الدور الإماراتي التنويري .. قراءة بين السطور
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
جوهر الرؤية التنمويَّة التي قامت وتقوم عليها النهضة في الإمارات تعتمد على الإنسان
يُمثِّل التمكين السياسي إطارًا مرجعيًّا حقيقيًّا للوطن، والتناقضات السياسيَّة لا تحدث في أي وطن إلا عند غبش الرؤية الثقافيَّة؛ ولذا لا ينبغي الاستهانة بقوة الثقافة والفكر في تأكيد السيادة السياسيَّة للوطن؛ فالثقافة لها مؤشِّر يقيس مدى تحقُّق التمكين السياسي.
هناك حقائق لا بدَّ من تأكيدها، أهمها أن أوطاننا عظيمة بقيادتها، وقد أثبتت الإمارات للقاصي والداني أنها "المعجرة"، ليس في قدرتها على تحقيق الأمن في الداخل فقط، بل كان التحدِّي الحقيقي أن تصبح هي البلد الآمن وسط إقليم جغرافي ملتهب ومتفجِّر بالصراعات والأزمات، ما جعل الإمارات تكون "الإعجوبة الأمنيَّة"؛ لتتبوأ بهذه الريادة مقعدها الحضاري والتنويري بين الأمم.
كما أن السياسة الخارجيَّة الإماراتيَّة نجحت في الترويج للإسلام السمح عالميًّا، وهو نوعيَّة من الثقافة الإنسانيَّة تتَّسم بالروحانيَّة والتسامح، والرحمة للعالمين، وهذه المعايير الإنسانيَّة باتت مطلبًا مهمًّا للمسلم المعاصر؛ إذا كنَّا فعلًا نريد الحياة أو العيش الآمن الهادئ البعيد عن العنف والظلم والقهر.
وقد أثبتت التجارب أن السياسة المتَّزنة هي تلك السياسة المثقَّفة، القادرة على انتشال الأوطان من أدغال الفوضى والغوغاء، خصوصًا في ظلِّ تعقيدات الواقع السياسي الملتهب، ويأتي على رأس الهرم الثقافي: العلماء والدُّعاة، والمفكِّرون، والكتَّاب، والأدباء، والأكاديميون.
وإنَّنا نحمد الله ونسجد له شاكرين أن بلغنا في الوقت الراهن شأوًا بعيدًا في اكتساب المعارف والعلوم والتكنولوجيا الحديثة والمتقدّمة، وأصبحنا مؤهلين لقيادة صفوف الوعي الحضاريّ في المنطقة بأسرها.
ولذلك فإنه لا يليق بنا عمليًّا أن نمنح المجتمعات المتقدمة مقامَ العلو والمكانة الرفيعة بسبب امتلاكها وسائلَ المعرفة الحديثة، طالما أن تلك الأمم التي تدعي الحضارة تخضع لأهواء الاحتراب والاقتتال، وتتخلى عن أبسط قواعد الإنسانيَّة؛ لأننا نرى وهذا حقنا أنّ العلاقة يجب أن تكون مطردة بين الأخلاق والثقافة من جهة، والتقدم العلمي من جهة أخرى، وأن اعترافنا لأي دولة بقصب السيف لا بد أن يخضع لعواملَ شتَّى من أهمها السعي البناء نحو الرفعة الإنسانيَّة والأخلاقيَّة.
ثم دعونا نستعرض التجربة الإماراتيَّة الخاصة بمظاهر سياستها الخارجيَّة والداخليَّة ذات البعد الثقافي التنويري؛ لنؤكد أن الإمارات ركزت على مجابهة قوى التطرف والإرهاب، وسعت إلى توضيح زيفها وفساد أفكارها، وحاربت الحواضن الثقافيَّة لأفكار الغلو والعنف، لتتفرغ حينئذٍ لرسالتها الأخلاقيَّة والمعرفيَّة بنشر الآداب والمعارف والفنون؛ كي لا نترك الشباب نهبًا للأفكار المتصارعة أو للتيارات التي تفرخ العنف في سبيل الحصول على ما تريد من مكاسب اجتماعيَّة وسياسيَّة.
ورغم تراكم الأدلة على قدرات إماراتيَّة استثنائيَّة، ما بين الحزم والصرامة على مقارعة الظلم وصد العدوان، فإن الإمارات لا تفرط في القيم الإنسانيَّة الأصيلة، واللمسات الحانيَّة للبشر في كل مكان في العالم، وأنها في الوقت نفسه لا تتهاون مع كل من تسوِّل له نفسه زعزعة استقرار المنطقة، كما إنها تعرّي الزيف وتنزع الظلم بقواتها المسلحة، كما تزرع التنوير والأمل في مكان بقواتها الناعمة.
وقد انتهجت الإمارات جملة من الحلول الناجعة لمقارعة الفكر الظلامي، منها تعميق قيم التسامح والثقافة والتنوير والتدين الوسطي، كل ذلك وفق رؤية تهدف إلى بناء مجتمعات سعيدة؛ لأن هذه القيم والمبادئ تشكل معايير للخلود والبقاء الإنساني، وإرثًا تاريخيًّا يستحق الحفاوة والتقدير من الشعوب المحبة لأوطانها.
ونسجِّل هنا بكل افتخار أن الإمارات امتلكت ناصية الأمن وحازت الاستقرار، وباتت تمتلك كلَّ المقومات لتحمي نفسها من الإرهاب والتطرف، كما نسجل أن جوهر الرؤية التنمويَّة التي قامت وتقوم عليها النهضة في الإمارات تعتمد على الإنسان الذي يمتلك كل المقومات للتحضر والتنوير، وتزود العقل بكل المقومات والأفكار الخالية من الشوائب؛ وذلك لخلق مجتمع متسامح وإيجابي وهو أسلوب حياة يحياها الإنسان الإماراتي.
وأخيرًا دعونا نقرأ ما بين السطور فيما يخص الدور الإماراتي التنويري، ذلك الدور الذي تتمثل أهم عناصره في اقتصاد قائم على بنية تحتيَّة متطورة ومعرفة تنمويَّة مستدامة، ووضع التنمية ببعديها البشري والإستراتيجي على رأس أولويات الدّولة، ثم السعي الصادق إلى قيادة الشعوب إلى التطور والازدهار، ويأتي في النهاية تسخير كل المدلولات القيميَّة المشتملة على كل ما هو إنساني وحقوقي، بل وأخلاقي، لتكون بوصلة المجتمع، باعتبارها مرجعيات حضاريَّة، وإثراء المجتمع بفعاليات وطنيَّة وتراثيَّة ودينيَّة وثقافيَّة جديرة وغنيَّة بالحصانة الفكريَّة، بحيث يقربه إلى الرأى الديني المتزن والوسطي، ولا ننسى الدور الإماراتي الداعم للمضي في مشروع الوسطيَّة وتكريس خطاب الدولة والتنمية، وتعزيز الاستقرار، والتصدي للأفكار الظلاميَّة، وكل هذه العوامل كان مفعولها قويًّا ومحركًا وفاعلًا، وقد منح ذلك الدور الإمارات شهرة عالميَّة جعلتها وجهة للنخب من الزوار، وخيرة العقول، والصفوة من المستثمرين من كل أنحاء العالم.
تستحوذ الإمارات على الكثير من الظواهر السياسيَّة المثقَّفة، القادرة على تعميق الفكر التنويري، والدليل على ذلك هو ما تقوم به الإمارات من تحرك ملموس في صياغة المشهد السلمي، وفي صياغة ثقافة تتسم بالحريَّة والتعايش وقبول الآخر، وكلُّ تلك الإنجازات تُحرِّكها قيم الثقافة النبيلة.
يحقُّ لكلِّ إماراتي أن يفخر بوطنه ويقيادته الحكيمة التي تعمل ليل نهار من أجل رفاهية المواطن وأمنه وتمكينه.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الإمارات الدور الإمارات
إقرأ أيضاً:
«الشارقة للتراث» يبحث تعزيز التعاون الثقافي مع المالديف
الشارقة (وام)
أخبار ذات صلةبحث معهد الشارقة للتراث سُبل تعزيز التعاون الثقافي والتراثي بين إمارة الشارقة وجمهورية المالديف، وذلك خلال لقاء جمع الدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس المعهد، أمس في مقر المعهد، مع سعادة محمد حسين شريف، سفير جمهورية المالديف لدى دولة الإمارات.
وخلال اللقاء، سلّم الدكتور المسلم دعوة رسمية لاختيار جمهورية المالديف ضيف شرف الدورة الخامسة والعشرين من ملتقى الشارقة الدولي للراوي، مؤكداً أن هذه الدعوة تأتي تقديراً للثقافة المالديفية العريقة.
وأوضح الدكتور المسلم أن اللقاء تناول مجالات التعاون المشترك، في مجالات التراث الثقافي غير المادي وتبادل الخبرات في حفظ وتوثيق الروايات الشفوية والحكايات الشعبية.
وأشار إلى أن «ملتقى الراوي» بات منصة عالمية تحتفي بالحكائين والرواة وحملة الذاكرة الشعبية من مختلف الثقافات.. وقال: «إن مشاركة المالديف هذا العام ستثري برنامج الملتقى بروافد جديدة من الحكايات والأساطير المرتبطة بالبحر والجزر وهي قريبة من وجداننا وتراثنا الخليجي».
من جانبه، عبّر سعادة السفير محمد حسين شريف عن بالغ شكره وتقديره للدعوة، مشيداً بجهود معهد الشارقة للتراث في مد جسور التواصل الثقافي بين الشعوب، مؤكداً أن اختيار بلاده ضيف شرف للملتقى يشكّل فرصة متميزة لتقديم التراث المالديفي إلى جمهور عربي وعالمي.
ولفت إلى أن المالديف تمتلك رصيداً غنياً من الحكايات والأساطير الشفهية المستوحاة من بيئتها البحرية، ما يجعل مشاركتها في الملتقى إضافة حقيقية تسهم في تعزيز الحوار الثقافي وإثراء المشهد التراثي.
وتخلّل اللقاء عرض فيديو تعريفي عن «أسبوع التراث المالديفي 2021»، إضافة إلى مناقشة آفاق التعاون الثقافي والمشاركة المالديفية المرتقبة في فعاليات الملتقى.
كما قدّم الدكتور عبدالعزيز المسلم مجموعة من إصدارات المعهد، التي تُسلّط الضوء على الموروث الثقافي الإماراتي والخليجي، خصوصاً في مجالات الحكايات الشعبية والذاكرة الشفاهية، مشيراً إلى أوجه الترابط بين التراث البحري في الإمارات والمالديف.
يذكر أن ملتقى الشارقة الدولي للراوي الذي ينظمه معهد الشارقة للتراث انطلق قبل 25 عاماً بوصفه مشروعاً ثقافياً رائداً يعنى بالحكائين والرواة وحملة التراث الشفهي من مختلف أنحاء العالم.