أفلام الإبادة الجماعية.. 5 أعمال رصدت لحظات العار في تاريخ الإنسانية
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
قدمت السينما العالمية عددا كبيرا من الأفلام التي تناولت جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الإنساني، بعضها درامي، استطاع أن يصور الخراب والدمار الذي خلفته وحشية القتلة إلى حد كبير، وبعضها الآخر وثائقي، حمل شهادات من الناجين، وأخرى من القتلة.
من رواندا إلى كمبوديا، ومن إندونيسيا إلى البوسنة الهرسك وصبرا وشاتيلا، لا تتوقف عدسة السينما عن تسجيل شهاداتها.
يصور فيلم "حقول القتل" (The Killing Fields) الذي صدر في عام 1984، جرائم الإبادة التي ارتكبها نظام "الخمير الحمر" في كمبوديا خلال السبعينيات، وذلك من خلال قصة صحفي كمبودي وزميله الأميركي أثناء تنقلهما وسط أهوال الإبادة الجماعية ومعسكرات العمل القسري التي أقامها النظام.
وحكم "الخمير الحمر" كمبوديا تحت قيادة بول بوت في الفترة من 1975 إلى 1979، وأدت محاولاتهم لتكوين وبناء نظام اجتماعي جديد إلى مقتل نحو مليوني شخص في دول جنوب شرق آسيا، ماتوا إما بسبب القتل أو الجوع والمرض أو العمل الزائد. وأطلق على تلك المرحلة اسم "الإبادة الجماعية الكمبودية"، حيث تراوح عدد الضحايا بين 1.5 مليون و3 ملايين قتيل.
تدور أحداث فيلم "حقول القتل" حول قصة حقيقية للصحفي الأميركي سيدني شانبيرغ الذي كان يغطي الحرب الأهلية في كمبوديا، وقام مع الصحفي الكمبودي ديث بران بتغطية بعض مآسي وجنون الحرب.
وعندما غادرت القوات الأميركية، أرسل ديث بران عائلته إلى أميركا، وبقي لمساعدة شانبيرغ في تغطية الحدث. بصفته أميركيا، وحين جاء وقت المغادرة لم يواجه الصحفي الأميركي أي مشكلة في مغادرة البلاد، لكن الوضع مختلف بالنسبة لبران.
تم القبض على بران من قبل الشيوعيين وإرساله إلى معسكر العمل، حيث يقوم الخمير الحمر بإعدام أي شخص يشكون في أنه دخل منظومة تعليمية رسمية على الفور، لذلك تظاهر بران بالجهل وأخفي هويته الحقيقية. ونجح في الهروب لاحقًا وشق طريقه سيرًا على الأقدام عبر حقول القتل إلى معسكر للصليب الأحمر، حيث التقى في النهاية مع شانبيرغ بعد عودته إلى الولايات المتحدة.
حصل شانبيرغ، الذي كان مراسلا لصحيفة "نيويورك تايمز"، على جائزة "بوليتزر" المرموقة عن تغطيته للحرب في كمبوديا، لكن الزميل والصديق الذي جعل الأمر ممكنًا كان حبيسا في كمبوديا وحياته في خطر كبير.
"حقول القتل" من بطولة سام ووترستون في دور الصحفي الأميركي سيدني شانبيرغ، وهاينغ نغور في دور الصحفي الكمبودي ديث بران. لم يكن نغور، وهو نفسه أحد الناجين من الإبادة الجماعية، ممثلاً مدربًا بشكل احترافي، لكنه أصبح أول ممثل آسيوي يفوز بجائزة أفضل ممثل مساعد وثاني ممثل آسيوي يفوز بجائزة الأوسكار.
أما فيلم "فندق رواندا" (Hotel Rwanda) للمخرج تيري جورج، فيستند بدوره إلى أحداث حقيقية في تصويره للإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. وتدور أحداث الفيلم حول الحرب الأهلية التي جرت في التسعينيات بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في رواندا، وينقل حال العائلات، ومنها عائلة بول روسيسباغينا، وهو مواطن ينتمي إلى الهوتو وهو متزوج من مواطنة تنتمي إلى التوتسي، أما عمله، فهو إدارة أحد الفنادق، الذي يصبح ملجأ لأسرته وأقربائه والمقيمين في حيه.
يعمل بول جاهدا على أن لا يتضرر أحدا من المقيمين في الفندق، ويحاول أن يوصلهم إلى مكان آمن خارج البلاد من خلال أحد الأميركيين دون أن يكشفه رجال الهوتو الذين لن يرحموا أحدا منهم. كان بول يبحث في أثناء ذلك عن أبناء شقيقه المفقودين عن طريق ممرضة أجنبية تعالج الجرحى والمتضررين من المجازر.
وتكمن القيمة الحقيقية لفيلم "فندق رواندا" الذي صدر في عام 2004، في تصويره الجذور الحقيقية للإبادة الجماعية في المجتمع الرواندي، كما صور تأثير الجرائم الوحشية على بطل العمل، ولعل أكثر المشاهد تأثيرا هو ذلك الذي يعود فيه البطل من الخارج إلى الفندق بعد أن شاهد آثار الجرائم، لينهار فجأة بعدما أدرك أن الجثث الملقاة في الشوارع لا تجد من يشعر بآلامها.
ويكشف الفيلم بجرأة عن عبثية التدخلات الغربية وغرابتها، والصمت الذي وصل إلى حد التواطؤ على ذبح ما يقرب من مليون إنسان في واحدة من أقوى أمثلة التطهير العرقي التي شهدها التاريخ الحديث، ويواجه بطل العمل "بول" قائد القوات الكندية في رواندا، ويعبر له عن رفضه للأوامر التي تلقاها بعدم التدخل في الصراع الدائر بين التوتسي والهوتو.
بالتزامن مع عرض الفيلم، نشر كتاب حرره المخرج تيري جورج، ويحتوي على مقالات عن تاريخ الإبادة الجماعية، والسيناريو الكامل الذي كتبه كير بيرسون مع تيري جورج، وأكثر من 70 صورة فوتوغرافية لآثار الإبادة الجماعية في رواندا.
فيلم "قانون القتل" (The Act of Killing)ولعل الفارق الكبير بين النوعين الوثائقي والدرامي هي تلك القسوة الطبيعية التي تنتقل من القصص الواقعية للإبادة الجماعية في الأفلام الوثائقية مثل "قانون القتل" (The Act of Killing) للمخرج جوشوا أوبنهايمر الصادر في عام 2012.
يغوص الفيلم عميقا في عمليات القتل الجماعي في إندونيسيا خلال الفترة من 1965 إلى 1966، حيث استهدفت فرق الموت التي أقرتها الحكومة الشيوعيين المشتبه بهم والإندونيسيين من أصل صيني. ويرصد الفيلم قادة القوات شبه العسكرية السابقين وهم يعيدون تمثيل جرائمهم، ويقدمون رؤى مروعة حول عقلية الجناة.
والغريب أن مشروع الفيلم بدأ بالتركيز على عائلات الضحايا، لكن تم القبض على العديد منهم، بينما كان جوشوا أوبنهايمر يجري المقابلات معهم. وفي تلك العملية بدأ بمقابلة الجلادين، لذلك قرر تركيز القصة عليهم.
وعبر ذلك التحول، قدم الفيلم عددا من القتلة الجماعيين، الذين يمكن أن يكونوا نجوم سينما. وقد انتهزوا الفرصة التي قدمها لهم صانع هذا الفيلم الوثائقي، ليصنعوا فيلمهم الخاص، وهو سرد للسنوات التي قضوها في تنفيذ حملة تطهير أودت بحياة أكثر من مليون شخص في الفترة من 1965 إلى 1966.
في الفيلم، ينظر أنور كونغو إلى صورة بالأبيض والأسود لشاب يبدو وكأنه مزيج أنيق من أشهر نجوم هوليود، ويقول "هذا أنا، أرتدي قميصًا منقوشًا مموهًا"، وينصح مصور الفيلم بعدم ارتداء ملابسه بهذه الطريقة، ويضيف "ارتديت الجينز من أجل القتل، لكي أبدو بمظهر رائع، قمت بتقليد نجوم السينما".
فيلم "سربرنيتسا: صرخة من القبر" (Srebrenica: A Cry from the Grave)يقدم الفيلم الوثائقي "سربرنيتسا: صرخة من القبر" (Srebrenica: A Cry from the Grave) للمخرج ليزلي وودهيد الصادر في عام 1999، تحقيقا شاملاً حول مذبحة سربرنيتسا خلال الحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة في عام 1995. ويتضمن شهادات من الناجين والشهود والمسؤولين الدوليين، ويسلط الضوء على الأحداث التي سبقت الإبادة الجماعية وتداعياتها.
يقدم العمل رواية تفصيلية للمذبحة التي راح ضحيتها ما يقدر بنحو 7 آلاف مسلم في يوليو/تموز 1995، في "الجيب الآمن" للبوسنيين في سربرنيتسا. ولا تعتمد الرواية على شهادة شهود العيان، بل على بعض اللقطات المدهشة، وتسجيلات الفيديو من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك مراسل بريطاني والجيش الهولندي وحتى أطقم التصوير الصربية، جميعها تم التعامل كما لو كانت لعبة "بازل" لإعادة لصق سجل ممزق.
فيلم "فالس مع بشير" (Waltz with Bashir)أثار فيلم "فالس مع بشير" (Waltz with Bashir) الكثير من الجدل في إسرائيل التي شاركت في إنتاجه، وفي الصحافة العربية، إذ يقدم اعترافا جزئيا بمسؤولية الجيش الإسرائيلي عن مذبحة صابرا وشاتيلا.
ويعد مخرج العمل آري فولمان أحد الذين شاركوا في الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ويبدأ الفيلم بقصة كوابيس تهاجم أحد زملائه في الكتيبة لقتله 26 كلبا بغية إسكاتها أثناء اقتحام القوات الإسرائيلية إحدى القرى اللبنانية، ثم تبدأ محاولة البحث لتذكر دوره في تلك الحرب.
ويقدم فولمان مفارقة ثلاثية تتمثل في حالة من الندم، واللوم لقيادات الجيش الإسرائيلي على قتل نحو 3500 فلسطيني، لكنه في الوقت نفسه يحاول إشراك طرف آخر في المسؤولية، ويصدر الفيلم بمعاناة زميله من كوابيس لاضطراره لقتل 26 كلبا ضالا.
حصل "فالس مع بشير" على 19 جائزة أهمها "غولدن غلوب" لأفضل فيلم أجنبي، و24 ترشيحا أهمها السعفة الذهبية في دورة مهرجان "كان"، وأفضل فيلم أجنبي فى دورة "أوسكار" 2009، وجائزتا أفضل فيلم تحريك وأفضل فيلم أجنبي في دورة "بافتا" 2008.
وعلى العكس من الفيلم السابق، حاول المخرجون الثلاثة لفيلم "مذبحة" (Massacre) الإجابة عن سؤال حول الأسباب التي دفعت القتلة لاقتراف جريمة الإبادة الجماعية، لكن بدلا من ذلك تحول السؤال إلى أسئلة لا حصر لها.
وفيلم "مذبحة" (Massacre) هو وثائقي من إخراج مونيكا بورغمان ولقمان سليم وهيرمان تيسن، صدر في عام 2005، وحصل على العديد من الجوائز، في مهرجان برلين السينمائي الدولي عام 2005، وفي مهرجان مرسيليا الدولي للسينما. تم تنفيذ الفيلم عبر الحصول على شهادات 6 من رجال مليشيا الكتائب اللبنانية الذين شاركوا في مجزرة صبرا وشاتيلا.
وقد اعترفت المخرجة مونيكا بيرغمان -في تصريحات صحفية- بصعوبة الأمر قائلة، "لقد راودتني كوابيس كثيرة في نومي وقد شعرت أني لا أستطيع احتمال عبء استكمال العمل بعد ترجمة لقاء دام 40 دقيقة حول لقطة عنف فظيعة جدا، إذ تعلقت اللقطة بوصف مفصل حول عملية القتل بالسكين".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة الجماعیة فی فی کمبودیا فی رواندا فی عام
إقرأ أيضاً:
300 كاتب بالفرنسية بينهم فائزان بنوبل يدينون الإبادة الجماعية ويدعون لعقوبات على إسرائيل
دان نحو 300 كاتب بالفرنسية، في مقال نشر يوم الثلاثاء، ما وصفوه ب"الإبادة الجماعية" للسكان في غزة، من بينهم اثنان من الحائزين على جائزة نوبل للأدب، هما آني إرنو وجان ماري غوستاف لوكليزيو. وقد دعوا إلى "وقف فوري لإطلاق النار".
وكتب هؤلاء في المقال الذي نشرته صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية: "تماما كما كان من الملح وصف الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يتعين علينا اليوم أن نصف ما يحدث بأنه (إبادة جماعية)". وهو المصطلح الذي يحمل تبعات قانونية وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948.
"لم نعد نستطيع الاكتفاء بكلمة (رعب)؛ اليوم يجب أن نسمي ما يحدث في غزة إبادة جماعية"
وأضافوا: "أكثر من أي وقت مضى، نطالب بفرض عقوبات على دولة إسرائيل، ونطالب بوقفٍ فوري لإطلاق النار، يضمن الأمن والعدالة للفلسطينيين، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وآلاف السجناء الفلسطينيين المعتقلين تعسفياً في السجون الإسرائيلية، ويضع نهاية فورية لهذه الإبادة الجماعية".
يذكر أن آني إرنو، الحائزة على جائزة نوبل للأدب عام 2022، تقديرا لـ "شجاعتها وبراعتها السريرية في كشف الجذور والاغتراب والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية"، معروفة بمواقفها السياسية الداعمة لحرية فلسطين. كما أن جان ماري غوستاف لوكليزيو، الحائز على الجائزة نفسها عام 2008، له تاريخ طويل في الدفاع عن حقوق الإنسان، وتعرف أعماله بالتركيز على موضوعات مثل الهجرة، والهوية الثقافية، والتفاعل بين الحضارات.
إعلانومن بين الموقعين على المقال كتاب فازوا مؤخرا بجائزة غونكور الأدبية المرموقة، مثل إيرفيه لو تيلييه، وجيروم فيراري، ولوران غوديه، وبريجيت جيرو، وليلى سليماني، وليدي سالفير، والأديب من أصل سنغالي محمد مبوغار سار، ونيكولا ماتيو، وإيريك فويار.
وإيرفيه لو تيلييه، المولود في باريس عام 1957، هو كاتب ولغوي وعضو في مجموعة "أوليبو" الأدبية، وقد فاز بجائزة غونكور عام 2020 عن روايته "لانومالي"، التي حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة في فرنسا. أما جيروم فيراري، المولود عام 1968، فهو كاتب ومترجم فرنسي حاز على جائزة غونكور عام 2012 عن روايته "موعظة عن سقوط روما". بينما لوران غوديه، المولود عام 1972، فهو روائي وكاتب مسرحي فاز بجائزة غونكور عام 2004 عن روايته "شمس آل سكورتا"، بعد أن حصل على جائزة غونكور للثانويات عام 2002 عن روايته "موت الملك تسونغور".
وتتزايد الاتهامات ضد إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة من قبل الأمم المتحدة، ومجموعات حقوق الإنسان، والعديد من البلدان، لكن هذا المصطلح، الذي ترفضه إسرائيل بشدة، يثير انقساما بين مراقبي هذه الحرب.
وشدد موقعو المقال على أن هذا الوصف "ليس شعارا"، رافضين "إبداء تعاطف عام غير مجد، من دون توصيف ماهية هذا الرعب".
وأشار الموقعون إلى أن تصريحات علنية لوزراء إسرائيليين، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، تعبر عن نوايا إبادة، مؤكدين أن استخدام مصطلح "إبادة جماعية" لم يعد موضع جدل بين خبراء القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
كما شدد البيان على أن مسؤولية جماعية تقع على عاتق المثقفين، داعيا إلى اتخاذ موقف واضح ضد ما وصفوه ب"جريمة العصر".
إعلانوأثار البيان جدلا واسعا في الأوساط الثقافية والسياسية الفرنسية. وفي حين رحب به العديد من المثقفين والناشطين الحقوقيين، اعتبره آخرون موقفا "متحيزا" أو "مسيسا"، خاصة في ظل حساسية استخدام مصطلح "إبادة جماعية" وما يترتب عليه من تبعات قانونية وأخلاقية.
من جهة أخرى، انضم أكثر من 380 كاتبا وفنانا عالميا، بينهم زادي سميث، وإيان ماك إيوان، وإليف شافاق، إلى بيان مماثل نشر في صحيفة الغارديان، وصفوا فيه ما يحدث في غزة ب"الإبادة الجماعية"، مطالبين بوقف فوري لإطلاق النار، وتقديم مساعدات إنسانية غير مشروطة.