القدس المحتلة– بدت المواقف في إسرائيل متصالحة ومتوافقة مع إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن إنشاء ميناء عائم قبالة شواطئ غزة، تحت ذريعة زيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع بشكل كبير، إذ إن هذا التصالح من قبل حكومة بنيامين نتنياهو يحمل في طياته كثيرا من الرسائل بما يتماشى مع أهداف الحرب وسير القتال.

وخلافا لما هو دارج ومعتمد حيال السجال بين واشنطن وتل أبيب، في ما يتعلق بسير الحرب، وصفقة التبادل، ووقف مؤقت لإطلاق النار، لم يخرج أي من الوزراء في حكومة الطوارئ ضد هذه الخطوة الأميركية على وجه التحديد، على أساس أن القضية الإنسانية، التي تسبب ضغطا شديدا على إسرائيل في العالم، هي مسألة حاسمة بالنسبة للحرب.

وسط الترحيب الإسرائيلي الخجول بمشروع بايدن، اختار وزير الخارجية يسرائيل كاتس أن يستذكر مبادرته في العقد الماضي، التي جددها خلال الحرب على غزة، الهادفة إلى إقامة ميناء منظم على جزيرة صناعية قبالة سواحل غزة، وهو الموقف الذي يعكس التناغم الإسرائيلي الأميركي حيال مشروع الميناء العائم، وذلك كوسيلة للسيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية.

الباحث أمير مخول يقول إن المشروع الأميركي يتناغم مع مرحلة الاحتلال الإسرائيلي المستمر للقطاع (الجزيرة) فكرة قديمة

وسيكون مشروع الميناء العائم إذا نفذ على أرض الواقع أول معبر في غزة لن يكون تحت السيطرة الإسرائيلية أو المصرية، منذ النكبة عام 1948، لكن عدم معارضة حكومة نتنياهو لمشروع بايدن يشير إلى أن إسرائيل ستكون مسؤولة أو على الأقل تشارك في عمليات التفتيش الأمنية لكل شيء يدخل إلى غزة ويخرج منها عبر الميناء العائم.

يأتي هذا المشروع الأميركي، بعد أن أمعن الجيش الإسرائيلي في القضاء على البنية التحتية لوكالة الأونروا، وتدمير المنظومة المدنية الفلسطينية، إلى جانب المشروع الاحتلالي في حي الزيتون الهادف إلى تقطيع غزة وفصل شمال القطاع عن جنوبه، سعيا للسيطرة على المساعدات الطبية والإغاثية.

وينسجم الميناء الأميركي العائم مع مشروع "جزيرة اصطناعية" بمساحة 8 كيلومترات مربعة قبالة شواطئ غزة لنقل نحو نصف مليون فلسطيني من القطاع، الذي عرضه وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية في بروكسل في يناير/كانون الثاني الماضي.

واعتبر الباحث بالشأن الإسرائيلي في مركز "تقدم" للسياسات، أمير مخول، أن مشروع الميناء العائم يتناغم مع مرحلة الاحتلال الإسرائيلي المستمر للقطاع، حيث تعيد حكومة نتنياهو تفعيل بنية الاحتلال التي كانت قائمة حتى 2005 قبل الانسحاب أحادي الجانب.

وأوضح مخول للجزيرة نت أن مشروع الميناء العائم الذي يأتي تحت ذريعة توزيع "المساعدات الإنسانية" ينسجم مع طرق وآليات هندسة وتوزيع المساعدات وإيصالها لشمال القطاع، وكذلك مع مشروع الطريق العريض الذي يشقه الجيش الإسرائيلي من جنوب شرق غزة باتجاه البحر، وما يسمى مشروع "حي الزيتون" الهادف إلى تقطيع أوصال غزة.

ويعتقد الباحث أن إسرائيل تعمدت عبر المظاهرات والاحتجاجات لعناصر اليمين بمنع دخول الشاحنات من معبر كرم أبو سالم، وإعاقة وعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة عبر المعابر البرية لتظهر للعالم أن شمال غزة بات مفصولا عن الجنوب، ولتحصل على اعتراف دولي بهذا الواقع الذي تسعى لفرضه.

نقل بالاتجاهين

ويرى الباحث نفسه أن المشروع الأميركي يحمل في طياته كثيرا من الرسائل، ولعل أبرزها أن إدارة الرئيس جو بايدن غير معنية بممارسة ضغوطات كبيرة على نتنياهو وفرض أجندتها على إسرائيل، وسط غياب أي دور عربي وإسلامي يمكن أن يشكل ضغطا على واشنطن لإغاثة غزة.

كما أن الميناء العائم، يقول مخول "ليس من المستبعد أن يشهد حركة نقل بالاتجاهين، نقل مواد غذائية وطبية للقطاع ونقل الفلسطينيين من غزة، ضمن مخطط التهجير الذي فشلت الحرب الإسرائيلية في تحقيقه، وهو ما يؤكد أن كافة الخطوات الأميركية تتم بالتوافق والتنسيق مع إسرائيل".

وحذر الباحث بالشأن الإسرائيلي من تداعيات الميناء العائم، واعتبر ذلك مقدمة لموطئ قدم وفرض السيطرة الأميركية على قطاع غزة، تحت ذريعة توزيع المساعدات الإنسانية التي ستكون تحت آليات وبنية تحتية بإشراف وسيطرة الجيش الإسرائيلي، مما يعني إطالة أمد الحرب واستمرار البنية الاحتلالية الإسرائيلية في القطاع.

وأكد في السياق ذاته أن مشروع الميناء العائم يخدم إسرائيل ومخططاتها للسيطرة على القطاع، وكذلك إطالة أمد القتال، قائلا إن "على أميركا الكف عن إرسال الذخيرة والسلاح لإسرائيل، لا يعقل أن تقوم بتوجيه إرساليات أسلحة لتل أبيب التي تقتل وتفتك بالفلسطينيين، ومن ثم تقوم بعمليات إنزال جوي في شمال القطاع لوجبات غذائية جاهزة".

المحلل السياسي طه إغبارية يؤكد أن مشروع الميناء يهدف لتثبيت الوجود الأميركي بالقطاع بما يخدم المصالح الإسرائيلية (الجزيرة)  الوجود الأميركي

الطرح ذاته تبناه المحلل السياسي الكاتب طه إغبارية الذي أكد أن كل الخطاب الأميركي بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة مرتبط بانتخابات الرئاسة التي ستجرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والضغوطات في أوساط الليبراليين في الحزب الديمقراطي بعدم إرسال أسلحة إلى إسرائيل بحال اجتاحت رفح.

ورجح المحلل السياسي للجزيرة نت أن سياسات واشنطن وتصريحات بايدن الناقدة لنتنياهو ما هي إلا محاولة لامتصاص غضب العرب والمسلمين في أميركا، حيث ترجح استطلاعات الرأي فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وخروج بايدن من البيت الأبيض.

ويعتقد إغبارية أن إقامة الميناء الأميركي العائم قبالة غزة يؤكد أن إدارة بايدن لم تبحث أي حلول لإنهاء الحرب على غزة، بل تناقش وتبحث سبل إطالة الحرب ضد فصائل المقاومة الفلسطينية وحماس على وجه الخصوص والإبقاء على حالة القتال مع ضمان آليات لإدخال وتوزيع المساعدات على الفلسطينيين بالقطاع.

وفي قراءة للتناغم الأميركي الإسرائيلي حول مشروع الميناء العائم والصمت العربي، لا يستبعد المحلل السياسي أن يندرج مشروع الميناء ضمن رؤية اليوم التالي للحرب بغية تثبيت الوجود الأميركي بالقطاع بما يخدم المصالح الإسرائيلية وتحقيق ما لم تستطع إسرائيل إنجازه بالحرب.

وحذر المحلل السياسي من تداعيات الوجود الأميركي بالقطاع الذي يأتي تحت ذريعة تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين وتوفير المساعدات الإنسانية، قائلا إن "الوجود الأميركي سيبلور سياسات نحو حلول وتسويات إقليمية لما بعد الحرب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات المساعدات الإنسانیة الوجود الأمیرکی المحلل السیاسی تحت ذریعة

إقرأ أيضاً:

المكتب الحكومي بغزة: الاحتلال فشل في مشروع توزيع المساعدات بمناطق "العزل العنصري"

أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن الجيش الإسرائيلي فشل فشلا ذريعا في مشروع توزيع المساعدات بمناطق "العزل العنصري" وسط انهيار المسار الإنساني وتصاعد جريمة التجويع.

وأضاف المكتب في بيان: "نؤكد أن مشروع الاحتلال الإسرائيلي لتوزيع المساعدات في ما يُسمّى المناطق العازلة قد فشل فشلا ذريعا وفقا للتقارير الميدانية ووفقا لما أعلن عنه الإعلام العبري كذلك، بعدما اندفع آلاف الجائعين، الذين حاصرهم الاحتلال وقَطع عنهم الغذاء والدواء منذ نحو 90 يوما، نحو تلك المناطق في مشهد مأساوي ومؤلم، انتهى باقتحام مراكز التوزيع والاستيلاء على الطعام تحت وطأة الجوع القاتل، وتدخل قوات الاحتلال بإطلاق النار وإصابة عدد من المواطنين، ما يعكس بوضوح الانهيار الكامل للمسار الإنساني الذي تزعمه سلطات الاحتلال".

وشدد المكتب على أن "ما حدث اليوم هو دليل قاطع على فشل الاحتلال في إدارة الوضع الإنساني الذي خلقه عمدا، من خلال سياسة التجويع والحصار والقصف، وهو ما يشكل استمرارا لجريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي، لا سيما المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948".

ولفت المكتب الحكومي إلى أن "إقامة غيتوهات عازلة لتوزيع مساعدات محدودة وسط خطر الموت والرصاص والجوع، لا تعكس نية حقيقية للمعالجة، بل تجسد هندسة سياسية ممنهجة لإدامة التجويع وتفكيك المجتمع الفلسطيني، وفرض مسارات إنسانية مسيسة تخدم مشروع الاحتلال الأمني والعسكري".

وتابع البيان، وبناء على هذا الفشل المدوي، نؤكد ما يلي:

أولًا: نحمل الاحتلال الإسرائيلي كامل المسؤولية القانونية والإنسانية عن حالة الانهيار الغذائي في غزة، وندين استخدامه المساعدات كسلاح حرب وأداة للابتزاز السياسي، وإصراره على منع دخول الإغاثة عبر المعابر الرسمية والمنظمات الأممية والدولية.

ثانيًا: نطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتحرك الفوري والفعال لإيقاف الجريمة، وفتح المعابر بشكل عاجل ودون قيود، وتمكين المنظمات الإنسانية من أداء مهامها، بعيدا عن تدخل الاحتلال وأجنداته.

ثالثًا: نطالب بإيفاد لجان تحقيق دولية مستقلة لتوثيق جريمة التجويع، وتقديم قادة الاحتلال إلى المحاكمة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

رابعًا: نناشد الدول العربية والإسلامية والدول الحرة في العالم للتدخل الفوري، وتفعيل مسارات إنسانية مستقلة وآمنة، تكسر الحصار، وتمنع الاحتلال من مواصلة استخدام الغذاء كسلاح قذر في حرب الإبادة.

خامسًا: نرفض رفضا قاطعا أي مشروع يعتمد "مناطق عازلة" أو "ممرات إنسانية" تحت إشراف الاحتلال الإسرائيلي الذي هو نفسه يجوع المواطنين ويقتلهم ويبيدهم، ونعتبرها نسخة حديثة من الغيتوهات العنصرية التي تعمق العزل والإبادة بدلا من إنقاذ الضحايا.

مقالات مشابهة

  • عن غارات البقاع... تعليق للجيش الإسرائيليّ
  • داخلية غزة: إسرائيل تساعد لصوص المساعدات
  • اليوم الـ 600 من العدوان الإسرائيلي.. نداء دولي عاجل لوقف جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة
  • ماذا نعرف عن مشروع التهويد الأخضر الذي تنفذه إسرائيل؟
  • رئيس وزراء الاحتلال الأسبق: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة
  • "حماس": آلية الاحتلال الإسرائيلي لتوزيع المساعدات بغزة تستهدف تهميش دور الأمم المتحدة
  • من الرصيف العائم إلى حكم العشائر والفقاعات.. فشل للاحتلال بملف المساعدات في غزة
  • جدل واسع حول صور نشرها الجيش الإسرائيلي لتوزيع مساعدات برفح
  • كواليس بدء توزيع المساعدات جنوب قطاع غزة.. فشل مشروع الاحتلال
  • المكتب الحكومي بغزة: الاحتلال فشل في مشروع توزيع المساعدات بمناطق "العزل العنصري"