الجامع الأزهر يواصل ترسيخ القِيم الأخلاقية لدى النشء
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
عقد الجامع الأزهر الشريف اليوم، حلقة جديدة من ملتقى الطفل، والذي يأتي تحت عنوان: " الطفل الخلوق - النظيف - الفصيح"، وذلك في إطار مواصلة الجامع الأزهر والرواق الأزهري، جهودهما في توعية النشء بالآداب الإسلامية والأخلاقيات السليمة النابعة من صحيح الدين، وحاضر في الملتقى الشيخ عبد الستار الوكيل، الباحث بوحدة شئون الأروقة بالجامع الأزهر الشريف، والدكتور ياسر عجوة، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر الشريف.
فى بداية اللقاء قال الشيخ عبد الستار الوكيل، أن الإخلاص هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾، فالإخلاص هو لُب العبادة وروحها؛ قال ابن حزم: «النية سِر العبودية وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد، ومُحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، فهو جسد خراب». والإخلاص هو أساس قبول الأعمال وردها، فهو الذي يؤدي إلى الفوز أو الخسران، وهو الطريق إلى الجنة أو إلى النار، فإن الإخلال به يؤدي إلى النار وتحقيقه يؤدي إلى الجنة.
وبَيَّن الشيخ الوكيل، أن المخلص هو الذي لا يُبالي لو خرج كل قدْر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله تعالى، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذَّر من عمله. فهو من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته. قال تعالى لنبيه ﷺ ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
للإخلاص ثمرات عظيمةوأشار الباحث إلى أن للإخلاص ثمرات عظيمة منها: أنه مصدر رزق عظيم للأجر وكسب الحسنات، قال ﷺ «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أُجرت عليه حتى ما تجعل في فم امرأتك»؛ ومنها أيضاً أن الإخلاص يُنجي من العذاب العظيم يوم الدين؛ قال ﷺ «مَن تعلَّم عِلمًا ممَّا يُبتَغى به وجهُ اللهِ لا يتعلَّمُه إلَّا لِيُصيبَ به عرَضًا مِن الدُّنيا لَمْ يجِدْ عَرْفَ الجنَّةِ يومَ القيامةِ». الإخلاص يُريح أصحابه يوم يقول الله للمرائين: «اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون بأعمالكم في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً». الإخلاص يُنجي الإنسان من حِرمان الأجر ونقصانه، ولذلك فإن النبى ﷺ جاءه رجل غزا يلتمس الأجر والذكر، فقال: (لا شيء له) «ثلاثًا»، «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغي به وجهه».
وحث الشيخ عبد الستار الوكيل، على سماع أخبار المخلصين، وأن نكون منهم؛ فإنهم في كنَفِ الله وحِفظِه ورِعايتِه وعِصمتِه، قد نجَّاهم الله من مكائِدِ الشيطانِ، وآواهم إلى حِزبِه المفلِحين. وقد شرَط الله تعالى لتوبَةِ التائبين تحقيقَ الإخلاص في أعمالهم؛ قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: « من خلصتْ نيتهُ في الحق ولو على نفسِهِ كفاهُ اللهُ ما بينهُ وبينَ الناسِ ».
ومن جانبه تناول الدكتور ياسر عجوة، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر الشريف، شرح أدوات الإستفهام، حيث قام بتعريف الاستفهام بأنه هو طلب الفهم، وهو أسلوب بلاغي يفيد طلب معرفة شيء لم يكن معروفًا لدى السائل أو المستفهم، ويكون باستخدام أداة خاصة للاستفهام.
ثم ذكر الباحث أدوات الاستفهام: (الهمزة، هل، ما، ماذا، لماذا، مَنْ)، وغيرها، وأشار إلى أنه أحيانًا يكون الاستفهام حقيقيًا، وقد يكون بلاغيًا مجازيًا يخرج لأغراض أخرى.
وبيَّن ياسر أنواع الاستفهام وذكر منها: الاستفهام الحقيقي بمعنى أنه يتطلب إجابة أو معرفة شيء يجهله السائل، ويحتاج إلى إجابة، ومن الأمثلة عليه: كم عمرك؟ مَن ضرب الولد؟ وغيرها، أما في القرآن الكريم فالاستفهام لا يأتي حقيقيًا؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- لا يستفهم عن شيء من عباده وخلقه، فغرض الاستفهام في القرآن يكون بلاغيًا مجازيًا يراد به أغراض أخرى.
الاستفهام البلاغي المجازي قد يخرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى أغراض بلاغية مجازية أخرى تعرف من خلال السياق أو الموقف الذي ورد فيه السؤال، وفائدته البلاغية هي إعطاء الكلام حيوية وزيادة الإقناع والتأثير، وإثارة السامع والقارئ،
وأهم هذه الأغراض ما يأتي: استفهام التوبيخ مثل: قوله تعالى: "أتدعون بعلًا وتذرون أحسن الخالقين." ففي هذه الآية يراد من الاستفهام توبيخ المخاطبين بسبب دعوتهم لإله غير الله عزّ وجل. وقوله تعالى: "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها." وهنا الغرض من الاستفهام التوبيخ لترك الهجرة في الأرض من أجل إقامة شرع الله فيها.
استفهام النهي ويراد بهذا الغرض النهي عن القيام بأمر ما، ومن الأمثلة عليه ما يأتي: قوله تعالى: "أتخشونهم".
وفي نهاية الملتقى، اختتم الباحثان حديثهما بالإجابة عن بعض الأسئلة حول الموضوع، وأثناء الشرح استخدم الباحثان بعض الشرائح التوضيحية، معتمدَيْن على أسلوب المناقشة والتحاور مع الأطفال، تشجيعاً لهم على المشاركة.
يذكر أن ملتقى "الطفل الخلوق والنظيف والفصيح" يعقد يوم السبت من كل أسبوع بالجامع الأزهر، ويتم تنفيذه في بعض المحافظات ، وذلك لتربية النشء على أسس صحيحة، وفهم عميق لأخلاقيات ديننا الحنيف.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجامع الأزهر الأزهر ملتقى الطفل الرواق الأزهرى الآداب الإسلامية الجامع الأزهر الشریف بالجامع الأزهر قال تعالى
إقرأ أيضاً:
نداء الإسلام من جبل الرحمة
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ» «سورة الحج: 27، 28».
تبدأ مع إشراقات صباح اليوم قوافل حجاج بيت الله الحرام مسيرها من مشعر منى إلى رحاب جبل عرفات في مشهد يملأ القلوب حبورا وسرورا بهذه التصعيد للحجاج، إنها بلا شك لحظات فارقة في حياة المسلمين عامة والحجاج بشكل خاص لأنها تأتي للحاج كفرصة ذهبية بعد طول انتظار لوقت طويل.
وإذا كان الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، فهو من الواجبات التي فرضت على كل مسلم عاقل لديه الاستطاعة على نفقات الحج وتحمّل مشقته، كما أنها أمنية تتجلى في نفوس جميع المسلمين الذين يأملون أنفسهم بأدائها في حياتهم ولو لمرة واحدة، فكثير هي الأمنيات الإنسان في هذه الحياة، بعضها يتحقق بتوفيق وسداد يأتي من عند الله تعالى، وأخرى لا يكتبها الله لكل البشر فتبقى معلقة بحبال الأمل التي لا تنقطع إلا بالموت، لكن الله تعالى اشترط في أداء مناسك الحج «الاستطاعة» وذلك تخفيفا على عباده الصالحين، ورأفت بأحوال الأمة فهو الرحمن الرحيم.
يعد يوم عرفة «من أعظم الفرص» من أجل التقرب إلى الله وطلب مغفرته ورضوانه، لذا ينبغي على الحاج أن يغتنم هذا اليوم المبارك بأداء الأعمال المشروعة فيه، ليحصد الأجر العظيم والبركات الروحية، فيستحب على الحاج أن يكثر من الذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يلح في الدعاء بطلب المغفرة، وأن يكثر من قول «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة».
كما أن خير أيام الدنيا هو «يوم عرفة»، فالله تعالى يباهي بالحجاج ملائكته ويظهر لهم فضائلهم وعبادتهم لله بوقوفهم بعرفة، هؤلاء الحجاج جاؤوا من وجهات عدة، ومن قارات مختلفة من هذا العالم، اجتمعوا في مكان واحد، وعلى صعيد واحد، وفي لحمة إيمانية واحدة، ففي هذا اليوم تختلط فيه مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتتطابق كلماتهم وتسيل عبراتهم خوفا وأملا ورغبة ورجاء وطاعة وتوسلا بقلب مؤمن بأن يمن الله تعالى عليهم بنيل المغفرة وتكفير الذنوب، يمحي عنهم جميع خطاياهم، وأن يوفق الله جميع حجاج بيته الحرام في أداء جميع النسك المفروضة عليهم، وأن يعودوا إلى ديارهم فرحين مستبشرين بالنعمة العظيمة التي وفقهم الله إلى بلوغها وهي حج هذا العام.
وتأكيدا على منزلة يوم عرفة، فقد روت السيدة عَائِشَةُ رضي الله عنها إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ اشْهَدُوا مَلاَئِكَتِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ». رواه مسلم والنسائي وابن ماجه.
قد يسأل البعض منا نفسه، لماذا يقف الحجاج بعرفة دون سواه من الأماكن المقدسة؟
والجواب هو أن الوقوف بعرفة هو ركن أساسي من أركان الحج الأعظم، ولا يكتمل الحج دون الوقوف على صعيد عرفة، إضافة إلى أن جبل عرفات من أهم المشاعر المقدسة التي يؤدي فيها المسلمون مناسك الحج.
لهذا يعد وقوفهم في هذا المشعر بمثابة اللحظات التاريخية العظيمة حيث يقضي فيها ضيوف الرحمن الوقت المخصص لهم في هذا المكان الطاهر قبل نفرتهم في الذكر والتهليل والتكبير والدعاء والاستغفار، ففي كل جنبات عرفات تعلوا أصواتهم، وتفيض مشاعرهم وهم يتوجهون إلى الله بالدعاء، ثم يستمرون على حالتهم حتى يحين موعد صلاتَي الظهر والعصر ويؤدونها قصرا وجمعا، قبل أن ينفروا مساء هذا اليوم من عرفات إلى مزدلفة مع مغيب الشمس يوم التاسع من ذي الحجة.
إن المسلم وهو يؤدي مناسك الحج، أو يسمع أو يشاهد جموع المسلمين يؤدون شعائره العديدة، فإنه يحس ويدرك عظمة هذا الدين الإسلامي الحنيف الذي يربط على قلوب الناس، ويؤلف ما بينهم في مكان واحد، فلا يفرق بين غني أو فقير إلا بالتقوى.
الصورة اليوم تتجلى في أجمل ملامحها، فيكفي أن ترى أكف الضراعة ترفع إلى السماء، في مشهد إيماني يصعب على المرء اختصاره أو لملمة مشاعره في سياق كلمات وجيزة.
إن أسمى مناسك الحج وأقربها إلى النفس هي تلك المشاهد المضيئة التي تتجسد في موقف عرفات حيث يتجرد الإنسان من كل ملذات الحياة وزخرفها، إنه والله لموقف عظيم وحدث يؤثر إيجابا في النفس والوجدان، والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة».
إنه حقا أجلّ مشهد مكتمل فيه الوضوح في عبادة الحج؛ فهو يذكر الناس بموقفهم المنتظر بين يدي الله تعالى يوم توضع الموازين وتقوم الساعة، فكل البشر على اختلاف اتجاهاتهم يجتمعون في مكان واحد للحساب، أما اليوم فالكل يجتمع في عرفات ليرجو رحمته سبحانه، معربين عن خوفهم من عذابه وغضبه، ويأملون فضله وإحسانه ورحمته، ويطلبون شفاعة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
مهما تحدثت الصور وتآلفت المشاعر في بوتقة الإيمان، فإن لهذا اليوم منزلة عظيمة بين الناس جميعا، فيكفي أن تشعر بما يشعر به الواقفون على جبل عرفات من إخلاص وتفان وتوجه إلى الله بالرجاء من أجل القبول والرضوان.
إن مناسك الحج وما فيها من تجليات إسلامية عظيمة ورسائل إنسانية جمة لهي مشاهد تأسر القلوب وتؤثر على سلوك المسلم بعد أدائه لهذه الفريضة؛ لأن الإنسان في تلك الأماكن المقدسة يكون أقرب إلى الله خشوعا ومتجردا من كل متاع الدنيا، فكل ما يشغل لبه هو أن يحصل على كرم الله ورضوانه وعفوه وغفرانه.
في هذا اليوم المبارك ينادي فيه الحق سبحانه ملائكته، ويخاطبهم بقوله الكريم الرحيم: «أنظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا، أشهدكم يا ملائكتي أن قد غفرت لهم». فاللهم تقبّل منهم وأعدهم إلى بلادهم وذويهم ومنّ عليهم برحمتك وغفرانك.