واشنطن   -(د ب أ)-   شهدت الشهور القليلة الماضية مؤشرات عديدة على دخول العلاقات التركية الروسية مرحلة جديدة من التذبذب بعد فترة من التقارب الشديد في بدايات الحرب الروسية ضد أوكرانيا وقبلها. ومنذ فوزه بفترة حكم ثانية بصعوبة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أيار/مايو الماضي يميل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التركيز على تعزيز علاقات بلاده مع الغرب.

في المقابل تعاملت موسكو بهدوء مع موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو”، ونقل تركيا لخمسة قادة أوكرانيين كانت روسيا قد أسرتهم وسلمتهم لأنقرة إلى كييف، ثم تصريحات أردوغان المؤيدة لانضمام أوكرانيا إلى الناتو رغم أن هذه العضوية خط أحمر بالنسبة لروسيا. ويقول المحلل والكاتب الروسي رسلان سليمانوف المتخصص في قضايا الشرق الأوسط في تحليل نشره موقع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن موسكو حاليا ليست في موقف يتيح لها السماح بتدهور علاقاتها مع أنقرة، كما أنه من المهم بالنسبة للأخيرة تجنب هذا التدهور حتى تواصل الاستفادة من لعب دور الوسيط بين روسيا والغرب.  في الوقت نفسه فإن تحول أدروغان نحو الغرب يرجع إلى عوامل داخلية في مقدمتها  أزمة اقتصادية حادة  تفرض الحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية التي لا يمكن الحصول عليها إلا من الغرب. ويمكن القول إن تركيا الآن وبعد الانتخابات أصبحت تواجه الواقع. فالليرة التركية تواصل تراجعها السريع أمام الدولار لتفقد حوالي 30% من قيمتها خلال شهر واحد بعد الانتخابات الرئاسية. كما ارتفعت أسعار المستهلك في حزيران/يونيو الماضي بنسبة 38% عن الشهر نفسه من العام الماضي.  ويقول سليمانوف كبير مراسلي وكالة تاس الروسية للأنباء في الشرق الأوسط ومدير مكتبها في القاهرة سابقا إن أردوغان يدرك أن إجراءاته الداخلية لن تكفي لتحقيق استقرار شامل للاقتصاد التركي الذي يعتمد بشدة على الاستثمارات الأجنبية. وتركيا في أمس الحاجة لتدفق الأموال الأجنبية، كما أن أكبر المستثمرين في تركيا مازالوا من الدول الغربية وبخاصة هولندا والولايات المتحدة وبريطانيا والتي تمثل معا حوالي 30% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في تركيا. في الوقت نفسه فإن جزءا كبيرا من الصادرات التركية تتجه إلى الغرب. ورغم النمو القياسي لحركة التجارة مع موسكو، مازالت روسيا تمثل 7ر3% من إجمالي صادرات تركيا.  في ظل هذه الظروف أدرك أردوغان حاجته للتوجه نحو الغرب من أجل استقرار اقتصاد بلاده. في الوقت نفسه فإن قطع العلاقات مع روسيا التي أصبحت في العام الماضي أكبر دولة مستوردة من تركيا ليس خيارا. وإلى جانب المشكلات الاقتصادية، يجب أن يتعامل أردوغان مع الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في آذار/مارس من العام المقبل. ولكي يستعيد السيطرة على المدن الرئيسية مثل أنقرة واسطنبول من المعارضة، على  أردوغان جذب أصوات الناخبين المؤيدين للغرب من سكان المناطق الحضرية إلى صفه. وبعد انتخابات الرئاسة أعاد أردوغان فتح ملف انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، بل وطالب بفتح  الطريق أمام هذه العضوية مقابل موافقة أنقرة على انضمام السويد إلى حلف الناتو.  والحقيقة أن موافقة تركيا على انضمام السويد للناتو لم تكن مفاجأة كبيرة بالنسبة للكرملين، كما أكد المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف الذي قال “تركيا ملتزمة بتعهداتها. هذا لم يكن سرا بالنسبة لنا، لم ننظر إلى الأمر أبدا من  نظارة وردية”. وربما التصرف الأشد إيلاما بالنسبة لموسكو كان تسليم تركيا للقادة الأوكرانيين الخمسة لبلادهم على هامش زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الأخيرة لاسطنبول. كانت روسيا قد أسرت قادة كتيبة أزوف الأوكرانية الخمسة ثم نقلتهم إلى تركيا مع تأكيدات بعدم إعادتهم إلى أوكرانيا قبل انتهاء الحرب. ويرى الكرملين أن التصرف التركي “انتهاء للاتفاق القائم”. ولكن أدروغان يقول إن “روسيا ستغضب في البداية لكنها ستنظر إلى الموقف بشكل إيجابي عندما تعرف بعض التفاصيل”.  وبالتحول نحو الغرب يختبر الرئيس التركي بشكل جوهري الخطوط الحمراء الجديدة لموسكو، و مدى استعداد روسيا للرد على أي موقف تركي في الوقت الذي تتصدى فيه لهجوم أوكراني مضاد وتسعى للتعافي من تداعيات تمرد مجموعة فاجنر المسلحة؟ ويرى سليمانوف أن تسليم قادة أزوف الأوكرانيين لبلادهم يبدو أنه كان محاولة تركية للضغط على روسيا لتجديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية الذي انتهي أجله يوم 17 تموز/يوليو الحالي. فهذا الاتفاق الذي تم بواسطة تركية يسمح بخروج السفن التي تحمل الحبوب الأوكرانية من ميناء أوديسا في أوكرانيا دون أي تهديد روسي. ورغم رفض القيادة الروسية تمديد الاتفاق، فإنه في ضوء التحولات التي تمر بها العلاقات الروسية التركية، قد تتوصل الدولتان إلى اتفاق بديل.  ففي أزمتي توسيع حلف الناتو وتسليم القادة الأوكرانيين لدولتهم، أظهر رد الفعل الحذر أن روسيا حاليا ليست في موقف يسمح لها بتصعيد التوترات مع تركيا التي تبقى الوسيط الوحيد الحقيقي بين موسكو وكل من كييف والغرب، إلى جانب أنها واحدة من الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لها. من ناحيته لا ينسى أردوغان الدعم الذي حصل عليه من موسكو أثناء حملته الانتخابية حيث وافقت على سبيل المثال على تأجيل مدفوعات بقيمة 20 مليار دولار مستحقة على أنقرة مقابل مشترياتها من الغاز الروسي. كما لا ينسى العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين، وكذلك قدرته على ممارسة الضغوط على شركائه في حلف الأطلسي بمساعدة روسيا. الخلاصة أن كلتا الدولتين تدركان أهمية تجنب أي تصعيد في التوتر بينهما وضرورة إبقاء أي خلافات تحت السيطرة.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: فی الوقت

إقرأ أيضاً:

الخطوط الحمراء تتعارض.. إيران تناور أميركا بخطة بديلة "هشة"

ذكرت 3 مصادر إيرانية، الثلاثاء، أن القيادة الإيرانية تفتقر إلى خطة بديلة واضحة لتطبيقها في حال انهيار الجهود الرامية إلى حل النزاع النووي المستمر منذ عقود، وذلك في ظل تعثر المحادثات بين واشنطن وطهران جراء التوتر المتصاعد بين الطرفين بشأن تخصيب اليورانيوم.

وقالت المصادر إن إيران قد تلجأ إلى الصين وروسيا "كخطة بديلة" في حال استمرار التعثر، لكن في ظل الحرب التجارية بين بكين وواشنطن وانشغال موسكو بحربها في أوكرانيا، تبدو خطة طهران البديلة هشة.

وقال مسؤول إيراني كبير: "الخطة البديلة هي مواصلة الاستراتيجية قبل بدء المحادثات. ستتجنب إيران تصعيد التوتر، وهي مستعدة للدفاع عن نفسها تشمل الاستراتيجية أيضا تعزيز العلاقات مع الحلفاء مثل روسيا والصين".

ونقلت وسائل إعلام رسمية عن المرشد الإيراني علي خامنئي قوله في وقت سابق، الثلاثاء، إن مطالب الولايات المتحدة بامتناع طهران عن تخصيب اليورانيوم "زائدة عن الحد ومهينة"، معبرا عن شكوكه فيما إذا كانت المحادثات النووية ستفضي إلى اتفاق.

وبعد 4 جولات من المحادثات التي تهدف إلى كبح البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات، لا تزال هناك العديد من العقبات التي تعترض طريق المحادثات.

وقال اثنان من المسؤولين الإيرانيين ودبلوماسي أوروبي إن طهران ترفض شحن كل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج أو الدخول في مناقشات بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية.

كما أن انعدام الثقة من كلا الجانبين وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاق عام 2015 مع القوى العالمية قد زاد من أهمية حصول إيران على ضمانات بأن واشنطن لن تتراجع عن اتفاق مستقبلي.

ومما يضاعف من التحديات التي تواجهها طهران، معاناة المؤسسة الدينية في إيران من أزمات متصاعدة - ومنها نقص الطاقة والمياه، وتراجع العملة، والخسائر العسكرية بين حلفائها الإقليميين، والمخاوف المتزايدة من هجوم إسرائيلي على مواقعها النووية – وكلها تفاقمت بسبب سياسات ترامب المتشددة.

وقالت المصادر إنه مع سياسة ترامب لحملة "أقصى الضغوط" على طهران منذ فبراير، بما في ذلك تشديد العقوبات والتهديدات العسكرية، فإن القيادة الإيرانية "ليس لديها خيار أفضل" من اتفاق جديد لتجنب الفوضى الاقتصادية في الداخل التي قد تهدد حكمها.

وقد كشفت الاحتجاجات التي اندلعت بالبلاد بسبب مظاهر قمع اجتماعي ومصاعب اقتصادية في السنوات الأخيرة، والتي قوبلت بحملات قمع قاسية، عن ضعف طهران أمام الغضب الشعبي وأدت إلى فرض مجموعات من العقوبات الغربية في مجال حقوق الإنسان.

وقال المسؤول الثاني الذي طلب أيضا عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية القضية "من دون رفع العقوبات لتمكين مبيعات النفط الحرة والوصول إلى الأموال، لا يمكن للاقتصاد الإيراني أن يتعافى".

مقالات مشابهة

  • الخطوط الحمراء تتعارض.. إيران تناور أميركا بخطة بديلة "هشة"
  • البرهان بتلقي دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمشاركة في القمة الروسية العربية
  • «الدولة العاقلة لا تقتل الأطفال».. هل تجاوز يائير جولان الخطوط الحمراء في إسرائيل؟
  • اعتقالات جماعية تهز إسطنبول.. ما الذي يحدث في البلدية؟
  • أردوغان يُبشّر بنصّ يليق بقرن تركيا
  • دبلوماسي فرنسي: لهذا يجب علينا أن نقترب من تركيا أردوغان
  • عبدالعزيز الحلو في وجه الطاحونة التي لا ترحم
  • عقدة أوكرانيا.. لماذا فشل الغرب في هزيمة روسيا حتى الآن؟
  • بن جفير يهدد بالانسحاب من حكومة الاحتلال.. نتنياهو يعرف الخطوط الحمراء
  • هكذا تواجه روسيا الغرب المنقسم