د. حميد مسلم الطرفي: أزمة الكهرباء في العراق بين امريكا وايران
تاريخ النشر: 11th, July 2023 GMT
د. حميد مسلم الطرفي
في بيان لافت لرئاسة الوزراء العراقية وضح رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني أن سبب الأزمة الحالية للكهرباء في هذه الأيام هو العقوبات الامريكية المفروضة على ايران . إذ على العراق ان يدفع للأخيرة الديون المستحقة بذمته جراء توريد الغاز لمحطاته الكهربائية في حين تعارض امريكا دفع هذه المستحقات بأيشكل من الأشكال .
اللافت في الأمر أن كلا المتصارعين أعني امريكا وايران اختاروا التوقيت الأسوء وهو شهر تموز الذي تقارب فيه درجة الحرارة في العراق الخمسين درجة مئوية ، ليكون العراقيون ضحية هذا الصراع . ايران عرضت على العراقيين ان تستحصل ديونها باليورو أو حتى بالدينار العراقي فلم تستجب الحكومة العراقية لان امريكا تعد ذلك التفافاً على العقوبات ، ولان امريكا ترفض ابتداءً استيراد الغاز الايراني وانما منحت رخصة مؤقتة بناءً على طلب العراق . ولكن لماذا تختار امريكا هذا التوقيت ؟
امريكا تريد ان توصل رسالة للعراقيين ان ايران ليست لديها معايير أخلاقية في علاقتها مع العراق ، ولا يمنعها الارث التاريخي بين الشعبين أو التوجه العقائدي من أن تذيق العراقيين مصائب هذا الحر اللاهب إذا تعرضت مصالحها للضرر . امريكا تريد أن تحرج المدافعين عن ايران في العراق والذين يقولون ان ايران دفعت دماءً من اجل سلامة العراق ووحدة اراضيه وقاتلت جنباً الى جنب معهم لسحق داعش .
امريكا تريد زرع الفجوة على الصعيد الشعبي بين ايران والعراق لتصل الى كل بيت يعاني من انقطاع الكهرباء رسالة سلبية عن ايران. ولكن لماذا تقع ايران في مصيدة الامريكان فتقطع الغاز عن المحطات الكهربائية العراقية في هذه الأيام؟ لايران اسباب أو مبررات، فموجة الحر هذه لا تضرب العراق فقط وانما تشمل ايران كذلك والطلب على الكهرباء في تزايد هناك وبالتالي على الغاز فهل يعقل ان تلبي حاجة العراقـ وبلا ثمن ـ وتترك شعبها تحت وطأة الحر؟
هل يمكن ان يقتنع الايرانيون بمكارم الأخلاق هذه ولا يطالبون حكومتهم بايقاف التصدير؟ واذا كانت ايران قد صبرت على مستحقاتها لثلاث سنوات دون ان تحرك الحكومة العراقية ساكناً خشية ان تثير غضب الامريكان فهل هناك من وقت مناسب غير هذه الايام ليتحرك المسؤولون العراقيون بكل قوة صوب الامريكان ليقنعوهم بضرورة الموافقة على دفع الديون؟
الشعب الايراني يئن من الحصار الظالم عليه من قبل امريكا فلا نتحرك اخلاقياً بمبادرة او مطالبة تصب في مصلحتهم، وحين تطالب ايران بدفع ديونها نطالبها بموقف اخلاقي يتجاوز المليارات من الدولارات المجمدة في البنوك العراقية!! في كل صيف تحاول ايران أن تتجاوز مصالحها الذاتية وتؤجل القطع في أشهر الصيف عسى ان يتحرك العراق بالضغط على الإدارة الامريكية أو ايجاد بدائل يعتمد فيها على ذاته في تامين الوقود اللازم لمحطاته ولكن دون جدوى.
ايران دولة ولها نظام سياسي ولديها معارضة أيضاً ، وعليها مؤامرات داخلية وخارجية والمجاملة بثرواتها على حساب شعبها مراعاةً للأخلاق وحسن الجيرة والنية الحسنة يخل بالتزاماتها الاخلاقية تجاه شعبها ، وعلينا نحن العراقيين كدولة ان نسعى لتأمين احتياجاتنا بما يرفع الحرج عن ايران وحكومتها وبأي طريقة مشروعة ، لا ندعو إلى الصدام مع الادارة الامريكية ولكن هناك مبررات مشروعة لأن يستثنى العراق من العقوبات المفروضة على ايران، وهناك حاجة لأن يؤمن العراق الغاز المطلوب من انتاجه وتلك خطوة مهمة نحو الاستقلال في مجال الطاقة ، وليس الربط بدول الجوار فنستبدل الرمضاء بالنار .
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
أزمة خور عبد الله: سيادة وطنية تُباع بالرشاوى
آخر تحديث: 30 يوليوز 2025 - 10:40 صبقلم : سعد الكناني تعود أزمة خور عبد الله بين العراق والكويت إلى ما بعد حرب الخليج الثانية، عندما تم ترسيم الحدود بموجب القرار الأممي 833 لسنة 1993. وقد فرض هذا القرار على العراق، في ظروف الاحتلال الأمريكي والضعف السياسي الكامل، تنازلات حدودية اعتُبرت مهينة، منها اعتبار جزء من خور عبد الله ضمن المياه الكويتية، رغم أن العراق تاريخياً ووثائقيا كان المتحكم الفعلي في الممر المائي لكونه عراقي 100%. في عام 2013، صادق البرلمان العراقي على اتفاقية “تنظيم الملاحة” في قناة خور عبد الله، وهي الاتفاقية التي تم استخدامها كذريعة لاحقة لبناء ميناء مبارك الكبير الكويتي، الذي يعرقل الملاحة العراقية ويخنق منفذنا البحري الحيوي. لكن ما لم يُكشف علنًا إلا لاحقًا هو أن هذه المصادقة لم تكن نزيهة ولا وطنية. إذ تؤكد مصادر موثوقة وتقارير إعلامية أن الوفد العراقي الذي فاوض على الاتفاقية وقام بالتوقيع عليها قد تلقى رشى من الجانب الكويتي، شملت امتيازات مالية وسفريات ومنافع شخصية، بهدف تمرير الاتفاقية على حساب السيادة العراقية. إننا هنا لا نتحدث عن دبلوماسية، بل عن بيع للوطن مقابل المال، وهي جريمة مزدوجة: خيانة وطنية وفساد موثق. هذا ما دفع المحكمة الاتحادية العليا في العراق، عام 2023، إلى إصدار حكم ببطلان الاتفاقية، مستندة إلى خلل دستوري في آلية التصويت البرلماني، لكنه في الجوهر، يعكس الرفض الشعبي والسياسي العميق لأي اتفاقية وقّعت في ظروف غامضة ومشبوهة، خارج إرادة الشعب. في المقابل، رأت الكويت في الحكم العراقي انقلابًا على اتفاق دولي، وطالبت بتدويل القضية، مستندة إلى دعم من مجلس التعاون الخليجي وبعض الأطراف في الجامعة العربية، التي أثبتت مجددًا أنها لا تنظر لقضايا السيادة العراقية إلا من زاوية المصالح الخليجية، وليس من مبدأ العدالة. السؤال الجوهري هنا: هل ما زالت السيادة العراقية قابلة للبيع؟ وهل يمكن الوثوق بأي اتفاق دولي يتم التوقيع عليه في ظل حكومات تابعة وضعيفة ومخترقة من الخارج؟ إن هذه الأزمة تكشف مجددًا حقيقة أن جزءاً من النخب السياسية العراقية ليست فقط غير مؤهلة للدفاع عن الوطن، بل مستعدة للمساومة عليه مقابل منافع تافهة. وهي أزمة ليست مع الكويت فحسب، بل مع الذات السياسية العراقية، التي لم تعد تعرف معنى الكرامة الوطنية. لذلك لا يمكن لأي تسوية دبلوماسية أن تصمد إذا لم تكن مبنية على شرعية وطنية نابعة من الإرادة الشعبية، وليس على مصالح شخصية وولاءات خارجية. يجب إعادة فتح ملف خور عبد الله ضمن إطار وطني شامل وإيداع قرار المحكمة الاتحادية إلى الأمم المتحدة ولدى المنظمة البحرية الدولية مع ايداع خارطة المجالات البحرية العراقية لدى الامم المتحدة أيضاً، ومراجعة كل الاتفاقيات الموقعة سواء كانت تحت الضغط أو الرشوة، وإخضاع المسؤولين عنها للمحاسبة القضائية والشعبية. خور عبد الله ليس مجرد ممر مائي، بل رمز لكرامة العراق البحرية والسيادية. والتنازل عنه، بأي شكل، هو خيانة تاريخية لن تُنسى.