سلط مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي "ستراتفور" الضوء على الاتفاق الذي أبرمته إثيوبيا مع حكومة إقليم أرض الصومال، والذي يمنحها إمكانية الوصول التجاري والعسكري إلى ميناء بربرة على البحر الأحمر، مشيرا إلى أن تداعيات هذا الاتفاق ستؤثر في تشكيل سياسات القرن الأفريقي ويزيد التوترات بين إثيوبيا والصومال المجاورة.

وذكر المركز، في تقدير نشره بموقعه وترجمه "الخليج الجديد"، أن الاتفاق يمهد الطريق لاعتراف إثيوبيا باستقلال منطقة أرض الصومال الانفصالية، ما اعتبرته الحكومة الصومالية عملا من أعمال "العدوان" واتهمت إثيوبيا بانتهاك سيادتها وسلامة أراضيها.

وأضاف أن الاتفاق أثار بعض القلق في مصر أيضا، التي أعربت عن دعمها لسلامة أراضي الصومال وسط التوترات المستمرة بين القاهرة وأديس أبابا بشأن تشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق.

وبالمثل، انتقد الاتحاد الأوروبي الاتفاق وشدد على أن الحفاظ على سلامة أراضي الصومال أمر أساسي لتجنب المزيد من زعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي.

أما الولايات المتحدة فأعربت عن مخاوفها بشأن آثار الاتفاق على الاستقرار الإقليمي، لكنها رفضت الدعوة إلى إلغائه، وبدلا من ذلك حثت إثيوبيا والصومال على الدخول في حوار دبلوماسي.

وأشار المركز إلى أن عدم إدانة هيئة (إيغاد) التجارية الأفريقية للاتفاق صراحة يسلط الضوء على النفوذ الدبلوماسي لإثيوبيا في المنطقة، مشيرا إلى أن الأخيرة ربما تكون أول دولة تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وذلك بعدما أصبح الإقليم مستقلا بحكم الأمر الواقع منذ إعلان استقلاله عن الصومال في عام 1991.

 ويشير "ستراتفور" إلى أن التفاصيل حول طبيعة الاتفاق لاتزال ضئيلة، وتقتصر على إعلان الحكومة الإثيوبية أن مذكرة التفاهم ستمكنها من تأمين "قاعدة بحرية دائمة وموثوقة وخدمات بحرية تجارية في خليج عدن من خلال اتفاقية إيجار"، وإشارة رئيس أرض الصومال، عبدي، إلى أن مدة الإيجار 50 عامًا.

ولا يرجح المركز الأمريكي نشوب صراع مسلح بين إثيوبيا والصومال على المدى القصير إلى المتوسط، لكنه أكد أن الاتفاق بين أديس أبابا وأرض الصومال يخاطر بقلب التعاون في مكافحة الإرهاب بين إثيوبيا والصومال رأساً على عقب ويمهد الطريق لتوترات دبلوماسية طويلة الأمد.

فإثيوبيا سبق لها التعاون مع الصومال في مكافحة الإرهاب، حيث شاركت القوات الإثيوبية بشكل مباشر في القتال ضد حركة الشباب في الصومال.

تدهور العلاقات

 ومن شأن الاتفاق مع أرض الصومال أن يؤدي إلى تدهور العلاقات الإثيوبية مع الصومال، والتي تحسنت في العقود الأخيرة، بعدما انخرطا في حرب بالفترة 1977-1978 للسيطرة على إقليم أوجادين، التي يسكنه الصوماليون في إثيوبيا.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي، سعت إثيوبيا إلى دعم السلامة الإقليمية لجارتها الهشة بدلاً من استغلال انقساماتها الداخلية، لكن تحرك أديس أبابا للاعتراف رسميًا بأرض الصومال كجزء من مذكرة التفاهم الجديدة مع المنطقة الانفصالية من شأنه أن يمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الإثيوبية ويسلط الضوء على الأهمية التي يوليها رئيس الوزراء، آبي أحمد، لتأمين وصول بحري مباشر ينهي عن بلده صفة الدولة الحبيسة.

اقرأ أيضاً

لمناقشة الأطماع الأثيوبية.. رئيس الصومال يتجه إلى القاهرة في زيارة رسمية

وفي حين أن الاتفاق أدى إلى تفاقم التوترات الثنائية، لا يرجح "ستراتفور" نشوب حرب بين أديس أبابا ومقديشو في المستقبل المنظور نظرا للصعوبات المستمرة التي تواجهها القوات المسلحة الصومالية في القتال ضد حركة الشباب.

ومع ذلك، فإن الضغط الداخلي قد يدفع الرئيس الصومالي، حسن شيخ حمدو، إلى تعليق عمليات مكافحة الإرهاب المشتركة مع إثيوبيا، رغم أن هذا القرار يمكن أن يتخذه آبي أحمد أيضًا ردًا على الإجراءات القانونية التي اتخذتها مقديشو.

ومن شأن تعليق التعاون في مجال مكافحة الإرهاب أن يخاطر بعرقلة حملات الصومال ضد حركة الشباب في جنوب ووسط البلاد، ما يمكّن الجماعة الجهادية من تعزيز وجودها في هذه المناطق.

وإضافة لذلك، يرجح "ستراتفور" أن تنجح الحملة الدبلوماسية الصومالية في تصاعد المعارضة للاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال في مصر وإريتريا، حيث يعتزم البلدان زيادة الضغط على أديس أبابا لاحترام سلامة أراضي الصومال.

دعم سري

وفي هذا الإطار، ينوه المركز الأمريكي إلى أن تصاعد التوترات ربما يدفع الصومال وإريتريا إلى تقديم دعم سري لبعض الجماعات المتمردة في إثيوبيا كوسيلة للضغط على آبي أحمد، خاصة في إقليم تيجراي، إذ كان استمرار صمود اتفاق السلام فيه سببا في تحول آبي أحمد نحو التركيز على الوصول إلى منفذ بحري للبلاد، مشددًا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على أن تأمين الوصول البحري "قضية وجودية" لمستقبل إثيوبيا.

ويمر نحو 95% من تجارة التصدير والاستيراد الإثيوبية حاليا عبر ميناء جيبوتي، وتدفع أديس أبابا متوسط مليار دولار سنويا كرسوم للميناء.

وكجزء من الجهود المبذولة لتنويع وصول إثيوبيا إلى البحر، وافقت كينيا على منح الحكومة الإثيوبية عقد إيجار في ميناء لامو لأغراض لوجستية في مايو/أيار 2018، وأحيت الدولتان خططًا لبناء خط سكة حديد بطول 3 آلاف كيلومتر يربط لامو بأديس أبابا في عام 2023.

اقرأ أيضاً

اتفاق أرض الصومال يجعل إثيوبيا قوّة بحرية.. التداعيات الجيوسياسية

ويعد الاتفاق مع أرض الصومال أيضًا جزءًا من مساعي آبي أحمد لإعادة إنشاء "قوة بحرية" قادرة على تأمين المياه قبالة القرن الأفريقي، لكن هذا الطموح سيواجه مجموعة من التحديات، بحسب تقدير "ستراتفور".

فعند تنصيبه رئيسًا للوزراء في عام 2018، أوضح آبي أحمد سريعًا طموحه، ليس فقط في تنويع النفوذ البحري، بل أيضًا: إعادة إنشاء بحرية إثيوبية قادرة على تأمين المياه قبالة القرن الأفريقي، ويمثل الاتفاق مع أرض الصومال خطوة رئيسية في هذا الاتجاه.

 وسيمثل تفعيل الاتفاق نجاحًا سياسيًا كبيرًا لآبي أحمد، قد يضمن إعادة انتخابه في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في عام 2025، بحسب تقدير المركز الأمريكي، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هذا الطموح لايزال يواجه مجموعة من التحديات، منها أن الاتفاق الجديد مع أرض الصومال ليس ملزما قانونيًا.

ولتعزيز وصولها إلى خليج عدن، ستحتاج إثيوبيا إلى إبرام معاهدة مستقبلية، ملزمة قانونًا، مع أرض الصومال، من شأنها أن تتضمن وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التأجير، وتحديد مدى السهولة التي ستتمكن بها الوحدات العسكرية الإثيوبية من الوصول إلى ميناء بربرة، والاعتراف رسميًا باستقلال أرض الصومال.

صعوبات مالية

وإزاء ذلك، فإن الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال لايزال معرضا للفشل مع احتمال أن تكون المفاوضات بشأن الالتزامات المالية معقدة بسبب تخلف إثيوبيا الأخير عن سداد ديونها الخارجية.

كما أن الموقف المالي الصعب، الذي تواجهه إثيوبيا، من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد الجهود الرامية إلى بناء البنية التحتية اللازمة للموانئ لاستيعاب البحرية الإثيوبية الجديدة.

وما يزيد من تأخير طموح أديس أبابا في إعادة إنشاء قواتها البحرية هو حاجتها إلى تدريب البحارة والضباط، فضلاً عن شراء السفن البحرية.

وبحسب "ستراتفور" فإن إثيوبيا قد تكون قادرة على إنشاء قوة بحرية رمزية تتألف من عدد قليل من سفن الدورية على مدى السنوات القليلة المقبلة، لكن إعادة بناء قوة بحرية كاملة، قادرة على تحسين الأمن البحري حول مضيق باب المندب، سيستغرق عقودا.

وفي مارس/آذار 2018، وقع آبي أحمد اتفاقية دفاع مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تنص على دعم باريس لأديس أبابا في تطوير قوات بحرية، وذلك بعدما أعاد آبي أحمد تأسيس البحرية الإثيوبية بشكل رمزي في عام 2019.

وأعلنت إثيوبيا عن استحواذها على حصة 19% في ميناء بربرة في عام 2018، والتي خسرتها في النهاية بسبب فشلها في استيفاء الشروط المطلوبة لإكمال صفقة الملكية، ما يؤشر إلى إمكانية انهيار مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال لأسباب مالية، بحسب "ستراتفور".

ويشير المركز الأمريكي إلى أن الصومال أصدرت قانونًا، في 7 يناير/كانون الثاني الجاري، يلغي الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، ما قد يؤدي إلى تثبيط الاستثمارات في مشروع ميناء إثيوبيا من خلال تعريض الشركات لدعاوى قضائية من الحكومة الصومالية، ما يزيد من تعقيد جهود إثيوبيا لتطوير البنية التحتية الضرورية للميناء.

اقرأ أيضاً

وكالة: اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال قد يفجر المنطقة.. ما علاقة إسرائيل؟

المصدر | ستراتفور/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الصومال أرض الصومال إثيوبيا البحر الأحمر ميناء بربرة بین إثیوبیا وأرض الصومال إثیوبیا والصومال المرکز الأمریکی القرن الأفریقی مکافحة الإرهاب مع أرض الصومال أن الاتفاق أدیس أبابا قادرة على آبی أحمد رئیس ا إلى أن فی عام

إقرأ أيضاً:

الحركة الإسلاميّة التونسية في مهبّ القرن الجديد.. عن إسلام السلطة والجماعة

ليس في كتاب الصّحفي لطفي حجّي مدير مكتب قناة الجزيرة بتونس "إسلام السلطة وإسلام الجماعة" من جديدِ عادات أهل الصحافة من تجميع مقالات وترتيبها على شكل محاور وأبواب، لا على حسب ظهورها التاريخي في الدوريات والندوات، غيرُ ذاك التّماس الخطير بين ما هو سياسي وما هو فكري، وبين ما هو عقائدي وما يضغط به الواقع المتحوّل. ويُحسب للكاتب والكتاب أنّه شاهد ثبتٌ قيّمٌ على ما شهدته الساحة التونسيّة من بدايات القرن حتى سنة 2016 في أقرب إحالة زمنية.

لطفي حجّي هو خرّيج معهد الصحافة التونسيّة مؤلّف كتاب "بورقيبة والإسلام: الزعامة والإمامة" (2004) الذي وقعت ترجمته إلى الفرنسية سنة 2011 كما شارك في مؤلّف جماعي حول "بورقيبة: البصمة والأثر" مثلما ساهم في مؤلف جماعي حول مراجعات الإسلاميين سنة 2010 وفي تقارير حول حرية الإعلام وكان أحد مؤسسي هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات سنة 2005 التي أقامت أوّل منبر بتونس للحوار بين الإسلاميين والعلمانيين وبادر بصياغة نصوصها المرجعية حول المساواة بين الجنسين وحرية الضمير والمعتقد والعلاقة بين الدين والدولة التي تحوّلت إلى مبادئ دستور 2014 لتونس بعد الثورة.

الكتاب

يتضمّن مقدمة وستّة أبواب في تعدد أفهام الإسلام وعلاقة مقولة الشورى بالديمقراطية وما طرأ على فهم الجماعات للإسلام من مراجعات قبل ثورات الربيع العربي وبعدها. ثمّ يقارب ظاهرة التكفيريين ليضعنا أمام "تيه المسلم " اليوم بين النص والعقل/ التأويل والواقع لينتهي عند أفق تجديد الفهم الديني. الكتاب متوسّط الحجم يقع في 404 من الصفحات وهو يتدرّج منهجيا من تفكيك المقولات الكبرى للفكر الإسلامي إلى ما صدق عليها من وقائع في أسلوب صحفي دقيق العبارة حذر التأويل رصين الاستنتاج.



يأخذ الكتاب بمسألة حضارية غاية في الأهميّة، هي "محنة أمّة" يلخّصها الكاتب في قوله " مأزق فهم الإسلام في ديار الإسلام" كما ورد في المقدّمة. ومن هناك يفتح أبوابا ظلّت مواربة لم يُحسم فيها قول بلّ زادت تعقيدا مع ظهور الفهم الدموي للعقائد كأنّنا في زمن "حسن الصباح" والحشاشين.

الإسلام الواحد والأفهام المتعددة

يُفتح الباب الأوّل على المفارقة: الإسلام الواحد والأفهام المتعددة. بما يؤشّر على تأصّل الاختلاف المذهبي والعقائدي والسياسي وبدايات ظهور فكرة "الفرقة النّاجية" التي شرّعت للتقاتل والتناحر بتوظيف التأويل والفهم الحدّي للإسلام. ولكن هذه الحديّة لم تسلم منها السلطة السياسية المعاصرة ولا الجماعات الحاملة للفكرة الدينية. وكلاهما بشكل أو بآخر يوظّف الدين لصالحه ويفهمه على طريقته ويستعدي به الفهم الآخر. عند هذا الحدّ يطرح المؤلّف مسألة الحريّة باعتبارها الضامن الوحيد لتجنّب ما سماه "التضليل الفكري": "فالحرية الدينيّة ستسمح بتعايش التأويلات والاجتهادات دون أن يحتكر طرف ـ جماعة أو سلطة ـ حق تأويل الدين وتقنين التفكير حوله" ( ص31).

المراجعة الأهمّ هي الإقبال على محاورة العلمانيين بل للغنوشي اجتهاد في "علمانية الحكم في الإسلام" وأصبحت عنده مسألة الحرية مركزا في أطروحاته. وهذا ما قاد حركته إلى التخلّي عن نموذج "الدولة الدينيّة " إلى مدنيّتها ومساواة مواطنيها أمامها.ودون تجاوز المفارقة أعلاه يصبح من الضروري الإقرار بأنّ "الاصلاح ـ يقصد الاصلاح الديني ـ بات ضروريا مع ثورة المعلومات حتى لا يهمّش الدين"( ص38) وهو ما سمح للمؤلّف بتقرير مبدإ هو بمثابة الثابت في الفهم المقاصدي للإسلام وهو ربط مقاصد النّص بروح العصر متخيّرا أكثر من مثال قديم في هذا الباب ممّا أُبطل من حدود تحت ضغط الواقع ( ص39) وينغلق الباب على ما سمّاه ب"فقه الحريات ":" نحن في أمسّ الحاجة إلى فقه جديد قد نسميه فقه الحرية الذي يسمح للجميع بحرية التأويل والقراءة مع الاقرار بحق الاختلاف وحق التعايش"( ص48)

الديمقراطية والشورى

يتضمّن هذا الباب اختبارات فكرية لمقولات الليبرالية المعولمة في الدين والسياسة ومنها فقه الشورى ومؤسسات الديمقراطية، ومنها "الفريضة الغائبة" من الديمقراطية المغشوشة، ومنها فكرة المواطنة في ظلّ نظم تيوقراطية أو عسكرية ترى في مواطنيها رعايا، ومنها ما طرأ على الدول الوطنية من انحرافات نحو التسلّط والغنائمية في تعاملهم مع السلطة والدولة.

زمن المراجعات

هذا العنوان يجمع بابين وهما الثالث والرابع من الكتاب. ينطلق الكاتب من مقدّمة قائمة على خيارين وجدت الحركات الإسلامية نفسها أمامهما وهما: إمّا بناء خطاب بوعي نقدي من أجل رؤية تأليفية تذيب تناقضات الأمس أو أن تختار تيارا سواء رسميا أو معارضا( سنّي أموي أو خارجي أو غيرهما) واعتبار نفسها امتدادا له. ولقد اختارت الثّاني ف"ساهمت في تعقيد المعادلة بدل حلّها"(ص118). من هنا يعرض الكاتب التعبيرات الاجتماعية السياسية للإسلام السياسي في علاقتها بالنّص:

1 ـ جماعة الإخوان المسلمين: هم ورثة خطاب الاصلاح والتيار السلفي في النهضة العربية وهم أهل السنّة والجماعة التي لا ترى من جماعة خارجها إلا زيغا عن الفهم السليم للإسلام ولهذا " ضيّقوا حدود النّص ونظروا اليه من زاوية واحدة اعتبروها هي الزاوية الصحيحة ونتائجها قطعية "( ص125). ورغم تعدد التنظيمات الموازية لرابطة جماعة الاخوان فإنّها جميعها كانت تعيش غياب وعي تاريخي يلغي دفعة واحدة ما بعد الخلافة الراشدة.

2 ـ حزب التحرير: ويمكن تلخيص الرأي فيه في قول الكاتب:" لقد زاوج حزب التحرير بين عنف الخطاب ـ التكفير ـ وخطاب العنف ـ اجبار الخليفة النّاس ـ فجاء خطابه كُليانيا لا يرى الحقّ إلا في ما يفرضه الخليفة باسم الأمّة والشرع ولا يرى في الآخر دورا إلاّ دفع الجزية فألغى بذلك حق الاختلاف والتعدد وغابت الحرية عن خطابه"( ص130)

3 ـ الاتجاه الإسلامي بتونس: يمكن اختزال أمره في ملاحظتين: أولهما أنّ مساره لم يكن في بدايته تصاعديا بل كان متأرجحا بحسب تكوين قياداته الأولى لهذا جاء متوترا متضاربا أحيانا. وثانيهما أنّ البعد السياسي واتساع النزعة البراقماتية قد تضخّمتا في غير انسجام مع تكوين قواعده.

باختصار ظلّت هذه التعبيرات من الإسلام السياسي تبحث عن وحدة الأمّة وهي لم تحقق وحدتها الداخلية. يقول الكاتب :" لقد آن الأوان للحركة الإسلامية أن تعي أنّ الوحدة الحقيقية لا تعني توحيد العقول وصهرها ضمن أنساق مغلقة"(ص 134).

يخصص الكاتب ثلاثة مقالات ترصد مراجعات حركة النهضة منذ تأسيسها حتى ما بعد الثورة التونسية: ففي مراحل التأسيس والجدّ في العلنية الحزبية مالت الحركة إلى تقريب المفاهيم الليبرالية من مفاهيم التراث ( شورى/ديمقراطية، حكم شرعي/حكومة مدنية، الرعية المسؤولة/ المواطنة...) غير أنّ صدامها مع النظام جعلها تتراجع عن الحلم السياسي إلى ما سمّته ب"فقه الواقع" حتى أنّها أصبحت تنظر إلى مختلف تجارب الحركات الإسلامية بمدى التزامها بالديمقراطية وضمان الحقوق وانجاز الرفاه الاجتماعي.

المراجعة الأهمّ هي الإقبال على محاورة العلمانيين بل للغنوشي اجتهاد في "علمانية الحكم في الإسلام" وأصبحت عنده مسألة الحرية مركزا في أطروحاته. وهذا ما قاد حركته إلى التخلّي عن نموذج "الدولة الدينيّة " إلى مدنيّتها ومساواة مواطنيها أمامها.

آخر المراجعات تمّت بعد الثورة وكتابة دستور مدني توافقي يضمن الحرية الفردية وحرية المعتقد والضمير ومدنية الدولة فقطعت الحركة مع الإسلام السياسي وذلك في مؤتمرها العاشر في ماي سنة 2016 ب"فصل الدعوي عن السياسي" وبلورة ما سمّي بـ"الإسلام الديمقراطي". وقد ظهر هذا أكثر في دستور 2014 وما أثير حوله من شبهة "أسلمة الدستور" وخاصة ما أثاره فصله الأوّل حول: دين الدولة أم دولة دينية؟ وعلاقته بالشريعة مصدرا للتشريع.

أمّا الباب الرابع فقد خصّصه السيد لطفي حجّي لظاهرة التكفيريين الجهاديين ودوّامة العنف التي أغرقت ثورات الربيع العربي وساهمت في تشويه صورة الإسلام وما استتبع هذا من علاقة بفضاء المسجد باعتباره فضاء عاما. لكن الطريف في هذه المقاربة ليس ما قيل فيها من نزوعها إلى تهديم أسس الدولة بل ما أشار إليه الكاتب في مقابل هذا ممّا سمّاه ب" التكفير باسم الحداثة " كما مثّله السلفية البورقيبيّة أو غيرها من الدوغمائية  الايديولوجية.

في الحاجة إلى إعادة التأسيس

يخصّص الكاتب بابيه الأخيرين لجدل الفكر والواقع تناسبا مع اعتقاده في الفكر المقاصدي وذلك بتحقيق نوع من المزاوجة المُخصبة بين المنجز المدني الإنساني والعقلاني في الحقوق والحريات مع النّص المقدّس في تخريجة طريفة استعارها الكاتب من المفكّر محمّد الطالبي وسمّاها "القراءة السهمية للقرآن"( ص362) وهي تقوم على استعادة روح القرآن وتنسيب اطلاقية كل القراءات. ويرفد لطفي حجّي هذه الفكرة بمشروع المفكّر المغربي محمد عابر الجابري في نقد العقل العربي تكوينا وبنية وخطابا، في دعوة صريحة إلى إعادة التأسيس.

نعتقد أنّ ما طرحه لطفي حجّي من فكرة أو ظلال فكرة نظرا لطبيعة المقالة الصحفيّة من نزعة للتلخيص والاختزال حريّ بالتوقّف عند ثلاث أفكار مهمّة:

آخر المراجعات تمّت بعد الثورة وكتابة دستور مدني توافقي يضمن الحرية الفردية وحرية المعتقد والضمير ومدنية الدولة فقطعت الحركة مع الإسلام السياسي وذلك في مؤتمرها العاشر في ماي سنة 2016 ب"فصل الدعوي عن السياسي" وبلورة ما سمّي بـ"الإسلام الديمقراطي".أوّلهما هي المسألة العلمانية والمشتركات الوطنية التي بدت لي أنّها هاجس من هواجس الكاتب تكاد تحضر بشكل أو بآخر في أغلب المقالات. فعلمنة الحياة السياسية ـ أمّا الفكرية فهي واقع لا محالة ـ قد ولدت مشوّهة عرجاء لكونها مستنسخة عن دولة الإدارة الاستعمارية. هذا ما لم يصرّح به الكاتب وإنما قصد إلى مظاهرها واستتباعاتها وتأثيرها في إذكاء الصراع الذي حكم البلد وأدخلها في شدّ وجذب ومغالبة بين محافظين لم يطوّروا من أطروحاتهم وحداثيين اختطفوا الدولة الوطنيّة ليحاربوا بها ظاهرة الإسلام السياسي. هذا الصراع في تونس أخذ مسميات متعددة على مدى تاريخها الحديث( تغريبيون/ أصوليون، علمانيون/ متدينون، تنويريون/ ظلاميون، حداثيون/ محافظون) ولن يهدأ هذا التوتر إلا بالالتقاء حول المشتركات الوطنيّة التي لا تتحقّق إلا بشرط قيام "علمانيّة غير متطرّفة".

الفكرة الثانية الحَريّة بالتوقّف هي الخطاب الديني المعاصر الذي بدا من وجهة نظر الكاتب "غريبا كصالح في ثمود". وإن بدا لنا السبب في هذا من جهتنا عائد إلى كونه خطابا توفيقيا أقرب إلى "الحيلة الذهنية العارضة" لفكرة الوسطية التي لا تكاد تحسم في شيء، فإنّ ما يطرحه الكاتب من حلول به وعليه يضيع في ظلّ التوتّر العظيم بين أمزجة أهل السياسة في بلد تابعٍ ومتخلّف فكريا وحضاريا.

إنّ كتاب "إسلام السلطة وإسلام الجماعة" للصحفي لطفي حجّي ـ وهذه ثالثة الأثافي ـ يضعنا داخل سياق تحوّلات القرن الواحد والعشرين رصدا ومقاربة ونقدا ليكون ورقة عمل مهمّة تثير الإشكاليات الكبرى وتطرح الأسئلة الحارقة تقوم على رأسها مسألة الحريّة التي لا يمكن أن تقوم نهضة إلاّ في ظلّها ولا يمكن حلّ التناقضات إلاّ بضمان حقّ الاختلاف بواسطتها. ولأنّ أنظمة الدول الوطنيّة ما بعد الاستقلال على امتداد الخريطة العربيّة قد تحوّلت إلى أنظمة مغلقة خائفة فإنّها ـ وبلا استثناء ـ قد شهدت تاريخا من القمع والملاحقة لكلّ مخالف سواء في ذلك الأنظمة المغلفة بالدين أو المستندة على الفكرة القومية ملوكا ورؤساء وقادة انقلابات. لهذا سيظلّ مطلب الحرية هو أهمّ أشواق الشعوب العربيّة.

مقالات مشابهة

  • تعرّف إلى أول ختم مخترة في عمان - صور
  • القوات الإثيوبية تبدأ في تحصيل الضرائب من سكان منطقة جيدو الصومالية
  • وزير الخارجية الصومالي يدين تصرفات إثيوبيا وتدخلاتها السافرة
  • الحركة الإسلاميّة التونسية في مهبّ القرن الجديد.. عن إسلام السلطة والجماعة
  • مدير مكتبة الإسكندرية: صراعات المنطقة العربية دعمت الهجرة الخارجية
  • البحث عن الأمان: معاناة اللاجئين السودانيين في غابات الأولالا الإثيوبية
  • الرئيس السيسي: طالبنا إثيوبيا بالانخراط بحسن نية للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم
  • أحمد حسن: اختياري سفيرًا للاتحاد الأفريقي لأنني بعيد بأرقامي عن الجميع
  • رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس أذربيجان ورئيسة إثيوبيا بذكرى اليوم الوطني
  • نهاية الليبرالية الجديدة