نقاد لـ24: اختيار إبراهيم الكوني شخصية العام "للشارقة للكتاب" تكريم للأرض العربية
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
أكد عدد من النقاد أن اختيار الكاتب والروائي الليبي إبراهيم الكوني شخصية العام الثقافية لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، يعتبر تكريماً لكل الأدباء والروائيين والمثقفين، وتكريماً للأرض العربية وفضاءاتها، وإبداعاتها.
الكوني روائي استثنائي في شعرية لغته العالية وفي أفكاره الحرة المنحازة للإنسان
وأضافوا في تقرير خاص لـ24 "أن الكوني روائي استثنائي في شعرية لغته العالية، وفي أفكاره الحرّة المنحازة للإنسان، وفي موضوعاته التي تغوص في القارات السردية البكر التي لم يطأها أحد قبله".
يقول الناقد الفلسطيني المحاضر في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الإمارات، يوسف حطيني: "لا شك أن اختيار إبراهيم الكوني شخصية العام الثقافية من قبل إدارة معرض الشارقة للكتاب عام 2023 يؤشر على وعي كبير بدور هذا المعرض في تكريس الشخصيات الثقافية المبدعة، وفي الاعتراف بدورها وأثرها الثقافي، كما يمثل في المقابل فرصة أكبر لاحتكاك المثقف العربي بما قدمه هذا المبدع المثقف المتميز، ولا شك أن اختيار شخصية مثل المبدع إبراهيم الكوني يثلج صدور كثير من المثقفين العرب، لما يمثله هذا الاختيار من اعتراف بتميز هذا المبدع في مجالات الرواية والقصة والبحوث اللغوية والنقدية والفكرية والسياسية التي اشتغل فيها". روائي استثنائي
ويضيف "لقد جاء اختيار الكوني، وتكريمه في هذا العرس الثقافي، مستحقاً تماماً، لما قدّمه من إنجازات تبحر إبحاراً عميقاً في التاريخ والأديان والميثيولوجية والفلسفة، بالإضافة إلى شهرته الواسعة في مجال السرد العربي، وتمكُّن سردياته المتميزة من التموضع في سدرة منتهى السرد العربي، فأعماله السردية تعدّ مفخرة لهذا السرد، من مثل روايات "التبر"، و"المجوس"، والدمية" و"من أنت أيّها الملاك"، و"ناقة الله"، وغيرها من الروايات والمجموعات القصصية والنصوص المفتوحة، فهو روائي استثنائي في شعرية لغته العالية، وفي أفكاره الحرّة المنحازة للإنسان، وفي موضوعاته التي تغوص في القارات السردية البكر التي لم يطأها أحد قبله، وفي اجتراح فضاء جغرافي مدهش يقوم على وصف الطبيعة، والصحراء بشكل خاص، على نحو غامض مثير، ربما يجعل اللغة أكثر سحراً من الطبيعة ذاتها".
تكريم الأرض العربيةويضيف الشاعر والناقد العراقي الدكتور إياد عبدالمجيد: "الاحتفاء بالإبداع وبرمز من رموزه الروائي الكبير إبراهيم الكوني، يعني الاحتفاء في فضاءاته المتميزة التي تمكن فيها من عالم السرد، وعلاقته بالمكان، التي تطرد بمداخلها ومقارباتها البنيوية والسيكولوجية والسوسيولوجية، والدلالات المختلفة المتناسلة من بعضها، فقد تفرد في الاحتفاء بالصحراء وجعلها مفتاحاً تأويلياً مكّنه من الدخول إلى عالم السرد، وقد تميزت رواياته بتجليات المكان وخواصه وتفاعلاته، باعتباره فاعلاً من بين أصناف الفواعل في حركتها ورمزيتها وتنميطها، الصحراء المكان عكست في أدب الكوني ثقافة لونية ومعجماً لونياً لفهم علاقة العرب بالصحراء، وهذا الحيز الفاعل الذي ترسم فيه الكوني الحركة والانحراف والمناظر والخطوط والحركات والمناظر، ما دفعه للكتابة وهو يترسم الحركة فيها ولا يحسن الصنعة في هذا المجال إلا الكتاب الخلاقون وفنانو التخييل".
ويؤكد "إن جل أعمال الكوني تحتفي بالصحراء، أو تحيل إليها حتى تلك الجداريات واللوحات المرسومة في أغلفة رواياته في كهوف الجبال الصحراوية في ليبيا، وإحالات رواياته، فهل يأتي التكريم لهذا الرمز الإبداعي وهو يتميز في رواياته وعطائه الثري في معرض الشارقة للكتاب، لنجد تكريماً صادف أهله، كما عودتنا الشارقة وسلطان المعرفة فيها عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، نعم فإن تكريم الكوني يعتبر تكريماً لكل الأدباء والروائيين والمثقفين، وتكريماً للأرض العربية وفضاءاتها، وإبداعاتها".
يذكر أن إبراهيم الكوني أصدر 81 كتاباً في مختلف المجالات وتُرجمَتْ أعماله إلى أكثر من 40 لغة حية واختارته مجلة لير الفرنسية كأحد أبرز 50 روائياً عالمياً معاصراً وأشادت به الأوساط الثقافية والنقدية والأكاديمية والرسمية في أوروبا وأمريكا واليابان، ما نتج عنه أن أصبحت أعماله تدرس في المناهج في جامعات عديدة مثل السوربون وجامعة طوكيو وجامعة جورج تاون وتعتمد كمادة مرجعية للدراسات البحثية لنيل الدرجات العلمية، وقد حصل إبراهيم الكوني على جوائز عديدة على المستويين الإقليمي والدولي من بينها جائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2008.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة معرض الكتاب الشارقة إبراهیم الکونی الشارقة للکتاب
إقرأ أيضاً:
عبد السلام فاروق يكتب: عودة متأخرة إلى خريف البراءة.. قراءة في أنساق السرد والذات
ظلت رواية "خريف البراءة" لعباس بيضون تتربع في قائمة انتظاري القرائية سنوات أطول مما ينبغي، وكما يحدث غالباً مع الكتب المهمة، تتدخل الظروف أحياناً لتؤجل لقاءاتنا مع النصوص التي تستحق منا حضوراً كاملاً. التزامات البحث الأكاديمي، ومتطلبات العمل الصحفي، وانشغالات الحياة اليومية، كلها عوامل جعلتني أؤجل قراءة هذا العمل الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2017، حتى جاءت الأيام القليلة الماضية لتعوض هذا التأخير القسري بلقاء حميمي مع النص.
عندما وضعت يدي أخيراً على الرواية قبل أيام، اكتشفت أن هذا التأخير لم يكن خسارة كاملة، بل ربما منحني نضجاً قرائياً إضافياً مكنني من استيعاب طبقات النص المتعددة بعمق أكبر. لقد تحولت قراءتي من مجرد تتبع للحبكة إلى حفر في أنساق النص الخفية، من سؤال العنف والهوية إلى إشكالية الذنب والبراءة في مجتمعاتنا العربية.
في هذا المقال، أحاول تعويض سنوات التأجيل هذه بإثراء القراءة عبر الكتابة النقدية التحليلية، مستلهماً أسلوب الدكتور علي بن تميم في قراءاته الناعمة للنصوص السردية، حيث لا تنفصل المتعة الجمالية عن العمق التحليلي. إنها محاولة لاستعادة حوار متأخر مع نص ظلّ ينتظر دوره ليحدثنا عن تعقيدات النفس البشرية في زمن العنف والتشظي.
مدخل إلى عوالم بيضون السردية
في رواية "خريف البراءة" للكاتب اللبناني عباس بيضون، نجد أنفسنا أمام نص سردي لا يكتفي بسرد الحكاية، بل ينفذ إلى أعماق النفس البشرية عبر بوابة العنف والهوية الممزقة. هذا العمل الذي حاز جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2017 ، يُشكل نموذجاً لسردية عربية معاصرة تستثمر تراكم الشاعر في بناء عالم روائي مكثف، حيث تتحول اللغة من أداة وصف إلى فضاء دلالي يختزل تعقيدات الوجود الإنساني.
بيضون، الشاعر والروائي الذي درس الأدب العربي في جامعة بيروت العربية وحصل على الماجستير من السوربون ، يقدم في هذا العمل رؤية نقدية للمجتمع العربي من خلال قصة غسان الابن الذي يحمل وزر جريمة أبيه مسعود الذي قتل زوجته وهرب إلى سوريا ليلتحق بجماعة إسلامية . السرد هنا لا يكتفي بتتبع الأحداث، بل يغوص في التشريح النفسي للشخصيات، خاصة غسان الذي يكبر "يتيماً وحاملاً وزر جريمة أبيه وسمعة أمه" ، ليكون بذلك نموذجاً للضحية التي ينتجها المجتمع قبل أن تنتجها الجريمة ذاتها.
تشريح سرديات العنف
يقدم بيضون في روايته رؤية نقدية لآليات صناعة العنف في المجتمع العربي، حيث يصبح مسعود - الأب القاتل – نموذجاً للإرهابي الذي "بعد 18 سنة يعود ويبدأ حملته في ترويع أهل البلدة والقضاء على كل من يعارضه" . هذا التحول من الفعل الفردي (قتل الزوجة) إلى العنف الجماعي المنظم، يكشف عن منطق تطور الجريمة في اللاوعي الجمعي العربي، حيث يتحول العنف من رد فعل إلى هوية ومن حادث عابر إلى مصير دائم.
اللافت في سردية بيضون أنها لا تقدم العنف كظاهرة فردية، بل كنتاج لبنية اجتماعية قائمة على التمييز والقمع، فغسان يتعرض لـ"شتى أنواع التمييز والتهميش والقمع من المجتمع" ، مما يجعله ضحية مزدوجة: ضحية جريمة الأب وضحية نظرة المجتمع. هنا يتجلى عمق الرؤية النقدية في الرواية التي تفضح "العديد من العاهات التي تعاني منها المجتمعات العربية غير المؤهلة لاحتضان الضعفاء" .
الهوية كسؤال مفتوح
تتحول رواية "خريف البراءة" إلى مرآة عاكسة لأزمة الهوية في العالم العربي، حيث يطرح بيضون سؤال الهوية من خلال ثنائية الأب والابن: مسعود الذي يختار الانتماء إلى جماعة إسلامية متطرفة كملاذ لهويّة مأزومة، وغسان الذي يعيش هوية مشتتة بين رفض الأب والبحث عن الذات. الهوية هنا ليست معطى جاهزاً بل هي سيرورة متوترة، كما يتجلى في قرار غسان "اغتيال أبيه ثأراً لمقتل صديقه" ، الذي يتحول إلى محكّ لهويته المعلقة بين الثأر والغفران.
الرواية تقدم قرية مسعود وغسان كرمز لـ"معظم البلدان العربية" ، حيث تصبح القرية فضاءً دالاً على الأزمات العربية الراهنة. لعبة الأسماء الرمزية في الرواية، كما يذكر أحد النقاد، تؤكد على هذا البناء الرمزي، حيث "تبين الصراع بين من يدافع عن الحرية والحب ومن يدافع عن التسلط والإرهاب" .
شعرية السرد وتقنياته
يمتلك بيضون في هذه الرواية أسلوباً سردياً يمزج بين التحليل النفسي والشاعرية ، حيث يستثمر خلفيته الشعرية في بناء لغة سردية مكثفة. الرواية تنهض على تقنيات سردية متعددة، منها الانتقال بين الضمائر في السرد ، مما يخلق تعددية في الرؤى تثري النص وتجعله قادراً على استيعاب تعقيدات الشخصيات.
في القسم الأول من الرواية، يعتمد بيضون على السرد الرسائلي والتبئير الداخلي المتعدد، بينما يختار الراوي العليم في القسم الثاني . هذا الانزياح السردي ليس تقنياً فحسب، بل هو تعبير عن تحولات الشخصية الرئيسية وتشظي رؤيتها للعالم. إلا أن بعض النقاد يرون أن الرواية عانت من تسارع الأحداث في القسم الثاني بشكل "غير منطقي" ، مما أخل بالتوازن الفني للعمل.
الذنب والبراءة: ثنائية مقلقة
العنوان "خريف البراءة" يحمل في طياته إيحاءً بالزمن الذي تنتهي فيه البراءة كحالة وجودية، حيث يصبح الخريف هنا "رمزاً للحصاد والتغير والنُضج والحزن وبدء الانحدار استعداداً لدخول الشتاء" . الرواية تطرح أسئلة وجودية حول مفهومي الذنب والبراءة، فغسان الذي لم يرتكب جريمة يحمل ذنب الأب والأم معاً، كما تقول سارة في الرواية: "لن يتحمل فقط جريمة أبيه، وإنما أيضا سمعة أمه التي تلطخت بدمها" .
هذه الثنائية تفتح الباب أمام قراءة نفسية للرواية، حيث يصبح غسان نموذجاً للكائن المسلوب الذي "نبذ نفسه بدوره شيئا فشيئا ليتعامل مع نفسه كخطيئة في الوجود" . الرواية بهذا المعنى تتحول إلى دراسة للعقدة النفسية التي يولدها العنف الأسري والمجتمعي في آن.
سردية ما بعد العنف
"خريف البراءة" ليست مجرد رواية عن العنف، بل هي رواية عن ما بعد العنف، عن آثاره التي تمتد عبر الأجيال وتشكل الهويات وتعيد تشكيل الذوات. بيضون يقدم من خلال هذه الرواية رؤية نقدية للمجتمع العربي الذي "يدين الضعيف البريء ويبرئ المخطئ القوي" ، حيث يصبح العنف لغة والهوية سجناً.
في النهاية، تظل هذه الرواية نموذجاً للأدب الذي لا يكتفي بالسرد، بل ينفتح على أسئلة الوجود والمجتمع، مستخدماً أدوات السرد والشعر معاً لخلق نص مكثف يحفر في أعماق النفس البشرية والمجتمع العربي بكل تناقضاته. ربما هذا ما جعلها تستحق جائزة الشيخ زايد للكتاب، ليس لأنها تقدم إجابات، بل لأنها تطرح أسئلة تظل معلقة في ذهن القارئ طويلاً بعد انتهاء الصفحة الأخيرة.