كيف تدعم طفلك ليصبح أفضل نسخة من نفسه؟
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
"ألا ترى ابن خالتك لماذا لا تكون متفوقًا مثله؟"، "هل ترى مدى كفاءة هذا الولد في التمرين؟.. ليتك مثله!"، ربما تكون قد ألقيت جملة مثل هاتين الجملتين السابقتين على مسامع طفلك وأنت تقصد تحفيزه وتشجيعه على العمل والاجتهاد وتطوير نفسه، لكن نواياك الطيبة هذه قد لا تأتي بنتائج طيبة لأن الطريقة المستخدمة غير صحيحة.
عند مقارنة طفلك بغيره فإنك تزعزع ثقته بنفسه، تلقي على كتفيه حملا ثقيلا، تجبره على الشعور بأن الآخرين أكثر كفاءة منه، وأنه عاجز عن إثارة إعجابك مثل هذا أو ذاك.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4لماذا عليك مساعدة طفلك على تأليف القصص في سنٍ مبكرة؟list 2 of 4ساعدي طفلك على التكيف مع التغيرات الكبيرة.. ولكن كيف؟list 3 of 4هل طفلك كسول؟ نصائح عملية وبسيطة لتحفيز نشاطهlist 4 of 4كيف تغرس القيم الإيجابية في طفلك؟ وما أمثل الطرق لعقد الاجتماعات الأسرية؟end of listيشير موقع "سيكولوجي توداي" إلى أن الصحة العقلية للأطفال المعرضين للمقارنة السلبية قد تتعرض للخطر الشديد. يوضح عالم النفس في جامعة كارولينا الشمالية ميتش برينشتاين "عندما نعتمد على الآخرين في إحساسنا بأنفسنا، ولا نشعر بالرضا إلا إذا حصلنا على ردود فعل إيجابية، أو سعينا لأن نكون الأحسن أو الأفضل أو الأجمل، فإننا نتعرض لخطر الاكتئاب".
وعندما لا يتمكن الطفل من رؤية الإعجاب به في عيون والديه، فإنه يشعر بالخطر وأنه لا يثير إعجابهما. هذه المشاعر قد تقود الطفل إلى الشعور بأنه غير محبوب من والديه، فكيف سيحصل على قبول الغرباء؟
يزداد الأمر سوءا عندما يُقارن أحد الوالدين أو كلاهما الطفل بشقيقه، فوفقا لدراسة بعنوان "مقارنات الوالدين الاجتماعية للأشقاء وسلوك الشباب" نشرها المعهد الوطني للصحة "إن آي إتش" التابع لوزارة الصحة الأميركية عام 2018، فإن مقارنة الابن بأشقائه يزيد من المشاعر السلبية بين الإخوة، ويزيد من الصراعات ومشاعر العداء تجاه بعضهم بعضا في مرحلة البلوغ.
بدلًا من مقارنة طفلك بشخص آخر، ربما يكون من الأجدى مقارنة الطفل بنفسه، إذا لم يحرز الدرجة الجيدة التي توقعها في الاختبار الأكاديمي، ذكّره بنتيجة الاختبار السابق، وأوضح له نقاط تحسنه، وأكد على ثقتك بأنه سيكون أفضل في الاختبار القادم. وهكذا في مواقف حياته المختلفة حتى تصل بطفلك إلى أن يصبح أفضل نسخة من نفسه.
أول ما يمكنك فعله لمساعدة طفلك في أن يصبح أفضل نسخة من نفسه هو إدراك أنه شخص مختلف عنك، قد تكون له تفضيلات وأولويات مختلفة. قد يجد طفلك الرضا والسعادة في أماكن غير متوقعة بالنسبة لك.
ربما يفضل طفلك الرسم ولا يروق له الجانب الأكاديمي. سيكون عليك هنا أن تدرك نقطة تميزه لتدعمه، ثم تعليمه ألا يهمل الجوانب المختلفة من حياته وأن يوليها اهتمامه. أيًّا ما كانت اهتمامات طفلك ونقاط تميزه، سيكون عليك أن تكون من أكبر المعجبين به وليس من أشد المنتقدين له، حتى وإن كانت نقطة تميزه هذه لا تروق لك أو كنت تتمناه أن يتميز في غيرها.
هنا قد تخشى تعرض طفلك للفشل أو أن يكون اختياره خاطئا، لكن عليك معرفة أنه ليس عليك حمايته من خيبة الأمل أو الفشل. تذكّر أن هذه رحلته الخاصة، وأن عليه أن يفشل ويتعثر ثم يقوم وينجح، هذا ما سيصنع منه إنسانا قادرا على الحياة ومدركًا لمعانيها وجوانبها المختلفة.
ما يمكنك فعله هنا هو التشجيع والدعم، وأن تكون أول إنسان يمكنه الاعمتاد عليه في لحظات التعثر أو الألم. إذا حققت هذا فستتمكن من أن تجعل طفلك يدفع نفسه بقوة كافية للوصول إلى إمكاناته الكاملة.
وفقا لموقع "فيري ويل فاميلي"، هناك بعض الأمور التي يجب أن تعلمها لطفلك، أولها هو تحقيق التوازن بين قبول الذات وتحسينها، وأنه بإمكانه أن يحب نفسه كما هي بينما يسعى أيضًا إلى أن يصبح أفضل.
في الطريق الذي يسلكه طفلك للتحسن يجب عليك امتداح الأشياء التي فعلها بإرادته الحرة، دون التركيز على الأشياء الخارجة عن نطاق سيطرته. مثلاً، بدلا من قول "أنت وسيم جدًا"، يمكنك قول "لقد بذلت جهدا كبيرا وفعلت كل ما بوسعك هذا رائع". مدحهم على أشياء خارجة عن إرادتهم لن يكون مفيدا لهم بأي درجة.
أما موقع سيكولوجي توداي فيشير إلى أنه يجب تعليم الطفل أن يفكر بشكل واقعي، بالإضافة إلى تعليمه كيفية تطوير الحديث الذاتي الصحي، وتعلم إعادة صياغة تفكيره السلبي من خلال إخبار نفسه مثلاً: "يمكنني تحسين درجتي في الكيمياء من خلال المذاكرة الجادة وطلب المساعدة وأداء واجباتي المنزلية".
من المفيد كذلك تعليم طفلك كيفية التعامل مع مشاعره بدلاً من محاولة جعله لا يشعر من الأساس بالحزن أو الفشل أو العجز أو الغضب، لأنه في هذه الحياة حتما سيتعرض لهذه المشاعر سواء أثناء وجودك أو عند غيابك، فالطفل الذي يستطيع وصف ما يشعر به وتحديده، سيكون جاهزا بشكل أفضل لمعالجة مشاعره، وستكون لديه ثقة كبرى في قدرته على التعامل مع الانزعاج.
وأخيرا، سيكون عليك أن تعلم طفلك كيفية اتخاذ إجراءات إيجابية لمواجهة مخاوفه، والمثابرة عندما يشعر بالتعب، والتصرف وفقًا لقيمه حتى عندما لا تكون قيمه هذه هي الشيء الشائع الذي يقوم به الآخرون.
الأطفال الذين يثقون في قدراتهم ويعرفون كيف يتعاملون مع مشاعرهم ويمكنهم تحمل الشعور بعدم الارتياح، ستكون لديهم ميزة تنافسية في كل ما يفعلونه في الحياة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات إلى أن
إقرأ أيضاً:
كُريات القلب السوداء
بدر بن خميس الظفري
@waladjameel
كُريّات القلب السوداء تجري في عروق البشر كما تجري كُريّات الدم الحمراء والبيضاء، تغذّي عقولهم، وتحكم تصرّفاتهم، وتحدّد مصائرهم. هي كُريّات خفيّة لا تُرى بالمجاهر، ولكن تُرى في المواقف. تنبض في القلوب التي أرهقها الضعف، وتستيقظ حين تغفو المروءة، فتبدّل صفاء الإنسان غشاوةً على بصيرته، وتغلق أبواب الرحمة في صدره.
الكُريّة السّوداء الأولى هي الحسد، وهو مرضٌ يختبئ في زاويةٍ من القلب، لا يُحدث جلبة، لكنه يلتهم صاحبه ببطءٍ يشبه الاحتراق. ينظر الحاسد إلى النعمة كما ينظر الجائع إلى رغيفٍ في يد غيره، يتمنى أن تسقط من يده ولو لم يذق منها شيئًا. الحسد يبدّل الموازين، فيجعل النعمة نقمة، ويحوّل الفرح إلى ضيقٍ لا يُحتمل. كلّ حاسدٍ يعيش في ظلال المقارنة، يقيس رزقه بميزان غيره، وينسى أن الأقدار تُقسم بالعدل الذي لا يُرى بالعين، بل يُدركُ بالعقل المتزن والقلب الراضي. ومن وطّن نفسه على الرضا، عاش في نورٍ يُطفئ كلّ نارٍ يشعلها الحسد في صدور الآخرين.
الكريّة الثانية هي الكِبْر. والكِبر مرضٌ يملأ الصدر بفراغٍ متعجرف، يوهم صاحبه بأنَّه فوق الآخرين بينما هو يبتعد عن نفسه. ينشأ من خوفٍ دفينٍ من النقص، فيُخفي المتكبّر ضعفه في ملامح التشدّق والتعالي. لا يرى في الناس ملامحهم، بل يرى انعكاسًا لصورتِه كما يريدها أن تكون. يمشي بثقلٍ مصطنع كأنَّ الأرض لا تليق بخطاه، ويتحدّث بلهجةٍ تظنّ الكلمات أنها خُلقت لتخدمه. وكلما ازداد الكبر اتّسع فراغ القلب، وانكمشت المساحة التي يسكنها النور. وفي اللحظة التي يسقط فيها المتكبّر، وتلامس قدماه التراب، يشعر أنَّه عاد إلى حجمه الحقيقي.
الكريّة السّوداء الثالثة هي الغرور، وهو خيالٌ داخليٌّ يجمّل الضعف ويمنحه هيئة القوّة. يبدأ همسًا في النفس: "أنت الأفضل، لا تحتاج إلى أحد"، ثم يتحول شيئًا فشيئًا إلى جدارٍ عازلٍ يحجب الحقيقة. إنّ المغرور يعيش في مرآةٍ ضبابية يرى فيها نفسه أكبر مما هي، فيطمئن إلى وهمٍ يظنه اكتمالًا. كلّ خطوةٍ يخطوها تُبعده عن أصله، وكلّ نجاحٍ يحققه يغذّي في داخله وهم الكمال. وحين يواجه أول خيبة، يشعر كأنَّ الأرض سُحبت من تحته، لأنه بنى سماءه على هواء. الغرور لا يرفع الإنسان؛ بل يُثقله ويجعله يدور حول نفسه حتى يتعب من نفسه. وفي لحظة الصمت بعد التصفيق، يدرك أنَّ الصوت الوحيد الذي كان يسمعه طيلة الوقت هو صدى صوته في الفراغ.
الكريّة الرابعة هي العُجب. والعُجب بذرةٌ تنبت في تربة النجاح حين يغيب التواضع. يبدأ إعجابًا خفيفًا بالإنجاز، ثم يتضخّم حتى يغدو عبادةً خفيّة للذات. يظنّ صاحبه أنَّه بلغ النهاية، فيتوقّف عن التعلم، ويشيخ قبل أوانه. العجب يغلق الأبواب أمام الإصلاح، ويُجمّد الزمن عند لحظةٍ يظنها المجد الأبدي، بينما الأيام تمضي تاركةً وراءها صدى اسمه يبهت شيئًا فشيئًا. إنّ القلب الذي يسكنه العُجب لا يسمع صوت الحكمة، لأنَّ صوته الداخلي أعلى من كل نداء.
الكريّة السّوداء الخامسة هي الحِقد. والحقد جرحٌ قديمٌ لا يريد أن يلتئم. يعيش في الأعماق كرمادٍ تحت رماد، يُخفي نارًا لا تهدأ. الحاقد يحمل ماضيه على كتفيه أينما ذهب، يُعيد مشاهد الألم في ذاكرته كما لو أنها الحاضر الدائم. يمشي في الناس ولا يرى فيهم إلا أعداءً محتملين، فيفقد القدرة على الحب، لأن الكراهية احتلّت المساحة كلها. ألا ما أثقل قلبًا لا يعرف الصفح، وما أضيق صدرًا يُصرّ على حمل أحجار الغضب في طريقٍ طويل. إنّ الحقد يستهلك العمر كما تستهلك النار الحطب، حتى لا يبقى من صاحبه سوى رمادٍ من العزّة المكسورة.
الكريّة السادسة هي الرياء، وهو مكرُ النفس حين تخاف أن تُرى على حقيقتها. يتزيّن صاحبه للنَّاس كما يتزيّن التمثال الخشبي بالذهب، يخفي هشاشته تحت مظهرٍ لامع. والرياء سرقةٌ صامتة، يسرق بها الإنسان صدقه دون أن يشعر. يتحدّث عن الخير لا حبًا فيه؛ بل توقًا إلى التصفيق، ويبتسم للناس لا دفئًا، بل أداءً متقنًا لدورٍ لا يشبهه، وكلّ من تعلّق بنظرة النَّاس مات في أعماقه شيءٌ من الحرية، لأنَّ الحرّ الحقيقي هو من لا ينتظر تصفيق أحدٍ ليحيا.
الكريّة السّوداء الأخيرة هي النفاق. والنفاق وجهان لقلبٍ واحدٍ لا يعرف الطمأنينة. يعيش المنافق ممزّقًا بين خوفين: خوفٍ من الناس وخوفٍ من نفسه. يتلوّن كما تتلوّن الحرباء في النهار، لكنه حين يختلي بظلامه، يسمع ضجيج التناقض في صدره. والنفاق يُفسد الكلمة، فيجعلها تقول ما لا تعنيه، ويفصل بين اللسان والقلب كما يُفصل الجسد عن روحه. وحين تتكاثر الأكاذيب في قلب المنافق، يضيع منه الطريق إلى ذاته، فلا يعرف من يكون، لأن الحقيقة غادرته يوم اختار أن يجمّل قبحه بدل أن يُصلحه.
كلّ هذه الكريّات السوداء تتناوب على القلب كما تتناوب الفصول على الأرض، ومن لم يُطهّر قلبه منها، صار كمن يسكن بيتًا مغطىً بالغبار، لا يرى الألوان حتى لو كانت أمامه. ولذا فإنّ تطهير القلب طريقٌ للنجاة من العمى الداخلي، فهو الذي يعيد للإنسان بصيرته قبل بصره، لأن القلوب لا تخمد دفعة واحدة، وإنما يبهت نبضها كلّما ازدادت فيها الكريّات السوداء، حتى تفقد دفء الحياة. والشفاء يبدأ حين يعترف الإنسان بعلّته، ويضع يده على صدره ليعرف مقدار الرحمة التي ما زالت تنبض فيه، وحين تثمر في قلبه بذرةُ محبةٍ صادقة، تذوب أمامها الظلمات كلّها، ويعود القلب إلى صفائه الأول، يحمل كريات حمراء نقيّة.
رابط مختصر