لم يخلع عباءته على مدى ربع قرن.. ما سر ولع يحيى الفخراني بالملك لير؟
تاريخ النشر: 28th, July 2025 GMT
ما يزال الملك لير يواصل تخليد غضبه ونزقه واستبداده وجنونه، بعد أن جعله وليام شكسبير يصرخ معبرا عن هذا كله، منذ عرض المسرحية "الاستثنائية بين مآسيه"، لأول مرة في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 1606، من قِبَل فرقة شكسبير التمثيلية، أمام الملك جيمس الأول والبلاط الملكي في "وايت هول" بلندن.
ليتوالى تقديمها سنويا تقريبا على عدة مسارح حول العالم حتى يومنا هذا، لما تجسده من تفكك أسري ومشاكل عائلية، يكتوي بناره معظم سكان كوكب الأرض.
كان آخرها مسرح "غيت" الأيرلندي، في الربع الأول من هذا العام. ثم المسرح القومي المصري، ومسرح "سان أنطون غاردن" في مالطا، في يوليو/تموز الماضي. وسوف تُقدم على مسرح "جامعة نوتردام" بهولندا، أواخر أغسطس/آب.
لكن تبقى للنسخة العربية من "الملك لير" قصة أخرى، ليس للعالمية التي لامستها فحسب، ولكن للأداء الأسطوري الذي توج به الفنان الكبير يحيى الفخراني مسيرته الفنية الحافلة.
"الملك لير" شهادة وصول الفخراني لذروة الممثل الناضجفما تزال مسرحية "الملك لير"، تُمثل أهمية كبيرة، كواحدة من "أكثر مآسي وليام شكسبير جرأة من الناحية النفسية، ناهيك عن صعوبة أدائها على المسرح"؛ كما يقول الممثل الأميركي المخضرم ستيفن أوليفر، الذي قدم العديد من الأدوار الشكسبيرية على مدى عقود.
وباعتبارها من أكثر أعمال شكسبير إثارة للمشاعر، فإن قوة مسرحية "الملك لير"، تمثل "ذروة مسيرة الممثل الناضج"، القادر على تجسيد شخصية ملك يبدو قويا، ولكنه مليء بالعيوب، ويدفعه كبرياؤه إلى اتخاذ قرارات متهورة؛ "ومن خلال المعاناة والجنون، يعرف التواضع، ويصل في النهاية إلى نوع من الخلاص المأساوي"؛ كما يقول كريس غات، مخرج النسخة المقدمة على مسرح "سان أنطون غاردن" في مالطا.
لذا، قال يحيى الفخراني في لقاء تلفزيوني على قناة "دي إم سي"، إنه يقدم شخصية "الملك لير" في هذه النسخة الثالثة من المسرحية، "وهو في سن لير الحقيقي"، خلافا للنسخة السابقة التي قدم فيها العرض وكان عمره حينها في الـ60. وأوضح أن هذا منحه الفرصة "ليعيش الحالة النفسية للشخصية بكل معاناتها وإرهاقها ومتعتها، مستفيدا من إتقانه للأحاسيس والمشاعر، كما أرادها كاتبها شكسبير".
إعلان نجم يضيء المسرح في الـ80 من عمرهأصبحت شخصية "الملك لير"، قاسما مشتركا يجمع بين النجم العالمي السير أنتوني هوبكنز، ونجم الدراما العربية، الفنان يحيى الفخراني؛ فهما الأكثر شبها بملامح لير الشكلية ومرحلته العمرية. لكن هوبكنز قدم الملك في فيلم تلفزيوني عام 2018، بوجه جليدي حاد، يعيش أجواء عسكرية صاخبة.
أما الفخراني، المولود بمصر في السابع من أبريل/نيسان 1945، فقد تقمص لير، ولبس عباءته، ووضع تاجه، وأمسك بصولجانه؛ وفي جولتين مسرحيتين تاريخيتين (2001، 2019) لم يسبقه إليهما أحد؛ قدم للوطن العربي أبا طاغية من نار، يتقلب بين نشوة الحيوية والعنفوان، وخيبة الانكسار والخذلان.
ليس هذا فحسب، بل يمكن القول إن الفخراني لم يستطع مقاومة حضور الملك لير في بعض أعماله الدرامية، ولو من بعيد. كما لم يستطع مقاومة العودة لارتداء عباءة لير وتاجه، ليقف على خشبة المسرح القومي، لتقديم نسخة ثالثة من "الملك لير"، من إخراج شادي سرور. ليكمل مشواره الأسطوري، من وجه يملأ الشاشة في الـ30 من عمره، إلى حضور يضيء المسرح في الـ80.
لماذا تمسك يحيى الفخراني بالملك لير؟تدور أحداث العرض المسرحي "الملك لير" حول الملك لير الذي قرر أن يوزع أملاكه على بناته الثلاث، ولأن ابنته الصغرى لم تشأ أن تنافقه فقد حرمها من نِعمه، وأثناء توزيعه للأملاك اشترط أن يقيم مع كل واحدة من بناته لفترة معينة، لكنّ ابنتيه الكبيرتين تقرران الاستيلاء على كل شيء وتطردان والدهما.
إذن التفكك الأسري، والتصدعات العائلية الناجمة عن نزق الآباء وعقوق الأبناء ومعارك الميراث؛ شكلت حجر الزاوية في تأثر وتمسك يحيى الفخراني بالملك لير؛ وهو الفنان المنغمس في مجتمعه العربي، ويرصد كيف أصبحت العلاقات الأسرية تمر بمرحلة خطيرة تهدد استقرار المجتمع، "بسبب الضغوط الاقتصادية، والتغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة، التي ساهمت في تفكك الروابط العائلية، وتأجيج صراعات الأجيال".
وفي تفسيره للتمسك بالملك لير قرابة ربع قرن من الزمان، قال يحيى الفخراني في نفس اللقاء التلفزيوني، "إن الملك لير هو أنسب نص شكسبيري لمصر وللعالم العربي، وذلك لارتباطه بموروث ثقافي راسخ في مصر والعالم العربي، يتعلق بـ"علاقة الأب ببناته وسلطته عليهم". وأضاف أنه كل مرة قدم فيها الملك لير، كانت تُرفع لافتة "كامل العدد"، وهذا يدل على أن العرض "يمس الجمهور فعلا".
طيف الملك لير يحوم حول دراما الفخرانيتسلل طيف الملك لير بما يحمله من هموم العائلة ومشاكل التسلط والعدالة والخيانة، إلى الخط الدرامي في كثير من أعمال يحيى الفخراني بنسب مختلفة وفي مراحل مختلفة.
ففي مسلسل "الليل وآخره" الذي يُعد أحد أيقونات الفخراني، من تأليف محمد جلال عبد القوي وإخراج رباب حسين عام 2003، كان طيف الملك لير حاضرا من بعيد في الخلفية، فلم يكن رُحيّم أبا، لكنه كان أخا أكبر يتوقع من إخوته الطاعة والولاء والرضا عن كل ما يفعل، بعد أن ترك تعليمه وتفرغ لمساعدة الأب في تضخيم ثروته وتعليمهم حتى تبوؤوا مناصب جيدة.
لكنه يكتشف أن لهم وجهة نظر أخرى في حقه الشخصي في الحب، وحسابات مختلفة فيما يتعلق بأحقيتهم في الميراث؛ فزلزلته الصدمة، وثارت براكين الغضب بداخله، وانزلق نحو العصبية والعزلة.
إعلانأما في مسلسل "دهشة" الذي قام يحيى الفخراني ببطولته وأخرجه نجله شادي عام 2014، فقد كتبه عبد الرحيم كمال اقتباسا عن مسرحية الملك لير، وكان أداء الفخراني فيه متأثرا بالملك لير بشكل ملحوظ.
فالمسلسل تدور أحداثه حول الغدر والجحود والجشع وعقوق الوالدين؛ من خلال رجل ثري لديه 3 بنات، يقرر توزيع تركته عليهن وهو حي يرزق، قبل أن يكتشف أنه أوقع نفسه في ورطة لم تكن تخطر بباله، إذ بدأت بناته في تجاهله والتنكر له، ونأت كل منهن بنفسها ومالها الموروث عن والدها في شيخوخته.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات یحیى الفخرانی الملک لیر
إقرأ أيضاً:
الرضيع “يحيى النجار”.. قتلته إسرائيل بالتجويع في “حرب العالم المتحضّر ضد الوحشية”
#سواليف
كان من المفترض أنّ يكون قدومه إلى هذا العالم عيدًا لوالديه وبهجة لعائلته التي انتظرت بلهفة احتضانه وتزيين حياتهم به، ومنّوا أنفسهم بتوفير احتياجاته كاملة لكي ينمو نموًا سليمًا تمامًا مثل أقرانه في أي مكان على هذه الأرض. جاء الرضيع_يحيى_النجار إلى هذه الدنيا ولكنّه ولد في #غزة_المنكوبة. كان قدومه سببًا يدعو للبهجة وسط المأساة، لكنّه شكّل أيضًا بدء سلسة من #المعاناة المتواصلة لتأمين أبسط احتياجاته وسط هذه الظروف القاتلة.
ولد “يحيى” في المدينة التي تحاصرها إسرائيل منذ أكثر من 19 عامًا، وشدّدت حصارها بالتزامن مع تنفيذها #إبادة_جماعية فيها منذ أكتوبر/ تشرين أول 2023، حيث استخدمت إسرائيل سياسة التجويع المنهجية ضد السكان المدنيين، ولم تسمح سوى مرات نادرة بإدخال كميات قليلة من الطعام لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تلبي الاحتياجات الهائلة للسكان المُجوّعين في قطاع #غزة.
اصطدمت والدة “يحيى” بهذا الواقع المميت، وأصاب رضيعها ما أصاب معظم سكان المدينة من الهزال بسبب #الجوع_الشديد، فهرعت -وهي التي أنهكها الجوع- به إلى مستشفى “ناصر” في مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، حيث كان يعاني من إعياء شديد بسبب الإسهال الملازم له منذ أيام، لكنّها ووالده اكتشفا أنّ “يحيى” يعاني من سوء التغذية الحاد، وأخبرهم الطبيب بضرورة أن يبقى تحت الملاحظة في وحدة العناية المركزة.
مقالات ذات صلة مصدر إسرائيلي يؤكد: لم يتبق لدى حماس أكثر من 20 رهينة على قيد الحياة 2025/07/28في حقيقة الأمر، وصل “يحيى” لهذه #الحالة_الخطرة لأنّه لم يتناول شيئاً منذ أربعة أيام سوى “اليانسون” الخالي من أي مادة مغذية لرضيع يبلغ من العمر أربعة أشهر فقط. لم يجع “يحيى” صدفة أو إهمالًا، فوالداه طرقا كل أبواب المدينة بحثًا عن حليب أو أي مكملات أو مدعمات غذائية ولم يجدا شيئًا بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد، حيث تمنع إسرائيل إدخال حتى الحد الأدنى من أبسط الاحتياجات الغذائية سواء للأطفال أو البالغين وتتركهم ليموتوا جوعًا، على مرأى ومسمع من العالم الذي يشاهد هذه الفظاعات ولا يحرك ساكنًا.
لم يمهل الجوع “يحيى” كثيرًا، ولم يستطع جسده النحيل الصغير الصمود كثيرًا، وتوفيبعد أربعة أشهر فقط من حياة لم يعرف منها سوى المعاناة والألم، وما كان خيالًا مستبعدًا أصبح حقيقة واقعة: لقد توفي بسبب الجوع.
يصف والد الطفل الرضيع “يحيى النجار” جسد طفله ويقول: “ما ذنب طفلي أن يموت من الجوع ومن قلة المواد الخاصة بالأطفال في قطاع غزة؟ ما ذنبه؟! انظر كيف نحل جسده.انظر كيف التصق جلده بعظمه!”
وبقلب يعتصره القهر والحسرة والألم، يحمل والد “يحيى” جثمان طفله ويصرخ: “نطالب كل العالم وأي إنسان لديه ضمير حيّ ورحمة وإنسانية أن ينظروا لما آل إليه مصير أطفالنا بسبب عدم وجود الحليب والطعام”.
أما والدته فتبكي بحرقة وتقول: “لم يتناول شيئاً منذ أربعة أيام سوى “اليانسون” والمياه لعدم توفر الحليب الطبيعي أو الصناعي. كان طوال الوقت يضع يده في فمه من شدة الجوع”.
تجتمع العائلة المكلومة حول جثمان “يحيى” المسجى على السرير بلا لون وبعظام بارزة وجلد مجعد، ويبكون انقلاب فرحتهم إلى فاجعة بسبب ظروف قاهرة كانت أقوى من أن يستطيعوا تغييرها أو تحسينها.
لم يكن “يحيى” الطفل الأول أو الوحيد الذي يفقد حياته في غزة بسبب سياسة التجويع الإسرائيلية المنهجية، فسبقه أكثر من 110 مُجوَّعين معظمهم من الأطفال، توفوا بسبب المجاعة وسوء التغذية، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
منذ شهر مارس/آذار الماضي، بعد إعادة فرض إسرائيل حصارها المطبق على القطاع،توفي نحو 90 طفلًا بسبب المجاعة التي تتفاقم مع مرور الوقت، وتزايدت أعداد الأشخاص -من مختلف الفئات العمرية- الذين يصلون المستشفيات بحالة إعياء وتعب شديد، وقد وصل الحال ببعضهم إلى الانهيار من شدة الجوع وسوء التغذية الحاد.
خلال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في أكثر من مناسبة أنّ هذه ليست حرب إسرائيل فقط، بل هي حرب الحضارة والعالم المتحضر ضد الوحشية، وتمتد إلى ما هو أبعد من مكافحة الإرهاب، على حد وصفه. فهل من صفات “العالم المتحضر” أن يقتل الأطفال والبالغين جوعًا؟ أو حتى أن يكون سببًا في ذلك من خلال غض الطرف عن الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة، بل ومدّها بجميع أسباب الاستمرار في تلك الأفعال؟ وهل هؤلاء الضعفاء الذين يقضون جوعًا متوحشون وينبغي محوهم من الوجود؟
في قطاع غزة المُحاصر، يواجه نحو 650 ألف طفل خطر الموت جوعًا إن لم يتحرك العالم لوقف جريمة الإبادة الجماعية والحصار الخانق المفروض على المدنيين، ويفعّل كل أدواته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أكثر من 21 شهرًا من الاستهداف الشامل والمنهجي لجميع سبل الحياة في القطاع، وتقصّد إهلاك وإفناء المجتمع برمّته.
لا يمكن أن يصبح الموت جوعًا شيئًا عاديًا بين أروقة المستشفيات وثلاجات الموتى وطرقات المقابر، لكنّ شبحه أصبح ملازمًا للجميع في غزة مع اشتداد المجاعة واستمرار الحصار الذي أحكمت إسرائيل إطباقه على القطاع منذ 2 مارس/ آذار الماضي. ومنذ أواخر مايو/ أيار المنصرم، فرضت إسرائيل بدعم أمريكي آلية مساعدات وهمية، تبيّن فور تشغيلها أنّها مساحة جديدة للقتل ومصيدة للموت، تضع فيها مؤسسة أمريكية صناديق طعام قليلة لآلاف المجوعين في مناطق عسكرية خطيرة، ويتولى الجيش الإسرائيلي مهمة قتلهم بدم بارد خلال توجههم لتلك المناطق، حيث قتل منذ ذلك الوقت أكثر من ألف مُجوّع دون أي ضرورة أو سبب، ودون أي يكلّف نفسه حتى بتبرير هذه الوحشية.
لم يعد يملك الفلسطينيون في قطاع غزة وسيلة للنجاة من كل هذه الظروف التي اجتمعت لإهلاكهم ومحوهم من الوجود، فهم يقفون وحدهم بأمعاء فارغة وأجساد متهالكة في مواجهة ترسانة عسكرية ضخمة مصممة لمقارعة جيوش جرارة لا مدنيين عزل، ولا أحد في هذا العالم يتدخل لوقف هذه المهلكة.