حينما تصبح قاعات الامتحان ميادين صمود
تاريخ النشر: 7th, July 2025 GMT
حيدر المكاشفي
منذ الأيام الأولى للحرب، كان واضحا لكل ذي بصر وبصيرة فيما عدا مشعلي الحرب من الكيزان وفلولهم والمستفيدين من نظامهم وقيادات الجيش المتحالفة معهم، أن تطاول أمد هذه الحرب سيؤدي لنتائج كارثية مهلكة على البلاد والعباد، وأن كل يوم يمر على الحرب يعني المزيد من الخراب والدمار والضحايا وتوسع رقعة الحرب وجغرافيتها، وهذا ما حدث بالفعل الى أن وصلت الكارثة الان الى ما يهدد وحدة البلاد وينذر بتقسيمها وتفتيت كيانها الحالي.
تنعقد هذه الأيام امتحانات الشهادة السودانية للمرة الثانية في ظل الحرب المستعرة التي دخلت عامها الثالث، حربٌ مزّقت البلاد وقسمت خريطته الجغرافية وأعادت رسم خطوط التماس بين القوى المتصارعة. وفي قلب هذا الجحيم، تقدّم آلاف الطلاب للجلوس لامتحانات مصيرية وسط ظروف استثنائية، بينما حُرم آلاف آخرون من هذا الحق لأسباب شتى على رأسها ان بعضهم يعيشون في مناطق سيطرة الدعم السريع، وبعضهم بسبب التهجير أو انعدام الأمن أو تعطل الخدمات الأساسية.ولم تكن الامتحانات هذه المرة هي الأولى التي يتحدى فيها الطلاب وذويهم الظروف السياسية والأمنية القاسية، لكن هذه الدورة تحديداً تكشف حجم التصدع العميق الذي أصاب جسد الدولة السودانية. فبعض المناطق مثل المرة الفائتة تشهد امتحانات بترتيب من سلطات بورتسودان، وأخرى تحت إدارة قوات الدعم السريع (السلطة الفعلية في مناطق سيطرتها)، في مشهد يعكس حجم الانقسام الجغرافي والسياسي الذي بات يتحكم في كل تفاصيل الحياة اليومية.
ورغم الجهود المبذولة لإقامة الامتحانات، إلا أن المشهد العام يوحي بأن العملية التعليمية لم تعد أولوية لدى الأطراف المتصارعة. فسلامة الطالب باتت مسؤولية فردية، والبيئة المدرسية تحولت إلى منطقة خطر دائم، والبنية التحتية لمعظم المدارس انهارت أو تحولت إلى ثكنات عسكرية.الوجه الآخر للأزمة يكمن في آلاف الطلاب الذين وجدوا أنفسهم خارج دائرة التعليم قسراً. هناك ولايات كاملة لم تُعقد فيها الامتحانات بسبب العمليات العسكرية المستمرة، وهناك طلاب فقدوا منازلهم وأوراقهم الثبوتية وحتى مدارسهم، فضلاً عن الذين فرّوا إلى دول الجوار أو إلى ولايات بعيدة ولم يتمكنوا من الالتحاق بمراكز الامتحانات.هذا الواقع يخلق جيلاً من المنقطعين قسراً الذين سيتحولون مع مرور الوقت إلى قنبلة موقوتة في جسد المجتمع السوداني، شباب بلا شهادات، بلا مهارات، وبلا مستقبل واضح. هذه الفئة ستكون الأكثر عرضة للانخراط في مسارات العنف والتجنيد في صفوف المليشيات أو الدخول في دوائر الجريمة المنظمة أو الهجرة غير النظامية.ولطالما كان التعليم صمام الأمان في المجتمعات الخارجة من الأزمات، وهو المفتاح لأي مشروع وطني للنهوض وإعادة الإعمار. لكن في الحالة السودانية مع الحرب، صارالنظام التعليمي نفسه واحداً من ضحايا الحرب، ما يعني أن البلاد تخاطر بفقدان جيل كامل، ليس فقط على المستوى الأكاديمي، بل على مستوى القيم والانتماء الوطني أيضاً.فاستمرار الحرب وتعطل العملية التعليمية بهذه الصورة سيؤدي إلى ضعف في الكوادر الوطنية، ويُعمّق أزمة نقص الكفاءات، كما سيؤثر سلباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المديين المتوسط والبعيد. فكيف يمكن لدولة أن تتعافى إذا كان جيل المستقبل بلا تعليم وبلا فرص ، ان الأزمة الراهنة تفرض على القوى السياسية والمدنية أن تنظر إلى التعليم كأولوية قصوى في أي عملية تفاوض قادمة. يجب أن تكون هناك ضمانات حقيقية لحماية حق الطلاب في التعليم بغض النظر عن مناطق سكنهم أو القوى المسيطرة عليها. كما أن المجتمع الدولي مطالب بأن ينخرط بفعالية لدعم العملية التعليمية في السودان كجزء من استجابته الإنسانية، لا أن يكتفي بتقديم الغذاء والدواء فقط.المسألة اليوم تتجاوز امتحان شهادة إلى امتحان مصير أمة بأكملها. فإما أن نستدرك الأمر ونحفظ ما تبقى من هذا الجيل، أو نترك البلاد تسير بثبات نحو مستقبل أكثر قتامة.
الوسومحيدر المكاشفي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السریع تحت سیطرة
إقرأ أيضاً:
هل قتلت قوات الدعم السريع الصحفي السوداني معمر إبراهيم؟
انتشرت أخبار مكثفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بوفاة الصحفي السوداني المعتقل لدى قوات الدعم السريع معمر إبراهيم، داخل مكان احتجازه في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.
وفي إفادة للجزيرة نت، أكد محمد إبراهيم، الشقيق الأكبر للصحفي المعتقل منذ أكتوبر/تشرين الأول أن مصدر الإشاعة التي نفى صحتها ما زال مجهولا، وأن معمر بخير ولم يتعرض لأي أذى، مشيرا إلى أنه استطاع الاطمئنان عليه عقب ورود إشاعة وفاته مساء أمس الأربعاء.
وأضاف شقيق الصحفي الذي عمل مراسلا لدى قناة الجزيرة مباشر أن آخر تواصل مباشر معه كان عقب ظهوره إلى جانب المتحدث باسم الدعم السريع الفاتح قرشي مطلع الشهر الماضي، غير أن ثمة تواصلا غير مباشر يسعون عبره إلى الاطمئنان على معمر وتأمين احتياجاته.
وأكد المتحدث باسم تحالف السودان التأسيسي -الذي يقوده الدعم السريع- علاء الدين نقد في تصريح للجزيرة مباشر أن الصحفي معمر بـ"أمن وأمان"، وفق تعبيره.
ما مصير الصحفي معمر إبراهيم؟
الناطق باسم تحالف السودان التأسيسي يجيب #الجزيرة_مباشر #السودان #الفاشر pic.twitter.com/JpygwAP36v
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 16, 2025
مطالبات بظهور الصحفيوتعليقا على تصريح نقد، دعا الصحفي السوداني مزمل أبو القاسم إلى السماح لزميله معمر بالظهور على شاشة قناة الجزيرة مباشر للتأكد من سلامته، وكتب عبر حسابه على فيسبوك بأن معمر تعرض لإخفاء قسري واحتجاز غير مشروع وإهانة وضرب وتعذيب ظهرت بجلاء في مقاطع فيديو عقب سقوط مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور.
لكنّ الإشاعة حفّزت حالة القلق على سلامة معمر وعدد غير معلوم من الصحفيين المعتقلين والمختفين قسريا في السودان، ورغم نفي الأمر، يبدي نقيب الصحفيين السودانيين عبد المنعم أبو إدريس قلقه بشأن سلامة الصحفي معمر، مطالبا بإطلاق سراحه على الفور.
إعلانويقول أبو إدريس للجزيرة نت "معمر كان يؤدي مهنته كصحفي وهي ليست جريمة حتى يُحتجز بسببها، وما يمرّ به يُعد خرقا للقوانين الدولية والإنسانية"، مناشدا المنظمات المهتمة بحرية الصحافة للتضامن مع معمر وسائر الصحفيين السودانيين في ما يقاسونه من تحديات وتهديدات جراء الحرب.
سي بي جيه: صحة معمر متدهورة ونريد دليلا على حياتهوفي تصريح لها مساء الأربعاء، أعربت لجنة حماية الصحفيين "سي بي جيه" (CPJ) عن قلقها إزاء تقارير تفيد بأن الحالة الصحية للصحفي معمر قد تدهورت بشكل خطير أثناء احتجازه، داعية إلى الإفراج الفوري عنه لتمكينه من تلقي الرعاية اللازمة.
#السودان: "نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بأن الحالة الصحية للصحفي السوداني معمر إبراهيم، المحتجز لدى قوات الدعم السريع، قد تدهورت بشكل خطير أثناء احتجازه. إذ أصبح طريح الفراش ويعاني من آلام شديدة، في وقت ترفض فيه قوات الدعم السريع نقله إلى المستشفى أو الإفراج عنه. وتدعو… pic.twitter.com/Sx0zRTfVMq
— CPJ MENA (@CPJMENA) December 10, 2025
وقالت المديرة الإقليمية للّجنة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا سارة القضاة إن معمر أصبح طريح الفراش ويعاني من آلام شديدة، في وقت ترفض فيه قوات الدعم السريع نقله إلى المستشفى أو الإفراج عنه.
لكنْ في اليوم التالي، الخميس، صدر تصريح آخر للّجنة الدولية، يفيد بأنها راسلت قوات الدعم السريع مطالِبة بتقديم أي دليل على أن الصحفي معمر إبراهيم على قيد الحياة، وذلك بعد ورود تقارير تفيد بأنه قُتل أثناء احتجازه، في حين لم تجزم اللجنة بنفي الأخبار المتداولة.
تؤكد لجنة حماية الصحفيين أنها راسلت قوات الدعم السريع مطالِبةً بتقديم أي دليل على أن الصحفي السوداني معمر إبراهيم على قيد الحياة، وذلك بعد ورود تقارير تفيد بأنه قُتل أثناء احتجازه لدى قوات الدعم حيث يقول زملاؤه إنها مزاعم غير مؤكدة حتى الآن." سارة القضاة. pic.twitter.com/HZujvEmIel
— CPJ MENA (@CPJMENA) December 11, 2025
وكانت شبكة الصحفيين السودانيين في الـ18 من الشهر الماضي أعربت عن قلقها البالغ على مصير الصحفي، عقب تصريحات لوزير الصحة في حكومة التأسيس علاء نقد خلال لقاء له عبر قناة الجزيرة، ذكر فيها جملة من التهم الموجهة للصحفي، وقال إنه كان سببا في تأجيج الحرب.
وقالت الشبكة في بيان آنذاك إن "سيل الاتهامات التي أطلقها نقد في حق معمر تجعلنا في قلق شديد من المصير الذي ينتظره".
الصحفي بوصفه مدني بموجب القانون الدولي الإنساني يجب حمايته من أطراف النزاع ويحظر احتجازه أو معاملته بقسوة أو الاعتداء عليه.
ندعو @ICRC للعمل على ضمان سلامة الزميل الصحفي معمر إبراهيم @MUAMMAR_SUD الذي ظهر محتجزا ويعامل بقسوة من قبل عناصر الدعم السريع وفقا للمقطع أدناه. pic.twitter.com/fw1WsD4j1S
— Mojahed Taha (@mojahedashw2k) October 26, 2025
وظهر معمر إبراهيم اليوم الثاني لسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر 26 أكتوبر/تشرين الأول، في مقطع فيديو صُوّر ليلًا مع مجموعة من المسلحين، وقال فيه إنه حاول الخروج من المدينة، وقد قُبض عليه قبل أن يتمكن من ذلك.
إعلانوفي الرابع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بثت قوات الدعم السريع مقطعا مصورا ظهر فيه إبراهيم إلى جانب الفاتح قرشي، الذي قال إن الصحفي يواجه تهمة الإساءة لقوات الدعم السريع بسبب استخدامه كلمتي "مليشيا وجنجويد" توصيفا للدعم السريع، معتبرا الوصفين إخلالا بالحيادية المطلوبة لدى الصحفيين.
وقبل نحو أسبوعين، اغتالت قوات الدعم السريع الصحفي تاج السر محمد سليمان، مدير مكتب وكالة السودان للأنباء (سونا) في منزله مع شقيقه بحي الدرجة في مدينة الفاشر.
وأشار وزير الإعلام السوداني خالد الإعيسر في بيان نعيه الصحفي سليمان، إلى أن قوات الدعم السريع اعتقلت عددا من الصحفيين السودانيين العاملين لدى وسائل إعلام مختلفة، ونقلتهم من الفاشر إلى مدينة نيالا في جنوب دارفور غربي السودان.
وناشد الإعيسر المنظمات الدولية المعنية بحماية الصحفيين الاضطلاع بدورها في متابعة الصحفيين المعتقلين والعمل على ضمان سلامتهم.
وغطى إبراهيم أخبار الحرب في دارفور على مدى العامين الماضيين، ويُعدّ من بين الصحفيين القلائل الذين بقوا لتوثيق التطورات في الفاشر رغم الغارات الجوية المستمرة وانقطاع الاتصالات والأزمة الإنسانية الحادة.