سلاحٌ مُحرّم دولياً تستخدمهُ إسرائيل ضدّ لبنان.. ما هو وماذا نعرف عنه؟
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
منذ يوم 7 تشرين الأول الجاري الذي شهد على إطلاق حركة "حماس" عملية "طوفان الأقصى" ضد إسرائيل، يواصل الجيش الإسرائيلي إستخدام "قنابل فوسفورية" خلال هجماته على غزة من جهة وعلى حدود لبنان من جهة أخرى.. فما هي هذه القنابل وماذا نعرف عنها؟ الفوسفور الأبيض، الذي يمكن استخدامه كستار دخان أو كسلاح، لديه القدرة على التسبب في أضرار للمدنيين بسبب الحروق الشديدة التي يسببها وآثاره طويلة الأمد على الناجين.
ويسلط ذلك الضوء على الحاجة إلى إعادة النظر في حالة وملاءمة البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية، وهو القانون الدولي الوحيد المخصص حاليا لتنظيم الأسلحة الحارقة.
ما هو الفوسفور الأبيض؟ هو مادة كيميائية منتشرة في قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ، تشتعل عند تعرضها للأكسجين. وينتج عن هذا التفاعل الكيميائي حرارة شديدة تصل إلى 815 درجة مئوية، وضوء ودخان كثيف يستخدم في الأغراض العسكرية، إلا أنه يسبب أيضا إصابات مروعة عندما يتلامس مع جسم الإنسان. ولا يعتبر الفوسفور سلاحا كيميائيا لأنه يعمل بشكل أساسي بالحرارة واللهب وليس بخصائصه السمّية. ويمكن توصيل الفوسفور الأبيض عبر قطع من اللباد المنقوعة بالفوسفور، تنبعث منها رائحة "الثوم" المميزة.
كيف يتم استخدام الفوسفور الأبيض؟ يستخدم الفوسفور الأبيض في المقام الأول للتعتيم على العمليات العسكرية على الأرض، حيث يصدر عنه ستارة من الدخان ليلا أو نهارا لإخفاء الحركة البصرية للقوات. كما أنه يتداخل مع بصريات الاشعة تحت الحمراء، وأنظمة تتبع الأسلحة، وبالتالي يحمي القوات العسكرية من الأسلحة الموجهة مثل الصواريخ المضادة للدبابات.
وعند الانفجار الجوي، يغطي الفوسفور الأبيض مساحة أكبر من التي يغطيها عند الانفجار الأرضي، ويكون مفيدا لإخفاء تحركات القوات الكبيرة. ومع ذلك، فإن ذلك يؤدي في الوقت نفسه إلى نشر التأثيرات الحارقة على مساحات أوسع، وفي المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل قطاع غزة، فإن ذلك يزيد من المخاطر التي يتعرض لها المدنيون.
عندما ينفجر السلاح أرضاً، تكون منطقة الخطر أكثر تركيزا، ويظل ستار الدخان لفترة أطول، فيما تعتمد سحابة الفوسفور الأبيض، عند الانفجار الجوي، على الظروف الجوية، لهذا لا يمكن تعميم المدة التي يبقى فيها ستار سحابة الفوسفور الأبيض في الهواء.
كذلك، يمكن كذلك استخدام الفوسفور الأبيض كسلاح حارق، حيث استخدمته القوات الأمريكية أثناء معركة الفالوجا الثانية في العراق عام 2004، "لإخراج" المقاتلين المختبئين، الذين تعرضوا بعد ذلك للهجوم.
ويسبب الفوسفور الأبيض حروقا شديدة، غالبا ما تصل إلى العظام، وتكون بطيئة في الشفاء، ومن المحتمل أن تتطور إلى التهابات، وإذا لم تتم إزالة جميع شظايا الفوسفور الأبيض، فإنها من الممكن أن تؤدي إلى تفاقم الجروح بعد العلاج، وتشتعل مجددا عند تعرضها للأكسجين. وحروق الفوسفور الأبيض التي لا تتجاوز 10% من جسم الإنسان غالبا ما تكون قاتلة، ويمكن أن تسبب كذلك تلفا في الجهاز التنفسي، وفشلا في الأعضاء.
وغالباً ما يعاني أولئك الذين ينجون من إصاباتهم الأولية من معاناة مدى الحياة، حيث يواجهون أعراضا مثل التقلصات والشد الدائم للعضلات والأنسجة الأخرى وإعاقة الحركة، في حين أن صدمة الهجوم الأولى والعلاجات المؤلمة والندوب متغيرة المظهر تؤدي إلى ضرر نفسي واستبعاد اجتماعي.
كذلك يمكن للحرائق الناجمة عن الفوسفور الأبيض أن تدمر المنشآت والممتلكات المدنية، وتلحق الضرر بالمحاصيل، وتقتل الماشية. علاوة على ذلك، فإن عدم كفاية الموارد المتاحة لمقدمي الخدمات الطبية في مناطق النزاع المسلح يؤدي إلى تفاقم العملية الصعبة بالفعل المتمثلة في علاج الحروق الخطيرة.
ما هو وضع الفوسفور الأبيض بموجب القانون الدولي؟ عند استخدام الفوسفور الأبيض كسلاح، فإن الذخائر التي تحتوي على الفوسفور الأبيض هي أسلحة حارقة. وبرغم أن الأسلحة الحارقة ليست محظورة صراحة بموجب القانون الإنساني الدولي، إلا أن القانون الإنساني الدولي العرفي يتطلب من الدول اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين بسبب تلك الأسلحة.
إضافة إلى ذلك، تخضع الأسلحة الحارقة للبروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية. وقد انضمت فلسطين ولبنان إلى البروتوكول الثالث، في حين لم تصدق إسرائيل على هذا البروتوكول الذي يحظر استخدام الأسلحة الحارقة الملقاة جوا على "تجمعات المدنيين"، إلا أن هذا القانون يتضمن ثغرتين كبيرتين.
أولا: هو يقيد بعض وليس كل الأسلحة الحارقة التي يتم إطلاقها من الأرض حيث توجد تجمعات المدنيين، وهو ما قد يشمل الضربات المدفعية بالفوسفور الأبيض في غزة.
ثانيا: يغطي تعريف البروتوكول للأسلحة الحارقة "المصممة أساسا" لإشعال النيران وحرق الأشخاص، وبالتالي يمكن القول إنه يستبعد الذخائر متعددة الأغراض، مثل تلك التي تحتوي على الفوسفور الأبيض، إذا تم استخدامها كستار من الدخان، حتى لو تسببت نفس المواد الحارقة في تأثيرات على البشر.
وأوصت "هيومان رايتس ووتش" وعدد من الدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة التقليدية بسد هذه الثغرة وتعزيز القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الحارقة المطلقة من الأرض.
وتؤيد "هيومان رايتس ووتش" الدعوة المدعومة على نطاق واسع للدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة التقليدية للاتفاق في اجتماعها، نوفمبر 2023، على تخصيص وقت لإجراء مناقشات مخصصة حول حالة وملاءمة البروتوكول الثالث. (روسيا اليوم)
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: استخدام الفوسفور الأبیض الفوسفور الأبیض فی
إقرأ أيضاً:
مع قرب انتهاء مهلة نزع سلاح حزب الله.. ما خطوات لبنان للخروج من المأزق؟
نشر موقع "موندويس" تقريرًا يسلط الضوء على حالة الجمود والترقب التي يشهدها لبنان مع اقتراب المهلة الأميركية لنزع سلاح حزب الله في ظل الضغوط الإسرائيلية الأميركية التي ترافقت مع اغتيالات وتصعيد عسكري مستمر، في وقت يظلّ الحزب فيه متمسكًا برفض تسليم سلاحه.
وقال الموقع، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن اغتيال الاحتلال لرئيس أركان حزب الله هيثم طبطبائي في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وقبل مرور عام على اتفاق "وقف إطلاق النار" مع لبنان جعل هذا الاتفاق بلا قيمة تُذكر.
فرغم التزام حزب الله بالتهدئة، واصلت إسرائيل هجماتها اليومية على لبنان في السنة التي تلت توقيع الاتفاق، مسجلة أكثر من 4500 خرق للحدود البرية والبحرية والجوية اللبنانية، وجاء اغتيال طبطبائي تتويجًا لسنة من الاستفزازات الإسرائيلية المتكررة لإعادة حزب الله إلى المواجهة، لكن الحزب الذي أنهكته من الضربات الإسرائيلية منذ 2023 لم يرد.
وأشار الموقع إلى أن المقاومة اللبنانية تعرضت لضربات قاسية في الفترة التي سبقت الاتفاق، أبرزها تفجيرات "البيجر" واغتيال الأمين العام حسن نصر الله ومعظم القيادة العسكرية، والتصعيد الحالي مشابه في الأسلوب والهدف، لكن هذه المرة بمشاركة أمريكية مباشرة.
ويواجه حزب الله اليوم أكبر ضغط منذ تأسيسه، يتمثل في شرط إسرائيلي أمريكي واحد: نزع سلاحه. وقد رضخت الحكومة اللبنانية في آب/ أغسطس 2025 للضغط الأمريكي ووافقت على نزع سلاح الحزب قبل نهاية كانون الأول/ ديسمبر، فيما أعلن حزب الله رفضه تسليم سلاحه، ما جعل الأنظار تتجه إلى موقف الحكومة وخطوات إسرائيل القادمة.
الخطوات التي سبقت "اقتراح" نزع السلاح
وكان الصيف حافلًا بالنشاط بالنسبة للدبلوماسيين الأمريكيين، ولا سيما توم باراك، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا والسفير الأمريكي السابق في تركيا، الذي ورد أنه كُلف بمتابعة ”ملف“ لبنان في مايو/أيار 2025. وانضم إلى باراك مورغان أورتاغوس، نائب المبعوث الخاص للرئيس إلى الشرق الأوسط، في زيارات متبادلة إلى لبنان توجت بتقديم اقتراح أمريكي لنزع السلاح في 7 أغسطس/آب 2025، بعد يومين من القرار التاريخي الذي اتخذته الحكومة اللبنانية في 5 أغسطس/آب بنزع سلاح الحزب.
غير أن الاقتراح الأمريكي كان أقرب إلى التهديد منه إلى الاقتراح؛ حيث تربط الخطة نزع السلاح بانسحاب إسرائيلي تدريجي من خمس تلال في جنوب لبنان إلى جانب منح مساعدات إعادة الإعمار؛ وإلا يمكن للبنان أن ينسى الضمانات الدولية التي تهدف إلى تأمين وقف إطلاق النار، وبعد قرار الحكومة، تلقى الجيش اللبناني تعليمات بوضع خطة وتقديمها بحلول بداية شهر أيلول/ سبتمبر، وفي 25 آب/ أغسطس 2025، هنأ مكتب بنيامين نتنياهو الحكومة اللبنانية على قرارها "التاريخي"، مدعيًا أن الجيش الإسرائيلي سينظر في "تدابير متبادلة" بمجرد نزع السلاح.
ما الذي يعنيه نزع سلاح حزب الله؟
وأوضح الموقع أن نزع سلاح حزب الله يعني تجريده من جميع وسائل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحويله إلى حزب سياسي سلبي آخر في المشهد السياسي المزدحم في لبنان. وتشمل خطة الحكومة مصادرة كل الأسلحة وتفكيك البنية العسكرية التي حررت جنوب لبنان سنة 2000، وشن الجيش اللبناني في الوقت نفسه حملة لنزع سلاح المجموعات الفلسطينية في مخيمات اللاجئين، لكن المشهد بدا شكليًا وأثار سخرية واسعة؛ حيث أرسل الجيش شاحنة أو شاحنتين لجمع بضع بنادق ومسدسات - أسلحة خفيفة للغاية - سلمها سكان المخيم طواعية.
وأكد الموقع أن الضغط لنزع سلاح حزب الله والمخاطرة باندلاع صراع داخلي، هو في ذاته دليل على أن حزب الله لا يزال يشكل تهديدًا للاحتلال، ومدى استعداد الحكومة اللبنانية للذهاب في هذا الاتجاه يكشف عن الجانب الآخر من العملة الأمريكية.
وقد أثار القرار انقسامًا داخليًا: فريق مرحب يعتبره خطوة لإنقاذ الدولة المنهارة ويتجاهل استمرار احتلال إسرائيل لأراضي جنوب لبنان، وآخر، رفضه بشكل قاطع، وفي أيلول/ سبتمبر، قدّم الجيش خطته للحكومة التي اعتمدتها سرًا، لتختفي القضية من العلن.
وأشار الموقع إلى أن جزءًا من اتفاق وقف النار نص على انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني وانسحاب حزب الله إلى شماله، وهو ما تم بسلاسة نسبية، لكن الجيش بقوم بشكل روتيني بـ"تفجير مخلفات الحرب" في المنطقة؛ حيث يسمع المدنيون بانتظام انفجارات بالإضافة إلى الضربات الإسرائيلية شبه اليومية في الجنوب.
وقد أثار ذلك تساؤلًا حول سبب تفجير هذه الأسلحة بدلًا من استخدامها، وهو ما أجاب عليه المبعوث الأمريكي توم باراك في إحدى المقابلات بأن واشنطن لا تريد أن يكون الجيش مجهزًا لمحاربة إسرائيل بل لمحاربة حزب الله فقط.
دور الولايات المتحدة
وأفاد الموقع بأن ما تأكد في ظل أزمة نزع السلاح هذه هو عجز أمريكا عن إجبار إسرائيل على الوفاء بأي التزامات؛ فقد تعرضت الحكومة اللبنانية للإذلال في 26 آب/ أغسطس عندما قامت بتنفيذ اتفاق وُعدت فيه بإجراءات متبادلة من جانب الاحتلال، لتدرك بعد ذلك أن ما كان باراك يقوله منذ البداية صحيح.
وعاد باراك إلى بيروت بعدها رفقة السناتور ليندسي غراهام، وأكد إنه لا يمكنه ضمان أن تنفذ إسرائيل إجراءً مماثلًا لما نفذته الحكومة اللبنانية، مطالبًا إياها بالوفاء بتعهداتها حتى لو لم تلتزم إسرائيل بالمثل، وحث لبنان على نزع سلاح حزب الله بحلول نهاية السنة دون أي ضمانات بأن إسرائيل ستتوقف عن انتهاك وقف إطلاق النار أو تنهي احتلالها.
في ظل ذلك، تكثّفت الغارات الإسرائيلية واتسعت رقعتها، وصولًا إلى مجزرة في مخيم عين الحلوة أودت بحياة 13 طفلًا. بينما أصدر الجيش اللبناني بيانًا يدين إسرائيل ويؤكد أن الاحتلال يعرقل انتشاره في الجنوب، ما أثار غضب واشنطن التي ألغت زيارة القائد العام رودولف هيكل إلى العاصمة الأمريكية.
الظروف التي أوجدت المقاومة مستمرة
وأكد الموقع أن ما تغفل عنه أمريكا وإسرائيل هو أن الناس لن يتوقفوا عن المقاومة أبدًا، فالظروف التي تخلقها إسرائيل اليوم في جنوب لبنان هي نفس الظروف التي خلقتها قبل عقود والتي أدت إلى تشكيل حزب الله؛ حيث ستستمر المقاومة اللبنانية تحت أسماء مختلفة، لكن جوهرها سيبقى كما هو.
وقبل شهر من قرار الحكومة نزع سلاح الحزب، وجّه أهالي بلدة عيتا الشعب رسالة إلى الرئيس جوزيف حمّلوا فيها الدولة مسؤولية أمنهم، وأكدوا أنهم قد يتخذون خطوات لحماية أنفسهم وأرضهم، مشددين أن الأمن حق لا رَفَاهيَة، ومجدّدين العهد لشهدائهم وجرحاهم ولحرية الأرض المقاومة.
وختم الموقع تقريره بأن الأسلحة قد تُصادر، لكن الظروف التي فرضت الحاجة إليها باقية، أي أن نزع سلاح حزب الله تحت ضغط خارجي لن يُنهي المقاومة، بل يفتح المجال لجهات أخرى لمواصلة النضال نفسه، وهذا ما أكد عليه أهالي عيتا الشعب بوضوح.