بالرغم من الحرب التكنولوجيَّة المستمرَّة بَيْنَ الولايات المُتَّحدة والصين، لَمْ ينقطع التعاون العلمي طويل الأمد بَيْنَ القوَّتَيْنِ العظميَيْنِ، والَّذي ظلَّ منتجًا ومفيدًا لعدَّة سنوات. وعلى الرغم من ذلك، يواجه هذا التعاون عقبات وشكوكًا متزايدة حاليًّا، إذ يُشكِّك بعض السِّياسيِّين الأميركيِّين في قِيمة ومخاطر اتفاقيَّة العلوم والتكنولوجيا (STA)، والَّتي تُعدُّ أوَّل اتفاقيَّة ثنائيَّة تمَّ التوقيع عَلَيْها بَيْنَ البلدَيْنِ بعد استعادة العلاقات في العام 1979، من قِبل دنج شياوبينج والرئيس الأميركي جيمي كارتر.

وتثار المخاوف من أنَّ الصين تستغلُّ هذا التعاون لتحسين قدراتها التكنولوجيَّة والعسكريَّة، وتقوم بالاستيلاء على الملكيَّة الفكريَّة. أعتقد أنَّ مِثل هذه المخاوف ليست مبرَّرة إلى حدٍّ كبير، وأنَّ إنهاء أو إضعاف اتفاقيَّة العلوم والتكنولوجيا (STA) سيكُونُ ضارًّا بمصالح البحث العلمي في كُلٍّ من الولايات المُتَّحدة والصين على حدٍّ سواء، حيث لا توجد دلائل كافية على أنَّ التعاون الأكاديمي قَدْ يُشكِّل تهديدًا للأمان أو التنافسيَّة الأميركيَّة. تغطِّي اتفاقيَّة(STA) البحوث الَّتي تُنشر في المجلات الَّتي يتمُّ تقييمها من قِبل النقَّاد، والَّتي تكُونُ متاحة لأيِّ شخص بغَضِّ النظر عن الجنسيَّة. بالإضافة إلى ذلك، تتوافر للولايات المُتَّحدة آليَّات أخرى لحماية المجالات الحسَّاسة في البحث، مِثل الأمْرِ التنفيذي الَّذي وضعه الرئيس جو بايدن والَّذي يقيِّد تبادل الخبرات الأميركيَّة في مجالات معيَّنة. لقَدْ حقَّقت الصين تقدُّمًا ملحوظًا في بعض المجالات الَّتي يُمكِن أن تدعمَ نقاط القوَّة الأميركيَّة، مِثل البطاريات وتكنولوجيا الاتِّصالات وعِلم النانو. كما تتمتَّع الصين بعددِ سكَّان كبير ومتنوِّع، يُمكِن أن يوفِّرَ بيانات ثمينة للبحوث في مجالات مِثل الصحَّة والتعليم والعلوم الاجتماعيَّة. ومن خلال التعاون مع العلماء الصينيِّين، يُمكِن للباحثين الأميركيِّين الحصول على رؤى وفرص يصعب العثور عَلَيْها بخلاف ذلك.
بعض السِّياسيِّين الأميركيِّين أبدوا قلقهم بشأن الأساليب الَّتي تستخدمها الصين في إجراء الأبحاث الأخلاقيَّة. إذا كانت هذه هي نقطة الخلاف الرئيسة، يُمكِن لأميركا أن تؤثِّرَ بشكلٍ أكبر على نهج الصين في هذه المسائل. بالفعل، قامت الصين تحت تأثير الولايات المُتَّحدة، بتبنِّي لجان المراجعة المؤسَّسيَّة الَّتي تُشرف على الأبحاث الَّتي تشمل الموضوعات البَشَريَّة. ونظرًا لأنَّ الابتكار في مجال الذَّكاء الاصطناعي وغيره من المجالات الجديدة يطرح تحدِّيات أخلاقيَّة جديدة، يُمكِن لأميركا أن تستخدمَ تعاونها مع الصين لِتَوجيهِ نهجها نَحْوَ ممارسات أكثر مسؤوليَّة إذا شعرت بضرورة ذلك. يوضِّح تاريخ التعاون العلمي بَيْنَ القوى العظمى المتنافسة خلال الحرب الباردة أنَّ هذا النَّهج يُمكِن أن يًحققَ فوائد متبادلة ويُسهمَ في تقدُّم الإنسانيَّة. فعلى سبيل المثال، أدَّى البحث المشترك بَيْنَ العلماء الأميركيِّين والسوفيتيِّين فيما مضى إلى اكتشاف موجات الجاذبيَّة، والقضاء على الجدري، وعِلم فيزياء كثافة الطَّاقة العالية الَّذي أسفر عن أكثر من 400 منشور وعروض علميَّة مشتركة. وقَدْ كانت البحوث بَيْنَ العلماء الأميركيِّين والصينيِّين أكثر فعاليَّة حتَّى في مجالات مِثل التجارب السريريَّة لعلاج السرطان، ورسم خريطة درب التبَّانة، وتقنيَّة الكم، وعِلم الأحياء، والطِّب، والفيزياء. وتجلب شراكة الولايات المُتَّحدة والصين قوَّة لأعداد من المشاريع العلميَّة العالَميَّة، ممَّا يُعدُّ أمرًا ضروريًّا إذا ما أردنا أن نواجهَ تحدِّيات مشتركة مِثل تغيُّر المناخ. بدلًا من تبنِّي نموذج جديد للعزلة العلميَّة، يجِبُ على أميركا أن تتذكرَ أنَّ التعاون في المختبر يَعودُ بالنفع على الجميع، بما في ذلك عَلَيْها هي أيضًا. ومن الواضح أنَّ التعاون بَيْنَ هاتَيْنِ الدولتَيْنِ ضروري، حيث يُسهم في تعزيز الثِّقة والتفاهم المتبادل بَيْنَهما، وهما عنصران حاسمان للحفاظ على السَّلام العالَمي. المطلوب من أميركا أن تواصلَ تعاونها العلمي مع الصين، وأن تجدِّدَ اتفاقيَّة العلوم والتكنولوجيا بدُونِ إحداث تغييرات رئيسة. إنَّ الانسحاب من الاتفاقيَّة أو التخفيف مِنْها لَنْ يؤدِّيَ إلَّا إلى إلحاق الضرر بمصالح العِلم الأميركيَّة، كما سيؤثِّر أيضًا على علاقاتها مع الصين وسمعتها كقائد في مجال العلوم العالَمي.

طلال أبو غزالة
كاتب عربي

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الولایات الم ت ع الصین

إقرأ أيضاً:

تعاون بين القومي للبحوث والصين لإنشاء مختبر المواد وتكنولوجيا النانو

أكد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أهمية الانفتاح على التعاون العلمي الدولي مع المؤسسات البحثية الرائدة عالميًا، مشيرًا إلى أن الشراكات الاستراتيجية بين المراكز البحثية المصرية ونظيرتها الدولية تسهم في دعم جهود الابتكار وتعزيز مكانة البحث العلمي في مصر على المستوى العالمي.

توقيع خطاب نوايا بين المركز القومي للبحوث وجامعة هاربين الصينية

في هذا الإطار، وقع الدكتور ممدوح معوض، رئيس المركز القومي للبحوث، والبروفيسور لو سيكان، نائب مدير مكتب البحث العلمي والتطوير التكنولوجي بجامعة هاربين الهندسية الصينية، خطاب نوايا للتعاون بين الجانبين يهدف إلى إنشاء مختبر بحثي مشترك متخصص في علوم المواد المتقدمة وتكنولوجيا النانو. جاء ذلك على هامش زيارة وفد جامعة هاربين للمركز القومي للبحوث، والتي استمرت لمدة ٣ أيام وشملت زيارات ميدانية لفرع المركز بمدينة السادس من أكتوبر، ومعرض المنتجات البحثية، وشبكة المعامل المركزية بالفرع الرئيسي بالدقي.

شهد مراسم التوقيع من الجانب الصيني الدكتور علاء عبد العزيز، منسق اتفاقية التعاون الدولي بين جامعة هاربين الهندسية والمركز القومي للبحوث، ووفد رفيع المستوى من الجامعة، ومن الجانب المصري الدكتور مصطفى محمد جاب الله فوده، من معهد بحوث وتكنولوجيا النسيج، منسق اتفاقية التعاون ورئيس الفريق البحثي، والدكتورة سمر سامي شرف، عميد معهد بحوث وتكنولوجيا النسيج بالمركز، والدكتورة كارمن شارابي، المنسق العام للاتفاقية.

ويُجسد هذا الاتفاق الرغبة المشتركة في دعم الابتكار العلمي، وتبادل الخبرات، وبناء قدرات الباحثين والطلاب في البلدين. ومن المتوقع أن يسهم المختبر في تطوير حلول تقنية مبتكرة لمواجهة التحديات التنموية، وأن يكون منصة فعالة للتعاون الأكاديمي والتطبيقي بين الطرفين.

وزير التعليم العالي يُكلف الدكتور السيد تاج الدين بتسيير أعمال مدينة زويل للعلوموزير التعليم العالي يفتتح مركز الإختبارات الإلكترونية بكلية الحقوق بجامعة المنوفية

ومن المنتظر أن تشمل مجالات التعاون البحثي الأولية تقنيات الذكاء الاصطناعي، على أن يتم التوسع لاحقًا لتشمل مجالات أخرى ذات أولوية مثل الطاقة المتجددة، والهندسة الإلكترونية، وتكنولوجيا المواد.

وقد أعرب الدكتور ممدوح معوض عن ترحيبه بالوفد الصيني، مؤكدًا أن هذه الزيارة تُعد فرصة مهمة لتعزيز التعاون البحثي بين المركز القومي للبحوث، باعتباره أكبر مركز بحثي في الشرق الأوسط، وبين جامعة هاربين، مشيرًا إلى أن المركز يضم ١٤ معهدًا بحثيًا و٦ مراكز تميز، ويعمل به نخبة من الباحثين في مختلف التخصصات العلمية.

من جانبه، أعرب الدكتور لو سيكان عن امتنانه لحفاوة الاستقبال، مشيدًا بما شهده من تطور ملموس في منظومة البحث والتطوير بالمركز القومي للبحوث، ومؤكدًا عمق العلاقات العلمية بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية مصر العربية.

وتُعد جامعة هاربين الهندسية إحدى أبرز الجامعات التقنية في الصين، وتتمتع بسمعة عالمية في مجالات العلوم الهندسية والبحرية والدفاعية، وقد تأسست عام ١٩٥٣ كأول جامعة متخصصة في الهندسة البحرية، وهي تابعة لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات في الصين، وتمتلك شبكة واسعة من المراكز البحثية المتقدمة.

طباعة شارك وزارة التعليم العالي البحث العلمي المركز القومي للبحوث

مقالات مشابهة

  • تعاون بين القومي للبحوث والصين لإنشاء مختبر المواد وتكنولوجيا النانو
  • الصين تتهم وزير الدفاع الأميركي بالإدلاء بتصريحات مسيئة
  • الصين تحذّر الولايات المتحدة من «اللعب بالنار» بسبب تصريحات وزير الدفاع الأمريكي
  • الصين تحذر الولايات المتحدة من "اللعب بالنار".. ماذا حدث؟
  • الصين تحذر الولايات المتحدة من اللعب بالنار بشأن تايوان
  • وزير الدفاع الأميركي يحذر من تهديد وشيك... والصين ترد بغضب
  • إيمانويل ماكرون يدعو إلى “تحالف” أوروبي وآسيوي في ظل التوتر بين الولايات المتحدة والصين
  • ترامب يتهم الصين بخرق اتفاق الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة
  • ترامب: الصين انتهكت تماما الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة
  • التعليم العالي: فتح التقدم لبرنامج دعم المشروعات البحثية بين مصر والصين