يتم الحديث عن الاختلاف، وعن التقارب، وعن التغيير، وعن التضاد، وعن التسامح، وعن المواجهة، وفي كل ذلك هناك متغيران فاعلان، يظهر أحدهما على حساب الآخر، قد يشار إلى أحدهما على أنه متغير إيجابي، والآخر سلبي، وفي هذه الضدية، ليس شرطا أن تكون النتائج إيجابية بالمطلق، ولا سلبية بالمطلق، وإنما هناك مراوحة بين خطأ وصواب، وبين شروق وغروب، ويظل الحاكم في كل ذلك هو هذا الإنسان الذي أوتي الحكمة، والتعقل، والبصيرة، والقدرة على استشراف ما بعد النفق المظلم، ولأن المسألة مرتبطة أكثر بالإنسان في تحديد النتائج؛ تظل هذه التضادية معاشة في كل مشروعات الحياة اليومية، ويظل هذا الصراع قائما، وهذا ما يعطي الحياة ألقها وبهرجتها، واستمرار توهجها، ففي اتفاقاتها المطلقة تلبس الحياة عباءة تخيم على أنشطتها، ويصاب الإنسان بالملل، ويرى يومه صورة متكررة، باعثة على الكسل، وقد يعيش تململا يفقده همته، وطموحاته، وتعزيز آماله التي يريد.
فالتقييمات المرتبطة بالصورة الاحتفالية لحياة الناس - بيوت ضخمة وسيارات فارهة ومستوى معيشي عالي الجودة وسفر، ومع التضاد من ذلك في صورة الفقر، بكل صوره المأساوية، كل ذلك يقاس على متغيري الغنى والفقر، وتتداخل معهما مسائل جانبية، تقيَّم على أنها على درجة كبيرة من الأهمية، من ضمنها: جد واجتهاد، وتسلسل هرمي للأمرين ذاتهما (غنى/ فقر) وحظ وعلاقات، ذكاء وتصرف حكيم وعدم القناعة بالقليل وعدم التسليم لواقع معين والدخول في معترك المخاطر «مغامرات» وفي كل واحدة من هذه المشار إليه بمفردتها تتضمن متغيران، إن علا أحدهما كان ذلك على حساب الآخر، مع الإيمان بتبدل المواقف في ذات الأمر، فالجد يتقاطع مع الكسل، والذكاء مع الغباء، وحسن التصرف مع سوئه، والقناعة مع المزيد من التحقق والكسب، وحتى التسلسل الهرمي يمكن أن يتحايل عليه، ولذا عايشنا أسرا كانت على قدر كبير من الغنى وبحبوحة العيش، غدت أجيالها على خط الفقر، وفي المقابل أسرا أخرى تسلسلت عبر هرم الفقر؛ ربما؛ لأجيال متعاقبة؛ أضحى أبناؤها أو أحفادها على قدر معقول من الغنى والحياة الرغدة الهانئة ــ وإن كانت صورتهم الاحتفالية وفق المقياس المادي الظاهر ــ فالمهم أن متغير الغنى طغى على متغير الفقر، على عكس الأسر المتسلسلة عبر هرم الغنى.
قد يصل البعض إلى قناعة أن العلم هو الوحيد الذي يمكن أن يوجد التوازن بين متغيري الفقر والغنى، وأن التسلسل الهرمي يخضع بالضرورة إلى هذا الفاعل، وكما جاء في قول الشاعر: «العلم يبني بيوتا لا عماد لها؛ والجهل يهدم بيوت العز والشرف» ولكن لا يمكن الجزم المطلق بذلك، فهناك متغيرات أخرى قد تدخل في هذا المعترك، فتحدد صورا جديدة، غير مرئية، أو معروفة من قبل، لتحدث تغيرات جذرية في الاتجاه ذاته، وهو ما يشار إليه؛ وفق ما جاء أعلاه: «حظ وعلاقات، ذكاء وتصرف حكيم وعدم القناعة بالقليل وعدم التسليم لواقع معين والدخول في معترك المخاطر «مغامرات»» والأمثلة كثيرة في الحياة عن أناس لا يملكون قدرا كبيرا من العلم والمعرفة، ومع ذلك أصبحوا على درجة كبيرة من الرخاء المادي، ومن التحقق الوجاهي، ويشار إليهم بالبنان، سواء في المجتمعات الصغيرة، أو المجتمعات الكبيرة المعقدة، ولذلك يضرب بالمثل الذي جمع مجموعة من الطلاب في صف ما ــ في المراحل الأولى من التعليم ــ أن المجموعة التي لم تكمل تعليمها، ترأست زملاءها الذي أكملوا تعليمهم؛ عندما تعينوا في مؤسسات يديرها هؤلاء الزملاء الذين فرقتهم الحياة قبل نيف من الزمان، فمتغيرا الجهل والعلم، ليس من الضرورة أن يفضيا إلى تناقض كبير في أدوار الحياة اليومية، والجهل هنا لن يقاس على أنه «الجهل بالمعرفة المطلقة» وإنما على أنه يمكن أن يحتاج صاحبه إلى بعض المفاتيح للصناديق المهمة، وحتى ذوو المعرفة يمكن أن يمارسوا تصرفات الجاهل عندما يخالف معرفته، ويذهب إلى حياة ما تهمس له به نفسه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: یمکن أن
إقرأ أيضاً:
عالية المهدي: لا يمكن خفض الأسعار مع فائدة 24% وتضخم بـ11%
قالت الدكتورة عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق بجامعة القاهرة، إنّ سعر الفائدة الحقيقي في مصر يُعد من الأعلى في العالم، مشيرة إلى أنه في ظل فائدة اسمية تبلغ نحو 20% للمدخرين و24% للمقترضين، ومع معدل تضخم يبلغ 11%، فإن سعر الفائدة الحقيقي يصل إلى 9%، وهو رقم غير مسبوق في معظم الدول.
وأضافت المهدي، في حوارها مع المحامي الدولي والإعلامي خالد أبو بكر، مقدم برنامج "آخر النهار"، عبر قناة "النهار"، أنّ هذا المستوى المرتفع من الفائدة يمثل عائقًا كبيرًا أمام الاستثمار والإنتاج، مشيرة إلى أن المستثمرين يعجزون عن تحقيق أرباح تغطي تكلفة الاقتراض، مما يؤدي إلى توقف المشروعات أو رفع الأسعار، وهو ما ينعكس سلبًا على المواطن.
وتابعت، أنّ هذا الوضع يُسهم في ارتفاع تكاليف الإنتاج ويُفقد المنتجات المحلية القدرة على المنافسة في الأسواق الدولية، لافتة إلى أن الدول الأخرى مثل السعودية وأمريكا وأوروبا لديها فائدة على القروض تتراوح بين 3% و5% فقط.
وشددت على ضرورة خفض سعر الفائدة في مصر تدريجيًا بما يتناسب مع معدلات التضخم، مؤكدة أن ذلك سينعكس إيجابًا على النشاط الاقتصادي ويُسهم في خفض الأسعار وتحسين معيشة المواطنين، رغم أن بعض الجهات قد تتخوف من تأثير هذا القرار على رؤوس الأموال الأجنبية الساخنة.