سيناريو مسجد بابري.. فايننشال تايمز: حملة لبناء معابد محل مساجد في الهند
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تقريرا عن مدى تأثير الانقسام الديني بين الهندوس والمسلمين على مجريات الأحداث السياسية، قبيل انطلاق الانتخابات الوطنية في عموم الهند الشهر المقبل.
وقالت الصحيفة إن نزعة "الإحياء" الدينية الهندوسية، التي تُعد حركة "استعادة المعابد" جزءا لا يتجزأ منها، ستلعب دورا محوريا في الانتخابات التي ستجرى في الفترة ما بين 19 أبريل/نيسان حتى الأول من يونيو/حزيران المقبلين.
ومن المتوقع على نطاق واسع -وفق التقرير- أن ينتصر حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي على المعارضة المنقسمة على نفسها بقيادة حزب المؤتمر الوطني، ويفوز بولاية ثالثة مدتها 5 سنوات.
مسجد بابريوفي يناير/كانون الثاني الماضي، تزعم مودي احتفالا ببناء معبد هندوسي جديد في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش (شمال الهند) على أنقاض مسجد بابري، الذي يرجع تاريخه إلى القرن الـ16 الميلادي، وهُدم على يد متطرفين دينيين هندوس في عام 1992.
ووفقا لفايننشال تايمز، فإن أنظار المتطرفين القوميين الهندوس بدأت تتجه إلى موقعين رئيسيين آخرين مكرسين للعبادة "المشتركة"، مما ينذر باندلاع مزيد من النزاعات الطائفية العميقة في مناطق أخرى من الهند، انعكاسا لحالة الانقسام السياسي في البلاد.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن عددا من الهندوس رفعوا دعاوى قانونية أمام المحاكم الهندية تطالب بهدم مساجد بُنيت قبل مئات السنين في مدينة ماثورا الشمالية، التي يقدسها الهندوس باعتبارها مسقط رأس من يصفونه بـ"الإله كريشنا"، وفي مدينة فاراناسي، حيث يقع معبد كاشي فيشواناث أحد أشهر المعابد الهندوسية المخصصة لمن يصفونه بـ"الإله شيفا"، وكلا المدينتين في ولاية أوتار براديش.
ويقع معبد كاشي فيشواناث الهندوسي عبر زقاق ضيق على بعد بضعة أمتار عن مسجد جيانفابي، الذي بناه السلطان الهندي المسلم أورنجزيب في القرن الـ17 الميلادي.
ولطالما ادعى القوميون الهندوس أن معبدا للإله شيفا كان يحتل الموقع نفسه قبل أن يهدمه المغول المسلمون الذين كانوا يحكمون الهند آنذاك.
ويقول المحامي فيشنو شانكار جين، وكيل المتقاضين الهندوس في قضيتي فاراناسي وماثورا، "إننا نخوض هذه النزاعات من أجل إحياء الثقافة والنهوض بها، إنه نزاع من أجل استعادة تراثنا وماضينا الثقافي المجيد، ومن أجل استرداد حقوق آلهتنا".
إقصاء للمسلمين
غير أن المسلمين الهنود يرون أن الجدل المثار حول المساحات الدينية المشتركة تغول على حقوقهم من قبل حكومة تروج للهندوسية على حساب ديانات أخرى، وعازمة على محو التراث المغولي، وغيره من المكونات غير الهندوسية لتاريخ البلاد.
وذكرت الصحيفة أن عددا من الهندوس دخلوا بعد منتصف ليل الأول من فبراير/شباط الماضي بقليل سردابا يشبه المغارة داخل مسجد جيانفابي، في مدينة فاراناسي، وأقاموا صلواتهم لأول مرة منذ أكثر من 3 عقود، وذلك بعد سويعات من موافقة محكمة محلية على التماس قانوني تقدّم به بعض الهندوس للسماح لهم بالعبادة فيه.
ويعد هذا المجمع أحد أشد "المواقع الدينية المشتركة" توترا في العالم خارج منطقة الشرق الأوسط، بحسب تقرير فايننشال تايمز، التي أضافت أن مسجد جيانفابي أصبح محور حملة قانونية "مثيرة للمشاعر" يقودها قوميون هندوس متطرفون، وستشكل الطريقة التي ستؤول إليها الأمور الخطاب الديني ومدى "الاتزان" الاجتماعي ومسار الديمقراطية العلمانية في أكبر دولة اكتظاظا بالسكان في العالم.
وقد ترافقت هذه الحملة مع هدم مسجدين هذا العام، أحدهما في العاصمة دلهي الذي يبلغ عمره 6 قرون، والآخر في ولاية أوتاراخاند شمال الهند، بذريعة أن إنشاءهما كان يمثل "تعديا" غير قانوني.
وكانت محكمة هندية بولاية أوتار براديش أثارت في 14 سبتمبر/أيلول 2022 جدلا عارما وغضبا بين المسلمين، بعد قرارها مشروعية وضع أصنام الآلهة الهندوسية وعبادتها في مسجد جيانفابي بعد صراع من المسلمين لإبطال هذا القرار.
نظرية التفوق الهندوسي
وتشكّل الخلافات حول الآثار القديمة والشرعية التاريخية والطقوس الدينية لب نقاش أوسع يدور حول طبيعة التنوع الثقافي والحقوق الدستورية، في ظل حكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه الذي يتبنى نظرية التفوق الهندوسي.
ونقلت فايننشال تايمز عن أستاذة التاريخ الفخرية بجامعة جواهر لال نهرو في دلهي، زويا حسن، القول إن هذه الادعاءات ما هي إلا "أداة لتأجيج المشاعر والعواطف، وتستخدم لإثارة الخلافات. هم يريدون إبقاء القضية حية وتوحيد أصوات الأغلبية الهندوسية، والأهم من ذلك أنهم يريدون التقليل من شأن المسلمين".
وسبق لموقع الجزيرة الإنجليزية الإخباري أن نشرَ تقريرا للكاتبة سارة أثير، ذكرت فيه أن المساجد والأضرحة والمعالم الإسلامية في الهند تواجه حملة هدم تشنّها حكومة مودي، في محاولة منها لإحداث تجانس ثقافي يستند إلى هيمنة الهندوس المطلقة على البلاد.
وأفادت بأن مسجد "شاهي" في مدينة براياغراج بولاية أوتار براديش، الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس، تعرض للهدم بالجرافات في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، رغم أنه كان من المفترض أن تنظر محكمة محلية في التماس بوقف خطط إدارة المدينة، وفق إمام المسجد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات فایننشال تایمز أوتار برادیش فی مدینة
إقرأ أيضاً:
غرق السلمون للسورية واحة الراهب عبرة روائية لبناء الوطن
ربّما يعرف كثيرون واحة الراهب الممثّلة والمخرجة والفنّانة التشكيليّة، لكن تبقى الروائيّة غائبة عن أذهان الناس عند ذكر اسمها.
لواحة الراهب 4 روايات وهي "مذكرات روح منحوسة" عن دار العين بمصر، "الجنون طليقا" و"حاجز لكفن" و"غرق السلمون" عن دار نوفل هاشيت أنطوان بلبنان.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2من كلكتا إلى نوبل.. طاغور شاعر الطبيعة والحزن وفيلسوف الحياةlist 2 of 2يوسف القدرة: في الشعر لغة “فرط صوتية” ضد عار العالمend of listتركز واحة الراهب في مشروعها الروائي الذي لا يتجزّأ عن مشروعها الإنساني السياسي على الظلم الواقع على المواطن السوري العادي من نظام حكم الأسد الذي كان في السلطة عند صدور روايات واحة الأربع. ومن يعرف واحة الراهب يعرف تماما موقفها السياسي الواضح من نظام الأسد، وهو ما أفصحت عنه في مقالاتها ومقابلاتها التلفزيونية بالإضافة إلى رواياتها.
في روايتها الأحدث "غرق السلمون" تناقش واحة الراهب فساد السلطة من منبعها، أي من منزل شخصية تعمل لدى السلطات السورية لتدخلنا إلى عالم الحكام الخاص، حياتهم اليومية، مخاوفهم، علاقاتهم الأسرية، كيف يمضون وقتهم في منازلهم مع عوائلهم، كيف يمارسون نشاطاتهم كأفراد عاديين بعيدا عن الكراسي المعلقة في سماوات نسمع عنها ولا نعرف عنها إلا النزر المتواضع.
تستخدم واحة الراهب في روايتها أسلوب الراوي الأول العليم والمتعدد، إذ تفرد المساحة لغالبية الشخوص الأساس في العمل ليتحدثوا بألسنتهم عن حيواتهم، مشاعرهم، طفولتهم، تطلعاتهم ونظرتهم الخاصة لكل ما يدور حولهم من أحداث، خالقة مسافة حرية لكل شخصية بعيدا عن سلطة الكاتبة وبعيدا أيضا عن سلطة الراوي العليم.
تبين واحة الراهب بهذه التقنية مدى وضوحها وشفافيّتها في مشروعها الأدبي، فهي وإن كانت تهاجم سلطة نظام الأسد، لكنها أبقت على تلك الفسحة الإنسانية لشخوص السلطة، سمحت لهم بالحديث عن أنفسهم من دون إقحام لرأيها الشخصي بهم. فنرى كل شخصية حصلت على مساحة مقبولة من السرد بلسانها، لا لتبرير إجرام بعضهم، ولكن للطرح الحر، وترك الحكم للقارئ.
يعد هذا النوع من الكتابة سردا شجاعا، إذ يصعب على الكاتب أحيانا أن يتجرد من كينونته، عواطفه، وانفعالاته ويترك المجال لشخوصه للكتابة عن ذواتها بواقعية أو غير واقعية قد يكون الكاتب مختلف تماما مع تفاصيلها. فمشروع واحة، وتحديدا في هذه الرواية هو ليس الهجوم، بل الاستفادة من إخفاقات الماضي لبناء وطنا لا يبكي أبناءه يوميا.
إعلانواليوم، وبعد سقوط نظام الأسد، كم هو مهم لنا كقراء عرب نعيش في منطقة تغلي سياسيا أن نقرأ عملا كغرق السلمون لنعتبر من الأمس المظلم، ننسى خلافاتنا، أحقادنا، ثأرنا، لنتحد كوطن واحد، شعب واحد، وأسرة واحدة. وهل أسمى من هكذا قيم يقدمها لنا الأدب؟
الرواية لم تناقش معاناة السوريين في نظام الأسد فقط، بل تطرقت إلى مواضيع أخرى مهمة وهو موضوع الانعتاق، التي قد تبدو بظاهرها انعتاق سياسي بحت، لكنها في الواقع تناقش الانعتاق من قيود كثيرة وقاسية تفرضها علينا الحياة، كسلطة الأب والأخ على الابنة، أو سلطة العائلة بشكل عام إن صح التعبير، سلطة الزوج، سلطة المجتمع ونظرته للمرأة المطلقة، والأهم، سلطة الذات الأكثر قسوة علينا من أية سلطة خارجية.
تهتم واحة الراهب بشخوص روايتها. هي الأم التي تعتني بكل تفصيلة تشكل بناء حيواتهم. تُلبسهم، تُطعمهم، تخاف عليهم، لتأتي كل شخصية محملة بالكثير من المعاني والثيمات التي تتقاطع مع شخوص أخرى في الرواية مشكلة دائرة متصلة من الأحداث تدفع دفتي الرواية إلى الأمام.
هل تغرق سمكة السلمون؟"غرق السلمون" عنوان جذّاب. لماذا السلمون؟ تلك السمكة التي تسبح عكس التيار، كأمل، واحدة من شخوص العمل الأساس، التي عتقت نفسها من مشنقة البيت، الأب المتسلط، الأخ السائر على نهج والده، الزوج اللاحس لأحذية السلطة، الوطن الذي بات يضيق عليها، والنفس الضعيفة العاجزة دوما عن العيش. وهل تغرق سمكة السلمون؟ نعم، عندما لا يكفي الأكسجين المذاب في الماء تغرق السمكة، فما كان أكسجين أمل المذاب؟ وهل غرقت؟ الرواية تجيب عن هذه التساؤلات.
ناقشت الرواية أيضا آلة صنع الطاغية وكيف يتبدل حال الفرد منا أحيانا وفقا لما يعيشه من أزمات. فربيع الحالم، الشاب المناضل في الثورة السورية، العاشق لأمل هل هو نفسه الذي أصبح داعشيا؟ ورند، شقيق أمل، ذاك الشاب الطموح، كيف مزقته أنياب والده وألقت به في لج المسلحين في العراق؟ إنها آلة الطغيان التي لا تسرف الوقت في المضغ، بل تبتلع لقمة واحدة وتبصق طغاة جددا.
لغة الروايةمقتل رواية "غرق السلمون" كان اللغة. استخدمت الراهب لغة متكلفة جدا لا تناسب مواضيع الرواية الحساسة والتي تمس الإنسان بشكل مباشر. قررت واحة الراهب السرد بلغة كانت غير مفهومة وتحديدا في فصول السرد الذاتي المونولوجي بشخصية أمل عن تجسدها بصورة سمكة السلمون. لغة متخشبة خالية من المعنى أتت بصورة أحاج غير مفهومة وغير مترابطة أدت وللأسف فصل اندماج القارئ مع العمل. هذه اللغة المسرفة بعدم الوضوح في تلك الفصول تحديدا ناقصت كثيرا من متعة قراءة العمل وإن كان موضوع الرواية شديد العمق والأهميّة.
أقدر كثيرا جهد الكاتبة وسعيها الحثيث في استخدام لغة راقية وأدبية، لكن اللغة الأدبية لا تعني بالضرورة تعجيز القارئ على الفهم، ولا تعني أبدا استخدام النعوت القديمة غير المتداولة في اللغة الحديثة، ولا يعني الإسهاب في أوصاف لا تقدم ولا تؤخر في سيلان الحدث والعمل كله، بل تعطل القارئ وتفصله عن تلك الحميمية التي تبنى عادة بين القارئ والنص على جسر اللغة الذي يشيده الكاتب وهذا ما، وللأسف، أخفقت به الراهب في هذه الرواية.
إعلانأكثر ما يزعجني كقارئ قبل أن أكون ناقدا، أن نصا بهذه الجودة من الأفكار تشوهه اللغة غير المناسبة له وغير المتكافئة مع وحدته ومغزاه.
السؤال هنا، هل طرح هذه المشكلة من حرر النص في دار النشر؟