سودانايل:
2025-07-08@06:48:25 GMT

في الدعاء على الكيزان.. نظرة لائكية

تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
إنتظمت وسائط التواصل الاجتماعي خاصة على الفيسبوك دعوة " أقل ما يُمكن أن توصف به - إذا جاز للمرء إطلاق الوصف - بأنها سمجة سُميت من قبل مطليقها "الدعاء على الكيزان" قوامها ترديد (اللهم لا تحقق للكيزان غاية ولا ترفع لهم راية) وتنشط هذه الدعوة بشكل كثيف كل يوم جمعة.

... الواضح أن هذه الدعوة تستبطن حنقاً على جماعة الإخوان المسلمين وبصورة أكثر خصوصية حزب المؤتمر الوطني أو من يعرفون في السودان على نطاق واسع (بالكيزان) ، ومنبع الحِنق فيما يبدو أن مطلقي الدعوة والدعاء ينحون باللائمة في إشعال حرب ١٥ إبريل في السودان على هذه المجموعة السياسية.. وبنظرة فاحصة لفحوى الدعاء وغايته ومرجعيته من منظور لائكي - عَلَماني - يؤكد إعلان حالة هزيمة فكرية ومرجعية لمطلقيه، كما ينم هذا النزوع عن حالة ركون لإبطال الفعل السياسي واللجؤ لدعوة غيبية في مواجهة جماعة مرجعيتها الأصلية وخلفيتها الفكرية التماس شؤون السياسة من الغيب بدعوى أنها ممثلة ذلك الغيب في المضمار السياسي والناطق بإسمه، وبذلك وقّع وبَصَم أصحاب هذا الإتجاه (الدعاء) على ذات مرجعية خصمهم السياسي ونزلوا في سُوح موجهاته الفكرية نزولاً فضولياً وبالتالي قلصوا مساحة الخلاف بينهم وبينه لحد التلاشي.
على عموم الأمر، ينبأ هذا التوجه - الدعاء على الخصم- عن حالة توهان فكري عميق من ناحية، ويؤسس لخلق حالة من الفوضى الفكرية في مقارعة الخصوم، ومن ناحية ثانية يؤكد على حالة عدم فهم لمشروع الإخوان المسلمين.. وبالتالي يفتح ساحة الصراع لمثل هذا التسابق غير المجدي نحو رفع الأمر للسماء... فالخلاف مع الإخوان أو الكيزان هو في الأصل خلاف مرجعيات فكرية محورها الأساسي يدور حول قدرة الإنسان على إدارة شؤون السياسة دون إقحام الغيب والدين في إدارة العملية السياسية مع التركيز على تقديم العقل Reason على كل ما عداه من مرجعيات بحسبانه أي العقل هو المرجعية الأساسية التي يُحتَكمُ إليها في العملية السياسية، مع التزام صارم بالتمسك به وبمقتضياته مهما كانت طبيعة ودينامية ومفاعيل الصراع السياسي وما يقود إليه من نهايات سعيدة أو تراجيدية، هكذا يُفهم الصراع مع الجماعات ذات المرجعية الدينية وعلى ذلك يجب أن تُبنى الخلافات معهم... أما الدعاء عليهم فذلك أمر فوق أنه لا يخدم قضية الصراع المجتمعي - الدنيوي في شي، فإنه يجر صاحبه لحالة من التماهي والتطابق مع المدعو عليه من حيث المرجعية بحيث يصير النّدان قرينان لا فرق بينهما لا بالدرجة ولا بالنوع بالصورة التي تشوش على المتابع أو المراقب ولا تمكنه من فهم أوجه الخلاف بين الداعي والمدعو عليه.
إن الخلاف مع الجماعات الدينية كجماعة الاخوان المسلمين لا يتأسس اطلاقا على حالة نفسية تتلبس فيها الشخص " كراهية" الكيزان كما هو سائد الآن دون النظر والاعتبار والتحقق من أدوات الخلاف معهم بالقطع مع مرجعيتهم لا التماهي معها، فحاصل الأمر أن جماعة الإخوان ومهما كان مستوى الخلاف معهم الا انهم يظلون قوة محفزة على الصراع، وتستثير الهمم نحو خلاف فكري له منطلقاته الأيدولوجية، وآفاقه السياسية كما يستدعي طاقة موجبة نحو الاطلاع على أدبياتهم وموروثهم الفكري والفلسفي، لذلك فالصراع معهم بهذا الوصف ليس ميداناً للتنابذ والدعاء، وتحريك مواطن الكراهية غير المبررة، ولا حتى بإستئصال شأفتهم عن طريق شن الحرب عليهم، وإنما يتأسس في الأصل على إستثارة العقل ومعرفة مواطن الخلاف فكرياً، قبل إطلاق العنان لحالة الرفض الناتج عن حالة ذهان psychosis الذي لا يفضي إلا لمزيد من الدعاء والدعاء المضاد على الخصوم، والذي سينتهي حتماً بإنتصار الكيزان فكرياً طالما رضى من يصنفون أنفسهم بأنهم خصومهم منازلتهم في ميدانهم وبأدواتهم وبالتالي يضمنون لهم من حيث لا يدروا رصيداً من أنفسهم حيث لا فرق في الأصل بين صاحب الدعاء والمدعو عليه.
د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الخلاف مع

إقرأ أيضاً:

العراق بين محاور الصراع ومصير الدولة

7 يوليو، 2025

بغداد/المسلة: ناجي الغزي

لم يكن العراق في يوم من الأيام رقماً عابراً في معادلة الشرق الأوسط، بل كان وما زال أحد المفاتيح الجيوسياسية الكبرى في المنطقة. إلا أن ما يعيشه العراق اليوم من تخبط في القرار السياسي، وتحديات داخلية، وضغوط خارجية، يُعكس في جانب منه موقعه الجغرافي الفريد، وفي جانب آخر ما يمثّله من ثقل حضاري، ديني، وموردي لا يمكن تجاوزه في أي مشروع للهيمنة أو التوازن.
وفي ظل صعود سياسات المحاور والتخندق المذهبي، وإعادة تشكيل خرائط النفوذ الإقليمي على وقع “الابتزاز السياسي”، و”صفقات التطبيع”، و”أحلاف الردع”، يجد العراق نفسه أمام سؤال وجودي:
هل سيكون رقماً تابعاً في لعبة المحاور؟ أم مركز توازن يملك مشروعه وقراره ومكانته؟
هذا السؤال يُجسد جوهر المأزق العراقي الراهن، بل يمكن اعتباره عنواناً لمرحلة تاريخية مفصلية. فالعراق اليوم لا يُسأل فقط عن تحالفاته، بل عن هويته ومصيره ودوره في الإقليم. هو ليس أمام خيار سياسي بسيط، بل أمام سؤال وجودي مركّب:
هل يظل دولة تتحرك بردود الأفعال، تابعة لمحاور تتقاطع فوق أرضه، وتستنزف قراره وسيادته ومجتمعه؟
أم يتحول إلى مركز توازن إقليمي، يملك مشروعه الوطني المستقل، ويعيد صياغة علاقاته وفق منطق المصالح المتبادلة لا الاصطفافات القسرية؟
هذا السؤال لا يخص الدولة كسلطة فقط، بل يشمل النخب والتيارات والوعي الشعبي. لأن الانحياز لأي محور دون مشروع وطني متكامل، يعني التحلل من القرار، والانخراط في لعبةٍ تتجاوز حدود العراق، وتُسقطه في التبعية، أو تُحوّله إلى ساحة صراع لا لاعب فاعل.
العراق يملك المقومات الجيوسياسية، والتاريخية، والموارد الغنية، والثقل السكاني والثقافي، ليكون لاعباً لا ساحة، ومحور توازن لا أداة في المحاور. العراق إما أن يكون مركز ثقل نابع من ذاته، أو رقماً وظيفياً يُستثمر في معادلات غيره. والفرق بين الخيارين هو الفرق بين الدولة والمستعمرة المقنّعة.. ومن أجل تحقيق مشروعنا الوطني يتطلب أولاً: إعادة بناء القرار الوطني، وتحقيق الاستقلال السياسي عن الوصايات الناعمة والخشنة، وبلورة رؤية استراتيجية لا تكتفي بالمناورة بل تصنع المسار.

أولاً: موقف العراق – مع مَن؟

العراق لا ينبغي أن يُختزل في “مع أو ضد”، بل يجب أن يتجاوز ثنائية المحاور المذهبية والإقليمية إلى صياغة مشروع وطني مستقل ينطلق من أمنه القومي وهويته الجامعة ومصالحه الاستراتيجية. العراق لا يمكنه أن يكون أداة في صراع الغير، ولا يجب أن يكون ساحة لصراع الآخرين على أرضه. مشكلة العراق في جغرافيته الحرجة فهو محاط بقوى متصارعة: إيران من الشرق بمشروعها الثوري-العقائدي. وتركيا من الشمال بمشروعها العثماني-الاقتصادي. والخليج بمشروعه الايدولوجي- العضوي. والوجود الأميركي من الغرب بمشروعه الأمني- الإسرائيلي. العراق اليوم محاط بتصورات متعارضة، وكل طرف يراه من زاويته الخاصة كجزء من مشروعه لا ككيان مستقل بذاته:
1- إيران تنظر إليه كـ”عمق استراتيجي طبيعي” لامتدادها الشيعي، و”ساحة دفاع أمامية” تُشكّل درعاً جيوسياسياً في مواجهة أي اختراق أميركي أو إسرائيلي. فالعراق بالنسبة لطهران ليس جاراً فقط، بل جزء من هندستها الأمنية والعقائدية.
2- تركيا تتعامل مع العراق بوصفه فضاءً حيوياً لتصريف فائض طموحاتها الإمبراطورية – العثمانية الطابع – سواء عبر النفوذ الاقتصادي، أو التدخل العسكري شمالاً لضبط المسألة الكردية، أو عبر أدواتها السياسية والدينية التي تتحرك في الساحة السنية.
3- أما الولايات المتحدة، وخاصة في ظل إدارة ترامب الثانية، فترى العراق أداة وظيفية متعددة الأوجه: ورقة ضغط على إيران، ركيزة لضبط ميزان القوى الخليجي، ومنصة مستقبلية لفرض أجندة التطبيع مع إسرائيل، ولو بالقوة الناعمة أو عبر تفكيك بيئة الرفض.
4- السعودية ودول الخليج تدخل على خط الرؤية، حيث تعتبر العراق امتداداً لـ”عمقها العربي”، ومجالاً حيوياً لإعادة إنتاج التوازن المذهبي في وجه طهران، وساحة لاختبار مشروع “الشرق الأوسط الجديد” برؤية عقلانية من وجهة نظرهم!! تحكمها “اتفاقيات ابراهام” أو ” السلام الإبراهيمي “، ومنفتحة اقتصادياً، ومتصالحة مع اسرائيل والغرب.
وهنا تكمن المعضلة العراقية: لا يستطيع العراق أن يعزل نفسه عن هذه المحاور، ولا أن يندمج في أي منها دون أن يخسر شيئاً من سيادته أو وحدة مجتمعه.

ثانياً: مصير الدولة العراقية

المخاطر التي تحيط بالعراق لا تقتصر على الحروب أو الانقلابات، بل تتجسّد اليوم في أخطر ثلاثة مشاريع ناعمة:
أولاً: مشروع التفكيك الناعم عبر تغذية النزعات الطائفية والإثنية، وتحويل العراق إلى ” ساحات حكم متنازعة بدل أن يكون دولة موحدة ذات سيادة ” هذا المشروع لا يهدف فقط إلى إضعاف السلطة المركزية، بل إلى إعادة تشكيل العراق ككيان منقسم تتحكم به ولاءات محلية وخارجية، مما يؤدي إلى تفريغ الدولة من مضمونها، وتحويلها إلى سلطة شكلية بلا قرار مستقل.
ثانياً: مشروع الترويض السياسي يتجلى هذا المشروع الى السعي لتطويع القرار العراقي وإخضاعه لمنطق التبعية الاقتصادية والأمنية، بحيث يُجرد من استقلاله ويُدار وفق إيقاع المصالح الخارجية. هذا المشروع يعمل على خنق مراكز القرار الوطني، وإضعافها عبر الضغوط المالية، والاتفاقات المشروطة، والتحالفات المفروضة، ليبقى العراق في موقع التلقي لا المبادرة، وتُصادر إرادته تحت غطاء “الشراكة” أو “الدعم الدولي”.
ثالثاً: مشروع الدمج القسري في محور “السلام الإبراهيمي” دون مراعاة هوية العراق وتاريخه ومزاجه الشعبي والثقافي. هذا المشروع لا يستند إلى حوار داخلي أو توافق وطني، بل يُفرض بمنطق الإملاء السياسي، متجاهلاً أن العراق ليس رقماً يمكن دمجه ضمن محاور إقليمية موجهة، بل هو بلد يحمل إرثاً تاريخياً معقداً وموقفاً مبدئياً من قضايا الأمة العربية والاسلامية.
وفي ظل هذه المشاريع، يقف العراق اليوم أمام مفترق تاريخي حاسم، لا يتعلق بمسار سياسي أو انتخابي عابر، بل بإعادة تعريف الدولة وهويتها ووظيفتها.
فإما أن ينهض بمشروع وطني حقيقي، يعيد تأسيس الدولة على قواعد المواطنة الجامعة، والسيادة غير المنقوصة، والقرار الحر المستقل، وهذا خيار لا يمكن أن يتحقق بشعارات فارغة أو تسويات هشة، بل يحتاج إلى إرادة نخبوية صلبة، ووعي شعبي عميق، ومشروع بنيوي يعيد ضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويحرر القرار الوطني من قبضة المصالح الخارجية والاصطفافات المذهبية والولاءات العابرة للحدود.
وإما أن يستمر في التآكل التدريجي، ويتحول إلى كيان هش فاقد للمبادرة، تتحكم به مراكز نفوذ داخلية مرتهنة، وتسيره بوصلة العواصم الخارجية لا بوصلته الوطنية. حينها لن يكون العراق دولة بالمعنى الكامل، بل هامشاً جيوسياسياً على خرائط الآخرين، يتلقى الأزمات بدل أن يصنع الحلول، ويستورد القرارات بدل أن ينتجها.
اللحظة الراهنة لا تقبل المنطقة الرمادية. فإما دولة لها قرارها ومكانتها، أو كيان مستلب تتقاذفه موجات التوازنات الكبرى دون مرساة وطنية تحميه.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • ما الذي يقصده قوش في الفيديو
  • جنايات سوهاج تقضى بإعدام بائع قتل صياد بسبب الخلاف على أولوية البيع بسوهاج
  • تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.. وهذه هي نقطة الخلاف
  • العدل والمساواة تشعل الخلاف في حكومة السودان الجديدة
  • نظرة على ترتيب هدّافي كأس العالم للأندية قبل إطلاق الدور نصف النهائي
  • العراق بين محاور الصراع ومصير الدولة
  • صراع التحالفات
  • سفير المملكة لدى ألبانيا: انطلاق أعمال ملتقى خريجي الجامعات السعودية من دول البلقان يعكس الحرص على التواصل معهم والاحتفاء بإنجازاتهم العلمية
  • مفاوضات ساخنة بين الأهلي وسيراميكا كليوباترا.. شكري يقترب والدبيس نقطة الخلاف
  • الكويت تؤكد استمرارها في سحب الجنسيات.. لا تهاون معهم