صمم إسرائيلي تجاه تحذيرات من كارثة.. هل يتوقع نتنياهو أن يتبخر نازحو رفح في الهواء؟
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
لا يفتأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يكرر على خصومه وأصدقائه وحلفائه على السواء، محليا ودوليا، بأنه لن يوقف حربه المدمرة على قطاع غزة قبل أن "يقضي" على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، متجاهلا كل التحذيرات التي تشير إلى أن ما يفعله تسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة وتتفاقم كل يوم، بدون أن يظفر بشيء مما يهدف إليه.
آخر فصول "الصمم" الذي يواجه به نتنياهو الأصوات التي تحذره من خطورة مغامرته في غزة، إصراره على إعداد العدة لاقتحام مدينة رفح جنوب القطاع، "آخر ملجأ آمن" يتكدس فيه نحو مليون ونصف مليون لاجئ في ظروف قاسية ولا إنسانية.
فقد أمر نتنياهو قبل أيام قادة جيشه بإعداد خطط لاقتحام مدينة رفح من أجل "القضاء" على ما يقول الاحتلال إنها 4 كتائب لحماس تتمركز في المدينة، كما قال مكتب نتنياهو إنه أمر الجيش أيضا بوضع خطة لإخلاء رفح من السكان المدنيين.
استغراب واستهجان
وبدا الاستغراب والاستهجان في بعض التصريحات التي ردت على نتنياهو، لأن قواته التي تدك غزة منذ أكثر من 4 أشهر لم تترك لسكانها أي ملجأ آمن، ودمرت مساكنها ودكاكينها ومدارسها ومستشفياتها ومساجدها وكنائسها، فإلى أين يريد نتنياهو إرسال هؤلاء النازحين الذين شردهم؟
فهذا مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل يقول إن "نتنياهو لا ينصت لأحد"، وأضاف في تصريحات للصحفيين الاثنين الماضي: "سيقومون بالإجلاء؟ إلى أين؟ إلى القمر؟ إلى أين سيجلون هؤلاء الناس؟".
ويؤكد بوريل في السياق ذاته أن "الجميع يذهبون إلى تل أبيب، متوسلين: من فضلكم لا تفعلوا هذا، احموا المدنيين، لا تقتلوا هذا العدد الكبير. فكم هو العدد الذي يعد مفرطا؟ وما المعيار؟".
تصريح آخر قوي من حلفاء إسرائيل يستنكر إصرار نتنياهو على خططه صدر عن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي اعتبرت أن "شن هجوم للجيش الإسرائيلي على رفح من شأنه أن يؤدي في ظل هذه الظروف إلى انهيار كامل للوضع الإنساني".
وتضيف بريبوك أن "الناس في رفح لا يمكنهم ببساطة أن يختفوا في الهواء"، خاصة بعدما "نزحوا من مناطق القتال في شمال غزة في الغالب بلا شيء سوى أطفالهم على أذرعهم وملابسهم على أجسادهم"، حسب تعبير المسؤولة الألمانية.
المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني، حذر بدوره أول أمس الثلاثاء من عواقب أي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح قائلا إنه "لم يعد هناك أي مكان آمن على الإطلاق لإيواء المدنيين".
وأكد أنه "من غير الممكن توقع انتقال أكثر من مليون نازح يعيشون في أماكن مكتظة للغاية في محافظة رفح مرة أخرى، كي تتمكن القوات الإسرائيلية من مواصلة تمشيطها بحثا عن مقاتلي حماس".
وفي سياق طلب إسرائيل من المدنيين الانتقال إلى أماكن أخرى، تساءل لازاريني "إلى أين يتحركون؟، فكل قطعة أرض فارغة في رفح يشغلها مئات الآلاف من الأشخاص الذين يعيشون في ملاجئ بلاستيكية مؤقتة".
مناشدات الحلفاء
مناشدات وضغوط دولية وتحذيرات تتوالى حتى من أكبر حلفاء إسرائيل الذين ساندوها بدون قيد وشرط في عدوانها على غزة، مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، إضافة إلى جهات أخرى مثل الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية ودول عربية مثل الأردن وقطر والسعودية.
ومن بين التصريحات اللافتة في هذا الشأن أيضا ما قاله وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون الاثنين الماضي، إذ أكد أن "على إسرائيل أن تفكر بجدية قبل اتخاذ أي إجراء آخر في رفح"، وذلك بعد الغارات الجوية الإسرائيلية على المدينة، التي أصبح عدد المتكدسين فيها الآن 6 أضعاف عدد سكانها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال كاميرون للصحفيين "نعتقد أنه من المستحيل خوض حرب وسط هذا الكم من الناس. ليس هناك مكان يذهبون إليه"، حتى إن المجلس النرويجي للاجئين أطلق على مدينة رفح اسم "مخيم اللاجئين العملاق"، ووصفها طبيب خرج منها مؤخرا بأنها "سجن مغلق".
وحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي طالما كرر وأكد ما يسميه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، فقد أبلغ نتنياهو أنه يعارض بشدة خطة إسرائيل لشن هجوم على مدينة رفح، وقال بيان للرئاسة الفرنسية في هذا الصدد إن "الوضع الإنساني وعدد القتلى في غزة لا يمكن قبوله"، وإن الهجوم الإسرائيلي المرتقب "سيؤدي إلى كارثة إنسانية"، معتبرا أن "التهجير القسري للسكان مخالف للقانون الدولي الإنساني".
وهو الشيء نفسه الذي حذر منه وزير خارجية النرويج إسبن بارث إيدي، إذ قال إن العملية الإسرائيلية البرية المزمعة في رفح ستكون لها "نتائج كارثية"، وتابع أنه "من الواضح أن إسرائيل لا تفعل ما يكفي لحماية المدنيين. ولا يوجد مكان آمن في غزة".
إلى أين يذهبون؟
أستراليا وكندا ونيوزيلندا استنكرت بدورها الإصرار الإسرائيلي على الهجوم على رفح، وقالت في بيان مشترك إن الهجوم المتوقع سيكون مدمرا، وإنه "لا يوجد ببساطة أمام المدنيين أي مكان آخر يذهبون إليه"، خاصة بعد أن جرف العدوان الإسرائيلي المستمر منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي معظم مدن وأحياء قطاع غزة، مخلفا أكثر من 28 ألفا و500 شهيد أغلبهم من النساء والأطفال.
أما المنظمات الإنسانية الدولية فهي الأخرى حذرت من كارثة إنسانية توشك أن ترتكبها إسرائيل في رفح وتضيفها إلى مئات المجازر التي وقعت عليها في القطاع خلال الأشهر الماضية، ودعت إلى وقف العدوان وحماية المدنيين من القتل العشوائي.
فالأمم المتحدة أعلنت أنها لن تتعاون مع أي إجلاء قسري للاجئين الفلسطينيين، وشدد ستيفان دوجاريك -المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الأممية- الأسبوع الماضي على ضرورة حماية مئات الآلاف من الأشخاص الذين لجؤوا إلى رفح. وأضاف "لن نؤيد بأي حال من الأحوال التهجير القسري الذي يتعارض مع القانون الدولي".
كما حذر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث أول أمس الثلاثاء من أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح "يمكن أن تؤدي الى مجزرة في غزة"، داعيا إسرائيل إلى "الكف عن تجاهل" نداءات المجتمع الدولي.
وقال غريفيث في بيان إن "أكثر من نصف سكان غزة يتكدسون في رفح ويرون الموت مقبلا عليهم. بالكاد يجدون طعاما، ولا يتلقون عمليا أي عناية طبية، ولا مكان ينامون فيه، ولا مكان آمنا على الاطلاق"، مشيرا إلى أن "التاريخ لا يسامح وينبغي لهذه الحرب أن تتوقف".
كارثة لا يمكن تصورها
وبدوره قال المفوض السامي لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة فولكر تورك الاثنين في بيان "إن أي توغل عسكري محتمل واسع النطاق في رفح أمر مرعب"، نظرا لاحتمال سقوط عدد كبير جدا من القتلى والجرحى المدنيين، معظمهم سيكون من الأطفال والنساء.
وأضاف: "مع الأسف، في ضوء المذبحة التي وقعت حتى الآن في غزة، من الممكن أن نتصور ما ينتظرنا في رفح"، مؤكدا أن احتمال حدوث مثل هذه العملية في رفح في ظل الظروف الراهنة "يهدد بمزيد من الجرائم الوحشية"، وقال: "يجب على العالم ألا يسمح بحدوث ذلك".
ومن جهته أعرب برنامج الأغذية العالمي عن "قلقه البالغ" من الهجوم العسكري الإسرائيلي المتوقع في مدينة رفح، كما حذرت منظمة الصحة العالمية أمس الأربعاء من أن الهجوم سيتسبب في "كارثة لا يمكن تصورها، وسيزج بالنظام الصحي في القطاع ليقترب أكثر من حافة الهاوية، وسيزيد من حجم الكارثة الإنسانية إلى ما هو أبعد من الخيال".
وبقدر ما ترتفع الأصوات المحذرة من الكارثة وتتنوع، يزيد تجاهل الحكومة الإسرائيلية، وسبب ذلك -بحسب ما يقول متظاهر إسرائيلي لوكالة الصحافة الفرنسية خلال مظاهرة في تل أبيب مناوئة لنتنياهو- أن هذا الأخير يسعى لإطالة أمد الحرب لحماية منصبه، و"ليست لديه أيّ فكرة عما سيفعله في اليوم التالي".
إنه -حسب تعبير المتظاهر جيل غوردون – "يكتفي بقول لا، وليس لديه حل آخر غير الحل العسكري"، لأنه هو وجيشه يحاربان ما اعتبره -في تصريح في بداية العدوان- وزير دفاعه يواف غالانت "حيوانات بشرية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مدینة رفح أکثر من إلى أین لا یمکن فی رفح فی غزة
إقرأ أيضاً:
رجل أعمال إسرائيلي يهدد بكشف أسرار خطيرة إذا مُنح نتنياهو عفوا
كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن رجل الأعمال الإسرائيلي موتي سندر، المقرب سابقا من الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، نقل في الأسابيع الأخيرة رسائل تهديد مباشرة إلى بيت الرئيس، مفادها أنه "سينشر معلومات محرجة حول علاقة هرتسوغ مع بنيامين نتنياهو" إذا وافق الرئيس على منح رئيس الحكومة عفوا سياسيًا بشروط مخففة.
وقالت الصحيفة إن سندر، الذي لعب دورا محوريًا في التوسط لتشكيل حكومة وحدة بين نتنياهو وهرتسوغ في مراحل مختلفة، يدّعي امتلاكه معلومات حول "تفاهم مسبق" بين الطرفين بشأن قضية العفو، وهو ما ينفيه هرتسوغ بشكل قاطع، كما وأشارت إلى أن محاولات جرت مؤخرًا لاحتواء الأزمة، عبر محادثات بين مقرّبين من الطرفين.
وأوضح التقرير أن سندر كان في السابق داعمًا قويا لفكرة منح عفو لنتنياهو قبل تقديم لائحة اتهام ضده، بشرط أن ينسحب من الحياة السياسية، وهي فكرة قال التقرير إن هرتسوغ نفسه أبدى استعدادًا لبحثها في محادثات مغلقة، كما ناقشها مع الرئيس السابق رؤوفين ريفلين.
وأضافت الصحيفة أن صحفي "معاريف" بن كسبيت كشف نهاية الأسبوع الماضي أن مقربًا من هرتسوغ طلب رأيا قانونيًا من المحامي إيال روزوفسكي حول "إمكانية العفو عن شخص لم يُدان بعد"، قبل أن تنشر قناة "الأخبار 12" الوثيقة الكاملة وتكشف أن سندر هو من طلبها، فيما نفى هرتسوغ بشدة أي علاقة له بالموضوع، وتابعت "هآرتس" أن العلاقات بين هرتسوغ وسندر شهدت توترا كبيرا خلال العامين الأخيرين، خاصة بعد موقف سندر من "الانقلاب القضائي" وتغير رؤيته السياسية تجاه نتنياهو، ما انعكس أيضا على علاقته بالرئيس.
وجاء في ردّ مكتب الرئيس: "نظرا للوضع الشخصي الحساس للرجل المذكور، لن يعلّق الرئيس على هذه الادعاءات". أما سندر فقال: "سأعلّق في الوقت والمكان المناسبين"، ويأتي هذا التطور في ظل أجواء سياسية مشحونة داخل دولة الاحتلال، وفي وقت تُثار فيه من جديد قضية احتمال منح نتنياهو عفوا في إطار تسوية سياسية، وهو ما يثير جدلا واسعًا داخل الساحة الإسرائيلية.
بدوره، أكد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أنه لن يعتزل الحياة السياسية، مقابل العفو الرئاسي عنه في قضايا الفساد، جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس في برلين، وأثارت تصريحات نتنياهو الذي يحاكم في ثلاث قضايا، غضبا سياسيًا، إذ علق رئيس حرب الديمقراطيين "لا تقاعد ولا عفو"، وقالت عضو الكنيسيت كارين الحرار "عناية الرئيس هرتسوغ، نتنياهو لا يطلب عفوًا، إنه يطلب منه إلغاء محاكمته، إذا كان حكم القانون في الدولة مهمًّا بالنسبة لهرتسوغ، فعليه أن يرفض الطلب فورًا، وألا يستسلم للابتزاز بالتهديدات".
وفي مقابلة نُشرت السبت، صرّح رئيس دولة الاحتلال يتسحاق هرتسوغ بأنه يحترم رأي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضرورة العفو عن نتنياهو في قضايا الفساد التي يواجهها، إلا أن إسرائيل "دولة" ذات سيادة، وقال الرئيس لموقع بوليتيكو الإخباري: "الجميع يدرك أن أي عفو استباقي يجب أن يُنظر إليه على أساس الجدارة”، وتعهد “بالتعامل معه بجدية تامة"، وأضاف: " أحترم صداقة الرئيس ترامب ورأيه"، في إشارة إلى طلبات ترامب المتكررة له بالعفو عن نتنياهو.
وفي وقت سابق، كشفت القناة 12 العبريةعن شبهات فساد سياسية تتعلق بوجود تفاهمات غير معلنة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الحالي إسحاق هرتسوغ، تقضي بدعم نتنياهو لترشح هرتسوغ لرئاسة الدولة مقابل العمل لاحقًا على منحه عفوًا عامًا يجنّبه المحاكمة في ملفات الفساد التي يواجهها.
ووفق التقرير، فإن رأيًا قانونيًا سريًا أُعدّ عام 2019 لصالح هرتسوغ – وكان حينها يشغل منصب رئيس الوكالة اليهودية – تناول إمكانية منح نتنياهو عفوًا حتى قبل تقديم لائحة اتهام رسمية، شرط اعتزاله الحياة السياسية. وتضيف القناة أن هرتسوغ أجرى خلال تلك الفترة اتصالات مع شخصيات رفيعة، بينها الرئيس السابق رؤوفين ريفلين ونتنياهو نفسه، لدراسة جدوى هذه الخطوة.
ويواجه نتنياهو تهمة رشوة واحدة، و3 تهم احتيال وخيانة ثقة، في 3 قضايا منفصلة، وتتعلق هذه التهم بمزاعم "التلاعب بالصحافة وتلقي هدايا غير مشروعة مقابل خدمات حكومية"، وينفي نتنياهو ارتكاب أي مخالفات، ويجادل بأن التهم ملفقة في محاولة "انقلاب سياسي" من جانب الشرطة والنيابة العامة، ووُجهت لائحة اتهام لنتنياهو في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وبدأت محاكمته في أيار/مايو 2020 بعد سنوات من التحقيق، علما أنه واجه دعوات متكررة من شخصيات معارضة للاستقالة بسبب هذه التهم، وقدر المحللون أنه في حال استمرار المحاكمة، فإنها سوف تستغرق عدة سنوات أخرى.