تعاني أغْلَب الدوَل من عجوزات ماليَّة في موازناتها العامَّة، ولسدِّ تلك العجوزات تلجأ إلى الاستدانة عن طريق إصدار الأوراق الماليَّة، كأذونات الخزينة والسندات أو الاقتراض من مؤسَّسات ماليَّة محلِّيَّة أو خارجيَّة. في الحقيقة الارتفاع الحادُّ في الدَّيْن العامِّ لأيِّ دَولة يسبب اختناقًا ماليًّا كبيرًا ويدفع الدَّولة لخفض الإنفاق الحكومي ورفع مستوى المعدَّلات الضريبيَّة.

كما أنَّ الارتفاع الحادَّ في الدَّيْن العامِّ قَدْ يؤدِّي إلى تعثُّر الدَّولة في الوفاء بمديونيَّاتها في الوقت المُحدَّد ممَّا قَدْ يُسبِّب شللًا اقتصاديًّا عامًّا بالدَّولة، وبالتَّالي ينعكس ذلك بانخفاض مستوى التصنيف الائتماني لها. ومن هنا جاءت أهمِّية وجود أُطر وقوانين منظِّمة للدَّيْن العامِّ للدوَل. فسلطنة عُمان بادرت مؤخرًا بصدور مرسوم سُلطاني يُعنى بقانون الدَّيْن العامِّ.
وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ سلطنة عُمان كغيرها واجهت تحدِّيات ماليَّة ومتغيِّرات اقتصاديَّة كبيرة خلال السنوات الماضية، إلَّا أنَّ الحزم الإصلاحيَّة والقوانين الَّتي تبنَّتها السَّلطنة خلال تلك الفترة كان لها أثَر فعَّال في تعزيز الضبط المالي والاقتصادي والَّذي انعكس إيجابًا على خفض حجم الدَّيْن العامِّ. وعلى سبيل المثال، كان لتطبيق رؤية «عُمان 2040»، بالأخصِّ ممكن الاستدامة الماليَّة؛ الأثر الكبير في السيطرة على الدَّيْن العامِّ والَّذي يهدف إلى تعزيز القدرة على التكيُّف مع الأوضاع الماليَّة واستيعاب أيَّة تحدِّيات ماليَّة ومتغيِّرات اقتصاديَّة مستقبليَّة وضمان الكفاءة الماليَّة. بالإضافة إلى أنَّ مشروع التوازن المالي أسفر بالفعل عن تراجع ملموس في حجم الدَّيْن العامِّ، وتحسُّن في الوضع المالي، والتصنيف الائتماني للسَّلطنة.
وكما لاحظنا في الفترة الماضية وجود تراجع في مستوى تمويل الميزانيَّة العامَّة وحجم الاقتراض الخارجي ولَمْ يشهد أيَّ سحبٍ من الاحتياطي العامِّ لتمويل الميزانيَّة العامَّة للدَّولة خلال العام الحالي مقارنة بالعام المنصرم 2022 حيث اضطرَّت السَّلطنة للسَّحب من الاحتياطيَّات العامَّة مبلغًا قدره (1.3) مليار ريال عُماني لاستخدامها في تمويل الميزانيَّة العامَّة للدَّولة. كما لوحظ أيضًا خلال الفترة الماضية تحسُّن كفاءة الإنفاق العامِّ وكفاءة الأداء الحكومي، وصاحب ذلك تحسُّن في الوضع المالي والاقتصادي ممَّا أسهَم في تعزيز التنوُّع الاقتصادي، وجلب الاستثمارات الخارجيَّة لسلطنة عُمان.
ولو عرَّجنا قليلا نَحْوَ قانون الدَّيْن العامِّ لسلطنة عُمان، وسلَّطنا الضوء حَوْلَ أهدافه، نجد أنَّه يسعى لتحقيق عدَّة أهداف مِنْها؛ تجنيب الدَّولة المخاطر الماليَّة والحدُّ من أعباء الدَّيْن العامِّ، وتعزيز الحكومة من إصدار أدوات الدَّيْن العامِّ. كما يهدف هذا القانون للإسهام في تطوير وتنويع السُّوق الماليَّة المحلِّيَّة، وتعزيز قوَّة الائتمان، وتلبية احتياجات التمويل الحكومي بأقلِّ تكلفة ممكنة. ووفقًا للقانون الجديد ستكُونُ هناك استراتيجيَّة واضحة لإدارة الدَّيْن العامِّ في سلطنة عُمان، وتحديد أدوات مُحدَّدة للدَّيْن العامِّ الخاصَّة بالقروض المحلِّيَّة والخارجيَّة. أمَّا السَّحب من الصندوق الاحتياطي سيكُونُ مستقبلًا وفق آليَّات وأُسُس مُحدَّدة. علاوةً على ذلك، سيُعزِّز هذا القانون من معايير الشفافيَّة والإفصاح عن الملاءة الماليَّة الحكوميَّة؛ حيث سيتمُّ الإفصاح عن المديونيَّة العامَّة ليس فقط على الشركات المملوكة للحكومة، بل سيطول حتَّى الشركات الَّتي يشرف عَلَيْها جهاز الاستثمار العُماني. كما أنَّ قانون الدَّيْن العامِّ يتيح تمويل المشروعات التنمويَّة خارج إطار الميزانيَّة وإمكان إعادة هيكلة الديون وتحديد حجم الاقتراض.
وأخيرًا، حسب تقرير صندوق النقد الدولي، أنَّ الاقتصاد العُماني سيواصل تعافيه، وأن يحققَ نُموًّا في عام 2024. لذا فإنَّ وجود قانون للدَّيْن العامِّ، سيُسهم في تعزيز ثقة المستثمرين وتعزيز المؤشِّرات الاقتصاديَّة والماليَّة وقوَّة التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان.

د. يوسف بن خميس المبسلي
متخصص في العلوم المالية والاقتصاد

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ی ن العام لسلطنة ع ة العام

إقرأ أيضاً:

انتشار البرباشة في شوارع تونس يعكس الأزمة الاقتصادية في البلاد

يزداد عدد "نبّاشي القمامة" أو "البرباشة" باللهجة العامية في تونس، والذين يجوبون الشوارع بلا كلل في القيض والبرد بحثا عن أي قارورة بلاستيكية، مما يشكل انعكاسا للأزمة الاقتصادية وأزمة الهجرة.

يضع حمزة الجباري منشفة على رأسه تقيه أشعة الشمس الحارقة، ويثبت كيسين مليئين بالقوارير البلاستيكية على ميزان في نقطة تجميع في حي البحر الأزرق الشعبي في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس.

كان قد جاب منذ الرابعة صباحا، شوارع عدة قبل أن يقوم عمّال النظافة بتفريغ حاويات القمامة.ويقول الرجل الأربعيني الذي يعيش من جمع البلاستيك منذ خمس سنوات "هذا هو العمل الأكثر توفرا في تونس في غياب فرص العمل".



لكن هذا العمل مرهق جدّا فيما يُباع الكيلوغرام الواحد من القوارير البلاستيكية الموجهة لإعادة التدوير ما بين 500 و700 مليم (16 إلى 23 سنتا).

ولذلك فهو في سباق لا ينتهي مع الزمن والمكان لملء أكبر عدد ممكن من الأكياس للحصول على بضعة دنانير لتوفير قوته اليومي.

انتشرت في تونس خلال السنوات الأخيرة مهنة جمع المواد البلاستيكية وبيعها للتدوير. فبات من المألوف رؤية نساء يبحثن عن القوارير المستعملة على جوانب الطرق، أو رجال يحمّلون أكواما من الأكياس على دراجاتهم النارية يجوبون الشوارع ويقفون عند كل ركن تلقى فيه القمامة للبحث فيها.

"عمل إضافي"

تؤكد منظمات غير حكومية محلية أنه من الصعب تحديد عدد "البرباشة"، إذ إن نشاطهم غير منظم قانونا.

لكن وفق حمزة الشاووش، رئيس الغرفة الوطنية لمجمعي النفايات البلاستيكية، التابعة لمنظمة التجارة والصناعة، فإن هناك 25 ألف "برباش" في تونس ينشط 40% منهم في العاصمة.يقول الجباري إن "الجميع أصبحوا برباشة!".

ويوضح الشاوش الذي يدير أيضا مركز تجميع للمواد البلاستيكية في ضاحية تونس الجنوبية، أن "عددهم ازداد في السنوات الأخيرة بسبب غلاء المعيشة".

ويلفت إلى تحول في القطاع الذي كان "من ينشطون فيه بالأساس أشخاصا بلا دخل" لكن "منذ نحو سنتين، بدأ عمال ومتقاعدون وخادمات في المنازل في ممارسة هذا النشاط كعمل إضافي".

في العام 2024، تجاوزت نسبة الفقر في تونس 16%، بحسب الأرقام الرسمية.وما تزال الأزمة الاقتصادية تلقي بثقلها في تونس مع نسبة بطالة تناهز 16% ونسبة تضخم تقارب 5,4% في العام 2025.

ومنذ العام الفائت، بدأ عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء أيضا بجمع القوارير البلاستيكية وبيعها لتحصيل رزقهم.يعيش معظم هؤلاء المهاجرين في فقر مدقع.




وقد عبروا دولا كثيرة بهدف واحد هو الوصول إلى أوروبا عبر البحر، لكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين في تونس التي شدّدت الرقابة على السواحل بعد إبرامها اتفاقا بهذا الخصوص مع الاتحاد الأوروبي.

"منافسة"

يقول المهاجر الغيني عبد القدوس إنه صار "برباشا" لكي يتمكن من العودة إلى بلده.ويعمل الشاب البالغ 24 عاما منذ شهرين في محطة لتنظيف السيارات ولكنه يحتاج إلى تكملة لراتبه المتدني.

يساعد جمع النفايات القابلة لإعادة التدوير الشاب الذي حاول مرتين عبور البحر إلى أوروبا بشكل كبير في حياته ويمكنه من دفع الإيجار وشراء أغراض مثل الأدوية.يقول عبد القدوس لفرانس برس متنهدا بعمق "الحياة هنا ليست سهلة".

اضطر الشاب إلى مغادرة مدينة صفاقس الساحلية الكبيرة في الوسط الشرقي إلى العاصمة تونس بعد أن تلقى "الكثير من التهديدات".

وقد شهدت بلدات قريبة من صفاقس تفكيك عدة مخيمات غير منظمة للمهاجرين هذا العام.في العام 2023، تفاقمت أزمة المهاجرين بعدما اعتبر الرئيس قيس سعيّد أن "جحافل المهاجرين من جنوب الصحراء" تهدد "التركيبة الديموغرافية" لتونس.

وانتشرت بعد ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي خطابات حادة وعدائية ضد المهاجرين.ألقت هذه التوترات بظلالها على قطاع جمع القوارير البلاستيكية.

ويقول حمزة الجباري "هناك منافسة قويّة في هذا العمل"، في إشارة إلى المهاجرين.

ويضيف "هؤلاء الناس جعلوا حياتنا أكثر صعوبة... لم أعد أستطيع جمع ما يكفي من البلاستيك بسببهم".




ويذهب الشاوش أبعد من ذلك، فمركز التجميع الذي يشرف عليه "لا يقبل الأفارقة من جنوب الصحراء" ويمنح "الأولوية للتونسيين".

في المقابل، يؤكد عبد الله عمري وهو صاحب مركز تجميع في البحر الأزرق على أنه "يقبل الجميع".ويضيف الرجل البالغ 79 عاما "من يقوم بهذا العمل هم بحاجة" سواء "كانوا تونسيين أو من جنوب الصحراء أو غيرهم".

ويختم بفخر "نحن ننظّف البلاد ونوفر لقمة العيش للعائلات".

مقالات مشابهة

  • إصلاح المصارف يمرّ... سلام يمتنع عن تحديد موعد لقانون الانتظام المالي
  • بوذن يبحث مع نظرائه النمساويين تعزيز الشراكة الاقتصادية والبرلمانية
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • ارتفاع إيرادات مصر لصناعة الكيماوية لتسجل مليار جنيه في العام المالي الماضي
  • ممفيس للأدوية تحقق 1.5 مليار جنيه خلال العام المالي الماضي
  • مؤشرات تنافسية عُمان وتحديات تعزيز الأداء المؤسسي
  • فضيحة حجز وابتزاز مالي تفجر غضب المسافرين في “اليمنية” عدن
  • نواب: تراجع سعر الدولار وتحسن المؤشرات الاقتصادية يفتحان الباب لخفض أسعار السلع في الأسواق المصرية
  • انتشار البرباشة بشوارع تونس يعكس الأزمة الاقتصادية في البلاد
  • انتشار البرباشة في شوارع تونس يعكس الأزمة الاقتصادية في البلاد