تراجع تحالف واشنطن يجر المنطقة نحو التصعيد؟
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
خسرت الولايات المتحدة الاميركية عددا كبيرا من حلفائها الذين حاولت جمعهم لانشاء تحالف جدي لضبط الامن في البحر الاحمر وردع اليمنيين عن قطع الطريق عن السفن المتجهة نحو اسرائيل، لكن هذا التحالف فشل اذ لم تشارك به اي من الدول التي تتشاطر البحر الاحمر وانسحبت منه كل الدول الاوروبية، ما جعل واشنطن شبه وحيدة.
المعضلة التي تواجه واشنطن هي انها تعلم ثمن ضبط الممرات المائية، اذ ان استهداف السفن لا يحتاج الى اجراءات معقدة وبالتالي لا يمكن منعه لا بالغارات ولا بالصواريخ الاعتراضية، بل بعملية عسكرية واسعة تستهدف احتلال اليمن وهذا ليس واردا في الاجندات الاميركية في السنوات وربما العقود المقبلة بسبب رغبتها بالتفرغ للصين وعدم الغرق مجددا في وحول الشرق الاوسط.
وعليه فإن محاولة ردع اليمن عبر عمليات استهداف جوية او عمليات دفاعية ضد الصواريخ التي تطلقها صنعاء على السفن، لن يفتح الممر البحري بل قد يؤدي الى فوضى ويزيد تعقيد المشهد، وهذا ما سيصيب هيبة واشنطن وقوة ردعها، خصوصا ان احدى اهم عقائدها القتالية مرتبطة بالممرات البحرية والمحيطات وقدرتها على المناورة حول العالم وفرض شروطها وقواعد اللعبة التي تريد.
اذا، في حال حاولت واشنطن منع اليمن بالقوة من استهداف السفن، وفشلت، سيكون ذلك بمثابة ضربة استراتيجية لها، اما في حال لم تقم بأي دور عسكري بسبب تراجع حلفائها عن الانخراط معها، فإن ذلك سيهدد دورها وريادتها التي بدأت قبل سقوط الاتحاد السوفيتي، كما ان الامر سيشجع دولا ومنظمات اخرى على القيام بالدور نفسه الذي يقوم به اليمنيون عبر ضرب السفن الاسرائيلية واغلاق مضائق اخرى في ظل عجز المجتمع الدولي عن القيام بخطوات ردعية.
كما ان شعور حلفاء حماس بأن واشنطن غير قادرة، او لا تريد التورط في اي معركة حقيقية في المنطقة حتى لدعم اسرائيل، فإن ذلك سيزيد من جرأة هؤلاء وسيعملون على رفع مستوى التصعيد في اكثر من جبهة الامر الذي سيزيد الضغط على اسرائيل ويحرج الولايات المتحدة الاميركية وقد يدفعها الى ردود فعل لا تريدها، وعليه فإن التطورات التي تجري حول اليمن ستحدد المسار الذي ستتخذه الحرب في المنطقة.
في الايام المقبلة ستكون المعركة في غزة، وكيفية تعامل تل ابيب عسكريا معها اضافة الى التطورات العسكرية في اليمن هي الاساس في رسم المشهد، خصوصا ان الجبهة في لبنان باتت تذهب نحو تصعيد مدروس مرتبط بشكل شبه حصري بصمود المقاومة في فلسطين وقدرتها على الاستمرار في استنزاف الجيش الاسرائيلي. وعليه فإن الاسابيع الاولى من السنة الجديدة سترفع مستوى خطر الانزلاق الى حرب كبرى في حال لم يتم الاتفاق على تسوية او وقف اطلاق نار... المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
عن حسابات لندن في العدوان على اليمن
لم تكن مشاركة بريطانيا في العدوان العسكري الأميركي على اليمن خطوة مفاجئة لمن يراقب تحولات سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة. فالدولة التي خرجت من الاتحاد الأوروبي مثقلة بالعزلة، وتواجه تراجعاً في وزنها الجيوسياسي، تجد نفسها اليوم تلهث خلف لحظة استعادة للدور، ولو في مقامرة عسكرية غير محسوبة النتائج.
الدخول البريطاني إلى جبهة البحر الأحمر، وإن تم تحت يافطة “حماية الملاحة الدولية”، لا يمكن فصله عن شبكة المصالح القديمة والجديدة التي تدفع لندن إلى تبني سياسة تدخلية تخدم بالدرجة الأولى واشنطن، وتمنح الطبقة الحاكمة في بريطانيا فرصة للهروب من أزماتها الداخلية المتصاعدة.
منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، تعيش بريطانيا أزمة هوية استراتيجية. لا علاقات مستقرة مع أوروبا، ولا قدرة على اتخاذ قرارات كبرى منفردة. في هذا السياق، باتت “العلاقة الخاصة” مع الولايات المتحدة ليست مجرد شراكة، بل شرط بقاء لنظام سياسي يرى في أميركا حامية لموقعه العالمي. وعليه، فإن المشاركة في أي عمل عسكري تقوده واشنطن، خصوصاً في عهد دونالد ترامب، تتحوّل من قرار سيادي إلى التزام مفروض، رفضه يعني العزلة.
اليمن، هنا، ليس استثناءً. بل هو النموذج الأوضح لتحوّل بريطانيا من دولة كانت تملك هامشاً دبلوماسياً مستقلاً في بعض الملفات، إلى تابع مباشر للقرار الأميركي في قضايا الحرب والسلام.
رغم أن الرواية الرسمية تربط التدخل العسكري بـ”حماية الملاحة الدولية” من ما تمسيه “تهديدات الحوثيين”، إلا أن الحقيقية أكثر تعقيداً. بريطانيا لا تملك القدرات البحرية والعسكرية الكافية للقيام بدور فعّال ومستقل في هذا الملف، كما أن مصالحها المباشرة في البحر الأحمر محدودة. ما تفعله اليوم هو الانضواء تحت المظلة الأميركية، ضمن حملة أوسع تهدف إلى كسر قوة صنعاء المتنامية، وإعادة رسم التوازنات في الإقليم بما يخدم مصالح واشنطن وتل أبيب بالدرجة الأولى.
لكن هذا الانخراط، ورغم محدوديته، يخدم هدفاً بريطانياً داخلياً: الظهور بمظهر الدولة “الفاعلة عالمياً”، حتى لو كان ذلك عبر خوض حروب بالوكالة.
لا يمكن فصل التحرك البريطاني عن الجغرافيا الاستعمارية القديمة. لعدن ومحيطها رمزية خاصة في العقل الاستراتيجي البريطاني، إذ بقيت لأكثر من قرن مستعمرة مركزية في مشروع السيطرة على المحيط الهندي. وفي السنوات الأخيرة، عملت لندن على استعادة بعض أدوات التأثير في جنوب اليمن عبر دعمها الموارب لقوى انفصالية، وعبر أنشطة استخباراتية في مناطق حساسة.
لذلك، فإن المشاركة في هذا العدوان تمثل أيضاً محاولة للتموضع مجدداً في رقعة نفوذ قديمة، مستفيدة من الفوضى التي خلفتها الحرب الطويلة، ومن غياب قوة دولية قادرة على فرض تسوية سياسية عادلة.
على الصعيد الداخلي، تأتي هذه المغامرة العسكرية في وقت تواجه فيه الحكومة البريطانية ضغوطاً متزايدة: أزمة اقتصادية خانقة، تراجع في الأداء الصحي والتعليمي، نقمة اجتماعية، ونزيف سياسي داخل حزب المحافظين. في مثل هذه الظروف، كثيراً ما تلجأ الحكومات إلى افتعال خصم خارجي أو التورط في ملفات دولية لتحويل انتباه الرأي العام، وتوحيد الداخل خلف خطاب “الأمن القومي”.
وهنا يُطرح السؤال الأهم: هل تتحمّل بريطانيا كلفة هذا التورط؟ جيشها يعاني من نقص في القوى البشرية، ومعداته غير مهيأة لحملات طويلة أو معقدة خارج أوروبا. كما أن أي رد فعل من صنعاء على المصالح البريطانية، سواء في الخليج أو البحر الأحمر، قد يجرّ البلاد إلى مواجهة غير محسوبة.
الخطير في هذا التدخل ليس فقط أنه يتجاوز القدرة والضرورة، بل إنه يطيح بأي وهم بريطاني سابق عن “الوساطة” أو “الحياد”. فقد كانت لندن -ولو شكلياً- تحاول أن تحافظ على لغة دبلوماسية مزدوجة حيال الحرب في اليمن. أما اليوم، فقد وضعت نفسها في موقع المعتدي، إلى جانب واشنطن وتل أبيب، في مواجهة طرف يمني يحظى بدعم شعبي في الداخل، ويتزايد مؤيدوه في المنطقة ككل.
ما تفعله بريطانيا اليوم في اليمن ليس دفاعاً عن “حرية الملاحة”، ولا حماية لـ”النظام الدولي”، بل هو سلوك قوة استعمارية سابقة تحاول جاهدة أن تتذكّر شكل الإمبراطوريات، وهي تنزلق نحو الهامش. إنّها تشارك لأن الولايات المتحدة تريد، ولأن الداخل مضطرب، ولأن اليمن، بالنسبة لها، ساحة يمكن إشعالها بأقل كلفة ممكنة.
لكن ما لم تدركه لندن، أو تتجاهله عمداً، هو أن اليمن الجديد، بعد عقد من الحرب، لم يعد تلك الدولة الهشة التي يسهل ابتلاعها. وأن الانخراط في هذا المستنقع قد يعيد التذكير بأن “القوة” ليست في خوض الحروب، بل في القدرة على تفاديها.
*صحفية لبنانية