راشد بن حميد الراشدي **
وطن تستبشر في إشراقته كل يوم بوجه صبوح مملوء بالأمل والتوكل على الله في كل تفاصيل مساره نحو العلا والنجاح المبين... وطن يتجدد كل يوم بكل ما هو جديد رغم التحديات ومسارات الحياة المتعبة خلال هذه السنوات الصعبة من عمر الكون وقد لبس الكون ثوب الفتن... وطن يُحمل بأكتاف أبنائه في سرائه وضرائه مهما كانت ضروب القدر.
نحن نتحدث عن سلطنة عُمان ذلك البلد الشامخ ذي المجد التليد والحضارة العريقة. وفي عام 2023 الذي لفَّ رداءه مُبحرًا نحو سنين مضت تحققت منجزات الخير على ثراها في وطني الأشم مع نهضةً شامخة متجددة الأركان تسعى لخير الإنسان في بلد عزيز بسلطانه وأهله ترعاهم وتحرسهم عين الله التي لا تنام ودعوات الصالحين المحبين لعُمان الخير والسلام والوئام.
اليوم ومع إشراقة عام هجري جديد تتجدد الأماني فيه بأن تكون عُمان في ألق جديد وبشائر سعيدة تحمل الوطن وأهله إلى مرافي الأمان لتسير القافلة نحو تحقيق أمانيها وفق نظرة ثاقبة وخطى واثقة ورؤية واضحة وهممُ عالية تحقق الازدهار والسعادة للمواطن في أن يعيش بأفضل حال.
عُمان 2024.. غير بإذن الله في سموها وخطواتها وازدهارها وتقدمها وثوابتها ونهجها القويم الذي نتمنى أن نرى قطاف خيراته خلال العام الجديد 2024 بإذن الله من خلال تحسين الكثير من الخدمات وحلحلة الكثير من الملفات والتحديات وافتتاح الكثير من المشاريع والخدمات وزيادة دخل الوطن والمواطن وبناء المنجزات وتنفيذ المشروعات التنموية والخدمية المستدامة التي ينشدها الجميع.
فمع السياسات الاقتصادية الناجعة التي اتخذتها السلطنة ونمو العديد من القطاعات وتخفيض الدين العام ووجود فائض مالي وإبقاء التضخم في حدود آمنة ساهمت ولله الحمد في تعديل وتحسن التصنيف الائتماني لسلطنة عمان بقفزات كبيرة جدا إلى الأمام خلال الأربع سنوات الماضية.
كل تلك المبشرات جعلتنا اليوم نخطو خطى واسعة بآمال كبيرة نحو استشراف مستقبل عمان الواعد. ونأمل من الله العلي القدير في العام الجديد 2024، كل التوفيق للجهود المبذولة لجعل الوطن دولة عصرية تسعى لتحقيق الإنجازات بوتيرة سريعة ومتقنة من خلال تكاتف الجهود والتركيز على بعض الملفات في خطط سيرها نحو الإصلاح وبناء الوطن.
وأول الملفات ملف التوظيف وذلك من خلال توفير فرص العمل في جميع القطاعات والوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية والخاصة؛ فأعداد الباحثين عن عمل والمسرحين تتزايد بشكل كبير مع تخرج عشرات الآلاف كل عام وكذلك وجود تسهيلات ومغريات ليكون العمل الحر بيئةً جاذبة ومحفزة لأصحاب وصاحبات الأعمال المواطنين الراغبين في ممارسة التجارة من خلال وجود مميزات خاصة تختلف عن مميزات المستثمر والعامل الوافد وضرورة حمايتهم من المنافسة الخاسرة عبر سن القوانين والأطر المنظمة والفاعلة نحو ثبات أصحاب الأعمال في أنشطتهم التجارية وتحقيق النجاحات التي يطمحون لها وكسب أرزاقهم بدل ما نراه من خروج ملايين الريالات خارج الوطن فأبناء الوطن هم أولى بها وستعود غدا بالخير على الوطن وأبنائه وازدهاره.
ثانيًا: ملف الاستثمار وضرورة تنميته بصورة أكبر تحقق الإيرادات لخزينة الدولة وكذلك تفتح آفاقاً اقتصادية لمشاريع أكثر قادمة؛ مما سينعكس أثرها على الوطن وهو يساند الملف الأول الذي ذكرته حول إيجاد فرص وظيفية معمنة تكون الحظوة فيها لأبناء الوطن.
ثالثًا: ضرورة وجود خطة متكاملة لدعم السياحة فعمان ذات مفردات سياحية جميلة من تضاريس خلابة ومقومات سياحية وإرث حضاري كبير وجمال لطبيعتها الأخاذة من شواطئ وسهول ورمال وأودية وعيون وجبال وبحار وشعب كريم مضياف ومقومات متنوعة لن تجد لها مثيلا إلا في سلطنة عُمان.
رابعًا: ضرورة وجود دراسات حقيقية لواقع المجتمع العماني اليوم والذي يعاني من تدني سقف الرواتب فيه في ظل ارتفاع الأسعار وأعباء رسوم الخدمات المقدمة والضرائب والسعي من خلال هذه الدراسات إلى وجود آليات لتخفيض رسوم الخدمات العامة كالكهرباء والماء ورسوم توصيل الماء التي تقصم الظهر (700 ريال) والخدمات البلدية وغيرها من الخدمات وكذلك أسعار المشتقات النفطية وخاصة البنزين.
كما يجب إعادة النظر في الضرائب بكل أشكالها لتحقيق السيولة المالية في الأسواق وخلق حراك تجاري وتحقيق الرفاهية والعيش الكريم للمواطن والازدهار للوطن.
خامسًا: مع الجهود المقدمة من قبل الأجهزة الرقابية في السلطنة وتحقيق مبدأ الشفافية في تطبيق الأنظمة والقوانين ومراقبة الأداء العام والتجويد في العمل.
إنَّني استبشرُ خيرًا أن يكون العام المقبل أكثر حزمًا في أداء تلك الأجهزة من أجل تتبع كل خيوط من خان أمانته ووطنه، وكل من سعى لتضليل مسارات الحفاظ على المال العام وموارد الوطن والتي ستعود للوطن بالخير الكثير بإذن الله.
إنَّ العام الجديد ومن خلال المعطيات الكثيرة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يبشر بالخير لسلطنة عمان فهو يحمل النماء والازدهار والتقدم للوطن وأهله ويفضي لمرحلة جديدة تكون فيها عُمان غير بإذن الله تعالى والى مستقبل مشرقً سعيد آمن معطاء.
نسأل الله عز وجل أن تكلل جهود حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بالتوفيق والسداد والنجاح، وأن يقود مسيرة الخير إلى مرافئ الأمان؛ فربان عُمان سلطانٌ ماهر، حمل الوطن على عاتقه منذ أول يوم، فهو خير خلف لخير أسلافه السلاطين. وندعو الله لجلالته أن يُمتعه بالصحة والعافية والعمر المديد، كما ندعو لعُمان بكل الخير والرخاء والازدهار والرقي في جميع الميادين، ونسأل الله أن ينعم كل أبناء عُمان بالسعادة والرفاهية وأن تتحقق أمنياتهم في العام الجديد.
** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
“المصمك”.. ذاكرة الوطن بلغة المتاحف الحديثة
يُخلد متحف قصر المصمك مسيرة توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، حاضرًا في وجدان الوطن وتاريخه المجيد، شامخًا منذ شُيد عام (1282هـ – 1865م) في عهد الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي آل سعود، ولا يزال حتى يومنا رمزًا عريقًا، وأيقونة لمرحلة التوحيد والبناء.
ويواصل “المصمك” رسالته التثقيفية والوطنية تحت إشراف وزارة الثقافة ممثلةً بهيئة المتاحف، عقب الانتهاء من أعمال تحديث شاملة شملت تأهيل المبنى وترميمه وتطوير بنيته التحتية، بوصفه أحد أبرز المعالم التاريخية التي شهدت تحولات مفصلية في تاريخ المملكة، وإسهامًا في تعزيز المشهد الثقافي الوطني، وفق المعايير الحديثة لإثراء تجربة الزائر للمتاحف.
وأطلق المؤرخون أسماء عدة على “المصمك” منها: الحصن، والقلعة، والحصن الداخلي، والمسمك، والمصمك، غير أن الاسم الأخير هو الأكثر تداولًا، ويرى بعض الباحثين أن التسمية تعود إلى “سماكة جدرانه وقوة تحصينه”، مما جعله حصنًا دفاعيًّا بارزًا في المنطقة.
ويحظى بأهمية استثنائية في تاريخ المملكة، فقد شهد في فجر الخامس من شوال عام (1319هـ)، الموافق (15) يناير (1902م)، لحظة حاسمة باسترداد الرياض من قبل الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، إيذانًا ببدء مسيرة التوحيد الكبرى، وعلى فترات متعاقبة استخدم الحصن مستودعًا للأسلحة والذخائر مدة سنتين، إلى أن تقرر ترميمه، وتحويله إلى معلم تاريخي وتراثي يعكس أمجاد الماضي.
ويمتد قصر المصمك على مساحة (3885 م2)، في حي الثميري وسط الرياض، وشُيّد من الطين المخلوط بالتبن، ووضعت أساساته من الحجر، واستخدم الطين لتلييس الجدران من الخارج، أما من الداخل فاستخدم لها الجص.
وقُسم “المصمك” في بنائه إلى طابقين موزعين إلى قسمين، ويضم نحو (44) غرفة، يتألف الطابق الأرضي من (6) أفنية تحيط بها الغرف السفلية والعلوية، وله مدخلان، كما يضم مجلسين ومسجدًا وبئرًا للمياه، إلى جانب (3) أجنحة سكنية ومقرٍ للخدمات، استخدم أول الأجنحة لإقامة الحاكم، والثاني كان بيتًا للمال، وخُصص الأخير لنزول الضيوف. أما الدور الأول فيحتوي على روشن ومجلس، وغرف عدة مطلة على الفناء الرئيس.
وزُخرفت جدران المصمك بفتحات ذات أشكال مثلثة ومستطيلة، وظهرت على جدران الغرف الداخلية زخارف جصية على هيئة مثلثات ودوائر، ورسومات بسيطة مستوحاة من عناصر البيئة المحيطة، كالنخيل والنجوم والأهلّة، وتتميز الجدران الخارجية بنتوءات تسمى “طرمات”، وهي فتحات ذات بروز خشبي تشبه الصندوق، استخدمت للمراقبة.
ويضم الحصن معالم بارزة من بينها البوابة الغربية المصنوعة من جذوع النخل والأثل، ويبلغ ارتفاعها (3.60)م، وعرضها (2.65)م، وبها فتحة صغيرة تُعرف بـ “الخوخة”، كما يحتوي على مسجد داخلي يتوسطه عدد من الأعمدة، ومحراب مجوف، ومجلس تقليدي بديكورات نجدية، إضافةً إلى “بئر” تقع في الركن الشمالي الشرقي، وأربعة أبراج دفاعية في أركانه، وبرج خامس مربع الشكل يُعرف بـ “المربعة” يطل على كامل المبنى.
وفي عام (1400هـ)، وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، أمير منطقة الرياض آنذاك، بالمحافظة على الحصن وترميمه؛ ليكون معلمًا وطنيًّا يعكس مرحلة مهمة في تاريخ المملكة، حيث نفذت أمانة منطقة الرياض مشروع الترميم الكامل في عام (1399هـ)، وسلمته للإدارة العامة للآثار والمتاحف آنذاك عام (1403هـ)، ثم وجه -رعاه الله- بتحويله إلى متحف متخصص يحكي مراحل تأسيس المملكة وتوحيدها، وافتُتح رسميًّا في (13) محرم (1416هـ) الموافق (11) يونيو (1995م).
ويحتوي المتحف على أقسام متنوعة، من بينها قاعة اقتحام المصمك التي تسرد المعركة التاريخية، وتعرض خرائط، وأسلحة قديمة، وصورًا نادرة، إضافةً إلى قاعة العرض المرئي التي تقدم فيلمًا وثائقيًا بلغتين، وقاعة الرواد التي تحتفي بالرجال الذين شاركوا في استرداد الرياض، وقاعة الرياض التاريخية التي توثق مراحل تطور المدينة عبر خرائط وصور تاريخية، علاوةً على “فناء البئر” الذي يعرض أدوات تراثية، ومدافع استخدمت في الجيش، وقاعة حصن المصمك التي تحتوي على مجسمات، ولوحات تعريفية، وقاعة استخدامات المصمك التي تقدم لمحة عن تحولات استخدام الحصن عبر العصور، إلى جانب خزائن تحتوي على أسلحة، وملابس تراثية، وأدوات بناء قديمة.