خطاب قائد الثورة التاريخي يكشف هشاشة تحالفات واشنطن.. اليمن يفتح فصلاً جديدًا لصنع القرار
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
يمانيون – متابعات
أحدث خطابُ السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله-، الأسبوع الماضي، تغيرات كثيرة وفرض سيناريوهات جديدة على المستوى العالمي والإقليمي، وبصورة أرعبت الأعداء وعرت خيانتهم وعمالتهم واستحقت بصدقها المكانة العالية بين شعوب الأُمَّــة وأبنائها الذين يتطلعون إلى مستقبل هذه الأُمَّــة ومكانتها، في ظل ما تشهده اليوم المنطقة من معركة مفصلية بين قوى الشر والخير وبين الموقف اليمني المساند والشجاع للقضية الفلسطينية والتخاذل العربي والدولي الجبان، وكذلك يتطلعون إلى عام جديد سيَشهد تَطورات كثيرة وذات أهميّة كبيرة، منها انهيار التحالفات الأمريكية وهَزيمة المَشروع الأمريكي في المنطقة، وسط تنامي القدرات العسكرية اليمنية لمواجهة أي تصعيد عسكري على اليمن.
عامُ رعبٍ للإدارة الأمريكية:
وفي هذا الشأن وضمن السيناريوهات المتوقعة، فَــإنَّ العام الجديد ربّما يَكون عام رعب للإدارة الأمريكية وحَليفتها إسرائيل، في حال إذَا ارتكبت أية حماقة تجاه اليمن، ولعلّها تجرب حظها، وسَتلقى حَتمًا ما لا يَسرها، فالمِنطقة تتغيّر، وبُسرعة؛ لأَنَّ خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-، جاء بجديَّةٍ وحزم وقرار قطعي بالمواجهة المباشرة، وقد أسس لمرحلة جديدة في ظل الصراع مع قوى الشر العالمي وستتهيأ الظروف الملائمة لفك الحصار ووقف العدوان على الشعب الفلسطيني المظلوم، الذي كان وراء اتِّخاذ القرار التاريخي والشجاع من قيادتنا الثورية بمنع سفن الكيان الصهيوني من الملاحة بالبحر الأحمر، وعن كُـلّ الشعوب المقاومة للحصار الأمريكي، وكذلك عن محور المقاومة وسط مساعي الأخير لإجبار الأمريكي على الانسحاب من المنطقة.
وحول خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- الأخير، يقول أُستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، الدكتور عبد الملك عيسى، في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: إن “الذي حَـلّ في خطاب السيد القائد رسالة واضحة لا لبس فيها إلى الأمريكي بأن اليمن يتوق للمواجهة المباشرة مع العدوّ الأمريكي، فإذا ارتكبت أمريكا حماقة الاعتداء على الشعب اليمني فبدلاً من قتال المرتزِقة سيكون القتال مع أصل كُـلّ المشاكل في العالم منذ المجازر الوحشية للهنود الحمر وحتى رمي القنابل النووية ضد اليابان ومجازر أفغانستان والعراق واليمن وغيرها وستكون مصالح أمريكا مهدّدة لخدمة اللوبي الصهيوني وليست لخدمة المصالح الأمريكية؛ بسَببِ سيطرة اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية”.
ويؤكّـد عيسى أن الأمريكي وجد نفسه أمام خطاب حرب من نوع لم تعهده أمريكا من قبل، وتهديد جدي من قائد القول والفعل ومن واقع معركة قائمة، واقتدار عسكري كبير، ولهذا أدركت مفاعيل التهديدات التي أطلقها قائد الثورة.
وينوّه عيسى إلى أنه من الطبيعي أن الرئيس الأمريكي يخشى عدة أمور ويدرك ضرورة عدم الدخول في صراع مع اليمن لأسباب كثيرة منها: عدم توسع الصراع كون الأمريكي لا يريد توسع الصراع حَـاليًّا ويريد الاستفراد بحركة حماس، وكذلك الانتخابات الأمريكية في العام ٢٠٢٤م وكلما قرب موعد الانتخابات كلما كانت يد الرئيس الأمريكي مكبلة في الملفات الخارجية، الأمر الذي شكل عملية ضغط على جو بايدن الذي يسعى إلى الترشُّح للانتخابات الرئاسية القادمة، للتحَرّك رسميًّا لفَكِّ الحصارِ وإدخَالِ المساعدات إلى غزة، ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته شبكة سي بي إس للبالغين الأمريكيين، وجد أن الإحباطَ من تعامل بايدن مع الحرب لا يقتصر على الناخبين الشباب، كان معدل الرفض 50٪ بين أُولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، و68٪ بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و44 عاماً، و63٪ لمن تتراوح أعمارهم بين 45 و64 عاماً و60٪ لمن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، يأتي ذلك وسط تضاعف أصوات المعارضة وتكاثر السخط الشعبي في الولايات المتحدة ضد الرئيس بايدن وإدارته.
سيناريو المرحلة:
وعن السّيناريوهات ما بعد كلمة قائد الثورة التي قَد تتّبِعُها أمريكا و”إسرائيل” ضِد اليمن، يقول الدكتور عبدالملك عيسى من الواضِح أن واشنطن لديها سيناريوهات أبرزها الضغوط الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى خيارات أُخرى للتعامل مع اليمن وتتمثل في خمسة خيارات:
الأول: هو التهديد والوعيد بإيقاع ضربات جوية لمناطق الاستهداف أَو ضرب مناطق داخل اليمن، وهذا المسألة غير فعالة لاعتبارات كثيرة منها أنها لن تمنع صنعاء من تصعيد المعركة في البحر الأحمر ومنع السفن الأمريكية من الإبحار فيه كما قال السيد القائد، وَأَيْـضاً الاجتياح البري مستعصٍ وقد تم تجربيُه طوال ثماني سنوات من العدوان على اليمن.
الخيار الثاني: فهو أن الولايات المتحدة لا تريد إعطاء الانطباع بأن المقاومة في إيران وحزب الله واليمن يمكنها إجبار الحكومة الأميركية بتكتيكات مثل هذه، لذا “لا يمكنهم جعل الأمر يبدو وكأنهم يستسلمون تحت الضغط”، كما يقول أحد الباحثين الأمريكيين، وقد حاول الأمريكي عبر قرار مجلس الأمن الأخير بدخول المساعدات إلى غزة مدَّ (جزرة لصنعاء) غير مباشرة.
الخيارُ الثالثُ: وقفُ مسار السلام في اليمن ولذلك اتجه ليندر كنغ إلى السعوديّة بعد الضربات وإعلان المبعوث الأممي إلى اليمن خارطة طريق وهي (الجزرة) المهمة لصنعاء كما يعتقدون، بالإضافة إلى الخيار الرابع وهو تحريك مرتزِقة الداخل كعفاش الصغير المسمى طارق الذي أعلن وقوفه واستعداده لحماية السفن الصهيونية من الضربات العسكرية اليمنية المساندة لفلسطين.
أما الخيار الخامس يتمثل في التهديدات بعودة الحرب وهذا أمر متعذر سعوديّاً؛ لأَنَّ السعوديّة تهتم حَـاليًّا بسباق الكلاب وأجمل ناقة وغيرها من أنشطة الترفيه، حَــدّ وصف الدكتور عيسى.
وفي المقابل ووفق الدكتور عيسى فَــإنَّ لليمن خيارات للرد وتتمثل في قناعة أمريكية بأن الجيش اليمني بحسب التجربة يستخدم أقل الإمْكَانيات الممكنة لتحقيق الأهداف ومن ثم تتصاعد هذه الإمْكَانيات إلى أقصى حَــدّ بمعنى لديه إحساس بأن استخدام هذه الأسلحة هي أسلحة قليلة وذات تأثير محدود وأن لدى صنعاء أسلحة أقوى وأشد تأثير لم يتم استخدامها ستستخدم حين الحاجة، بالتالي سيكون حذرًا جِـدًّا في مقاربة العدوان على اليمن.
وكذلك من الممكن الانتقال إلى المرحلة الثالثة لمناصرة القضية الفلسطينية بعد المرحلة الأولى منع السفن الإسرائيلية والثانية منع السفن المتجهة إلى إسرائيل من أية جنسية كانت، والانتقال إلى الهجوم في أماكن لا يمكن توقعها سواءً في بحار أُخرى غير البحر الأحمر والعربي أَو برياً، ووضع السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- معادلة هامة، وهي لستم وحدكم، وبهذه المعادلة سيحسب الأمريكي حسابات كثيرة في مقبل الأيّام.
تحوُّلاتٌ عالمية:
ويقول الدكتور عبدالملك عيسى: “إن الخطاب فرض تحولات ميدانية وسياسية إيجابية على وضع المقاومة والشعب الصامد في غزة، بل والعالم العربي والدولي”، فيما يؤكّـد سياسيون أن رسائل قائد الثورة شكلت مسارات جديدة بعد الخطاب العالمي، منها أنه تم إفشال تحالف حماية السفن الإسرائيلية، وشجّع دولًا عالمية وإقليمية كثيرة في رفض الضغوط الأمريكية بالانخراط في التحالف الأمريكي البحري، وأسقط الهيمنة الأمريكية التي تمارسها واشنطن بين الترهيب والترغيب، وفرض عقوبات على الدول الرافضة لسياستها، وشن الحروب المدمّـرة، وعقد المؤامرات ضد أية دولة تريد أن تتحرّر من هيمنتها.
كما أَدَّى الخطاب إلى تغيير كبير في الموقف الأمريكي إزاء دعم العدوان الصهيوني الوحشي وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وإلى تطور إيجابي من واشنطن سيكبح الجنون الإسرائيلي وسيجعله يرضخ لدعوات وقف إطلاق النار، وكذلك التراجع الأمريكي في إيقاف الهجمات اليمنية على السفن التجارية المتوجّـهة إلى كيان الاحتلال، وانتهاج المسار السياسي؛ لأَنَّ البحرية الأمريكية لا تستطيع في النهاية تغطية كُـلّ متر من البحر الأحمر وحماية السفن الأكثر عرضة للخطر.
خطابٌ كشف هشاشةَ التحالف الخائف:
وعلى المستوى الدولي والإقليمي فَــإنَّ هناك تحديات واضحة تواجه الإدارة الأمريكية في حشد أكبر عدد من الدول تحت لواء التحالف العسكري لناحية الدول الغربية، وهذا بدا واضحًا من خلال الموقف الأُورُوبي والغربي الذي رفض المشاركة في التحالف ضد اليمن والمُسمى بـ”حارس الازدهار”، والبعض أعلن الانسحاب وفق تقارير إعلامية، التي أكّـدت بانسحاب كُلٍّ من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا رسميًّا من هذا التحالف البحري الفاشل الذي دعت إليه أمريكا بزعم تأمين الملاحة البحرية من هجمات وتهديدات القوات المسلحة اليمنية، لافتة إلى أن الدول الثلاث أوضحت موقفها بأنها لن تقوم بإجراء المزيد من العمليات البحرية إلا تحت قيادة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وليس “أمريكا”.
وبانسحاب هذه الدول الثلاث لم يتبقَ من الدول المشاركة في التحالف مع أمريكا سوى بريطانيا التي أعلنت مشاركتها بالمدمّـرة “دايموند”، وكندا التي لم تحدّد حجم مشاركتها حتى الآن، بالإضافة إلى اليونان التي أعلنت مشاركتها بفرقاطة يتيمة، وقد تنسحب تحت ضغوط كثيرة، فيما أعلنت هولندا مشاركتها بضابطين اثنين والدنمارك بضابط واحد وأستراليا بـ11 جندياً والنرويج بعشرة ضباط، أما البحرين وسيشيل فليستا داخل حسبان تشكيل تحالف دولي نظراً لصغرهما من حَيثُ المساحة والدور.
ويبدو أن هذه الانسحابات تعكس الدوافع المتناقضة وراء تشكيل التحالف، حَيثُ تشير التقارير إلى أن إصرار واشنطن على تشكيل هذا التحالف هو لحماية الكيان الصهيوني، وإنقاذه اقتصاديًّا وتجنيبه الخسائر الفادحة التي يتكبدها نتيجة منع القوات اليمنية سفن الكيان الغاصب والمتجهة إلى الأراضي المحتلّة من عبور البحر الأحمر، فيما تحرص هذه الدول على عدم توسيع رقعة الحرب في المنطقة والدخول في حرب خاسرة مع اليمن الذي أصبح قوة عالمية، والحفاظ على ممر آمن لسفنها المتجهة إلى مناطق أُخرى عبر البحر الأحمر، مع تأكيد القوات اليمنية أن قرارها بمنع العبور ينطبق حصراً على السفن المتجهة إلى كيان العدوّ الصهيوني حصراً.
ويحذر مراقبون من أنه في حال قرّرت أمريكا والدول المتبقية معها في تحالفها شن أي عمل عسكري ضد اليمن، فَــإنَّها ستكون بمثابة المعتدي ضمن تحالف سيتسبب في اندلاع حرب قد تؤثر تبعاتها على الاقتصاد العالمي، مؤكّـدين أن التحالف الأمريكي الذي أصبح على وشك الانهيار بعد انسحاب إسبانيا وإيطاليا وفرنسا ورفض الصين، يشكل ضربة كبيرة لـمكانة أمريكا العالمية، والتي تم سحقها أَيْـضاً في الأمم المتحدة أثناء اجتماعات بشأن الوضع في فلسطين، حَيثُ اصطف العالم كله مع فلسطين وبقت واشنطن وحيدة بجانب بضع دول مع كيان العدوّ الصهيوني.
الجدير ذكره أن التحالف الأمريكي لحماية السفن الصهيونية في البحر الأحمر من هجمات اليمنيين، لا يحظى بدعم إقليمي لشن حرب محتملة على اليمن، بحسب ما يراه الخبراء؛ لأَنَّ هدفَه الأَسَاسي هو “حماية الكيان الغاصب”، ويبدو أنه “مات قبل أن يولد”.
كلمةُ الفصل في الخطاب:
وفي إطارِ كشفِ الحقائق وتوجيه الرسائل التي تضمنها خطاب قائد الثورة، الذي أسقط الدعاية الأمريكية بقوة الخطاب المحتشد بالشواهد والحقائق القوية وأحدث تحولاً في السياسات الإعلامية العالمية، ووفق المعلومات الاستراتيجية فَــإنَّ التحالف الأمريكي ولد ميتاً؛ لأَنَّ واشنطن قامت بضَمٍّ دولٍ أُورُوبيةٍ غيرِ مطلة على البحر الأحمر، وهو ما يفسر فشل واشنطن في استقطاب مجموعة من الدول المطلة والمعنية لحماية أمن الممرات البحرية، والسبب أن تلك الدول تعرف كلمة الفصل في الخطاب لقائد الثورة، والبعض منها قد جربت وعاشت الحقيقة المرة واشتمت رائحة الموت القادمة مع الصواريخ والطائرات المُسيّرة.
ولهذا فَــإنَّ التحالف والعدوان السعوديّ الإماراتي على شعبنا اليمني، كشف حقيقَة الموقف الأمريكي الكاذب، أمام الدول العربية، التي أصبحت توجس وتشك في كُـلّ التحَرّكات والتحالفات الأمريكية؛ جَرَّاءَ ما حدث لها؛ بسبب العدوان؛ ما جعل تلك الدول اليوم تتحفظ عن المشاركة العلنية في هذا التحالف البحري، ولهذا فَــإنَّ رسائل السيد القائد أحدثت تغييرًا في السياسة العربية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ باتت هذه الدول تفهم جيِّدًا طبيعة السلوك الأمريكي المنحاز لكيان العدوّ الإسرائيلي، وتفهُّم جديَّة اليمن في خوض الحرب المباشرة مع أية دولة؛ مِن أجل القضية المقدسة.
من ناحية أُخرى، فَــإنَّ بعض الدول المحرجة من إعلان الوقوف العلني إلى جانب الأمريكي وحماية تل أبيب وسفنها التجارية، مثل السعوديّة والإمارات، فَــإنَّها قد تفعل ذلك سراً، دون أن تكون تحت الضوء، وقد أوردت بعض المصادر، أن الإمارات تضغط؛ مِن أجل القيام بعمل عسكري وتريد من الولايات المتحدة إعادة تصنيف أنصار الله على أنهم “إرهابيون”. في المقابل، تتخبط الرياض في سياساتها خوفاً من الضربات اليمنية من جانب، وانصياعاً وراء الضغوط الأمريكية من الجانب الآخر.
– المسيرة/ عباس القاعدي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السید القائد عبدالملک الولایات المتحدة التحالف الأمریکی البحر الأحمر قائد الثورة على الیمن ة الیمن ف ــإن
إقرأ أيضاً:
مستنقع اليمن.. لماذا لا تنتصر القوة الأمريكية على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
سلط "مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية" الضوء على فشل الولايات المتحدة في حربها ضد جماعة الحوثي في اليمن، في ظل تصعيد الجماعة هجماتها ضد سفن الشحن الإسرائيلية في البحر الأحمر.
وقال المجلس في تقرير تحليلي ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن البحر الأحمر كان محور تحول جذري في المشهد الأمني البحري العالمي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما شنّ الحوثيون في اليمن حملة هجمات متكررة على سفن تجارية وعسكرية في أحد أهم الممرات المائية في العالم.
وقد تسببت هذه الهجمات، التي أعلن الحوثيون أنها تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة، في اضطرابات غير مسبوقة في التجارة العالمية، مما أجبر شركات الشحن الكبرى على تغيير مساراتها، مما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن بنسبة 250%، مما يهدد سلاسل التوريد العالمية. وفق التحليل
يسيطر الحوثيون على ما يقرب من ربع الأراضي اليمنية، بما في ذلك المناطق الشمالية والغربية ذات الكثافة السكانية العالية، بالإضافة إلى مساحات شاسعة من الساحل الغربي ومعظم جزر اليمن المطلة على البحر الأحمر.2 تمنح هذه السيطرة على الساحل الغربي الجماعة موقعًا استراتيجيًا يسمح لها بتعطيل حركة الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر.
وقد تطورت القدرات العسكرية للحوثيين بشكل كبير على مدار سنوات الصراع في اليمن، ولا سيما ترسانتهم من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. عزز الدعم الإيراني، المباشر وغير المباشر، هذه القدرات بشكل أكبر، كما تمكن الحوثيون من تطوير صناعة عسكرية محلية قوية، مدعومة بالمواد المهربة من إيران، على الرغم من حظر الأسلحة المفروض على الحركة.
ردًا على هذا التهديد، أطلقت الولايات المتحدة في ديسمبر 2023 عملية "حارس الرخاء"، وهي مهمة بحرية متعددة الجنسيات تهدف إلى حماية السفن التجارية المارة عبر البحر الأحمر. ومع استمرار هجمات الحوثيين حتى يناير 2024، صعّدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ردهما العسكري، وشنّتا موجة من الغارات الجوية على مواقع الحوثيين في اليمن. في مارس 2025، أطلقت إدارة الرئيس دونالد ترامب عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الحوثيين، أُطلق عليها اسم "عملية الفارس الخشن".
واصلت الجماعة مهاجمة السفن في البحر الأحمر، حيث ظلت حركة الملاحة البحرية عرضة للاضطرابات، مما أثار شكوكًا جوهرية حول فعالية الاستراتيجية الأمريكية وتساؤلات حول سبب فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة. في مايو 2025، أعلن الرئيس ترامب فجأة عن اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، بوساطة وسطاء دوليين. ومع ذلك، لم تكن إسرائيل طرفًا في الاتفاق، مما أثار تساؤلات مرة أخرى حول طبيعة المواجهة بين الولايات المتحدة والحوثيين والعواقب المحتملة.
وعلى الرغم من الجهود المكثفة، التي شملت 931 غارة جوية ضد الحوثيين والتي بلغت تكلفتها ما يقرب من 7 مليارات دولار، فشلت الولايات المتحدة في ردع الجماعة أو القضاء عليها.4 ويعود هذا الفشل إلى حد كبير إلى ثلاثة أسباب:
أولاً، التعقيدات الجيوسياسية متعددة الأبعاد في الشرق الأوسط؛ ثانيًا، تطور قدرات وتكتيكات الحرب غير المتكافئة للحوثيين، مما أضعف التفوق العسكري الأمريكي، ولا سيما من خلال نشر الطائرات بدون طيار منخفضة التكلفة والصواريخ البدائية؛ وثالثًا، القيود الهيكلية التي تواجه الولايات المتحدة، وأهمها خوفها من التورط في صراع بري.
تتناول هذه المذكرة السياسية هذه القضية المعاصرة بأبعادها الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية المتشابكة، والتي تؤثر على الأمن البحري العالمي، والتجارة الدولية، والتوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط.
ويقدّم بحث أسباب فشل القوة العظمى الوحيدة في العالم في مواجهتها جماعة مسلحة غير حكومية دروسًا مهمة حول طبيعة الصراعات المعاصرة وحدود القوة العسكرية التقليدية في مواجهة التهديدات غير التقليدية في القرن الحادي والعشرين.
أساليب الحوثيين المتطورة: المراحل والتكتيكات
خلال المرحلة الأولى من الصراع، التي امتدت من أكتوبر إلى نوفمبر 2023، بدأ الحوثيون بشن هجمات على نطاق محدود، استهدفت بشكل رئيسي إسرائيل والسفن المرتبطة بها. وشكّل اختطاف سفينة "جالاكسي ليدر" في 19 نوفمبر نقطة تحول، إذ أظهر قدرة الحوثيين على تنفيذ عمليات معقدة في عمق البحر الأحمر.
وتميزت هذه المرحلة باستخدام الحركة لصواريخ كروز "المندب-2" المضادة للسفن وطائرات مسيرة انتحارية؛ وهناك أدلة على أن هذه الأسلحة طُوّرت بدعم إيراني، وأن تصميمها وتشغيلها يعتمدان على تقنيات مماثلة لتلك المستخدمة في الهجمات على منشآت النفط في المملكة العربية السعودية عام 2019.
شهدت المرحلة الثانية (ديسمبر 2023 - يناير 2024) توسعًا ملحوظًا في نطاق عمليات الحوثيين، التي باتت تستهدف جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل، بغض النظر عن جنسيتها أو ملكيتها. عكس هذا التحول في الاستراتيجية تصعيدًا سياسيًا من جانب الحوثيين، بالإضافة إلى ثقتهم المتزايدة في قدراتهم العسكرية.
خلال هذه الفترة، شنوا ما لا يقل عن 20 هجومًا على السفن التجارية في البحر الأحمر، وقد تعرض بعضها لأضرار جسيمة نتيجة لذلك.7 كما أطلق الحوثيون صواريخ باليستية باتجاه مدينة إيلات الساحلية الإسرائيلية على البحر الأحمر. دفع هذا الولايات المتحدة إلى إطلاق عملية حارس الرخاء في 18 ديسمبر 2023، بمشاركة أكثر من 20 دولة، لحماية حرية الملاحة عبر البحر الأحمر.
تضمنت هذه العملية نشر سفن حربية وطائرات استطلاع في المنطقة، مما أضاف بُعدًا جديدًا للصراع. اعتمد الحوثيون على استراتيجية الحرب غير المتكافئة، باستخدام أسلحة منخفضة التكلفة نسبيًا مثل الطائرات بدون طيار والمركبات السطحية غير المأهولة (USVs، أو القوارب المسيرة) لتحقيق تأثير كبير ضد القوات الدولية. مكّنت هذه الاستراتيجية الجماعة من تحدي القوى الكبرى رغم مواردها المحدودة نسبيًا.
اتسمت المرحلة الثالثة من المواجهة، الممتدة من فبراير إلى مايو 2024، بتصعيد حاد بين الحوثيين وخصومهم الأمريكيين والبريطانيين. بدأ الأخيرون بشن غارات جوية على مواقع عسكرية حوثية في اليمن، مستهدفين منصات إطلاق صواريخ ومراكز قيادة وسيطرة.
وتشير التقارير العسكرية إلى أن هذه العمليات دمرت أكثر من 60 هدفًا حوثيًا. ردًا على ذلك، بدأت الجماعة باستهداف السفن الأمريكية والبريطانية بشكل مباشر.9 ومن أبرز الحوادث خلال هذه الفترة غرق سفينة الشحن البريطانية "إم في روبيمار"، بينما تضررت عدة سفن أخرى.
كما وسع الحوثيون نطاق هجماتهم ليشمل خليج عدن، حيث أطلقوا صواريخ على ناقلة البضائع السائبة "إم في ترو كونفيدنس"، مما أسفر عن مقتل ثلاثة بحارة. تزامنت هذه التطورات مع تصاعد التوترات الإقليمية، مما دفع القوات الأمريكية إلى شن غارات جوية على مواقع الحوثيين في اليمن ردًا على ذلك.
وردًا على ذلك، كثف الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر، مستخدمين تكتيكات جديدة مثل الهجمات الجماعية بالطائرات بدون طيار والعمليات باستخدام الزوارق السريعة المحملة بالمتفجرات.
في المرحلة الأخيرة (يونيو/حزيران - ديسمبر/كانون الأول 2024)، توسّع الحوثيون بشكل غير مسبوق في تنوع هجماتهم، وأعلنوا أنهم سيبدؤون بتنسيق عملياتهم العسكرية مع الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران.11 أشار هذا التطور إلى تحول استراتيجي كبير، لا سيما وأن عمليات الحوثيين أصبحت جزءًا من استراتيجية إقليمية أوسع نطاقًا لاستهداف جميع السفن المرتبطة بإسرائيل، بما في ذلك تلك المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
رافق هذا التحول النوعي هجوم حوثي بطائرة مُسيّرة على تل أبيب في يوليو/تموز 2024، أثار ذعرًا عالميًا.12 تمكنت الطائرة المُسيّرة من الوصول إلى هدف رئيسي في المدينة قبل أن تُسقطها أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية. ورغم محدودية الأضرار، وجّه الهجوم رسالة قوية من الحوثيين، مُظهرًا قدرتهم على ضرب عمق إسرائيل. دفع هذا الأخير إلى الرد باستهداف ميناء الحديدة اليمني الذي يسيطر عليه الحوثيون.
ثم استهدف الحوثيون تل أبيب بما زعموا أنه صاروخ فرط صوتي - صاروخ عالي السرعة قادر على اختراق الدفاعات الجوية. أثار هذا الأمر قلقًا بالغًا لدى المسؤولين العسكريين في إسرائيل وخارجها، إذ سلّط الضوء على تطور قدرات الحوثيين الصاروخية. ورغم أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية تمكنت من اعتراض الصاروخ، إلا أن الحادثة أدت إلى مزيد من التصعيد.
في الواقع، ردّت إسرائيل على هذه الهجمات في يوليو وسبتمبر 2024 بغارات جوية مكثفة على ميناء الحديدة - أحد أهم الموانئ البحرية في أيدي الحوثيين - وعلى البنية التحتية الحيوية في المدينة. شكّل هذا تصعيدًا خطيرًا في الصراع، لا سيما وأن الميناء يُعدّ نقطة دخول رئيسية للمساعدات الإنسانية إلى اليمن. في الوقت نفسه، ربما كان قصف ميناء الحديدة يهدف إلى قطع طرق إمداد الحوثيين لاستيراد الأسلحة الإيرانية، وهو ما يُعدّ، بالنسبة لإسرائيل، خطوة استباقية نحو إضعاف القدرات العسكرية المتقدمة للحوثيين.
ومع ذلك، ارتبط التصعيد في هذه المرحلة ارتباطًا وثيقًا بالتوترات الإقليمية بين إسرائيل وكل من إيران وحزب الله. ويُعتقد أن إيران زوّدت الحوثيين بتكنولوجيا الصواريخ المتطورة والطائرات المسيّرة المستخدمة في الهجمات على السفن وعلى تل أبيب. تزامن التهدئة اللاحقة مع الهدنة المُعلنة في غزة في يناير/كانون الثاني 2025.13
بفضل هذه العمليات، رسّخ الحوثيون مكانتهم كقوة هائلة في المنطقة، لدرجة أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة نفذتا 931 غارة جوية على مواقع الحوثيين بين يناير/كانون الثاني 2024 ويناير/كانون الثاني 2025. ومع ذلك، لم تنجح هذه الضربات في ردع الجماعة، التي واصلت هجماتها بعد انهيار وقف إطلاق النار في غزة الذي أُعلن عنه في أوائل مارس/آذار.14
لماذا تفشل الاستراتيجية الأمريكية؟
يُظهر الوضع الميداني أن فشل الاستراتيجية الأمريكية في صد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر لا يعود إلى ظروف مؤقتة أو عوامل تكتيكية، بل ينبع من مجموعة من العوامل الهيكلية المتجذرة، مما يُشير إلى احتمال استمرارها في المستقبل المنظور. تندرج هذه العوامل تحت ثلاثة عناوين رئيسية:
يكمن السبب الأول وراء فشل الاستراتيجية الأمريكية في التعقيدات الجيوسياسية الإقليمية والدولية. فمسألة الحوثيين متشابكة في شبكة معقدة من الصراعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وأبرزها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد استغل الحوثيون هذا التشابك لتصوير هجماتهم البحرية على أنها دعم لغزة، مما وضع الولايات المتحدة أمام معضلة صعبة: كيف تحمي ممرات الشحن العالمية دون المساس بدعمها العسكري والسياسي لإسرائيل؟ لقد أضعف هذا التناقض الموقف الدبلوماسي الأمريكي وقلل من فعالية أدواته الاستراتيجية.
أدى تردد الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة - وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - في الانخراط في عمليات عسكرية ضد الحوثيين إلى تفاقم عزلة واشنطن في هذه القضية، مما جعل عملية "حارس الرخاء" جهدًا دوليًا هشًا يفتقر إلى زخم سياسي حقيقي.
على الصعيدين السياسي والاجتماعي، يستمد الحوثيون قوتهم من نواة صلبة، متجذرة في السياق اليمني، ومعززة بسردية أيديولوجية فعّالة مكّنتهم من ترسيخ قاعدة شعبية، من خلال ربط عملياتهم بالقضية الفلسطينية وتقديم أنفسهم كممثلين لـ"محور المقاومة" ضد الهيمنة الغربية. كما أقام الحوثيون علاقات عابرة للحدود مع ميليشيات إقليمية، بما في ذلك جماعات في العراق والصومال، مما وفر لهم موارد بشرية ولوجستية إضافية وأكسبهم خبرة في التكيف والصمود.
ومن العوامل الرئيسية الأخرى التي ساهمت في هذا الفشل إتقان الحوثيين للحرب غير المتكافئة. فقد تمكنوا من تحويل مسرح عمليات البحر الأحمر إلى ساحة اختبار ناجحة لأساليب الحرب غير المتكافئة. باستخدام طائرات مسيرة منخفضة التكلفة وصواريخ بدائية نسبيًا، كان لها تأثير كبير على حركة الملاحة البحرية الدولية، مما أجبر شركات الشحن العالمية مثل ميرسك على تغيير مسارها بعيدًا عن المنطقة، على الرغم من وجود الجيش الأمريكي.
ونتيجة لذلك، انخفض المرور اليومي عبر مضيق باب المندب بنحو الثلثين بين نوفمبر 2023 وفبراير 2025. ورغم العمليات العسكرية الأمريكية، ظل البحر الأحمر منطقة محظورة على شركات الشحن الكبرى؛ وقد أشار الرئيس التنفيذي لشركة ميرسك إلى أن العمليات العسكرية لم تكن كافية لضمان سلامة السفن التجارية.15
على الرغم من أن البحرية الأمريكية أسقطت حوالي 400 طائرة مسيرة وصاروخ حوثية، إلا أن هجمات الجماعة استمرت دون هوادة، بل وتصاعدت في بعض الأحيان، مما أدى إلى فشل استراتيجي في إعادة حركة الملاحة البحرية إلى طبيعتها.
ووصف تقرير صادر عن موقع ميدل إيست مونيتور الحوثيين بأنهم "ظهروا أقوى بعد أن نجوا من أكثر من ألف غارة جوية، مما يثير الشكوك حول فعالية الجيش الأميركي".16 وهذا يعكس حقيقة مفادها أن التفوق العسكري لا يترجم بالضرورة إلى نصر سياسي أو نصر في ساحة المعركة ضد خصم لامركزي ومرن ومتماسك أيديولوجياً.
يكمن تفسير ثالث، لا يقل أهمية، في القيود الهيكلية المفروضة على عملية صنع القرار الأمريكية. فقد اصطدمت الاستراتيجية الأمريكية ضد الحوثيين بعوامل مؤسسية وسياسية راسخة على المستوى المحلي.
ويخشى صانعو القرار من الانزلاق إلى صراع بري مطول يُذكرنا بما حدث في العراق وأفغانستان، مما يُقيد هامش المناورة العسكري لديهم ويُحد من قدرتهم على نشر وسائل أكثر حسمًا. علاوة على ذلك، أثار استخدام الذخائر الموجهة بدقة في عملية "الراكب الخشن"، التي أطلقتها إدارة ترامب في مارس 2025 واستهدفت أكثر من 800 موقع للحوثيين، بتكلفة تزيد عن مليار دولار، مخاوف مسؤولي القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من احتمال نفاد المخزونات الاستراتيجية.
ورغم أن إدارة ترامب أعادت تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية وفرضت عقوبات على قادتهم، إلا أن الجماعة استمرت في تلقي الدعم غير المباشر من إيران وتوسيع قدراتها العسكرية.18
وفي السياق الاقتصادي، لم تأخذ واشنطن في الاعتبار البعد التجاري للبحر الأحمر. لم تتأثر قرارات شركات الشحن بالانسحاب بتهديد الحوثيين فحسب، بل أيضًا بانخفاض الطلب العالمي في ظل سياسات ترامب التجارية، مما جعل استعادة الملاحة في البحر الأحمر هدفًا أقل إلحاحًا في حسابات السوق.
وصف تقريرٌ لصحيفة الإيكونوميست اتفاق وقف إطلاق النار المحدود المبرم في 6 مايو/أيار 2025 بأنه "صفقة فاوستية"، إذ عزز سيطرة الحوثيين على اليمن بدلًا من استعادة الاستقرار البحري. ووصف زعيم الحركة، عبد الملك الحوثي، النتيجة بأنها "هزيمة أمريكية مخزية"، تعكس التحول الرمزي والأخلاقي في ميزان القوى في الصراع.19
يبدو أن تفكك هذه العوامل الثلاثة - الجيوسياسية والعسكرية والهيكلية - التي استندت إليها الاستراتيجية الأمريكية في البحر الأحمر، والذي يُرسخ استمرار هذا الفشل ما لم تخضع هذه المقاربات الأمنية والدبلوماسية لمراجعة شاملة، سيناريو أكثر ترجيحًا من مجرد نجاح تكتيكي محدود.
نظراً لتعقيدات المشهد الإقليمي، تُشدد هذه المذكرة السياسية على ضرورة إعادة صياغة نهج أكثر توازناً يجمع بين الأبعاد الأمنية والسياسية والإنسانية، ويراعي الواقع الميداني. وبناءً على ذلك، نقترح اتجاهين استراتيجيين عمليين. إلا أن صياغة استراتيجية واقعية وفعّالة تتطلب إدراك حدود القوة التقليدية، وتوجيه الجهود نحو حلول تدريجية متعددة الأدوات، تراعي التوازن بين الأمن والاستقرار الإنساني، وتفتح مساراً دبلوماسياً لا يتجاهل الواقع السياسي الميداني:
1. اعتماد استراتيجية احتواء ذكية وفعّالة من خلال بناء ودعم قيادة يمنية موحدة، والحد من التدخل العسكري المباشر:
بدلاً من توسيع نطاق عملياتها العسكرية المكلفة، يمكن للولايات المتحدة اتباع استراتيجية احتواء مرنة تُركز على تمكين الشركاء المحليين في اليمن وتعزيز قدراتهم الدفاعية على الأرض. لتحقيق ذلك، يجب على الولايات المتحدة تركيز جهودها على معالجة الثغرات الهيكلية في قيادة القوات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، لا سيما وأن انقسام ولاءات هذه القوات - للسعودية أو الإمارات العربية المتحدة - يُعدّ أحد نقاط ضعفها الاستراتيجية الرئيسية.
وهذا يُبرز ضرورة استخدام الولايات المتحدة لنفوذها السياسي للضغط على حليفيها الخليجيين لتوحيد القيادة العسكرية اليمنية في هيكل موحد. من شأن ذلك أن يُحسّن أداء القوات الحكومية في ساحة المعركة، ويُقلّل اعتمادها على التدخلات الخارجية، ويُمهّد الطريق لبناء جهاز دفاع وطني مستدام.
2. عزل المسار الإنساني عن أي تصعيد سياسي أو عسكري، وضمان وصول المساعدات:
في ظل تصنيف واشنطن للحوثيين منظمة إرهابية، والهجمات المتكررة على ميناء الحديدة، والقيود المفروضة على عمل منظمات الإغاثة، سواء من قبل الحوثيين أو بسبب القيود التي تفرضها هذه المنظمات على نفسها، يواجه اليمن خطر تفاقم الكارثة الإنسانية، لا سيما وأن أكثر من ثلثي سكان اليمن يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين. لذلك، يجب فصل المسار الإنساني عن الاعتبارات العسكرية والسياسية، من خلال دبلوماسية إنسانية متوازنة تتضمن ما يلي:
إنشاء آلية تنسيق إنسانية محايدة برعاية الأمم المتحدة، تضم ممثلين عن منظمات الإغاثة والسلطات المحلية، بهدف ضمان تبادل المعلومات وتحديد أولويات التدخلات غير العسكرية.
توسيع نطاق عمل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، من خلال تمويل مرن وتفويض سياسي أوسع من مجلس الأمن الدولي يسمح له بالتفاوض المباشر مع جميع الأطراف وضمان حرية حركة القوافل وتدفق الإمدادات.
تقديم حوافز إنسانية مشروطة، مثل تسهيل دخول الواردات التجارية أو دعم مشاريع التنمية الصغيرة في المناطق التي تلتزم بضمان حرية حركة عمال الإغاثة.
وضع إطار عقوبات دقيق وذكي يستهدف الأفراد أو الكيانات التي تعرقل العمليات الإنسانية، دون التأثير على السكان المدنيين أو تقييد عمل وكالات الإغاثة الدولية.
في ضوء هذه الوقائع، هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل المواجهة. الأول، وهو الأكثر ترجيحًا، هو استمرار الوضع الراهن، دون أي تغيير جوهري في ميزان القوى أو ديناميكيات الصراع. أما السيناريو الثاني، فهو تصعيد عسكري أمريكي شامل، قد يؤدي إلى عمليات برية؛ إلا أن هذا الاحتمال أقل ترجيحًا نظرًا للعقبات السياسية والاقتصادية والإنسانية الكبيرة التي تعترض مثل هذه الخطوة.
السيناريو الثالث ينطوي على حل دبلوماسي شامل للصراع اليمني، مرتبط بتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومع ذلك، ورغم أنه يُمثل النتيجة الأمثل نظريًا، إلا أنه يبقى مستبعدًا نظرًا للتعقيدات الجيوسياسية الراهنة والصراعات الجوهرية بين المصالح الإقليمية والدولية.