بغداد اليوم- متابعة

تعدّ اللغة العربية واحدة من أكثر اللغات شيوعا في العالم، مع أكثر من 400 مليون ناطق بها في أرجاء المعمورة، لكن لا تتوفر الكثير من التكنولوجيا التي تضعها باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مواز، مقارنة مثلا باللغة الإنكليزية.

وخلص بحث في جامعة كورنويل، على تقييم شامل لبرنامج ChatGPT في البرمجة اللغوية العصبية العربية (يحمل توقيع محمد توكت، إسلام خوندكر عبد الواحد، المعتز بالله نقودي، ومحمد عبد المجيد) إلى أنه على الرغم من الأداء الممتاز لـ ChatGPT الذي يبشر بتحول في البرمجة اللغوية العصبية، لكن ما تزال فعالية النموذج عبر سياقات لغوية متنوعة، مجهولة إلى حد كبير.

وتشير نتائج البحث الذي يشمل 44 مهمة مختلفة لفهم اللغة وإنشائها في أكثر من 60 مجموعة بيانات مختلفة، إلى "تجاوز نماذج أصغر خضعت للتحسين في اللغة العربية الذكاء الاصطناعي (ممثلا بـ ChatGPT في سياق البحث) باستمرار، كما تكشف مقارنة دقيقة بين اللغة العربية الفصحى الحديثة، واللهجة العربية في ChatGPT وGPT-4، عن أوجه القصور النسبية لكلا النموذجين في التعامل مع اللهجات العربية مقارنة بالعربية الفصحى". فكيف هو الواقع وما هي الآفاق؟

لغة معقدة وصعوبة الترميز

وتضع اللغة العربية بما تتميز به من تعقيدات، الذكاء الاصطناعي أمام عدد من التحديات، ويتحدث عن ذلك الخبير في تكنولوجيا المعلوماتية ومواقع التواصل عمر قصقص قائلاً إن "أدوات الذكاء الاصطناعي، قادرة على التطور بفضل التدريب وفي حالة اللغة العربية، تكمن العقدة في عدم التدريب الكافي".

ويضيف: "حتى الساعة يبدو أن ذلك قد حصل، لكن ليس بالقدر الكافي أو الموازي للغات الأخرى، كالإنجليزية والإسبانية مثلاً، خصوصا بسبب الأبعاد الأدبية وعلامات التشكيل والترميز".

ويعدّ التشكيل من أكثر الأشياء التي تتميز بها العربية، وعلامات التشكيل كناية عن تلك الرموز الصغيرة التي تضاف إلى الحروف، أي الحركات. وتحدد الحركات طريقة لفظ ومعنى المفردات، وهي قادرة على تغيير طريقة فهم الكلام.

وبالتالي، بغياب التشكيل، قد يقع القارئ في نوع من الغموض، ومن الأمثلة على ذلك "كَتَبَ" و"كُتِبَ" التي تُغير الصيغة من المعلوم إلى المجهول. أما بالنسبة للترميز أو ما يعرف بـ Tokenization، يعتمد الذكاء الاصطناعي على تقسيم سلسلة من النصوص أو الكلام، إلى وحدات يمكن تحديدها، وفي حال لم تتوفر المعلومات الكافية كما يضيف قصقص، يلجأ لاصطناع الشكل المطلوب (بنية مقال مثلا)، لكن مع الوقوع في التكرار بسبب نقص المعلومات.

الدول العربية والذكاء الاصطناعي.. "تأخر عن الركب" وجهود "تتباين من بلد إلى آخر"

في وقت يشهد فيه مجال الذكاء الاصطناعي بالعالم تطورات متسارعة، اليوم بعد الآخر، ما يزال تطوير الخوارزميات والبرامج المرتبطة بالمجال بمعظم بلدان المنطقة العربية يسير بـ"خطوات متثاقلة"، وفقا لخبراء وبيانات المؤسسات المتخصصة في هذه التكنولوجيا.

كما أن التصريفات تشكل عائقا جديدا، حيث يختلف نظام اللغة العربية عن الإنكليزية وسواها والأمثلة كثيرة، ففي اللغتين الفرنسية والإنكليزية، يستخدم المفرد والجمع بينما تنفرد اللغة العربية بالمثنى في كلمة واحدة فيقال مثلا: "نظام، نظامان، أنظمة" في ثلاث كلمات مختلفة تشير الإضافات فيها للعدد، بينما في الإنكليزية (system, systems)، وللمثنى يضاف العدد 2.

عدا عن ذلك، تمرّ المعلومات التي تنقلها أدوات الذكاء الاصطناعي عبر قنوات الترجمة، الأمر الذي قد يشكل عائقا آخر.

يبيّن قصقص: "لم تكن لنا على الدوام تجارب عظيمة على مستوى الترجمة، خصوصا وأن محركات البحث أو الأدوات المستخدمة فيها، غالبا ما تنقل الكلمات بشكل حرفي من لغة إلى أخرى، دون إيصال المعنى العام، وهذا الأمر يعني الوقوع في الخطأ، خصوصا على مستوى الأمثال الشعبية مثلا، والعبارات المجازية بشكل عام".

قابلنا الدكتور محمد ضاهر، الأستاذ الجامعي المحاضر في جامعة بيروت العربية، الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني ومشروع التوأمة الرقمية للسيارات ذاتية القيادة مع مختبرات Cristal بجامعة ليل الفرنسية.

المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي.. ما ترتيب الدول العربية؟

أصدر موقع "تورتواز ميديا" لعام 2023، المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي الذي يصنف فيه 62 دولة حسب قدراتها في هذا المجال الذي حقق هذا العام قفزة هائلة إلى الأمام. 

يقول لـ"ارفع صوتك" إن "الفكرة تكمن دائما في كمية المعلومات المتوفرة، وإذا ما أخذنا على سبيل المثال محرك البحث (غوغل)، نلاحظ أن المصادر الموجودة باللغة الإنجليزية تفوق ٩٠٪ من مجموعة المصادر في العالم، وبالتالي هذا ما يفسر امتلاكه للكثير من الإجابات والمراجع والأرشيف الغني حول أي موضوع".

ويضيف: "هذا ما يفسر أيضا الدقة والسرعة في منح الإجابات المفصلة. أما في حالة اللغة العربية، غالبا ما تكون المراجع قليلة، والأمر شبيه بالبحث عن معلومة في كتب باللغة العربية، ولكن العائق هو عدم توفر الكثير من الكتب، فنضطر للبحث أكثر ومن الممكن أن نجد المعلومة أو العكس، أو قد نقع على معلومات غير موسعة، وهذا ما يؤثر على عناصر أخرى كالدقة في المعلومات وسرعة التسليم وسواها".

ويتابع ظاهر: "يعود ذلك إلى عدة أسباب أبرزها، كمية البيانات المتاحة للتدريب على اللغة العربية مقارنة بالإنجليزية. موديل اللغة دُرِب أساسًا بشكل رئيسي على اللغة الإنجليزية، وقد يقدم أداء أفضل في فهم وإنتاج النصوص بالإنجليزية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي نقص البيانات إلى انحياز في تطوير الذكاء الاصطناعي نحو اللغات التي تمتلك كميات أكبر من البيانات".

المشهد المستقبلي

ولكن على الرغم من التحديات، يبدو أن الأدوات المتاحة تفتح آفاقا واعدة، حيث تعكف مؤسسات كبيرة على تصميم نماذج لغوية كبيرة، ومن الأمثلة على ذلك مركز "Inception" الذي أطلق في أكتوبر 2023 أداة "جيس" في الإمارات، والتي أنشئت بالتعاون بين جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI) في أبوظبي، وشركة "Cerebras Systems"، ومقرّها "سيليكون فالي".

ويتضمن النموذج تدريبا على 13 مليار لمجموعة بيانات فريدة مكونة من 116 مليار رمز عربي، مصمم لالتقاط التعقيد والفروق الدقيقة وثراء اللغة العربية، بالإضافة إلى 279 مليار رمز للكلمات الإنجليزية، بهدف مضاعفة فعالية النموذج من خلال النقل بين اللغات.

يرى قصقص أن "هذا النموذج واعد لناحية الدمج في تطبيقات تولد الردود باللغة العربية من ضمن لغات أخرى، بالإضافة إلى التفاعل على مستوى النصائح والتوصيات والترجمات وسواها من الخدمات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي". 

من جهته يدعو الدكتور ظاهر، الناطقين باللغة العربية من باحثين وداعمين لإثراء المراجع والمعلومات المتاحة على الشبكة باللغة العربية.

ويختم قائلا: "لا بد من التشجيع على البحث والابتكار. يمكن أن تحفز زيادة البيانات باللغة العربية الباحثين والمبتكرين في المنطقة على تطوير حلول جديدة وابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يعزز التقدم التكنولوجي على أمل أن يسمح ذلك بالاستعاضة عن عدم المشاركة في التطوير بالمشاركة في التدريب".


المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی باللغة العربیة اللغة العربیة التی ت

إقرأ أيضاً:

ورشة عمل بطب قصر العيني حول التقييم الفعّال في عصر الذكاء الاصطناعي

في إطار جهود كلية طب قصر العيني الرامية إلى تحديث وتطوير مناهجها الدراسية بما يتماشى مع التطورات العالمية المتسارعة، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، نُظّمت ورشة عمل بعنوان "ست خطوات لتقييم الطلاب الفعّال في عصر الذكاء الاصطناعي واستخدامه في إعداد الامتحانات"، برعاية الأستاذ الدكتور حسام صلاح، وتنظيم وإشراف الأستاذة الدكتورة حنان مبارك، وكيلة الكلية لشؤون التعليم والطلاب، والأستاذة الدكتورة نادية بدراوي، أستاذ طب الأطفال ورئيس شعبة التعليم الطبي للمهن الصحية بالجمعية الطبية المصرية.

أقيمت الورشة في قاعة كبار الزوار (VIP) بالطابق السادس في مبنى الـLRC، وقدّمها الأستاذ الدكتور محمد حسنين، أستاذ الكيمياء الحيوية وزميل أول لدى مؤسسة AdvanceHE البريطانية، ورئيس وحدة التقييم ولجنة الذكاء الاصطناعي بكلية الصيدلة بجامعة الملك عبد العزيز، ومستشار نائب رئيس الجامعة للشؤون التعليمية، ومستشار بمركز تطوير التعليم والتعلم، كما أنه حاصل على شهادة متقدمة في علوم البيانات والتعلم الآلي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بالولايات المتحدة الأمريكية.

استهدفت الورشة أعضاء وحدة ضمان الجودة، ومركز التعليم الطبي، ولجنة القياس والتقويم، ورؤساء الأقسام، بالإضافة إلى معدّي ومنسقي الامتحانات بالأقسام المختلفة، حيث ركزت على تطوير ممارسات التقييم في التعليم الطبي، عبر دمج أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن بيئة التعليم الجامعي بما يحقق جودة أعلى في النتائج ومخرجات التعلم.

تميزت الورشة بطابع تفاعلي مثمر، وناقش المشاركون خلالها مع المحاضر كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في تحديث وتوصيف المقررات الدراسية، وبناء بنوك أسئلة دقيقة، وتصميم امتحانات تكوينية ونهائية تراكمية، إلى جانب استخدام التحليل الإحصائي لنتائج الطلاب لتحقيق أهداف التحسين المستمر وضمان الجودة الشاملة.

وتناولت الورشة منهجية واضحة مكونة من ست خطوات، تهدف إلى وضع إرشادات عملية لإنشاء نماذج GPT مخصصة تسهم في تعزيز التفاعل التعليمي، حيث تُمكّن الطلاب من طرح الأسئلة، والحصول على تغذية راجعة فعّالة، مما يعمّق من فهمهم للمحتوى الدراسي، ويُسهم في تطوير مهاراتهم الأكاديمية والمهنية بشكل ملحوظ.

كما ناقش المشاركون نماذج واقعية لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لدعم أعضاء هيئة التدريس في تطوير المقررات التعليمية، وإدارة التقييمات بكفاءة أكبر، وتعزيز ممارسات الجودة والاعتماد المؤسسي، إلى جانب دور هذه الأدوات في دعم الباحثين في إعداد الأبحاث ومراجعتها بناءً على معايير علمية دقيقة. ويُعد دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم الطبي خطوة استراتيجية تعزز تطور المنظومة التعليمية والبحثية في آن واحد.

وأكدت الورشة أن استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT في التعليم الطبي يُمثل تطورًا كبيرًا في تقنيات التعليم، ويُسهم في تحسين بيئة التعلم، وتعزيز النتائج التعليمية، وتقديم تجارب تعلم مخصصة لكل طالب، بما يحقق التميز الأكاديمي والبحثي. ومع ذلك، شددت المناقشات على أهمية التعامل الواعي مع هذا التقدم، ومواجهة التحديات التكنولوجية والتربوية والأخلاقية المرتبطة به من خلال أطر تنظيمية مدروسة.

وتُعد هذه الورشة خطوة مهمة ضمن سلسلة جهود تطويرية تقودها كلية طب قصر العيني نحو بناء منظومة تعليم طبي مبتكرة، تُسهم في تعزيز القدرة التنافسية للكلية، وتتماشى مع التوجهات العالمية الحديثة، بما يُحقق أهداف التميز والتطوير على المستويين المحلي والدولي.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي وصناعة القرار السياسي: هل حان وقت التغيير؟
  • «كهرباء دبي» تعزّز كفاءة العمليات باستخدام الذكاء الاصطناعي
  • ورشة عمل بطب قصر العيني حول التقييم الفعّال في عصر الذكاء الاصطناعي
  • تعرف على خطة غوغل التي استغرقت 25 عاما للوصول إلى الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يكتب ملاحظات المجتمع في منصة إكس
  • العلماء قلقون: الذكاء الاصطناعي يتلاعب ويكذب
  • الذكاء الاصطناعي يتوقع نسبة تأهل العراق لكأس العالم 2026
  • الخوف من الذكاء الاصطناعي
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • مظاهرات ضد غوغل بسبب الذكاء الاصطناعي