض بإعلان نهايته سرعان ما أظهر غير ذلك، لأن المغامرة البشرية لا تتوقف أبدا، لأن القوة المنتصرة بدت غير قادرة على إدارة هيمنتها بشكل مناسب.
ولأن الأحداث وضعت أميركا في موقف مهيمن بحيث كان من الصعب على الأميركيين ألا يشعروا "بالدوار من صعود القمم"، ولأنهم يستطيعون التفاخر -بشكل مشروع كما يقول معلوف- بأنهم قاموا ببناء الدولة الأكثر قوة وازدهارا وتأثيرا وديناميكية على الإطلاق، فإن بلادهم بدورها "كقوة وصاية" للإنسانية الذي عززته في نهاية الحرب العالمية الثانية ومارسته بمفردها تقريبا منذ نهاية الحرب الباردة، لم تعرف كيف تستقر عند "الارتفاع" المناسب.
المواجهة خيار منطقي للتاريخوعندما نتأمل الرحلتين المتباينتين للغاية بين "العملاقين" الأميركي والصيني، فإننا نميل إلى القول إن المواجهة بينهما نتيجة منطقية للتاريخ، فعلى جانب يقف بلا منازع زعيم العالم الغربي الذي نجح في الهيمنة على الأوروبيين، إما عن طريق القوة كما حدث مع الإسبان عام 1898 والألمان في الحربين العالميتين، وإما عن طريق إقناعهم بالاعتراف بهيمنته، كما حدث مع البريطانيين والفرنسيين.
وعلى الجانب الآخر يقف، إن لم يكن زعيم الشرق، فهو على الأقل حامل التحديات التي أطلقتها اليابان في عصر ميجي (وتعني الحكومة المستنيرة، وهي حقبة شهدت إصلاحات واسعة وصعودا إمبراطوريا) وروسيا السوفياتية، وتجد الصين نفسها الآن وريثة لها، ولذلك تبدو المبارزة بين "المتأهلين للتصفيات النهائية" نتيجة منطقية، من المستحيل تجنبها، فهل هذا هو الحال فعلا؟
في هذه المرحلة الحرجة والمهمة والمعقدة من تطورها، من المؤكد أن البشرية لديها أشياء أفضل تقوم بها بدلا من الاستسلام "لخاتمة" مروعة بين "العملاقين" في عصرنا، والأمر المحزن للغاية هو أن هذه المواجهة العالمية التي نسير نحوها وكأننا نائمون يتم تقديمها باستمرار على أنها رؤية "واقعية" للمستقبل، في حين يبدو من يريدون منعها وكأنهم حالمون ساذجون، غير أن مبارزة بين العملاقين ستؤدي إلى حرب إبادة واسعة النطاق؛ وبالتالي فإن اعتبار مثل هذه الخاتمة أمرا لا مفر منه ليس رؤية واقعية، بل هو رؤية سخيفة وطائشة وغير مسؤولة وانتحارية في النهاية.
دروس حرب أوكرانياكانت نقطة البداية في "العملية الخاصة" التي أمر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي الإحباط الذي تشعر به بلاده التي ظلت لمدة نصف قرن واحدة من القوتين العظميين العالميتين بعد أن سيطرت على النصف الشرقي من أوروبا، وبين عشية وضحاها فقدت هذه المكانة وتم تخفيض منزلتها وتقطيع أوصالها وتدميرها، مما لا يمكن لمواطنيها احتماله بسلام، وفي الوقت نفسه كان القادة الغربيون يفتقرون إلى الكرم وإلى الرؤية الطويلة الأمد، وبالتالي كان عليهم أن يتوقعوا أن روسيا الجريحة والمتقلصة سوف تكون بمثابة قنبلة موقوتة بالنسبة لأوروبا.
وكان من الضروري، بأي ثمن، مساعدة روسيا على التحول إلى الديمقراطية والتطور في نهاية الحرب الباردة، لتجد لنفسها دورا مختلفا تماما في العالم وطريقة أخرى للازدهار، ولكن للأسف لم يتم القيام بأي من ذلك، مع هذا لا يبرر بأي حال من الأحوال بدء حرب لا يمكن الدفاع عنها أخلاقيا، خاصة أن الحرب بدلا من إخراج روسيا من مأزقها التاريخي تدفعها إلى مأزق أكبر، وبدلا من إظهار هشاشة أوكرانية، فهي تضمن لها مكانة أرفع، وبدلا من دفع حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى "الموت الدماغي"، سمحت له بالخروج من الغيبوبة وإيجاد سبب لوجوده، وبدلا من وضع حد لهيمنة القوى الغربية، فهي تؤدي إلى "تجديدها" لبضع سنوات أخرى.
ويختم معلوف بأننا إذا كنا لا نزال في منطق المواجهة والهيمنة، وإذا لم نضع آلية للتضامن العالمي، فإن العواقب يمكن أن تكون كارثية، إلا أنه رغم كل هذه المخاوف، لا يزال على قناعة بأن لحظة القلق التي نعيشها يمكن أن تكون مفيدة، لأنها يمكن أن تقودنا إلى تصور تطور آخر لاستمرار المغامرة الإنسانية، دون أن يكون ذلك مجرد استئناف للمآسي نفسها مع جهات فاعلة أخرى.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
لم يعرف التاريخ الإنساني، وأعتقد لن يعرف حتى قيام الساعة، دولة تكذب وتتحرى الكذب في كل أقوالها وأفعالها مثل دولة الكيان الصهيوني الغاصب التي تكذب كما تتنفس، وتعيش على الكذب الذي قامت على أساسه وتحيا عليه.
الدولة التي قامت على كذبة في العام 1948، لا يمكن أن تستمر وتبقى سوى بمزيد من الأكاذيب التي تنتجها آلة الدعاية الصهيونية المدعومة بوسائل الإعلام العالمية، بشكل يومي لكي تستدر عطف العالم الغربي وتبرر احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية وعدوانها الدائم والهمجي على أصحاب الأرض، وعلى كل من يحاول الوقوف في وجهها وكل من يكشف أكاذيبها ويقاوم غطرستها، وجرائمها التي لا تتوقف ضد الإنسانية.
بدأت الأكاذيب الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر مع نشأة الحركة الصهيونية، بالترويج لأكذوبة أن «فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله اليهود بالعودة لها بعد قرون من الشتات في الأرض». وكانت هذه الأكذوبة، التي تحولت إلى أسطورة لا دليل على صحتها تاريخيا، المبرر الأول الذي دفع القوى الاستعمارية القديمة، بريطانيا تحديدا، الى إصدار الوعد المشؤوم «وعد بلفور» قبل عام من نهاية الحرب العالمية الأولى بانشاء وطن لليهود في فلسطين. وكان هذا الوعد، كما يقول المؤرخون، الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور حجر الأساس لأكبر عملية سرقة في التاريخ، سرقة وطن كامل من أصحابه، ومنحه لمجموعة من العصابات اليهودية دون وجه حق. الوعد الذي لم يعره العالم انتباها وقت صدوره تحول إلى حق مطلق للصهاينة في السنوات التالية، ومن أكذوبة «أرض الميعاد» ووعد الوطن القومي أنتجت الصهيونية العالمية سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، والمسؤولة، في تقديري، عما يعيشه الفلسطينيون الآن من جحيم تحت الاحتلال الصهيوني.
الكذبة الأولى الخاصة بأرض الميعاد، والتي صدقها العالم نتيجة تكرارها وبفعل التأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الاعلام التي سيطر عليها اليهود طوال القرن العشرين، لم تكن سوى أكذوبة سياسية ذات غطاء ديني غير صحيح. إذ تم تفسير النص التوراتي بطريقة ملتوية لتخدم المشروع الصهيوني. ولم تُثبت الحفريات التي يقوم بها الصهاينة أسفل المسجد الأقصى وجود هيكل سليمان أو وجود مملكة داود وسليمان في فلسطين كما تزعم الرواية التوراتية المحرفة، بل أن بعض المؤرخين الإسرائيليين شككوا في وجود اليهود في فلسطين كأمة قبل إنشاء إسرائيل.
دعونا في هذا المقال نتتبع أبرز الأكاذيب الصهيونية التي روجت لها إسرائيل لاستمرار سياساتها العنصرية والتي لم تكن مجرد دعاية عابرة، بل جزءًا من استراتيجية تم وضعها وتهدف في النهاية الى تحقيق الحلم الصهيوني بدولة تمتد «من النيل إلى الفرات»، والترويج للسردية الصهيونية في الاعلام العالمي وحصار السردية الفلسطينية والعربية.
الأكذوبة الثانية التي تمثل امتدادا للأكذوبة الأولى والمرتبطة بها ارتباطا وثيقا، هي أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، وبالتالي يمكن الاستيلاء عليها واحتلالها وتهجير أهلها منها، وجعلها وطنا للشعب اليهودي الذي كان بلا أرض»، وبذلك يتم نفي الوجود العربي الفلسطيني فيها. وتم الترويج لهذه الأكذوبة في الغرب المسيحي المحافظ من خلال خطاب إعلامي يربط إقامة إسرائيل بقرب ظهور المسيح (عليه السلام). وقد نجح الإعلام الصهيوني والمتصهين في تصوير اليهود باعتبارهم عائدين إلى أرضهم، فيما تمت شيطنة الفلسطينيين والتعامل معهم باعتبارهم إرهابيين يعارضون الوعد الإلهي. وكانت هذه الأكذوبة من أخطر الأكاذيب الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين بدعوى أنها خالية من السكان، في حين كان يعيش فيها قبل إعلان قيام إسرائيل نحو مليون وثلاثمائة ألف عربي فلسطيني من المسلمين والمسيحيين.
وتزعم الأكذوبة الصهيونية الثالثة أن الفلسطينيين غادروا أرضهم طواعية بعد هزيمة الجيوش العربية وإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948. وتم استخدام هذه المزاعم للتغطية على مجازر التطهير العرقي الذي قامت به عصابات الصهاينة، وأبرزها مجازر دير ياسين، واللد، والرملة، لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم.
لقد ثبت للعالم كله كذب إسرائيل في كل ما روجت له من مزاعم تخالف الحقيقة في الإعلام العالمي المتواطئ معها والمساند لها على الدوام. ومن هذه المزاعم القول بإنها «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» الذي لا يعرف الديمقراطية. ولم ينتبه العالم إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ترى بعين واحدة، ومخصصة لليهود فقط، ولا تشمل سكانها من الفلسطينيين الذين يعانون من تمييز وفصل عنصري في كل مجالات الحياة. وتستخدم هذه الديمقراطية الأسلحة المحرمة والإبادة الجماعية وسياسات الاغتيال والاعتقال والتعذيب كوسيلة للتعامل مع الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم السياسية.
وشبيه بهذا الزعم القول إن «الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم». ومع الأسف ما زالت هذه المقولة تتردد على ألسنة العسكريين والسياسيين الصهاينة وفي بعض وسائل الاعلام الغربية، رغم الجرائم الموثقة من جانب منظمات حقوقية عالمية، والتي ارتكبها ويرتكبها هذا الجيش «عديم الأخلاق» في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران، واستهدافه المدنيين من النساء والأطفال، والصحفيين والأطباء وغيرهم، واستخدامه لسلاح التجويع في غزة ومنع الإمدادات الإنسانية من الدخول الى القطاع وإتلافها عمدا، وقتل الجوعى.
ولا تتوقف آلة الكذب الصهيونية عند هذا الحد وتضيف لها الجديد من الأكاذيب كل يوم، مثل الأكذوبة المضحكة التي أصبحت مثار سخرية العالم، وهي إن «إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها العرب» المحيطين بها، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن الكيان الغاصب هو الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية قادرة على محو جميع الدول العربية، وتتمتع بتفوق عسكري يضمنه ويحافظ عليه ويعززه الشريك الأمريكي ودول غرب أوروبا، وتمنع بالقوة أي دولة في المنطقة من امتلاك الطاقة النووية حتى وإن كان للأغراض السلمية، كما فعلت مع العراق وايران. وينسي من يردد هذه الأكذوبة إن إسرائيل فرضت من خلال الولايات المتحدة التطبيع معها على العديد من الدول العربية، ليس فقط دول الجوار التي كان يمكن ان تهددها، وإنما على دول أخرى بعيدة جغرافيا عنها، وفي طريقها لفرضه على المزيد من الدول.
ويكفي أن نعلم أن غالبية الحروب التي دخلتها إسرائيل كانت حروبا استباقية، وكانت فيها المبادرة بالعدوان، وآخرها الحرب على إيران. والحقيقة أن حربها المستمرة منذ نحو عامين على غزة والتي تزعم أنها، أي الحرب، «دفاع عن النفس» ما هي إلا أكذوبة أخرى تأتي في إطار سعيها لتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم خارجه بعد تدميره وحصاره المستمر منذ العام 2007 وحتى اليوم، وهو ما ينفي الأكذوبة الأكثر وقاحة التي ترددها الآن بأن «حركة حماس هي المسؤولة عن معاناة أهل غزة، وهي من تجوعهم»، مع أن العالم كله يشاهد كيف حولت القطاع إلى أطلال وإلى أكبر سجن مفتوح في العالم بشهادة الأمم المتحدة.