سفير لبنان في الفاتيكان: في أوكرانيا يسود القانون الدولي بينما شريعة الغاب ساحتها فلسطين
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
إعتبر سفير لبنان في الفاتيكان فريد إلياس الخازن أن "حرب غزة وتداعياتها المتواصلة فاجأت الجميع وكذلك الفاتيكان". وقال في حديث الى مندوب "الوكالة الوطنية للإعلام" لدى الكرسي الرسولي: "هذه الأحداث تشبه في بعض جوانبها، من منظار الفاتيكان، حرب أوكرانيا التي حتمت موقفاً من الكرسي الرسولي يدعو الى وضع حدّ للحرب.
أضاف: "في ما يخص لبنان، الاهتمام الفاتيكاني لم يتوقف، بل ازداد بسبب القلق الشديد جراء الأوضاع المأزومة. وللتأكيد على هذا الامر دعا الكردينال بارولين، على رغم انشغالاته بأعمال السينودس الكنسي، البطريرك الراعي والوفد المرافق المشارك بالسينودس وكذلك البطاركة الكاثوليك، الى لقاء حول لبنان تناول فيه المجتمعون أزمات لبنان ومنها الرئاسة والنزوح السوري. يمكن القول ان لبنان من المواضيع الثابتة في اهتمامات الديبلوماسية الفاتيكانية ولم تتراجع على رغم المستجدات الإقليمية والدولية الضاغطة".
وحول التطورات الإقليمية الفاتيكان، قال الخازن: "حرب غزة ليست الأولى، فاعتداءات إسرائيل في فلسطين متواصلة منذ 1948. في الستينات والسبعينات استند الحل الى قرارات مجلس الأمن (تحديداً 242 و338) بعد حربي 1967 و1973. بكلام آخر، إيجاد تسوية على قاعدة "الأرض مقابل السلام". ظلّ هذا التوجه قائماً حتى اتفاق أوسلو في 1993 ومبادرة السلام العربية الصادرة عن القمة العربية في بيروت في 2002. لكن بالعودة الى التسعينات، جاء نتنياهو الى الحكم في 1996 رافعاً شعار "السلام مقابل الأمن"، أي لا شيء للجانب الفلسطيني، لا وطن ولا دولة، وذلك بعد عامين من اغتيال اسحق رابين على يد مستوطن يهودي، وهو كان شريك ياسر عرفات في اتفاق أوسلو. واستمرت المواجهات في الأراضي المحتلة الى ان باتت اليوم تهدّد بحرب واسعة النطاق. واقع الأمر ان إسرائيل، بقيادة حكومة هي الأكثر تطرفاً وعنفاً، ايديولوجياً وسياسياً، من سابقاتها لا تجاه الفلسطينيين فحسب بل أيضاً تجاه الداخل الاسرائيلي. وهي لا ترى في الصراع، الدائر عملياً منذ عشرينات القرن الماضي، سوى الجانب الأمني وكأن الفلسطينيين هم من يحتلون إسرائيل وليس العكس. وفي السنوات الأخيرة برز العامل الاقتصادي الملازم للتطبيع من اجل تثبيت الاحتلال كأمر واقع لكن بدعم أميركي وتمويل عربي. اما حق الشعب الفلسطيني بدولة قابلة للحياة، فلا يعدو كونه خرافة بنظر نتنياهو وحكومته التي لم تترك للصلح مطرحاً لا تجاه غزة التي تسيطر عليها حماس بل ايضاً تجاه السلطة الوطنية التي أيدت حلّ الدولتين منذ عقود".
تابع: "أما الآن فإن فائض القوة والغطرسة لدى إسرائيل لم يعد ينفع، وكذلك مفاعيل التطبيع المنشود، والعلاقات بين اميركا والعرب، أصدقاء واعداء، بلغت مداها من السوء لا بسبب النزاعات الإقليمية والدولية بل حول فلسطين. فلا حلّ المسألة القومية يأتي عن طريق الانماء الاقتصادي والمشاريع المعولمة، ولا الغاء الهوية الوطنية يتمّ بالقتل والتدمير في زمن nation-state، علة نشوء الحركة الصهيونية في الأساس ولاحقاً إسرائيل".
عن الموقف من المجتمع الدولي الداعم لإسرائيل، قال: "باختصار، دعم مطلق لإسرائيل ومن احزاب اليمين واليسار بحجة الدفاع عن النفس يقابله تجاهل كامل لارتكابات إسرائيل الوحشية بحق المدنيين الفلسطينيين. أما الولايات المتحدة وإسرائيل فحالة خاصة لا شبيه لها في العلاقات بين الدول، قبل حرب غزة وبعدها. فمن مقولة حق إسرائيل بالوجود التي تبناها المجتمع الدولي طيلة عقود الى الحق بالدفاع عن النفس اليوم التي باتت وصفة أكيدة لإبادة بلا رادع. والمفارقة اللافتة ان تجاهل حل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني بدولة اسوة بشعوب العالم يأتي في زمن المواقف الدولية، الغربية تحديداً، المؤيدة والداعمة بكل وسيلة ممكنة لحق الشعب الاوكراني بدولة سيدة باسم الهوية الوطنية بمواجهة روسيا. في أوكرانيا يسود القانون الدولي والمعايير المتعارف عليها ومنها (proportionality) في النزاعات المسلحة، بينما شريعة الغاب ساحتها فلسطين".
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
القانون الدولي ودروس التاريخ
لم يعد العالم يملك تلك القواعد التي توافق عليها بعد الحرب العالمية الثانية، وعادت إلى المشهد الدولي تلك الموازين التي تعتمد على السلاح والخطاب الإعلامي المتغوّل الذي لا يقيم أي اعتبار للقيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية. ففي غزة -كما في مناطق أخرى في العالم- تسقط العدالة سقوطا كاملا ومدويا تحت وقع التفجيرات، والإبادة الجماعية والتجويع، وتغيب الشرعية القانونية خلف جدار من المسوغات الجاهزة التي باتت منكشفة أمام العالم أجمع رغم بقائها مكتوبة في المواثيق المعلقة على جدران المنظمات الدولية.
ولا يجد القانون الدولي طريقا للتطبيق إلا حين يتوافق مع مصالح الكبار الذين يملكون القوة المطلقة في العالم، سواء القوة العسكرية أو القوة الاقتصادية، ولا عزاء للضعفاء الذين يحاولون الاحتماء بالقوانين الدولية التي لم يشاركوا حتى في وضعها.
رغم ذلك فإن العودة مرارا للحديث عن القانون وعن أهمية أن يسود بين الدول ليست عودة الضعفاء؛ فالأمر في غاية الأهمية، وضرورة واقعية لتجنب الانحدار الكامل نحو عالم تسوده شريعة الهيمنة. وأظهرت التجارب الحديثة - من غزو العراق إلى تفكيك ليبيا - أن إسقاط الأنظمة من الخارج دون مسارات شرعية لا يمكن أن نتج ديمقراطيات، ولكنه يخلّف فراغا أمنيا يستدعي الفوضى بالضرورة، ويمنح القوى المتربصة فرصة لإعادة التشكل الأمر الذي يحول الدول إلى دول فاشلة قابلة لتشكيل بؤر إرهاب وتطرف وتراكم مع الوقت قدرا كبيرا من الأحقاد والضغائن التاريخية التي لا تتآكل بسهولة، ولكنها تتراكم مع تراكم الندوب والجروح والمآسي.
كان ميثاق الأمم المتحدة بكل ما فيه من قصور محاولة لتقييد اندفاع القوة، وإرساء حد أدنى من الضوابط التي تحول دون تكرار مآسي النصف الأول من القرن العشرين. لكن غياب الإرادة السياسية، وتغوّل المصالح، أضعفا هذا الإطار وجعلاه أداة انتقائية تُستخدم أحيانا لتسويغ التدخل، وتتجاهل في أحيان أخرى الإبادة، والتجويع، والتطهير العرقي.
وأكثر ما يزيد المشهد تعقيدا هو صعود سرديات جديدة تُضفي على التدمير شرعية إعلامية تحت عناوين كـ«الدفاع عن النفس»، أو «مكافحة الإرهاب» بينما تُهمّش جرائم الإبادة الجماعية، والتهجير القسري، وتُسكت أصوات الضحايا، وتُعاد صياغة الحقيقة؛ وفقًا لما تقرره غرف الأخبار في العواصم القوية.
ورغم ما في القانون الدولي من ثغرات فالحل ليس في سقوطه، ولكن في ترميمه؛ حيث يبقى المسار الوحيد الممكن لبناء علاقات مستقرة لا تقوم على موازين السلاح، بل على موازين المسؤولية والمساءلة. لكنه بحاجة إلى إرادة جماعية؛ لتجديد شرعيته، وتوسيع قاعدته الأخلاقية، ووقف استغلاله كسلاح إضافي في يد الأقوياء.
وإذا كان التاريخ لا يُعيد نفسه فإنه يعيد تحذيراته، ومن لا يستمع لها سيجد نفسه في الدائرة ذاتها من العنف، والفوضى، وغياب الأفق. فلنتعلم هذه المرة قبل أن يُصبح القانون ذكرى من الماضي، ومجرد حلم جميل في كُتب العلاقات الدولية.