أكد الكاتب والأديب العربي الكبير الدكتور حسين دعسة، أن التحديات في مصر كبيرة ولايوجد اختلاف حول البناء الثقافي، موضحاً أن أهم شئ هو بناء المؤسسات الثقافية.

حسين دعسة: معرض الكتاب "كارت" يعرف الثقافة المصرية بالدرجة الأولى.. فيديو حسين دعسة: بناء الشخصية الإنسانية في أي بلد لا ينفصل عن المؤسسات الثقافية

وقال خلال لقائه ببرنامج "الشاهد" مع الإعلامي الدكتور محمد الباز المذاع عبر فضائية "إكسترا نيوز"، عادة في كثير من الدول كان بناء المؤسسة أسهل من مصر على سبيل المثال في الأردن في فلسطين، وفي الخليج العربي، نتيجة أن عدد السكان في هذه البلاد لا تحتاج إلي هذه الأبنية والمؤسسات والمسارح الكثيرة في المهرجانات.

 

وأضاف:"بينما في مصر كان التحدي كبيرا ، وربما التحدي بين المواطنين غير محمُود، ولكن يجب أن ننظر إلي الضرورات والتداعيات السياسية والتيارات المختلفة والأحزاب، وهذا طبيعي ولكنهم لا يستطيعوا أن يختلفوا على المنشأت الثقافية الحضارية مثل المجلس الأعلى للثقافة ومعرض الكتاب".

 وعن تغير طبع المواطنين المصري، أوضح الكاتب الكبير، أن التغيير الذي يحدث هو تغيير منسجم تماماً مع تحولات الدولة، مؤكداً أن التحولات التي تحدث في أي مجتمع نفس التحولات المرتبطة بإستراتيجيات أبعاد ورؤى.

 

واستكمل:"في مصر لا نستطيع أن نقول أننا بحاجة إلي وزير للسعادة، على عكس دول أخرى يوجد بها، وهذا يرجع إلي نوع الرفاهية الذي يقدم للمواطن ، ولكن مصر منحت مواطنيها السعادة من خلال الأفلام والبرامج والمسارح المصرية، وأيضاً الشخصية المصرية، قادرة طوال الوقت على السخرية من الواقع و تحويل أي أزمة إلي ضحك، ولا يمكن أن ننسى أن عديد من المسرحيات التاريخية في مصر كانت تعرض على تلفزيونيات المنطقة العربية بشكل أسبوعي وبعض الأحيان كانت بشكل يومي".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: حسين دعسة حسین دعسة فی مصر

إقرأ أيضاً:

الكاتب ديمتري ستريشنيف لـ«عمان»: الأدب العُماني يفاجئ القارئ الروسي .. والترجمة جسر لا غنى عنه

بين أحاديث جانبية مطوّلة، ولقاء إذاعي، ومحاضرة استمرت لساعتين ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب، بدا التعب واضحا على ملامحه، ومع ذلك لم يتخلّ الكاتب والباحث الروسي ديمتري ستريشنيف عن الحماسة في إجاباته المتدفقة خلال النقاشات التي تلَت محاضرته... ورغم شعوري بالحرج من إيقافه مجددا لإجراء هذا الحوار، احتراما لما بدا عليه من إرهاق، إلا أن الرجل، الذي يُعدّ من أبرز المتخصصين في الترجمة والأدب بين الروسية والعربية، تجاوب بأريحية، واتفقنا أن يكون الحوار في وقت لاحق، وكان. في هذا اللقاء، يفتح «ستريشنيف» نافذته الخاصة على التقاطعات الثقافية بين روسيا والعالم العربي، مستندا إلى إقامته الطويلة في الشرق العربي، ومعرفته الوثيقة بالمشهد الثقافي العماني، ويستعرض في حديثه محطات مهمة من شخصية الرحالة أفاناسي نيكيتين الذي وثّق أول حضور أوروبي مكتوب لمسقط في القرن الخامس عشر، إلى أعمال الملاح العماني أحمد بن ماجد، وصولا إلى الأثر الذي أحدثته رواية «سيدات القمر» في أوساط القرّاء الروس، وفتحها شهية الاكتشاف الأدبي لعُمان. كما يتوقف عند واقع الترجمة الأدبية ومعوّقات النشر، ويطرح رؤى واقعية لتعزيز جسور التعاون الثقافي بين روسيا وسلطنة عمان، مستندًا إلى تجربة شخصية ومعرفة متعمقة. ومن هذه النقاط، انطلق هذا الحوار لـ «عمان»...

*************************************************************************************************

بداية دكتور ستريشنيف، عرفّنا عن تأثير الأدب الروسي على فهم الغرب للشرق الأوسط. وهل عكست أو يمكن أن تعكس الروايات الروسية صورة دقيقة للواقع العربي؟

في عصر الأدب الروسي الكلاسيكي، أي في زمن بوشكين وتشيخوف ودوستويفسكي وغيرهم من العظماء، كان اهتمام الكتّاب الروس منصبًا بشكل أساسي على الشرق الذي كانت روسيا تستكشفه مباشرة: مثل القوقاز وآسيا الوسطى، بالإضافة إلى البلدان الشرقية التي كانت لها بها علاقات مباشرة، كبلاد فارس والصين واليابان. وليس من قبيل المصادفة أن رواية ليف تولستوي الشهيرة «الحاج مراد»، التي تناولت موضوع الثوار الجبليين في القوقاز، ظهرت في تلك الفترة.

هذا لا يعني أن الروس لم يكونوا على دراية ببقية الشرق، مثل البلدان العربية والإفريقية، لكن المعرفة بها كانت تصل إلى القرّاء غالبًا من خلال مقالات وكتابات الرحالة، ومن بينهم أدباء وشعراء بارزون. وفي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أصبحت الرحلات إلى الشرق شائعة بين الروس. ومنذ القرن الثاني عشر، بدأت تظهر نصوص تصف رحلات الحجاج الروس إلى المواقع المسيحية المقدسة في القدس، ويُعرف حتى الآن حوالي ثلاثين وصفًا من هذه الرحلات بين القرنين الثاني عشر والسابع عشر، وتم نشر أكثر من مائة منها في القرن الثامن عشر.

وبالمناسبة، إذا تحدثنا عن تأثير روسيا على الغرب عبر منشورات تتعلق بالشرق، فإن أكثر ما أثار الاهتمام كان بشكل مفاجئ نشر القرآن الكريم في سانت بطرسبورج عام 1787 بأمر من الإمبراطورة كاثرين الثانية، وقد تميز هذا الإصدار بخط رائع، ووزع في العديد من البلدان الأوروبية.

في تلك الفترة أيضًا، ظهرت عدة ترجمات للقرآن الكريم في روسيا، وهو ما يدل على تنامي الاهتمام بالشرق العربي. وقد تفاعل ألكسندر بوشكين، أعظم شعرائنا، مع هذا الاهتمام من خلال تأليفه سلسلة من تسع قصائد بعنوان «محاكاة للقرآن».

في الحقبة السوفييتية، ظهرت روايات جيدة خصصت للشرق، لكن أحداثها كانت تدور أساسًا حول الصراعات السياسية أو العسكرية آنذاك، مثل فيتنام وأفغانستان. أما عن الشرق الأوسط، فقد برزت رواية «أمل» للكاتب يفغيني كورشونوف، التي تناولت نضال الشعبين اللبناني والفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي. وبطبيعة الحال، لم تُترجم مثل هذه الأعمال إلى لغات أوروبية أو تُنشر في أمريكا؛ لأنها كانت تخالف الروايات الغربية السائدة عن الأحداث.

أما اليوم، فغالبًا ما تدور الروايات الروسية عن الشرق في فلك الرومانسية أو الخيال، وغالبًا ما تشبه الأفلام الهوليودية، حيث تتكرر صور نمطية كالشيوخ والحريم والراقصات، أو مغامرات خيالية لفرسان أندلسيين أو قتلة مأجورين. أما الأدب الجاد فهو نادر، وهذا حال شائع في كثير من البلدان.. لذلك، يصعب الحديث عن تأثير ملموس للأدب الروسي في تشكيل صورة الغرب عن الشرق.

*************************************************************************************************

... وماذا عن دقة تصوير الواقع العربي في الروايات الروسية؟

الأعمال الجادة قليلة الظهور... لا أدري إن كان من غير اللائق أن أذكر أعمالي هنا، لكن في روايتين من رواياتي تدور الأحداث في سوريا، وتدور رواية أخرى في مصر. إحداها، «الفتاة اليزيدية»، نُشرت في مصر وإيطاليا، والأخرى، «أيام الكاهن الأعظم إيفان سيرجيفيتش»، نُشرت في مصر أيضًا. تدور أحداث الرواية الأولى في سوريا خلال عملية «عاصفة الصحراء»، أما الثانية فتصور رحلة غير عادية لسياح روس في مصر. وقد حرصت في هذه الروايات على تقديم كل شيء بدقة تامة؛ لأني عشت عشرين عامًا في الشرق العربي، وللأسف، كثير من الكُتّاب اليوم يكتبون هراءً ترفيهيًا يستقونه من الأفلام والإنترنت.

*************************************************************************************************

دعنا نتحدث عن محاضرتك حول رحلات أفاناسي نيكيتين ومذكراته التي تعد من أولى الوثائق التي تناولت عمان في الأدب الروسي، كيف ترى تأثير هذه المذكرات على العلاقات الثقافية بين روسيا وعمان، خاصة في ضوء الأدب العربي الحديث؟ وهل تعتقد أن هناك مصادر أخرى قد تكون أُهملت في دراسة التاريخ العماني؟

كما ذكرتُ في محاضرتي خلال معرض مسقط الدولي للكتاب، فإن أفاناسي نيكيتين كان تاجرًا روسيًا خاض ما سُمّي لاحقًا بـ«رحلة ما وراء البحار الثلاثة»، وذلك بشكل غير متوقع بالنسبة له؛ لأنه وقع في ظروف صعبة اضطرته إلى السفر. وبحكم كونه تاجرًا، كانت اهتماماته منصبّة على شؤون التجارة بالدرجة الأولى.

نعم، أثناء وجوده في الهند، وصف بعض تقاليد الديانة الهندوسية، ولكن من الواضح أن ذلك كان فقط بسبب ما لاحظه من اختلاف شديد بين هذه التقاليد والدينين المسيحي والإسلامي. أما بالنسبة للقرن الخامس عشر، فكان الروس في ذلك الوقت قد أصبحوا على دراية بالتقاليد الإسلامية، نتيجة مجاورتهم للتتار وسكان القوقاز المسلمين. ولذلك، لم يُفاجأ نيكيتين كثيرًا خلال رحلته في الأراضي الفارسية، أو أثناء زيارته لمسقط، وركّز في ملاحظاته على تجارة الخيول؛ لأنها كانت تهمّه أكثر من غيرها.

لقد كانت مناطق أخرى من الشرق العربي أوفر حظًا من حيث التوثيق، إذ إن وصفها جاء أكثر دقة وتفصيلًا على يد رحالة آخرين. وكما ذكرتُ في إجابتي عن السؤال الأول، فإن هناك أوصافًا تركها الحجاج الروس منذ القرن الثاني عشر أثناء زيارتهم للمواقع المسيحية المقدسة في القدس، وقد مرّ طريق الحج آنذاك عبر إسطنبول ومصر، لذا نمتلك اليوم وصفًا جيدًا لتلك المناطق أيضًا.

ومع ذلك، ظلت الكثير من المخطوطات التي كتبها الرحالة، ومنهم أفاناسي نيكيتين نفسه، حبيسة الأرشيف لعقود طويلة، ولم يبدأ الاهتمام الجاد بها إلا في القرن التاسع عشر، حين بدأت تُنشر تدريجيًا.

اليوم، لا تزال تُنشر بين حين وآخر أوصاف مثيرة للاهتمام من تلك الرحلات. كما تُنشر قوائم مفصلة تحتوي على بيانات هذه الرحلات. وأحدث هذه القوائم نُشر في موسكو عام 2024، ومن بينها مثلًا: «رحلة التاجر فاسيلي إلى مصر وفلسطين» (1465-1466)، و«رحلة تريفون كوروبينيكوف إلى القسطنطينية» (1582-1584)، وغيرها.

ومن المحتمل أن تُكتشف مصادر جديدة في المستقبل، ما يفتح آفاقًا أوسع لدراسة التاريخ العربي، بما في ذلك التاريخ العماني.

*************************************************************************************************

هل تعتقد أن الرحلات القديمة مثل رحلة نيكيتين، التي وثقت العديد من الجوانب التجارية والاجتماعية، لا تزال تحمل أهمية في العصر الحديث؟ وهل يمكن أن تساعد في بناء جسر بين روسيا والعالم العربي؟

برأيي، تكمن الأهمية الأساسية لرحلة أفاناسي نيكيتين في أنها قدّمت نموذجًا واقعيًا لإمكانية التعاون السلمي بين شعوب من أعراق وديانات مختلفة، فخلال رحلته كلها، لم يشعر أفاناسي بأي نوع من الاضطهاد بسبب كونه مسيحيًا أرثوذكسيًا يسافر في أراضٍ إسلامية، بل إنه أبرم فيها صفقات تجارية أيضًا دون عوائق.

فقط في الهند، حاول أحد الأمراء التأثير عليه لاعتناق الإسلام، لكن الأمر بدا أقرب إلى نزوة شخصية من الأمير، ورغبة منه في اختبار قدرة التاجر الروسي على مقاومة الإغراء المادي مقابل تغيير دينه.

وأود أن أذكّر هنا بأن نيكيتين سافر في منطقة الخليج العربي والهند قبل ثلاثين عامًا من وصول فاسكو دي جاما إلى هناك، ذلك الرحّالة البرتغالي الذي كانت رحلته مصحوبة بأعمال قرصنة وقصف للقرى الساحلية.

وبعد سنوات قليلة، وصل الأسطول البرتغالي، وكانت تلك بداية لقاء مختلف تمامًا بين الحضارات، اتسم بالعنف والاضطهاد، لذلك، فإن وصف الرحلات القديمة يحمل قيمة كبيرة، على الأقل لأنه يُظهر أن العلاقات السلمية بين شعوب من أديان ودول مختلفة كانت ممكنة حتى في تلك العصور التي يُطلق عليها أحيانًا «القرون المظلمة». بل إني، حين أقرأ مثل هذه المذكرات، أجد نفسي مقتنعًا بأن بعض المجتمعات في عالمنا اليوم باتت تُظهر قدرًا أقل من التسامح مقارنةً بما كان عليه الحال قبل قرون مضت.

*************************************************************************************************

لقد قمت بتسليط الضوء في أكثر من مناسبة على أهمية الترجمة في التقريب بين الثقافات. كيف يمكن للأدب العربي أن يساهم في تعزيز فهم أعمق للثقافة الروسية والعكس بالعكس؟ وهل ترى أن هناك تطورًا حقيقيًا في مجال الترجمة الأدبية من العربية إلى الروسية في السنوات الأخيرة؟

بالطبع، لا خلاف في أن الفهم المتبادل بين الشعوب يعتمد، من بين أمور أخرى، على مدى التفاعل الثقافي العميق بينها، وقد سرّني كثيرًا، خلال مشاركتي في معرض مسقط الدولي للكتاب، أن أرى كتبًا للأدباء الكلاسيكيين الروس على العديد من الأرفف، ولعل أكثر ما أثار دهشتي أن امرأة ترتدي النقاب اشترت أمامي طبعة من مجلدين لأعمال ديستويفسكي! .. كما أُعجبت كثيرًا بـ«يوم المدارس» ضمن فعاليات المعرض.

أما فيما يتعلق بالأدب الحديث، فالوضع أقل تشجيعًا، رغم وجود بعض الكتب المترجمة من الروسية إلى العربية.. فخلال الحقبة السوفييتية، نُشرت في روسيا معظم الأعمال الكلاسيكية من الأدب العربي. ولا تزال مثل هذه الإصدارات تظهر من وقت لآخر، مثل كتاب «النبي» لجبران خليل جبران. كما بدأت تُنشر مؤخرًا أعمال أدبية عربية معاصرة، وبالطبع، لا تزال قصص ألف ليلة وليلة حاضرة بقوة في سوق النشر الروسي، وهي من أشهر ما يُقرأ عن التراث العربي.

وأعتقد أن سلطنة عُمان، بما تملكه من إرث فولكلوري غني، يمكن أن تسهم أيضًا في هذا النوع من الأدب، خاصة في أدب الحكايات.. ومن حسن الحظ، أن هناك في روسيا عددًا من المتحمسين الذين يبذلون جهدًا حقيقيًا للحفاظ على تقاليد مدرسة الترجمة من اللغة العربية، وهي المدرسة التي كانت مزدهرة جدًا في العهد السوفييتي، لكنها تعرضت لانتكاسة في تسعينيات القرن الماضي نتيجة ضعف العلاقات مع العالم العربي.

ولإثبات ذلك، يكفي أن أذكر أنه منذ عام 2022 يُنظَّم في موسكو سنويًا مسابقة للترجمة الأدبية من اللغة العربية، أطلقتها وتشرف عليها الباحثة إلينا جيمون...كما لا تزال تعمل مترجمات محترفات مثل فيكتوريا زاريتوفيسكايا، التي ترجمت رواية «سيدات القمر» للكاتبة العُمانية جوخة الحارثي، بالإضافة إلى رواية «فرانكنشتاين في بغداد» لأحمد سعداوي، ومؤخرًا رواية «درب المسحورة» لمحمود الرحبي.

إلى جانب ذلك، يواصل معهد الترجمة في موسكو نشاطه، حيث يمنح منحًا لترجمة الكتب الروسية إلى لغات أجنبية، وينظم مؤتمرًا دوليًا للمترجمين كل عامين، ويمنح جائزة لأفضل ترجمة من الروسية إلى لغة أجنبية، ومن أبرز المشاريع الجارية حاليًا، نشر سلسلة مكونة من 100 مجلد لأعمال الأدب الروسي مترجمة إلى لغات مختلفة. وقد نُشرت السلسلة بالفعل باللغتين الصينية والفرنسية، والآن يجري العمل على إصدارها باللغتين الهندية، والعربية كذلك.

*************************************************************************************************

بما أنك تحدثت عن مسابقة الترجمة الأدبية من العربية إلى الروسية.. وكنت قد أخرت السؤال عنها، كيف ترى دور هذه المسابقات في تعزيز التبادل الثقافي بين الشعوب؟ وهل لديك مشاريع ترجمة في المستقبل تهتم بكتاب أو أدباء عرب؟

أود أن أؤكد هنا أن طلابًا من أكثر من عشرين مؤسسة تعليمية يشاركون في هذه المسابقة، وهو ما يعكس مدى انتشار اللغة العربية في روسيا. فهي تحتل المرتبة الثانية بين اللغات الشرقية الأكثر دراسة، بعد اللغة الصينية.

لكن دعنا نعود إلى موضوع المسابقة. لا أخفيك أن جذب انتباه دور النشر لنتائج هذه الأنشطة ليس بالأمر السهل، رغم النشاط الملحوظ في مجال الترجمة. وهنا نواجه مشكلة عالمية: أي كاتب أو مترجم سيخبرك أن النص لا يصبح «كتابًا» إلا حين يُطبع. وهذا يعني أن مصير أي عمل أدبي مرتبط إلى حد كبير بدار النشر.

في الحقبة السوفييتية، كان نشر كتاب يتناول جوانب من الصراع بين المعسكر الاشتراكي والدول الغربية أمرًا أسهل. أما اليوم، فقد مال الميزان في الاتجاه المعاكس: حيث تُفضّل دور النشر الأعمال الترفيهية الخفيفة، التي تدور حول مواضيع مألوفة، بغض النظر عن مدى ارتباطها بواقع الحياة. ولهذا السبب، هناك الكثير من الكتّاب الذين يكتبون عن أمور لا يعرفونها حقًا، بما في ذلك العالم العربي.

دعونا نكون صريحين: الهدف الأساسي لغالبية دور النشر هو تحقيق الربح، ولهذا فهي تميل إلى خدمة القارئ العادي، الذي يفضل القوالب المألوفة والنصوص البسيطة.

*************************************************************************************************

.. وكيف يمكن تجاوز هذا الوضع؟

دور النشر لا تكون عادةً غير مبالية تجاه الجوائز الأدبية، والتغطية الإعلامية، والتصنيفات. ولعل رواية «سيدات القمر» لجوخة الحارثي، رغم قيمتها الكبيرة، لم تكن لتحظى بالاهتمام في روسيا لولا فوزها بجائزة البوكر الدولية.

لذلك، أعتقد أن من الأدوات التي يمكن أن تساهم في تعزيز حضور الأدب العربي المترجم، تبادل المعلومات بين اتحادات الكتّاب في العالم العربي وروسيا.

فهذا التبادل يمكن أن يتيح للطرفين ترشيح أهم الأعمال وأكثرها قيمة، وتوصية دور النشر المهتمة بها في بلدانهم. ويمكن أيضًا أن تؤسس اتحادات الكتّاب جوائز أدبية خاصة بها، بحيث تُمنح للأعمال البارزة وتساهم في لفت نظر دور النشر إليها، دون الاعتماد الكامل على جوائز كالبوكر وغيرها.

أما بالنسبة لي شخصيًا، فأنا في الأساس كاتب، أي أنني أكتب نصوصي الخاصة. وما قمت به في مجال الترجمة لا يتجاوز ترجمة بعض القصائد لعدد من الشعراء العرب، ومن بينهم نزار قباني.

*************************************************************************************************

أنت مجددا تعيد ترتيب أسئلتي، سوف أقدم سؤالا كنت قد وضعته تاليا .. من خلال تجربتك في العمل مع الأدب العماني، كيف تصف ما يجذب القراء الروس إلى الأدب العماني؟ وهل هناك عناصر ثقافية معينة تشدهم نحو هذا الأدب؟

برأيي، يجب أن يحقق الأدب ثلاث وظائف أساسية: أن يُعرّف، وأن يُدهش، وأن يُمتع. وهذا يعني أن كل كتاب يجب أن يُلبي واحدًا على الأقل من هذه الشروط، ويفضَّل أن يجمع بينها جميعًا.

وللإجابة على سؤالك بشكل ملموس، دعنا نلجأ إلى الإنترنت، حيث يمكن العثور على تعليقات القرّاء وانطباعاتهم المباشرة. لنأخذ كمثال تفاعل القرّاء الروس مع رواية «سيدات القمر» للكاتبة جوخة الحارثي، والتي تُرجمت إلى الروسية:

«لا ينبغي توقّع قراءة خفيفة من هذا الكتاب، وهذا ليس ما يُنتظر منه. ميزته الأساسية أنه يقدم سردًا تفصيليًا لحياة المجتمع العربي المعاصر، حيث يعيش الأفراد أحيانًا بين منظومة أبوية تقليدية ورغبة في التقدّم. في هذا العالم، يبدو الرجال هشّين بشكل غير متوقع، والنساء طموحات، والعواطف صادقة».

«أحببت الكتاب. ليست لدينا معلومات كثيرة عن عُمان، لذلك كان من المثير أن أكتشف كيف يعيش الناس هناك، وما هي مشكلاتهم وأحلامهم».

«قررت قراءة هذا الكتاب الحاصل على جائزة البوكر العالمية، رغم أنني عادة لا أستمتع كثيرًا بكتب الفائزين بتلك الجوائز. لكن في هذه الحالة، كانت مفاجأة تامة بالنسبة لي، فقد اتضح أن الكتاب ممتع حقًا، رغم أن الكثير من تفاصيله لم تكن قريبة مني».

«لم يسبق لي أن قرأت شيئًا عُمانيًا، ولا أعرف شيئًا تقريبًا عن عُمان. لكن بعد قراءة هذا الكتاب، رغبت في قراءته مرة أخرى. السبب هو أنني لم أكن متأكدًا تمامًا أنني فهمت كل الشخصيات. كان من المثير أن أرى كيف غيّر الزمن الكثير في حياة ثلاثة أجيال، وما هو موقع التقاليد اليوم».

«إنه مثير جدًا. يكاد يكون نسخة مختصرة وعصرية من ألف ليلة وليلة».

«عادةً لا تُسعدني كتب الحاصلين على جائزة البوكر. لا أعلم إن كان الخلل فيّ أم في لجنة التحكيم... لكنني لم أتمكن من تجاهل هذا الكتاب الذي كتبته امرأة من عُمان. إنه ساحر بلا شك».

ومن خلال هذه الانطباعات، يمكن القول إن رواية «سيدات القمر» نجحت في جذب اهتمام القرّاء الروس لأنها لبّت، بدرجات متفاوتة، الوظائف الثلاث الأساسية للأدب: المعرفة، والدهشة، والمتعة. ويجب على الكُتّاب، في رأيي، ألا يغفلوا عن هذه التوقعات الجوهرية لدى القارئ.

*************************************************************************************************

ماذا يمكن أن تُقدم روسيا في مجال التعاون الأكاديمي مع الدول العربية، خصوصًا في مجالات مثل الدراسات التاريخية والأدبية؟ وكيف يمكن أن تسهم الأبحاث الروسية في إعادة اكتشاف التراث العربي؟

فيما يخص التعاون في المجال الأكاديمي، وبما أنني لست متخصصًا مباشرًا في هذا المجال، فإنني لا أستطيع إلا أن أقدّم رأيي كمراقب من الخارج. وما أراه يشير إلى أن هناك رغبة متبادلة بين روسيا وسلطنة عمان لتطوير العلاقات في هذا المجال. يمكنني الإشارة إلى مثالين في هذا السياق: في عام 2013، قام وفد عُماني بزيارة المكتبة الوطنية الروسية، والتي تضم أكثر من 50 ألف كتاب ومخطوطة باللغة العربية، وقد تم خلال الزيارة التوصل إلى اتفاق لتعزيز التعاون، خصوصًا فيما يتعلق بمشاركة الجانب العُماني في تنظيم المؤتمرات والمعارض والندوات الحوارية.

وفي عام 2021، زار وفد عُماني آخر مدينة سانت بطرسبرغ، برئاسة سعادة جمال الموسوي الأمين العام للمتحف الوطني، للمشاركة في معرض مخصص للأدب والثقافة العُمانية، وقد حمل الوفد معه كتبًا وملابس وطنية وصورًا فوتوغرافية، تم التبرع بها لصالح مكتبة غوركي العلمية... كما تمت مناقشة إمكانية إقامة علاقات تعاون بين جامعة سانت بطرسبرج وجامعة السلطان قابوس، ولكن للأسف، ليست لدي معلومات مؤكدة حول مدى استمرار هذا التواصل وتفعيله... أما على صعيد النقد الأدبي الروسي، فهناك عدد من النقاد والباحثين النشطين، ممن يقومون بتحليل الأدب العربي، ويُلقون محاضرات، وينشرون مقالات، ويُغنون المواقع الإلكترونية المتخصصة بالأدب، ومن بين أبرز الأسماء التي تحضرني في هذا السياق: ميخائيل سوفوروف، وأحمد الرحبي، وغليب فولوشينكو.

*************************************************************************************************

إذن بعد كل هذا كيف ترى مستقبل العلاقات الثقافية بين روسيا وعمان في ظل التغييرات السياسية والاقتصادية العالمية؟ وما الخطوات التي يمكن اتخاذها لتعميق هذه الروابط الثقافية؟

لطالما أبدى الشعب الروسي اهتمامًا كبيرًا بثقافات الشعوب الأخرى. وإذا كانت الثقافة الأوروبية قد أصبحت مألوفة لدينا منذ زمن بعيد، فإن ثقافات شعوب الشرق لا تزال تتمتع بجاذبية خاصة؛ لأنها لا تزال تحتفظ بالكثير من العناصر الجديدة والمفاجئة.

وقد نجحت بعض بلدان الشرق بالفعل في السنوات الأخيرة في نشر ثقافتها على نطاق واسع. فعلى سبيل المثال، أصبحت الموسيقى والسينما التركية اليوم تحتلان مكانة ملحوظة في روسيا. ويلعب القطاع السياحي دورًا كبيرًا في تعزيز هذا الحضور، لا سيما وأن تركيا تُعد من الوجهات الرئيسية للسياح الروس.

وبوصفي مؤلف أول دليل سياحي باللغة الروسية عن سلطنة عُمان، أعتقد أن لديكم في عُمان إمكانات كبيرة لجذب السياح الروس، فعلى عكس بعض الدول التي تركز على البحر والشواطئ، تمتلك عُمان مزيجًا غنيًا من المقومات السياحية، التاريخية والطبيعية على حد سواء، وأنا واثق بأن أبناء بلدي سيُقدّرون هذا التنوّع، وسيُعجبون كذلك بطبيعة الشعب العُماني الودود. ومن وجهة نظري، سيكون من المهم جدًا أن تُطلق عُمان وروسيا مشاريع ثقافية مشتركة في مجالات مثل الموسيقى والسينما والأدب، ولتحقيق ذلك، يمكن تشكيل مجموعة من الممثلين الثقافيين من كلا البلدين، تكون مهمتها طرح الأفكار والمبادرات التي تعزز هذا التعاون.

*************************************************************************************************

.. وكيف ترى تأثير فكر ابن ماجد على الملاحة البحرية العالمية، وما الدور الذي يمكن أن تلعبه الترجمة الأكاديمية لكتابه «الفوائد في أصول البحر والقواعد» في تعزيز التبادل الثقافي بين العالم العربي وروسيا؟

يُعد مخطوط أحمد بن ماجد مثالًا حيًا على كيف يمكن لترجمة علمية دقيقة لمخطوطة قديمة أن تُسهم في توسيع آفاق التبادل الثقافي بين الشعوب المختلفة.

ففي روسيا، نُشرت الترجمة الأكاديمية لكتاب «الفوائد في أصول البحر والقواعد» للمرة الأولى عام 1965 في مجلدين: أحدهما يحتوي على النص العربي، والآخر على الترجمة الروسية. وقد أثار هذا الإصدار اهتمامًا كبيرًا بشخصية المؤلف وأعماله.

وفي السنوات التالية، نُشرت العديد من المقالات التي تناولت أحمد بن ماجد وسيرته، وكذلك أعلام الملاحة العربية بشكل عام، وأصبح موضوع الملاحة البحرية عند العرب محورًا لأبحاث عديدة، وقد برز في هذا المجال بشكل خاص الباحث تيودور شوموفسكي، الذي قدّم هذا الموضوع بأسلوب علمي جذّاب وشيّق، ونشر ثلاثة كتب نالت شهرة واسعة، وهي «آخر أسد في بحار العرب»عن سيرة أحمد بن ماجد، و«في آثار السندباد البحّار»، و«العرب والبحر»، وقد تُرجمت مؤلفات شوموفسكي الأكاديمية حول طرق الملاحة العربية القديمة إلى اللغتين البرتغالية والعربية. ومما يجدر ذكره أن أقدم تقييم محفوظ لأعمال أحمد بن ماجد يعود إلى عام 1554، حيث ذكره الأدميرال التركي سيدي علي بن حسين جلبي في مقدمة موسوعته حول العلوم البحرية، وأكد أنه استند في تأليفه إلى كتاب «الفوائد في أصول البحر والقواعد»، من بين مراجع أخرى.

وقد كتب في ذلك (وأنا أنقل المعنى بتصرف اختصاري): «من دون مثل هذه الكتب، من الصعب جدًا الإبحار في المحيط الهندي، إذ كان القادة يشعرون دائمًا بالحاجة إلى معارف ملاحية لم تكن متوفرة لديهم».

وقد أعاد هذا العمل التركي اسم أحمد بن ماجد وكتبه إلى الواجهة، وجعل الأوروبيين يطّلعون عليها من جديد، لكن للأسف، لم يُعرها أحد اهتمامًا يُذكر في ذلك الوقت. ولم تبدأ القراءة الحقيقية لقيمة ابن ماجد إلا في وقت لاحق، حين أدرك الأوروبيون مكانة هذا البحّار وكتابه، الذي يُظهر المستوى الرفيع الذي بلغته الملاحة العربية في القرن الخامس عشر.

أما اليوم، فلا يكاد أحد يُشكّك في أن الملاحة العربية تمثّل حقيقة تاريخية ثابتة، تستوجب إعادة تقييم دور العرب في تاريخ الحضارة العالمية، وذلك بفضل أعمال أحمد بن ماجد وغيره من البحّارة، وأيضًا بفضل الباحثين الذين أدركوا أهمية هذا الإرث العلمي.

مقالات مشابهة

  • الكاتب ديمتري ستريشنيف لـ«عمان»: الأدب العُماني يفاجئ القارئ الروسي .. والترجمة جسر لا غنى عنه
  • إبراهيم البشاري: الرئيس السيسي يوجه بفتح أسواق جديدة للصادرات المصرية
  • حكام العرب يلهثون وراء ترامب .. واليمن تعلن التحدي ”
  • شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تسخر من القيادي بالدعم السريع “بقال” بأغنية الفنانة مروة الدولية (الخذلة حارة عليك شديد ما كنت فاكر بخذلوك) والجمهور: (مغارز شديدة)
  • وزيرا خارجية الأردن وألمانيا يؤكدان ضرورة التكاتف لوقف النار بغزة
  • الكاتب المصري بلال فضل يعلن عن فيلمه الجديد إفراج.. يتناول مأساة الإخفاء القسري
  • مكي: الاستراتيجية الإصلاحية تحتاج دعمًا دوليًا
  • “الأعلى للإعلام” يقرر رفع الحجب عن الحسابات الإلكترونية لـ 17 شركة وصيدلية شهيرة بعد توفيق أوضاعها مع هيئة الدواء المصرية
  • الخيزران المحظوظ: نبتة الديكور التي تجلب البهجة والحظ
  • كيف كلفت زلة لسان عن الأرز وزيرا يابانيا منصبه؟