خبير اقتصادي بارز يكشف الوجه القاتم لتداعيات 10 سنوات من الحرب والأسباب الحقيقية وراء الإصرار على استمرار اغلاق الطرق
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
كشف خبير اقتصادي بارزعن التداعيات الفادحة التي افرزتها سنوات الحرب السابقة في اليمن منذ العام 2015م والتي أدت إلى سقوط مئات الألاف من الضحايا بين قتيل وجريح من طرفي الصراع و تدمير مرافق البنية التحتية والمباني العامة والخاصة، وإلى انكماش الاقتصاد الوطني، وتدهور قيمة الريال وتزايد التضخم والبطالة والفقر.
واعتبر الخبير الاقتصادي اليمني البارز الدكتور " مطهر العباسي " في قراءة تحليلية حديثة له -–حصل مأرب برس على نسخة منها- سنوات الحرب تسببت في تصاعد "مظاهر الثراء الفاحش لمن يديرها، سواء كانت في العقارات أو في وسائل النقل أو حتى في المقتنيات الشخصية وبروز فئات طفيلية متربحة شكلت ما يسمى "اقتصاد الظل" أو "الاقتصاد غير الرسمي"، وازدهر نشاطها الاقتصادي والتجاري على حساب إنهيار الإطار المؤسسي والقانوني لوظائف الدولة ومؤسساتها. وفي الوقت الذي كانت تسيل فيه قطرات الدماء من الضحايا الأبرياء في معظم مناطق اليمن، كانت الأرصدة المالية للفئات المتربحة تتصاعد في الحسابات البنكية في الداخل والخارج أو في شركات الصرافة أو حتى في البدرومات".
وأشار الدكتور "العباسي" الى أن "مظاهر اقتصاد الحرب في ظل الصراع بين سلطتي صنعاء وعدن تتجلى في التحايل على الاقتصاد الرسمي وتدميره، ونمو الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الخفي " السوق السوداء"، وإنشاء كيانات موازية مهمتها الجباية وإدارة المال العام خارج إطار الدستور والقانون، وطغيان السلب والنهب والابتزاز والعنف ضد المواطنين بهدف السيطرة على الأصول المربحة، كما أن اقتصاد الحرب يتسم باللامركزية من حيث تعزيز نفوذ المحافظات على الموارد السيادية على حساب دور الدولة المركزية، وتنمو فيه ظاهرتي التهرب الضريبي والتهريب الجمركي، وقطع الطرق وحصار المدن، واستغلال العاملين في مؤسسات الدولة وتشغيلهم وفق نظام السخرة، وحشد فئة الشباب ليكونوا وقودا لتأجيج الصراع المستمر".
ولفت الى أن "الحياة الاقتصادية في اليمن لم تتوقف خلال سنوات الحرب، بل أنها تأقلمت وأخذت أشكالا وأنماطا جديدة، فالأنشطة الاقتصادية في زمن الحرب تخدم وظائف مختلفة لأطراف متنوعة، وهو ما يطلق عليه اقتصادات الحرب، ويمكن تصنيفها إلى عدة أنواع من الاقتصادات حسب الأطراف ذات المصلحة "المستفيدين" والمشاركين في اقتصاد الحرب، ودوافعهم للمشاركة، وأنشطتهم خلال فترة الحرب ".
وأشار الدكتور " العباسي " الى ما يسمي بـ" "اقتصاد الظل" والذي "يشمل طيفا واسعا من العلاقات الاقتصادية التي تحدث خارج الإطار القانوني للدولة، والأطراف الفاعلة في هذا الاقتصاد تتمثل في سلسلة من المتربحين الحذرين في زمن الحرب والصراع، بما فيهم التجار ورجال الأعمال والمشايخ والصرافين والمهربين وحتى الملاك والمزارعين، وهدفهم جني العوائد والأرباح من الفرص الاقتصادية المستجدة في ظل الفوضى وانهيار النظام بسبب ظروف الحرب، ويتسع هامش الأرباح لهذه الفئات في حالة فرض الحصار والمقاطعة الاقتصادية. فمثلا، تزداد عوائد المهربين للسلع المطلوبة والنادرة ويحقق الصرافون أرباحا عالية من وراء تقلبات سعر الصرف وإنهيار قيمة العملة الوطنية. ورغم أن هذه الفئات كانت تمارس أنشطتها قبل إندلاع الحرب، إلا أنها تشتد ضراوة وقوة في حالة الصراع وإنهيار نظام الدولة وتصبح القاعدة التي يعتمد عليها اقتصاد الجبهات" معتبرا أن "من مخاطر اقتصاد التربح أن الأطراف المكونة له تحقق أرباحها على حساب آلام الناس ومعاناتهم، فالمضاربة بسعر العملة، على سبيل المثال تؤدي إلى إرتفاع هائل في أسعار السلع الاستهلاكية وهذا يقود إلى تدهور المستوى المعيشي للناس وتتسع ظاهرة العوز والفقر، وهذه الظاهرة مارسها الصرافون في كل من مناطق صنعاء وعدن خلال السنوات الأربع الأولى من الحرب، وخفت حدتها في مناطق صنعاء خلال السنوات الأخيرة، بينما ظلت نشطة في مناطق عدن، كما أن الفئات الفاعلة في اقتصاد التربح تتسم بالتأرجح وتغيير جلدها حسب ظروف الحرب أو السلام، ولذلك فإنها ترغب في السلام ولكن بشرط أن تتوفر البيئة الملائمة والدائمة لممارسة الأنشطة الاقتصادية، وإذا لم يتوفر ذلك، فإنها ستظل تمارس أنشطتها في مرحلة السلام كما كانت في مرحلة الحرب".
ولفت الى الظهور اللافت لاقتصاد السطو والاستحواذ حيث انه "في ظل ظروف الحرب يميل أصحاب النفوذ سواء في السلطات المحلية أو الجماعات المسلحة إلى السطو على الموارد السيادية للدولة أو على الممتلكات والأصول المالية للأفراد والشركات.
كما أن السلطة المحلية في عدن تتحكم في الموارد السيادية من الضرائب والجمارك بعيدا عن السلطة المركزية هناك، إضافة إلى أن الجماعات المسلحة في مناطق عدن تستولي على الممتلكات العقارية العامة أو الخاصة والتربح من إعادة بيعها خارج إطار القوانين واللوائح النافذة".
واوضح الخبير الاقتصادي الدكتور " العباسي" الى أنه "في مناطق صنعاء يتم الاستحواذ على الممتلكات لبعض الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين من قبل سلطة صنعاء، ولكنها أوجدت لها إطارا تنظيميا ووضعتها تحت إدارة ما يسمى "الحارس القضائي"، ووفقا للقانون اليمني، فإن تلك الممتلكات توضع تحت يد أمينة يتولى حفظها وإدارتها ليردها مع غلتها المقبوضة لمن يثبت له الحق فيها مع عدم المساس باصل الحق" منوها الى أن "لاقتصاد السطو مخاطر جمة على عملية الإنتقال إلى مرحلة السلام، فقيادات المحافظات التي استولت على الموارد السيادية قد ترى في الإنقسام واستمرار الصراع فرصة لها لتنعم بخيرات البلاد دون توزيعها على المحافظات الأخرى، أو أنها ستحاول الاستئثار بأكبر قد ممكن من حصتها في الموارد إذا اتجهت أطراف الصراع إلى المصالحة والسلام، وهذا قد يؤسس لاستدامة الصراع على الموارد المحدودة في المستقبل المنظور".
وأكد الدكتور " العباسي " أن الحرب شوهت القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية لدى طرفي الصراع في كل من سلطتي صنعاء وعدن، ونشاء ما يمكن تسميته "باقتصاد الحرابة"، والمتمثل في قطع الطرقات الرئيسية والفرعية بين المحافظات أو في إطار المحافظة أو المدينة الواحدة، والمكونات الفاعلة فيه هم قيادات السلطة العليا في كل من صنعاء وعدن وقيادات السلطة المحلية في المحافظات التي تم تقطيع أوصالها بإقامة الحواجز والموانع في الطرقات الرئيسية والفرعية فيها، ويضاف إليهم القيادات العسكرية والأمنية في السلطات المركزية وفي المحافظات، وهؤلاء القوم هم المسؤولون عن قطع الطرقات على طول خارطة الوطن إبتداء من حرض وميدي مرورا بالجراحي وحيس وحتى تعز وما أدراك ما تعز وصولا إلى إب والضالع والبيضاء ومأرب والجوف".
واعتبر أن "أهداف هذه الأطراف هو إلحاق الضرر المادي والمعنوي بالمواطنين الأبرياء وإرغامهم على تحمل أعباء ومشقة الطرق البديلة والخطيرة في الجبال الوعرة أو في عمق الصحراء القاحلة لمدة ساعات وساعات من الزمن بدلا من قضاء دقائق في الوصول إلى منازلهم أو إلى أماكن عملهم، إضافة إلى الكلفة المالية العالية التي يتكبدها المواطن نظير تنقلاته أو نقل السلع والبضائع بين المحافظات والمدن المتروسة بالحواجز والموانع ونقاط التفتيش، وهناك قصص مؤلمة عن معاناة نقل المرضى أو المسافرين الذين يلقون حتفهم بين الجبال أو في عمق الصحراء ومنهم من يتعرض للسلب والنهب والقتل كما يحدث في صحراء الجوف".
وأشار الى أنه من " المؤكد أن الدوافع لتقطيع الطرقات ليس لها علاقة بالجوانب الأمنية والعسكرية بقدر إرتباطها بالعوائد المالية التي تجنيها نقاط التفتيش على تجارة السلع القانونية وغير القانونية والمهربة، وعلاقتها بشبكة المصالح التي تأسست من جراء قطع الطرق وإقامة نقاط التفتيش في معظم المحافظات..كما أن مصالح الفئات المعنية بقطع الطرق من كلا طرفي الحرب والصراع، تجعلها تقاوم رفع الحواجز وفتح الطرقات، وتصر على بقائها رغم التوافق على الهدنة منذ أكثر من عامين، ولذلك، فإن مخاطر قطع الطرقات تمثل ألغاما متفجرة في سبيل المصالحة والسلام، وأن الفئات المستفيدة من هكذا وضع قد تقف ضد أي خطوات للإنتقال على مرحلة السلام والاستقرار".
وحول "اقتصاد الكفاف " لفت الخبير الاقتصادي البارز الى أن "هذا الاقتصاد يشير إلى التعاملات الاقتصادية لمعظم السكان والأسر الفقيرة والفئات الضعيفة وفي مقدمتهم موظفي الدولة المحرومين من مرتباتهم لأكثر من ثماني سنوات، إضافة إلى صغار المزارعين والصيادين والعمال وأصحاب المحلات والدكاكين الصغيرة والبسطات في الحضر والريف، وهذه الفئات هي الأكثر معاناة من ويلات الحرب وتداعياتها الاقتصادية، فقد جعلتهم الحرب يكابدون حياتهم اليومية عند حد الكفاف إن لم يكن أقل من ذلك، وهذه الفئات من السكان يصبحون معتمدين على المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية" مشيرا الى انه لمواجهة صعوبة الحياة المعيشية يكون أمام معظم فئة الشباب من الأسر الفقيرة والضعيفة خيارات صعبة إما الإنخراط في القتال مع أطراف الصراع أو الانضمام إلى صفوف البطالة أو الهجرة خارج البلاد طلبا للرزق وتزويد إسرهم بمصادر دخل جديدة عبر التحويلات النقدية من بلد المهجر، وخلال فترة الحرب تضاعف عدد المهاجرين من الشباب إلى السعودية بحثا عن فرص العمل وتحسين مستوى الدخل، وتشير البيانات من المصادر السعودية أن عدد المغتربين اليمنيين قبل الحرب بلغ حوالي 900 ألف مغترب، وقفز هذا الرقم إلى 1.8 مليون مغترب في عام 2022م ".
*خبير اقتصادي ونائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: على الموارد صنعاء وعدن قطع الطرق فی مناطق من الحرب کما أن الى أن
إقرأ أيضاً:
هآرتس: حرب غزة تخفض توقعات نمو اقتصاد الاحتلال خلال السنوات المقبلة
تشير التقديرات الاقتصادية الجديدة في حكومة الاحتلال إلى تدهور واضح في توقعات النمو متوسط المدى، مع اتضاح التأثيرات السلبية لحرب غزة على منظومة الاقتصاد خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتبين هذه التوقعات أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بين 2027 و2030 قد يتراجع إلى ما بين 3 و3.5 بالمئة سنويا، بعدما كان متوسطه يصل إلى 4 بالمئة خلال العقد الماضي.
وفي المقابل، يتوقع أن يسجل اقتصاد عام 2026 نموا مرتفعا نسبيا يتراوح بين 4.7 بالمئة وفق بنك إسرائيل و5.2 بالمئة وفق وزارة المالية، نتيجة تعويض التباطؤ الذي شهدته فترة الحرب الممتدة لعامين.
وبحسب ما أوردته صحيفة "هآرتس" في تقرير، فإن وزارة المالية تتوقع نموا بين 3.5 و3.7 بالمئة خلال 2027–2029، مع ترجيح أن تتعرض هذه الأرقام لخفض إضافي، في حين يشير تقرير بنك إسرائيل السنوي إلى أن الحرب ستترك "ندوبا واسعة" في الاقتصاد على المدى المتوسط، بسبب ارتفاع الإنفاق الدفاعي، وتوسع الجيش، والحاجة إلى خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، إضافة إلى استمرار علاوة المخاطرة وتراجع التصنيف الائتماني، وتكاليف إعادة الإعمار ورعاية عشرات آلاف المتضررين.
وتكشف التوقعات بحسب الصحيفة، أن خفض إمكانات النمو من 4 بالمئة سنويا إلى ما بين 3 و3.5 بالمئة يعني خسارة دائمة تتراوح بين 0.5 و1 بالمئة سنويا، ما سيؤدي خلال عقد واحد إلى ناتج محلي إجمالي أقل بنسبة 5 إلى 10 بالمئة مقارنة بما كان سيُحقق دون الحرب، أي خسارة تتراوح بين 100 و250 مليار شيكل (30.5 إلى 76.1 مليار دولار).
أما حصة الفرد من الناتج، فسينخفض بين 8000 و16000 شيكل سنويا، وتعيد هذه الصورة إلى الأذهان تبعات حرب يوم الغفران 1973كما يسميها الاحتلال التي أفرزت "العقد الضائع" مليئا بالديون والتضخم والانكماش، قبل تدخل خطة الاستقرار الاقتصادي عام 1985 واتفاق السلام مع مصر.
ويبرز تأثير الخسائر البشرية، حيث فقد الاقتصاد نحو 2000 قتيل معظمهم شباب، إضافة إلى 20 ألف جريح يتلقون العلاج في قسم التأهيل بوزارة الدفاع، و80 ألف جريح لدى مؤسسة التأمين الوطني، مع توقع ارتفاع العدد إلى 120 ألفا بحلول 2028 بسبب تداعيات نفسية طويلة المدى، هذا الواقع يعني انخفاضا يقارب 1 بالمئة في القوة العاملة، إلى جانب زيادة سنوية بنحو 6 مليارات شيكل في نفقات التأهيل، وملياري شيكل في تكاليف مؤسسة التأمين الوطني.
وتشكل الزيادة المستمرة في الإنفاق العسكري أحد أبرز أوجه الضغط، إذ تتطلع المؤسسة الدفاعية لرفع حصتها من الناتج المحلي إلى 6.3 بالمئة في 2026 مقابل 4.2 في 2022، على أن لا تقل عن 5 بالمئة في السنوات اللاحقة، ورغم أن هذه المستويات تبقى أقل بكثير من مستويات "العقد الضائع" التي بلغت 25–30 بالمئة من الناتج، فإنها ستأتي على حساب الاستثمارات المنتجة.
وترتبط هذه التقديرات بفرضية متفائلة بانتهاء الحرب دون تصعيد جديد في غزة أو لبنان أو إيران أو الضفة الغربية، فالاشتباكات الواسعة في الضفة قد تتطلب استدعاءً كبيرا لجنود الاحتياط، ما يعني زيادة إضافية في الإنفاق الدفاعي وتراجعاً أكبر في الناتج.
ويُضاف إلى ذلك الضرر الذي لحق بصورة إسرائيل عالميا، والذي يتجلى في موجات انتقاد واسعة على المنصات الرقمية، رغم صعوبة قياس أثره المباشر على الاقتصاد، لعدم ظهور تغييرات واضحة في بيانات التصدير، كما تتصاعد التحذيرات من ارتفاع الهجرة بين حملة الشهادات العليا.
وقد قدر بنك إسرائيل خسارة 4.7 بالمئة من إنتاجية الاقتصاد بسبب الحرب، أي ما يعادل فقدان عام كامل من النمو، مع احتمال عدم تعويض الخسارة بالكامل لاحقا، خصوصا إذا تراجع النمو عن مستوياته التاريخية.
وتزداد هذه الصورة قتامة بسبب مشكلات سابقة كانت تثقل الاقتصاد قبل الحرب، أبرزها انخفاض مشاركة المجتمع الحريدي في سوق العمل وتدنّي إنتاجيته، وتراجع مستوى التعليم وفق الاختبارات الدولية، وفجوات كبرى في البنية التحتية.