تنوي فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين في أيلول/ سبتمبر المقبل، لتنضم الى 142 دولة حول العالم تعترف بالدولة الفلسطينية، وهي الأولى من بين الدول الغربية الدائمة العضوية في مجلس الأمن. تعرضت نية الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية لهجوم إسرائيلي، منذ الإعلان عنها في مطلع شهر نيسان/ أبريل، بذريعة أن الاعتراف بفلسطين هو اعتراف بـ"حماس" ويمنحها القوة.



وتهكم السفير الأمريكي في تل أبيب مايك هاكابي على الرئيس ماكرون بأنه "لم يحدد أين تقع بالضبط"، مضيفا بسخرية: "يمكنني الآن أن أكشف حصريا أن فرنسا ستقدم الريفييرا الفرنسية، وستسمى الدولة الجديدة "فرانس-ستين" (France-en-stine).

رغم توضيح الموقف الفرنسي من خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والتي تحمل جملة من شروطٍ تتلخص بنزع سلاح حركة حماس، وكذلك سلاح الدولة المعترف بها، ثم يتبعها اعتراف عربي بإسرائيل المندمجة في عالم عربي، إلا أنها لن تتضمن أي إشارة لنزع المستعمرات الصهيونية المقامة على أراضي الدولة، وبدل ذلك يستعاض عنه بالطلب من إسرائيل وقف الأنشطة الاستيطانية، ولا يتحدث عن مصير المستعمرين، ولم يذكر أي إشارة عن سلاح وجيش عصابات المستوطنين، الذين يشنون حربهم الخاصة لتدمير هذه "الدولة". فالاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين على أهميته، ودلالته السياسية والقانونية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، يخلو تحديد ماهية الدولة، ومرجعياتها القانونية على الأرض، وتحكّم الشعب الفلسطيني بموارده وحدوده وسيادته، لذلك كان موقف ترامب أيضا من نية الرئيس الفرنسي للاعتراف بفلسطين أن "كل ما يقوله غير مهم".

تأتي النية الفرنسية للاعتراف بدولة فلسطين من خلفية وطأة العجز الدولي المذل أمام إسرائيل وجرائمها، لا من الإيمان المطلق بعدالة القضية الفلسطينية ورفض سياسات المستعمرين على الأرض، وعدم اتخاذ موقف حازم وحاسم منها يفسر النية الفرنسية كمحاولة للتخفيف من ثقل مسؤوليتها المتواطئة مع الاحتلال
فالدولة التي تعترف بفلسطين يفترض أنها تعترف بشرعية وحقوق الفلسطينيين ووجودهم التاريخي في أرضهم، وتحترم تجسيد إرادتهم عليها، وتعترف بالإطار القانوني الذي يُقر بعدم استيلاء الاحتلال على الأرض بالقوة أو استخدامها لإخضاع شعب وقتله وتهجيره. وجوهر الاعتراف أن تكون هناك إدانة واضحة وصريحة للاحتلال ولجرائمه، كمقدمة للاعتراف، ويسبقها موقف واضح بوجوب مقاطعة هذا الاحتلال وفرض عقوبات مشددة عليه لعدم احترامه القوانين الدولية والإنسانية، وعلى ما اقترفه من جرائم إبادة وحرب وضد الإنسانية، واعتماده سياسة التطهير العرقي.

لذلك، تأتي النية الفرنسية للاعتراف بدولة فلسطين من خلفية وطأة العجز الدولي المذل أمام إسرائيل وجرائمها، لا من الإيمان المطلق بعدالة القضية الفلسطينية ورفض سياسات المستعمرين على الأرض، وعدم اتخاذ موقف حازم وحاسم منها يفسر النية الفرنسية كمحاولة للتخفيف من ثقل مسؤوليتها المتواطئة مع الاحتلال.

نقاش الخطوة الفرنسية للاعتراف بفلسطين بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، من خلال اجتماع يسبق تاريخ أيلول/ سبتمبر المقبل بمشاركة عربية، يتضمن بحث تجريم مقاومة الفلسطينيين للاحتلال، لا البحث عن محاسبة المحتل عن جرائمه وفرض عقوبات عليه. كما أن العبارات المتعلقة بوضع الأراضي المحتلة بحسب القرارات الدولية التي تدعو إسرائيل للانسحاب منها قبل حدود جريمة عدوان حزيران/ يونيو 1967، لإقامة الدولة الفلسطينية عليها، لم تُدرج في بيان نية الاعتراف، ولا يحدد البيان مدينة القدس، نظرا الوضعية القانونية والسياسية لها، وضرورة عدم اللجوء لتغيير الواقع على الأرض، كما بشأن وصف الاستيطان كجريمة حرب وضد الإنسانية، لأنه يقوم على هدم قرى وبلدات فلسطينية وإجبار السكان على الانتقال أو جعل حياتهم لا تطاق بتحويل مدن الدولة المفترضة لمعازل فصل عنصري تمنع تجسيد كيان فلسطيني على الأرض. فاعتماد سياسة فرض العقوبات على إسرائيل وفرض المقاطعة عليها يعني بالمضمون اعترافا بعدم شرعية احتلالها ويهدد عمليا بتفكيك بنيتها الاستعمارية، وهو ما يقود يقود لحل "الدولتين".

قبل أيام أجرت إسرائيل تصويتا في الكنيست لضم الضفة الغربية المحتلة، ويدعو أقطاب حكومة نتنياهو، من بن غفير وسموتريتش وعميحاي، لتسريع عملية الإبادة في غزة لجعل التطهير العرقي أمرا نافذا، وفرنسا ومن خلفها كل الحكومات الغربية تتعرض لضغط أخلاقي وقانوني وسياسي وشعبي، بفعل الجرائم الإسرائيلية، لكنها للآن غير قادرة على تغيير مواقفها بالشكل المطلوب. فسياسة إمساك العصا من المنتصف ما زالت تتحكم بمعظم هذه السياسات، في ظل دعم عسكري ومادي وسياسي لإسرائيل يسمح لها بمواصلة الجرائم، وفي ذات الوقت تقدم نفسها حريصة على "السلام" والقول إنها مع دولة فلسطينية أو حل الدولتين، دون إدانة تدمير هذا الحل من قبل إسرائيل.

رغم تبدل مواقف كبرى حول العالم من السردية الصهيونية، ووصول القضية الفلسطينية بعدالتها وزخمها لمستويات عالية في إدانة جرائم إسرائيل في المحاكم الدولية واعتبار الاحتلال غير قانوني، وإدانة قادتها بارتكاب جرائم الإبادة. إلا أن كل ذلك بحاجة لجدية مختلفة تكسر هذه العنجهية
إذا، زخم الاعتراف الغربي والفرنسي بالدولة الفلسطينية، أو بخيار حل الدولتين، بددته الوقائع الإسرائيلية على الأرض في الضفة والقدس وغزة، رغم كل المناشدات الفلسطينية والعربية لإسرائيل وخلال أكثر من ثلاثين عاما للكف عن سياساتها العدوانية التي دمرت كل مشروع "السلام" وحل الدولتين. الاعتراف بفلسطين من دون مواقف حاسمة من قبل المجتمع الدولي تجاه إسرائيل لا قيمة فعلية له، لأن إسرائيل في نهاية المطاف تتصرف وتمضي وفق مبدأ الحماية الأمريكية لجرائمها، وبتغطية من نفاق غربي معها وعجز عربي مفضوح. والتجربة القاسية لـ22 شهرا من جرائم الإبادة المتواصلة في غزة، مع مواقف دولية تشير لحق إسرائيل بارتكابها بذرائع مختلفة، ومواقف مائعة تجاه فاشية الطروحات الصهيونية الاقتلاعية للفلسطينيين من أرضهم، كل ذلك يعني أن إشكالات وتعقيدات راهنة وسابقة لا تُحل فقط في مؤتمرات وإعلانات دون مواقف قوية من الاحتلال.

والحال الراهن الذي تشعر به المؤسسة الصهيونية في مظهرها الرئيسي أنها في حالة ظمأ مستمر إلى القوة والغطرسة، والمضي بسلوك العدوان والسيطرة، وهي القيم الأساس التي تتمتع بها العقلية الصهيونية للتعاطي مع الشعب الفلسطيني وحقوقه، فلم يتغير هذا الحال رغم تململ المجتمع الدولي من هذا المظهر، ورغم تبدل مواقف كبرى حول العالم من السردية الصهيونية، ووصول القضية الفلسطينية بعدالتها وزخمها لمستويات عالية في إدانة جرائم إسرائيل في المحاكم الدولية واعتبار الاحتلال غير قانوني، وإدانة قادتها بارتكاب جرائم الإبادة. إلا أن كل ذلك بحاجة لجدية مختلفة تكسر هذه العنجهية، فإذا كان مجرد نية الاعتراف بالدولة الفلسطينية يصيب إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة بكل هذا الذعر، ويزعزع ديمقراطيات غربية في ألمانيا وبريطانيا وجعلها متلعثمة، فكيف سيكون الحال لو اقترنت هذه الخطوة فقط مع نية فرض العقوبات على إسرائيل، إذا لم تلتزم بمسار الاعتراف بالقانون الدولي المرتبط بحقوق الفلسطينيين؟

x.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء فرنسا فلسطين إسرائيلي إسرائيل فلسطين فرنسا قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بالدولة الفلسطینیة القضیة الفلسطینیة الدولة الفلسطینیة بدولة فلسطین على الأرض

إقرأ أيضاً:

تصور مفصّل.. خطة بريطانية للاعتراف بدولة فلسطينية

توقعت صحيفة "تليغراف" أن يربط رئيس الوزراء الاعتراف بوقف إطلاق النار في غزة، وربما بإفراج حركة حماس عن الرهائن الإسرائيليين المتبقّين، غير أن نحو ثلث نواب حزب العمال وأعضاء في الحكومة قد يعارضون هذه الشروط. اعلان

أفادت صحيفة "تليغراف" بأن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، سيكشف هذا الأسبوع عن خطته للاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، في خطوة وصفتها بأنها "محاولة لتخفيف الضغوط التي يتعرض لها من بعض الأصوات داخل حزب العمال".

وأوضحت الصحيفة أنه من المرجّح أن يعلن ستارمر عن نيّته خلال خطاب أو مؤتمر صحفي، حيث سيتناول بشكل مفصّل الإجراءات المطلوبة داخل فلسطين لنيل الاعتراف، إلى جانب الجهود البريطانية الرامية إلى تحسين إيصال المساعدات إلى غزة للتخفيف من المجاعة، وذلك عبر الوساطة الأردنية.

وتوقعت الصحيفة أن يربط رئيس الوزراء الاعتراف بوقف إطلاق النار في غزة، وربما بإفراج حركة حماس عن الرهائن الإسرائيليين المتبقّين، غير أن نحو ثلث نواب حزب العمال وأعضاء في الحكومة قد يعارضون هذه الشروط، مطالبين بالاعتراف الفوري.

ماكرون معلنًا عن نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية

وأضافت الصحيفة أن وزراء في الحكومة، من بينهم نائبة رئيس الوزراء أنجيلا راينر، ووزير الصحة ويس ستريتنج، يمارسون ضغوطًا خلف الكواليس على ستارمر لاتخاذ هذه الخطوة.

وفي وقت سابق، وقّع نحو 135 نائبًا من حزب العمال على رسالة تدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما كثّف رؤساء بلديات من الحزب وقياداته في اسكتلندا الضغوط في ذات السياق.

Related ماكرون يدعو إلى اعتراف مشترك بدولة فلسطين من جانب باريس ولندنفي ظل الانقسام الأوروبي.. هل يُعيد اعتراف ماكرون بدولة فلسطين إحياء حل الدولتين؟نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي: التطبيع مع السعودية ممكن من دون قيام دولة فلسطينية"لا ثقل له".. ترامب ينتقد إعلان ماكرون عن نيّته الاعتراف بدولة فلسطينية ويدعو للقضاء على حماس

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أول زعيم لدولة من مجموعة السبع، يعلن عن نيّته اتخاذ هذه الخطوة الأسبوع الماضي، والتي يُتوقّع أن تتم في أيلول/سبتمبر المقبل خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويأتي هذا التوجّه بعد أسابيع من اللقاءات الخاصة التي أجراها ماكرون مع المملكة المتحدة وحلفاء آخرين، حول توقيت وآلية إعلان الاعتراف بفلسطين، حيث أشير إلى أن ماكرون يشجّع عدّة دول أوروبية على أن تحذو حذوه.

في المقابل، ترى الصحيفة أن موقف ستارمر سيكون حساسًا، إذ سيأخذ في الاعتبار ردّة فعل الإدارة الأمريكية، خاصة في ظل تقارير تفيد بأن عددًا من الدبلوماسيين تلقوا تحذيرات من "اتخاذ أي خطوات قد تقوّض أمن إسرائيل".

وكان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قد عبّر عن موقف واضح تجاه الخطوة الفرنسية، متهمًا ماكرون بخدمة "دعاية حماس".

من التعليقات على استقبال ترامب لرئيس الوزراء البريطاني في قصره

من جهتها، أعلنت الحكومة البريطانية، الإثنين، أن رئيس الوزراء البريطاني سيحث الرئيس الأمريكي على وقف إطلاق النار في غزة، وذلك خلال لقائهما في منتجع الغولف الخاص بترامب، في اليوم الثالث من زيارته إلى مسقط رأس والدته.

ولم توضح الحكومة إن كان ستارمر قد ناقش خطته للاعتراف بالدولة الفلسطينية مع الرئيس الأمريكي.

يُذكر أن نحو 150 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أي ما يعادل ثلاثة أرباع العدد الإجمالي، قد اعترفت بفلسطين كدولة، باستثناء المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وعدد من الدول الأوروبية.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • ترمب ينفي مناقشة اعتراف بريطانيا بدولة فلسطينية
  • إسرائيل ترفض توجه بريطانيا للاعتراف بدولة فلسطينية وتعتبره خضوعا للضغوط
  • ستارمر: بريطانيا ستعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر إذا لم تتحرك إسرائيل لإنهاء الحرب
  • تصور مفصّل.. خطة بريطانية للاعتراف بدولة فلسطينية
  • وزير الخارجية: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية
  • وزيرة الخارجية الفلسطينية: المؤتمر الدولي بنيويورك يناقش الاعتراف بدولة فلسطين
  • “الخارجية الفلسطينية” تُدين ردود الفعل الإسرائيلية تجاه الاعتراف بدولة فلسطين
  • الخارجية الفلسطينية تُدين ردود الفعل الإسرائيلية تجاه الاعتراف بدولة فلسطين
  • حزب بريطاني يهدد بـ”فرض إجراء تصويت” في البرلمان على الاعتراف بدولة فلسطينية