عربي21:
2024-06-12@04:15:29 GMT

لماذا تُظهر أمريكا إشارات متناقضة بخصوص الحرب على غزة؟

تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT

بدت الاندفاعة الأمريكية الهائلة بداية الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة، في تبني تلك الحرب بالمطلق بلا كوابح إلى درجة محاولة إمرار مشروع التهجير الإسرائيلي كما تضافرت على تسريب ذلك وتأكيده مصادر متعددة.. مفاجأة لمن يرون هذه الاندفاعة متعارضة مع مبادئ السياسة الواقعية، إذ أفرطت الولايات المتحدة في تمويل المذبحة وإذكائها وتغطيتها سياسيّا واستثمار الهيمنة للإطباق على الإقليم والعالم؛ ليس فقط لأجل ما تسميه أمريكا "منع تمدد الحرب" بل ولمنع دعم الفلسطينيين بأدنى موقف سياسيّ مؤثّر، وذلك علاوة على انخراطها فيها فعليّا بالاستخبارات ومشاركة الجنرالات بالمشورة والرأي بل وبقوات خاصة أمريكية كما أشارت معطيات مطلع الحرب، وهو الأمر الذي حاولتُ تفسيره في مقالة سابقة عنوانها "لماذا أعلنت الولايات المتحدة الحرب على غزة؟"، من حيث كون "إسرائيل" قوة إمبراطورية فرعية لها نفوذها الخاص، وإن كانت تتبع المركز الإمبراطوري الذي ينتهج أصلا سياسات الهيمنة لا السياسات الواقعية بدفع من مراكز نفوذ عميقة فيه، بالإضافة إلى تعاظم تأثير نوازع الهيبة على الإمبراطورية التي خرجت من أفغانستان بنحو مذلّ وتعاني تعثّرا في الحرب الروسية الأوكرانية.



الآن تبدي الولايات المتحدة مؤشرات متناقضة باستمرار إزاء أساليب الحرب الإسرائيلية المندفعة بقصدية إنجاز أكبر دمار ممكن، بما يستتبعه ذلك من إزاحة دموية للسكان، وهو ما اتسم بسياسات إبادة جماعية ظاهرة، فبعد تبني الدعاية الإسرائيلية بالكامل، وتعمد الكذب وقلب الحقائق، وإنكار أعداد الضحايا الفلسطينيين، والاستناد إلى الإسرائيلي حكما وجلادا في الوقت نفسه، وإطالة أمد الحرب والإعلان الصريح عن رفض وقفها، تبدي الولايات المتحدة مؤشرات متناقضة باستمرار إزاء أساليب الحرب الإسرائيلية المندفعة بقصدية إنجاز أكبر دمار ممكن، بما يستتبعه ذلك من إزاحة دموية للسكان، وهو ما اتسم بسياسات إبادة جماعية ظاهرة، فبعد تبني الدعاية الإسرائيلية بالكامل، وتعمد الكذب وقلب الحقائق، وإنكار أعداد الضحايا الفلسطينيين، والاستناد إلى الإسرائيلي حكما وجلادا في الوقت نفسه، وإطالة أمد الحرب والإعلان الصريح عن رفض وقفهابدأت مستويات متعددة في الإدارة الأمريكية من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي تتحدث عن نهاية مقترحة للحرب، وكانت التسريبات تشير إلى منتصف كانون الثاني/ يناير وقتا مقترحا لذلك، وها قد صرنا الآن في نهايات شباط/ فبراير دون وجود أفق ظاهر لهذه الحرب.


لم تصل الحرب إلى تلك النهاية المقترحة، كما أنّ التصريحات الأمريكية كانت ما تلبث أن تتراجع لصالح الإرادة الإسرائيلية في استمرار المذبحة، وهو ما يوجب على أيّ عاقل التخفيف من التعامل الجدّي مع التصريحات الأمريكية، وإن بدت هذه التصريحات في هذا الشهر الأخير (شباط/ فبراير) أكثر وضوحا في الاختلاف الأمريكي/ الإسرائيلي حول الحرب، مع غموض نسبي في ماهية الاختلاف، إذا تجاوزنا الخلاف غير المؤثّر جوهريّا حول مسألة مفهوم الدولة الفلسطينية الذي يرفضه نتنياهو جملة وتفصيلا وتتحدث عنه أمريكا مراوغة ومخاتلة لاستعادة زخم التطبيع العربي/ الإسرائيلي، ففيما يتعلق بالحرب ما يزال الشكل الأمريكي المقترح لوقفها غامضا، وإن كان المؤكد أنّه سيُهندس ليكون في صورة انتصار إسرائيلي!

ما الذي يجعل أمريكا مرتبكة ومتناقضة إلى هذا الحد إزاء حرب دولة يفترض أن أمريكا تملك نفوذا عليها، كما أنّ هذه الإدارة قدمت لـ"إسرائيل" في حربها ما يجعلها قادرة على فرض موقفها إن أرادت ذلك؟

يذهب البعض إلى أنّ أمريكا تمارس عملية خداع على الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه تأخذ مسافة شكلية من المذبحة الإسرائيلية لأسباب دعائية تحتاجها أي قوّة سياسية مهما كانت طاغية ومهيمنة، بالإضافة إلى حسابات خاصة بهذه الإدارة قد لا تبتعد في جانب منها عن قرب الانتخابات الرئاسية، وعن رؤية تسعى لتبريد المنطقة.

ذلك كله مفيد، لكنه على الأرجح عامل من جملة عوامل؛ منها حالة من الاستعصاء في السياسة الأمريكية الداخلية، تعززها طبيعة هذه الإدارة التي يقف على رأسها رجل يعاني في عافيته البدنية وفي لياقته الذهنية، وهو ما يفتح المجال أوسع لصراع أقطاب الإدارة، وقوى الدولة النافذة في أحشاء المؤسسة، للتزاحم على القرار بشأن الحرب الإسرائيلية، وهذا التزاحم في بعضه انعكاس لقوى التأثير التقليدية كجماعات الضغط الصهيونية والمجمع الصناعي العسكري.

لكن هذا من جهة يشير إلى ما هو أكثر أهمية، فكل هذا التدافع الأمريكي الداخلي الذي يستثمر في ضعف القدرات العقلية والقوى الصحية للرئيس، في حيثية منه ناجم عن كون "إسرائيل" قضية أمريكية داخلية، فهي ليست قوّة إمبراطورية فرعية تابعة للمركز فحسب، ولكنها علاوة على ذلك قضية أمريكية بالغة الحساسية بالنسبة لقوى التأثير التقليدية في الولايات المتحدة، وهو ما يجعل الضعط عليها في حرب وصفتها بالوجودية وفي إطار دعاية تبنتها أمريكا نفسها محفوفا بحسابات دقيقة.

"إسرائيل" قادرة تاريخيّا على إقناع أمريكا بخصوص معاركها ومصالحها الأمنية، أولا من حيث الوظيفية الإسرائيلية بوصفها قوة إمبراطورية تتبع المركز، وثانيا من حيث حساسيتها في السياسة الأمريكية، مما يجعل أمريكا واهنة العزيمة في الضغط الجدي عليها، ولذلك فالغالب أن "إسرائيل" تفعل ما تريد في النهاية، وهي اليوم وفي هذه الحرب تحديدا تستقوي في إقناع أمريكا بقدرتها على احتواء التداعيات، وذلك بقدرتها على الاحتفاظ بتحالفها العربيّ بالرغم من المذبحة
إلا أنّ المهم هو كون حرب "إسرائيل" حربا أمريكية، و"إسرائيل" نفسها قضية أمريكية داخلية، فالنقاش والحالة هذه نقاش على أرضية واحدة، أرضية وحدة الحال. فكما أنّ طبيعة السياسة الأمريكية تشهد سجالات ظاهرة بين أطياف السياسة فيها بنحو حادّ، وقد تطفو تباينات الإدارة الواحدة على سطح المجال العامّ، وكما أنّ "إسرائيل" نفسها تظهر الخلافات فيها بنحو أكثر حدّة ومن قاعدة حرص الجميع على الكيان، ودون الغفلة عن أسباب أخرى للتباينات الإسرائيلية، فإنّ ذلك يعني إمكان حصول اختلافات داخل الإدارة الأمريكية وبين قوى التأثير في أمريكا حول مجريات الحرب الإسرائيلية ومآلاتها، وبين بعض تلك الأطراف والحكومة الإسرائيلية، ولكن على قاعدة وحدة الحال وتقليب النظر، وليس في ذلك أدنى اختلاف على دعم الحرب ما دامت قائمة، والسعي لضمان انتصار إسرائيلي.

أمر أخير، وهو أن "إسرائيل" قادرة تاريخيّا على إقناع أمريكا بخصوص معاركها ومصالحها الأمنية، أولا من حيث الوظيفية الإسرائيلية بوصفها قوة إمبراطورية تتبع المركز، وثانيا من حيث حساسيتها في السياسة الأمريكية، مما يجعل أمريكا واهنة العزيمة في الضغط الجدي عليها، ولذلك فالغالب أن "إسرائيل" تفعل ما تريد في النهاية، وهي اليوم وفي هذه الحرب تحديدا تستقوي في إقناع أمريكا بقدرتها على احتواء التداعيات، وذلك بقدرتها على الاحتفاظ بتحالفها العربيّ بالرغم من المذبحة، إذ يبدو حلفاؤها العرب أكثر حرصا منها على التخلص من حماس، وعلى طمس دلالات يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والعودة إلى سياسات إذلال الشعوب العربية وضمان خضوعها، وفرض انكسار معنوي على المنطقة من بوابة فلسطين؛ الأكثر تأثيرا في تسييس المنطقة وتنوير شعوبها.

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية غزة دعم إسرائيل امريكا غزة دعم مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب الإسرائیلیة السیاسة الأمریکیة الولایات المتحدة إقناع أمریکا بقدرتها على ما یجعل من حیث وهو ما کما أن

إقرأ أيضاً:

رئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني: أمريكا تدعم الاحتلال باستخدام «الفيتو» في مجلس الأمن

أفاد الدكتور صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني، أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الفيتو في مجلس الأمن.

وشدد عبد العاطي في حوار خاص لقناة «القاهرة الإخبارية»، على ضرورة فرض عقوبات على إسرائيل، لإيقافها عن تنفيذ الجرائم بحق الفلسطينيين بغزة، كما طالب بتشكيل محكمة خاصة لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه.

وفي وقت سابق، أعلن البيت الأبيض عزم الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الأربعاء الموافق 15 مايو 2024، استخدام حق النقض «الفيتو» الرئاسي لإبطال مشروع قرار طرحه الجمهوريون في مجلس النواب يقضي بإجبار الرئيس على إرسال شحنات الأسلحة المجمدة بسبب الخلافات بشأن غزة إلى إسرائيل.

وأضاف مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، أن إدارة بايدن تعارض بقوة أية محاولة لتقييد صلاحيات الرئيس وحرية تصرفه، وفقا للمادة الثانية من الدستور، كقائد أعلى للقوات المسلحة والتي تمكنه من ضمان تماشي المساعدات الأمنية مع أهداف الأمن القومي وسياسة الولايات المتحدة الخارجية.

وتابع المكتب: أن مشروع القانون هو رد فعل مضلل على التشويه المتعمد لنهج الإدارة تجاه إسرائيل، لقد كان الرئيس واضحًا، سنضمن دائما أن لدى إسرائيل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها، والتزامنا تجاه إسرائيل صارم.

اقرأ أيضاًالبيت الأبيض: بايدن سيستخدم الفيتو ضد مشروع قانون يلزمه بإرسال الأسلحة لإسرائيل

حماس: تمت إزالة بند «الفيتو» لإسرائيل والحركة على أسماء السجناء والمحتجزين

مساعد وزير الخارجية الأسبق: الفيتو الأمريكي أعاق وقف إطلاق النار منذ بدء الحرب على غزة

مقالات مشابهة

  • عن القرار 2735 وهذه الإدارة الأمريكية التي تتسلّى بالعالم!
  • هيئة البث الإسرائيلية: الإدارة الأمريكية تخشى من تصعيد كبير على الحدود اللبنانية
  • لجان المقاومة الفلسطينية : المواقف الأمريكية تمثل عقبة أمام وقف الحرب
  • وقف في وجه الإدارة الأمريكية.. فوز الكاتب كريس هيدجز بجائزة توفيق دياب الكبرى
  • هيئة البث الإسرائيلية تكشف عن حوارات داخلية بين مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى بخصوص تصرفات نتنياهو
  • بعد غانتس.. لماذا يصعب على غالانت القفز من سفينة نتنياهو؟
  • لماذا تخذل الأنظمة العربية الاستبدادية غزة؟
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: الإدارة الأمريكية تعد الشريك الأساسي والداعم الأول للعدوان الإسرائيلي
  • رئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني: أمريكا تدعم الاحتلال باستخدام «الفيتو» في مجلس الأمن
  • هل تستخدم أمريكا الرصيف البحري في عملية تحرير رهائن إسرائيل؟