غريب في رواية كويتية.. قراءة في رواية قطط إنستجرام لباسمة العنزي
تاريخ النشر: 30th, July 2025 GMT
محمود الرحبي -
توطئة
الحديث عن الغريب يقترن دائما كرديف للعجيب، فغالبا ما يأتي الغريب مضافا إلى العجيب، فنقول العجيب والغريب. ولكن بالتمعن في كنه وروح هذين المصطلحين سنجد أن لكل منهما طبيعته وخصوصيته وسياقاته التي يتفرد بها. فالعجيب يطلق عادة على ما هو مألوف وحميمي وتراثي وفلوكلوري من قصص وحكايات ومواقف.
والغريب هو ما يوحي بداهة بعدم الواقعية و(الاستغراب) في المكان والزمان، كأن تقول جسما غريبا مختلفا عن السياق الطبيعي والمألوف للحياة، وللتبسيط فإن الغريب يمكنه أن يلج إلى الخوارق والفانتاستك، أي في سياق لايمكن استكناه معناه بدون قرائن ورسائل انسانية مضمرة، سنجد في الأدب العالمي مثل قصة التحول لكافكا المتأثرة بقصة الأنف لجوجل، وغيرها من سرديات استحضرت العجيب وغير العادي وغير المتكلم كبطل روائي، في التراث العربي يمكن استحضار ما سمي بأدب الأنسنة، كما في قصص كليلة ودمنة، حين يتحدث الحيوان بلسان عربي فصيح نيابة عن البشر وأفعالهم.
حديث القط سبايس
في هذا السياق تحدث القط سبايس نيابة عن البشر في رواية «قطط إنستجرام» (دار العين- القاهرة) للكاتبة الكويتية باسمة العنزي. القط «سبايس» يظهر كقناع، تستخدمه صاحبته دون أن تعرف باسمها في الرواية، إنما من خلال ما يطلقه القط من عبارات انستجرامية تأتي في سياق انتقادي لمنعطفات وأفعال تحدث في الشأن الاجتماعي العام. أي أن هذا القط من خلال حديثه على منصة إنستجرام أراد أن يظهر ويبين ما يفترض أنه مخفي ومحجوب من أفعال تندرج غالبا في سياق الفساد المالي الذي يكون بطله في الرواية منصور لافي. شخصية متخيلة بدأ حياته بائعا للسيارات المستعملة ثم مرابي يقوم بقرض المحتاجين مقابل فوائد مضاعفة، ومن لم يتمكن منهم من السداد، يكون مصيره السجن، حيث تتم من وراء المعتقل مساومة أهل الضحية. أحد هؤلاء الضحايا «حامد» أخو صاحبة القط سبايس، الذي أدخل السجن بقضية الشيكات. هناك أيضا أحلام امرأة أربعينية من الطبقة الوسطى، تعتصم بماضيها المزدهر بيد أنها تعاني- في زمن الرواية- من ضغوطات مالية ستحيل بينها وبين حياتها (الكريمة والسخية) حين تدعو في مجلسها صديقاتها بصورة مستمرة للأكل وتبادل الأحاديث، وكان من ضمن جلاسها الفتاة العشرينية الغامضة، صاحبة القط سبايس، وهي شابة عاطلة عن العمل بعد الأزمة الاقتصادية، تدير صفحة تحت اسم (القطط السمان fat cats) بما يحمل هذا الاسم من رمزية تدلل على الجشع المالي.
تتناول الرواية بطريقة درامية مشوقة أحداثا معاصرة آنية تدور في عالم التجار ورجال الأعمال وجشعهم المبالغ فيه من أجل تراكم الثروات. وصراع الضحايا (يمثلهم في الرواية حامد أخو صاحبة القط سبايس) الذي يبدأ بدراسة القانون من السجن، ومن هناك يتعرف على طرق محاربة الفساد وبالتالي محاربة منصور لافي الذي يمثل طبقة التجار المرابين. فيبدأ بمراسلة مجلس النواب من أجل استصدار قانون لحماية الشباب من هذا الوباء. ولكي تعطي الرواية لأحداثها إيهاما بالواقع، نجدها تتضمن أسماء واقعية مثل الشخصية الوطنية المعروفة أحمد الربعي وزير التربية الكويتي الراحل وقد كان في زمن الرواية عضوا في مجلس النواب، وأيضا الصحفي الراحل محمد السنعوسي وزير الإعلام الكويتي السابق الذي كان في زمن الرواية أيضا عضوا في مجلس النواب، وبسببهما تم استصدار قانون يحمي الضحايا كان من نتائجه خروج حامد من السجن.
حاول التاجر منصور لافي بطرقه الملتوية أن يصل إلى صاحبة سبايس، حيث قام فريقه بإغرائها بالمال من أجل أن تدير له حملة انتخابات للترشح لمجلس النواب، ولكنها ترفض الإغراء وتستمر في محاربتها للفساد رغم انكشاف شخصيتها. وكان من نتيجة ذلك أن رأت قطها الأثير ميتا في الحديقة.
أبعاد ما بعد النهاية
في هذه الأثناء يبدو أن الرواية قد انتهت، ولكن ليس قبل أن تفتح الكاتبة أفق انتظار وتشويق للقارئ، وهو زواج المرأة الأربعينية أحلام بمنصور لافي، حين يلتقيان صدفة في مصعد شركته، لتنبعث من هذا اللقاء ذكريات غابرة حين كان منصور يعيش في المنطقة نفسها التي كانت تعيش فيها الشابة مع أسرتها، بعد ذلك يجتهد منصور لافي في البحث عن هاتفها والتواصل الطويل معها إلى أن يتزوجها فتنتهي الرواية عند هذا الحد، فاتحة السؤال على مصراعيه عن مصير هذا الزواج غير المتكافئ بين سيدة عصرية راقية وتاجر مليء سجله الاجتماعي بالمساحات السوداء.
مجهود بحثي وصبر
يتلمس القارئ أيضا في الرواية جهدا واضحا في تتبع أحداث كثيرة وقعت حقيقة في أزمنة مختلفة بالكويت، ناهيك عن القاموس الزاخر المتعلق بحياة القطط وطباعها وطبيعة تقلباتها. فلم تضع الكاتبة قطها (الغريب) بطلا شكليا لروايتها الشيقة، قبل أن تدرسه جيدا ومن مختلف الجوانب الظاهرة والخفية.
محمود الرحبي روائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الروایة کان من
إقرأ أيضاً:
صور أقمار صناعية تفند رواية عودة الحياة إلى الفاشر
بينما انتشرت على منصات التواصل روايات تتحدث عن "تعافي الفاشر" عاصمة ولاية شمال دارفور، وعودة الحياة إلى أسواقها بعد سيطرة قوات الدعم السريع، كانت صور الأقمار الصناعية تروي قصة مختلفة بالكامل.
فالمشهد الذي التقطته الأقمار الصناعية لـ3 من أكبر أسواق المدينة خلال ديسمبر/كانون الأول 2025 لا يظهر أي أثر لحياة تجارية طبيعية، بل فضاءات شبه خالية تقف على النقيض من السردية الرقمية التي سعت إلى إقناع المتابعين بأن الفاشر استعادت نشاطها المدني.
وتكشف صور أقمار صناعية حديثة حصلت عليها وكالة سند للتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة عن تغير جوهري في نمط الحياة المدنية داخل مدينة الفاشر، من خلال مقارنة بين مرحلتين مفصليتين في تاريخ المدينة الحديث: ما قبل الحصار في مايو/أيار 2024، ثم بعد سقوطها بيد قوات الدعم السريع في أكتوبر/تشرين الأول 2025.
غياب النشاط التجاري داخل الأسواق الرئيسةوتظهر الصور الملتقطة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة أن الأسواق التالية أصبحت خالية تماما من الحركة المدنية:
سوق الفاشر الكبيرتكشف الصور الملتقطة في ديسمبر/كانون الأول 2025 اختفاء الحركة داخل سوق الفاشر الكبير تماما، بدون وجود مركبات أو باعة أو تجمعات مدنية.
وقد أظهرت الصور أيضا وجود دمار في بعض المواقع التي كانت قد قصفت في فترة الحصار مقارنة بصور مايو/أيار 2024، التي أظهرت نشاطا تجاريا مكثفا.
كذلك، أظهرت صور الأقمار الصناعية أن سوق أبو شوك بات مهجورا، مع غياب أي حركة سيارات أو بسطات أو تجمعات بشرية، مع تغيّر واضح في ملامح الشوارع التجارية، بجانب آثار استهداف في بعض المواقع التي قُصفت خلال فترة الحصار قبل سقوط المدينة.
تبيّن صور الأقمار الصناعية أن سوق المواشي أصبح شبه خال من حركة المواطنين والعاملين بالسوق، في مشهد يعكس توقفا كاملا للحركة التجارية.
وبحسب التحليل الزمني لسلسلة الصور، فإن آخر نشاط سوقي كبير رُصد في الفاشر كان في مايو/أيار 2024، قبل أن تؤدي العمليات العسكرية والحصار الطويل ثم سقوط المدينة إلى تعطّل شبه كامل للحياة الاقتصادية.
رواية "عودة الحياة" إلى الفاشروعلى الفضاء الإلكتروني، وخاصة منصة إكس، رصدنا اتجاها منظما للحسابات المحسوبة على قوات الدعم السريع يتبنّى سردية موحدة تحت عنوان "عودة الحياة إلى الفاشر"، مستخدما وسم "#الفاشر_تتعافى" بكثافة لافتة.
وبالتحقق من طبيعة الحسابات التي تقود هذا الضخ الإعلامي، تبيّن أن نسبة واسعة منها أُنشِئت حديثا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وهو ما يعكس نمطا متكررا في الحملات المنسّقة المعروفة بـ"التضخيم المصطنع لدفع خطاب محدد".
وأظهر تحليل البيانات التعريفية لتلك الحسابات، باستخدام أداة التحقق الحديثة التي أتاحتها منصة إكس لعرض تفاصيل الموقع الجغرافي للدخول، أن معظم الحسابات لا تُسجَّل ضمن نطاق السودان الجغرافي، على الرغم من تبنّيها لهوية سودانية شكلا ولغة ومحتوى.
كما يلاحظ أن محتوى هذه الحسابات يكاد يتطابق في النصوص والصور ومقاطع الفيديو.
وتُظهر اللقطات المتداولة في هذه الحسابات اعتماد رسائل موحدة تركز على تصوير الفاشر كمدينة استعادت الحياة الطبيعية بعد الأحداث الدامية التي شهدتها مطلع الشهر، في محاولة واضحة لإعادة صياغة الرواية العامة حول الوضع الميداني.
كما تتكرر إعادة نشر المقاطع نفسها من حسابات متعددة، إضافة إلى الاعتماد على حسابات بملفات شخصية شبه فارغة وبتفاعل منخفض.