دكتور شيماء فوزي تكتب: علم إدارة التفاوض واستراتيجياته
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
علم إدارة التفاوض هو مجال يهتم بدراسة وتحليل عملية التفاوض والاستراتيجيات المستخدمة فيها. يعتبر التفاوض جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، سواء في العمل أو في الحياة الشخصية، ولذلك فإن فهم استراتيجيات وأنواع علم إدارة التفاوض يمكن أن يكون له أهمية كبيرة في تحقيق النجاح والتفوق في مختلف المجالات.
تعتبر الاستراتيجيات في علم إدارة التفاوض طرقًا وتقنيات يستخدمها الأفراد لتحقيق أهدافهم وتلبية احتياجاتهم خلال عملية التفاوض.
1. الاستراتيجية التعاونية (الربح-ربح): تهدف إلى تحقيق مصلحة كل الأطراف المشاركة في التفاوض من خلال التعاون والتفاهم المشترك. يتم التركيز على إيجاد حلول تلبي احتياجات الجميع وتحقق رضا الجميع.
2. الاستراتيجية التنافسية (الفوز-الخسارة): تتمحور حول تحقيق مصلحة الشخص الواحد أو الجانب الواحد في التفاوض، مهما كانت التكلفة على حساب الأطراف الأخرى. يتم استخدام هذه الاستراتيجية عادة عندما يكون هناك تنافس شديد بين الأطراف أو عندما تكون الموارد محدودة.
3. الاستراتيجية التعويضية: تركز على البحث عن تسوية تفاوضية تلبي احتياجات الجميع بشكل متوسط، حيث يتم التنازل عن بعض الاحتياجات لصالح تلبية احتياجات أخرى.
4. الاستراتيجية الهجومية: تستخدم للتأثير على الجانب الآخر وتحقيق مصلحة الشخص الواحد من خلال استخدام القوة أو الضغط. قد تشمل هذه الاستراتيجية التهديدات أو استخدام المعلومات المهمة كورقة قوة.
تعتبر فهم هذه الاستراتيجيات ومعرفة متى وكيفية استخدامها أمرًا حاسمًا في عملية التفاوض الناجحة. إلى جانب ذلك، يوجد أيضًا أنواع مختلفة من علم إدارة التفاوض تعتمدعلى النظريات والمفاهيم المتعلقة بعملية التفاوض. من بين هذه الأنواع:
1. التفاوض التعاوني: يركز على التعاون والتفاهم المشترك بين الأطراف في عملية التفاوض. يهدف إلى تحقيق الفوائد المشتركة وبناء علاقات جيدة بين الأطراف. يعتمد على الثقة والتواصل الفعال والمرونة في الحلول.
2. التفاوض التنافسي: يركز على المنافسة وتحقيق المصلحة الشخصية للجانب الواحد. يتطلب استخدام استراتيجيات مثل التهديدات والضغط لتحقيق المكاسب الشخصية.
3. التفاوض التعويضي: يركز على المرونة والتنازلات المتبادلة بين الأطراف. يهدف إلى إيجاد حلول متوسطة تلبي احتياجات الأطراف المشاركة. قد يتطلب استخدام استراتيجيات البحث عن الحلول الإبداعية والمرنة.
4. التفاوض الواقعي: يعتمد على البحث عن حلول واقعية وملائمة للأطراف المشاركة في التفاوض. يركز على تحليل الواقع والظروف المحيطة لاتخاذ قرارات مدروسة ومستنيرة.
يتمحور العلم في إدارة التفاوض حول فهم العوامل والمتغيرات المؤثرة في عملية التفاوض وتحليلها، بالإضافة إلى استخدام الاستراتيجيات المناسبة وتطوير المهارات اللازمة لتحقيق نتائج مرضية. يساعد علم إدارة التفاوض على تحسين فرص النجاح في المفاوضات التجارية والعقود والعلاقات الشخصية وأي نوع آخر من التفاوض.
بشكل عام، يمكن القول إن إدارة التفاوض مهارة حيوية في العديد من المجالات، بما في ذلك الأعمال التجارية، والعلاقات الدولية، والعمل الجماعي، وحتى الحياة الشخصية. فهم استراتيجيات وأنواع علم إدارة التفاوض يمكن أن يمنح المرء ميزة تنافسية ويساعده على تحقيق أهدافه وتلبية احتياجاته بطريقة فعالة ومرضية لجميع الأطراف المشاركة في عملية التفاوض.
الدكتورة / شيماء فوزي عزيز
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: بین الأطراف فی التفاوض التفاوض ا یرکز على
إقرأ أيضاً:
نجاة عبد الرحمن تكتب: ما وراء البريق الخادع للشهرة السريعة
في زمنٍ أصبحت فيه الشهرة تُقاس بعدد المشاهدات، وتصنعها الخوارزميات لا الجدارة، لم يعد مستغربًا أن نرى بثًا مباشرًا يتجاوز دخله مئات الآلاف من الجنيهات خلال دقائق، دون أن يحمل أي مضمون حقيقي أو قيمة معرفية.
تنتشر مشاهد لفتيات وشباب يحتفلون بما يُسمى "النجاح الرقمي"، وهم يتلقون سيلًا من الهدايا الافتراضية: ورود، نجمات، وأيقونات رقمية تبلغ قيمة بعضها عشرات الآلاف من العملات داخل التطبيق. عند هذا الحد، تبدأ الأسئلة:
من أين تأتي هذه الأموال؟ ولماذا تُمنح بهذا السخاء لمحتوى سطحي؟
خلف الستار: صناعة الترند
ما يبدو للمتابعين كنجاح عفوي، تقف خلفه منظومة منظمة تديرها ما يُعرف بـ"الوكالات الرقمية"، وهي جهات تمثل بعض صانعي المحتوى وتتحكم في ظهورهم، ومسارهم، وحجم أرباحهم.
تقوم هذه الوكالات باختيار أشخاص بعينهم ممن يمكن دفعهم إلى مقدمة المشهد، بغض النظر عن نوعية المحتوى الذي يقدمونه، وتعقد معهم اتفاقات يُقتطَع بموجبها جزء كبير من العوائد، مقابل الترويج والدعم المستمر.
غير أن الخطر الحقيقي لا يكمُن فقط في الترويج للسطحية، بل في توظيف هذه المنصات كوسيلة حديثة لعمليات غسيل الأموال، وهي ظاهرة باتت تثير قلق المهتمين بالشأن الاقتصادي والأمني.
كيف تتم العملية؟
يبدأ السيناريو من طرفٍ يمتلك أموالًا نقدية يصعب إدخالها إلى النظام المصرفي نتيجة غياب مصدر قانوني واضح. يبحث هذا الطرف عن قناة تُخرج أمواله في صورة شرعية، فيلجأ إلى بعض الوكالات الرقمية التي تتولى تحويل هذه المبالغ إلى "دعم" ظاهر على المنصة.
يُقدَّم الدعم لصناع محتوى مختارين مسبقًا على هيئة هدايا رقمية، تُحتسب كأرباح رسمية تصل إلى حساباتهم المصرفية. ثم تُعاد غالبية هذه الأموال إلى المصدر الأصلي، بعد اقتطاع نسبة بسيطة منها كأرباح شكلية لصانع المحتوى، بينما تدخل الأموال إلى النظام المالي وقد تم "غسلها" رقميًا.
الخوارزميات وتفكيك الوعي الجمعي
لا يمكن فصل ما يحدث على منصات التواصل عن السياق الأوسع الذي يُعيد تشكيل وعي الشعوب وفق مخططات دقيقة وممنهجة. فالخوارزميات التي ترفع بعض الشخصيات السطحية إلى صدارة المشهد، لا تفعل ذلك اعتباطًا، بل تعمل وفق معايير تستهدف إعادة توجيه الذوق العام، وتشويه منظومة القيم، وإضعاف البناء الثقافي للأمة.
هذه الاستراتيجية تتقاطع — بشكل أو بآخر — مع ما ورد في ما يُعرف بـ"بروتوكولات حكماء صهيون"، تلك الوثائق المثيرة للجدل التي، وإن اختلف البعض حول مصدرها، فإنها تُظهر بوضوح نوايا استهداف الشعوب من خلال إغراقها في اللهو، وتشتيت وعيها، وتفريغ مفاهيم القدوة والمعرفة والعمل من معناها الحقيقي.
إن صناعة نجوم من فراغ، والترويج لمحتوى فارغ من المعنى، وتمرير الأموال عبر قنوات تبدو ترفيهية، ليست مجرد عوارض رقمية، بل جزء من منظومة أوسع تسعى — ربما بوعي أو دون وعي — إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ثقافيًا واجتماعيًا، بما يخدم مصالح القوى التي ترى في وعي الشعوب خطرًا على مشاريعها التوسعية.
أثر اجتماعي مدمِّر
تكمن الخطورة في الأثر الاجتماعي والنفسي الذي تخلّفه هذه المشاهد.
فالشباب الذين يجتهدون في دراستهم أو يعملون بكدّ لا يمكنهم إلا أن يشعروا بالخذلان حين يرون من يُحَقق مكاسب طائلة دون جهد معرفي أو إبداع حقيقي.
ويُعاد تشكيل الوعي العام ليُصدِّق أن "الظهور السهل" طريق للنجاح، وأن الجهد لم يعد شرطًا لنيل التقدير.
الثمن الحقيقي
المال الذي يُكتسب عبر طرق غير مشروعة، ولو بدا لامعًا في ظاهره، فإنه يحمل في طياته ثمنًا باهظًا:
ثمنًا أخلاقيًا، وربما قانونيًا، ناهيك عن التآكل الداخلي الذي يصيب صاحبه.
فمن يُستخدم أداةً في منظومة كهذه سرعان ما يُستغنى عنه، وقد يدفع وحده ثمن التورط.
بوصلة الوعي
في عالم يزداد ضجيجه يوماً بعد يوم، ينبغي علينا أن نُعيد الاعتبار للمعنى، لا للرقم.
أن نُعلّم أبناءنا أن الرزق لا يُقاس بالسرعة، بل بالنزاهة،
وأن المال حين يُكتسب من باطل، فلا بركة فيه ولا استقرار.
الطريقان لا ثالث لهما:
طريق الحلال، وإن طال، يمنح صاحبه الطمأنينة وكرامة النفس.
وطريق الحرام، وإن سهل، يُفضي إلى التيه والندم.
فلنختر الطريق الذي يُشبهنا، لا ذاك الذي يُغري بريقه ويُخفي خيبته.