وثيقة مسرّبة تهدد بتفريق أوروبا: ترامب يسعى لفصل أربع دول عن الاتحاد الأوروبي
تاريخ النشر: 11th, December 2025 GMT
كشفت تقارير إعلامية أميركية متخصصة في شؤون الدفاع عن وثيقة مسرّبة تتضمن مقترحاً مثيراً للجدل تدفع به واشنطن لفصل أربع دول أوروبية عن الاتحاد الأوروبي ضمن استراتيجية جديدة تحمل شعار "لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى".
الوثيقة التي نشر مضمونها موقع ديفنس وان تشير إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى إلى استمالة كل من النمسا وإيطاليا وهنغاريا وبولندا لإخراجها من المنظومة الأوروبية وتقريبها من دائرة النفوذ الأميركي، في خطوة قد تعيد رسم المشهد السياسي في القارة.
وتؤكد الوثيقة أن هذه الاستراتيجية تدعو الولايات المتحدة لدعم الأحزاب والحركات التي "تتبنى السيادة وتتمسك بالحفاظ على أنماط الحياة الأوروبية التقليدية"، معتبرة أن الاتحاد الأوروبي يهدد سيادة الدول، ويقيد الحريات السياسية، ويعجز عن التعامل مع الهجرة الجماعية.
ويأتي التسريب بعد أسبوع واحد من نشر الاستراتيجية الأميركية الرسمية للأمن القومي في وثيقة من 33 صفحة، والتي أثارت جدلاً واسعاً لتحذيراتها من "محو حضاري" محتمل في القارة العجوز، وللتشكيك في مستقبل بعض حكوماتها بوصفها "حلفاء موثوقين".
وعلى خلفية الضجة التي تسبب بها التسريب، نفى البيت الأبيض بشكل قاطع صحة الادعاءات. وأكدت آنا كيلي، نائبة السكرتير الصحفي، أنه "لا وجود لأي نسخة بديلة"، مشددة على أن ترامب وقّع على الاستراتيجية المعتمدة بوضوح ودون تعديلات سرية.
وتشير الوثيقة المسرّبة كذلك إلى أن سياسات الهجرة الأوروبية "تعيد تشكيل القارة وتولّد الصراعات"، وأن بروكسل "تقوّض الحرية السياسية والسيادة الوطنية". وجاء ذلك بالتزامن مع مقابلة نارية لترامب مع بوليتيكو شنّ خلالها هجوماً لاذعاً على قادة أوروبا، معتبراً أن سياسات الهجرة "تدمّر" بلدانهم، وأن دولاً عدة باتت "تنهار" تحت وطأتها.
كما انتقد ترامب دعم أوروبا لأوكرانيا، وكشف عن مكالمة شابتها "كلمات قوية" مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأكد ميرتس لاحقاً أن المزيد من المحادثات مقرّر عقدها مع الجانب الأميركي قريباً، وسط أحاديث عن اجتماع دولي مرتقب بشأن أوكرانيا.
وزاد موقع ديفنس وان من حدة التوتر بنشره مقتطفات من "نسخة موسعة" للاستراتيجية قيل إنها نوقشت في جلسات مغلقة، وتنص صراحة على ضرورة تعزيز واشنطن تعاونها مع بولندا والنمسا وإيطاليا وهنغاريا بهدف إبعادها عن الاتحاد الأوروبي، مستشهدة بعلاقات ترامب الوثيقة مع قادة محافظين مثل فيكتور أوربان وكارول ناووركي، وإعجابه العلني برئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني.
وكان رد الفعل الأوروبي سريعاً وغاضباً؛ إذ انتقد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ما وصفه بمحاولة أميركية لإملاء خيارات سياسية على أوروبا، فيما اتخذ ميرتس موقفاً أقل حدة مع تأكيده ضرورة "زيادة استقلالية أوروبا عن الولايات المتحدة" في المجال الأمني. أما رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك فحذّر من تقويض العلاقات عبر رسائل مباشرة لواشنطن، بينما سارع سياسيون يمينيون مثل الهولندي خيرت فيلدرز إلى الترحيب بالتسريب.
وتفاقمت الأزمة بعد أن أعاد ترامب نشر مقال انتقادي من صحيفة نيويورك بوست على منصته "تروث سوشيال"، قبل أن يكرر تصريحاته التي حذر فيها من أن أوروبا "تسير في اتجاه سيئ للغاية". وفي سياق متصل، اجتمع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بقادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا في لندن، في مسعى لتأكيد وحدة الموقف الأوروبي، بينما اتهمه ترامب بالمماطلة في قراءة مقترح للسلام، معتبراً أن روسيا "قد تكون موافقة"، لكنه "غير متأكد من موقف زيلينسكي".
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اقرأ ايضاًاشترك الآن
المصدر: البوابة
كلمات دلالية: عن الاتحاد الأوروبی
إقرأ أيضاً:
أوروبا تحتاج إلى خطة لفك ارتباطها بالولايات المتحدة
عندما فوجئت أوروبا قبل أسبوعين أو نحو ذلك «بخطة السلام» الأمريكية الروسية حول أوكرانيا والتي لم تكن تتوقعها حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شعبه في خطاب بقوله: «الآن تمامًا قد تجد أوكرانيا نفسها في مواجهة خيار قاسٍ جدا، إما فقدان كرامتنا وإما المخاطرة بخسارة شريك كبير». إذا كان كل زعماء الاتحاد الأوروبي يتحدثون بمثل هذا الوضوح لربما استخدموا نفس الكلمات في الحديث عن بلدانهم؛ فأوروبا كلها باتحادها الأوروبي وبلدانه الأعضاء هي التي تواجه الاختيار بين أن تكون مسيطرة على شؤونها الخاصة وبين شراكتها التي طال بها الأمد مع الولايات المتحدة.
ثلاث مرات حاول دونالد ترامب دفع أوكرانيا إلى التسليم بالمطالب الروسية من أجل سلام ظاهري وغير عادل.
ثلاث مرات تدافع الأوروبيون لتغيير رأي رئيس الولايات المتحدة حول شيء يعتبرونه وجوديا عن حق (مسألة بقاء أو فناء). كم مزيدًا من الدروس يحتاجونها كي يتوصلوا إلى أن العلاقة عبر الأطلسية قد انتهت؟
القبول بهذا لا يعني أن من الخطأ دائما البحث عن هدف مشترك مع ترامب كلما كان ذلك ممكنا، أو عدم ضرورة ملاطفته لدفعه إلى تغيير مواقفه لمصلحة أوروبا.
لكنه يعني التعامل بجدية حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي -بحسب كلمات مفوضة الاتحاد الأوروبي تيريزا ريبيرا- «سيظل صانعا للقواعد، أم يتحول إلى مُتَلَقٍّ للقواعد في نظام يشكل في مكان آخر» أو في الواقع إلى سائل متضرع في عالم لا تحكمه قواعد على الإطلاق.
لتجنب هذا المصير على أوروبا السعي لتقليل تعرضها لضغوط الولايات المتحدة إلى أدنى حد ممكن، وهي ضغوط لن تتوقف.
لقد حان الوقت لإعداد خطة أوروبية تهدف إلى فك الارتباط بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع اتخاذ خطوات لتقليل الضرر الذي بمقدور واشنطن تحت شعار ماغا (أمريكا أولا) إلحاقه بأوروبا.
مثل هذه الخطة يجب أن تغطي على الأقل ثلاث مجالات هي: التجارة والتمويل والدفاع.
لنأخذ التجارة أولا: في الصيف الماضي وافق الاتحاد الأوروبي على «صفقة» مع البيت الأبيض أقرَّت في الواقع انتهاك ترامب للقواعد الدولية، وقبلت زيادات كبيرة في الرسوم الجمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي، وذلك ظاهريا بأمل تجنب شيء أسوأ يقدِم عليه ترامب. ردت الجماهير الأوروبية على الصفقة بغضب يشوبه الشعور بالإهانة.
فمهما كانت مزايا القبول برسوم ترامب في الأجل القصير يجب أن يكون من الواضح تماما أن اعتماد المرء في معيشته على مبيعاته للولايات المتحدة عبء متزايد أكثر منه امتيازا.
وهذا العبء لا يقتصر على المصدرين الأوروبيين الذين قد يجدون أنفسهم ممنوعين من دخول السوق الأمريكية عندما يريد البيت الأبيض انتزاع شيء ما بالابتزاز في المرة القادمة.
فتداعيات التقييد الفجائي لنشاط الشركات ستمتد إلى الحكومات والاقتصادات بأكملها بسبب العاملين الذين توظفهم هذه الشركات والسلع أو الخدمات الحيوية التي تقدمها أو النفوذ السياسي الذي تمارسه في العادة.
إذن المبررات قوية لاتباع سياسة واعية بتقليل الانكشاف التجاري للولايات المتحدة إلى مستوى أدنى مما يمكن أن تفعله الشركات الخاصة بنفسها؛ فمجرد التصريح بفك الارتباط الاقتصادي مع الولايات المتحدة كهدف سياسي يبعث برسالة قوية إلى القطاع الخاص.
يمكن للسلطات سحب حوافز التعزيز التجاري للصادرات إلى الولايات المتحدة. أيضا عندما يريد ترامب في المرة القادمة رفع الرسوم الجمركية يجب عدم مقاومة ذلك، بل انتهاز الفرصة في الرد عليها باستهداف الأنشطة الأمريكية التي تفاقم الضعف الأوروبي مثل الخدمات الرقمية.
الشيء الثاني الذي يجب اتخاذ تدابير بشأنه هو الصادرات الكبيرة لرأس المال الأوروبي؛ فهي لا تقتصر فقط على تدفقها نحو أمريكا، ولكن ندرة التمويل المحلي التي تتسبب فيها تفاقم الضعف الأوروبي أمام التصرفات العدائية للولايات المتحدة.
عندما يصارع القادة لتمويل الاستثمارات الضرورية العامة والخاصة، ويهاجر أفضل وأذكى عقول أوروبا -رأسمالها البشري- إلى الولايات المتحدة لتمويل نمو شركاتها يجب ألا يرسل الاتحاد الأوروبي ما تصل قيمته إلى نصف تريليون يورو من صافي المدخرات إلى خارج الكتلة في كل عام.
هذا قد يتطلب معارضة القرارات التي تعتبرها الشركات معقولة بالاستثمار خارج أوروبا بدلا من داخلها؛ فهذه القرارات الخاصة لا تضع في الاعتبار التكلفة الاقتصادية والجيوسياسية لترك أوروبا بدون استثمار كاف.
ومن شأن اعتماد تعديلات استراتيجية في الإجراءات التنظيمية لتحويل الفرص من الاستثمار في الخارج إلى الاستثمار في الداخل تقليص الفجوة بين الادخارات والاستثمار في أوروبا وتحديدا بجعل التمويل أكثر وفرة للاحتياجات الرأسمالية الأوروبية.
أخيرا؛ تحتاج أوروبا إلى بديل محلي للقدرات العسكرية الاستراتيجية التي تعتمد الآن على الولايات المتحدة في توفيرها.
لقد أعدَّ الاقتصاديون فيليب هيلديبراند، وهيلين رَي، وموريتز شولاريك إطارا للتمويل الأوروبي المشترك بواسطة تحالف البلدان الراغبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي الدفاعي.
تُتداول هذه الخطة على أعلى المستويات في فرنسا وألمانيا، ومن المؤمَّل أن يسارع هذان البلَدَان مع الدول الأوروبية الأخرى إلى دعمها.
اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة ليس أمرًا مفروغًا منه، ولكنه عجز مُكتَسب على مدار 80 عاما، ويجب أن يبدأ التخلص منه الآن.
مارتن ساندبو معلق الاقتصاد الأوروبي بصحيفة الفاينانشال تايمز