لهذه الأسباب وضع الدولار كقوة عظمى معرض للخطر
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
أصبحت السياسات التي تمس وزارة الخزانة الأمريكية مشحونة بالسياسة؛ من العقوبات الأمريكية على روسيا إلى التعريفات الجمركية على الواردات الصينية وانتهاء بأعباء الديون الأميركية المتضخمة؛ فكل هذا يشكل مخاطر على الأصول الوطنية التي من المفترض أن تحميها الوكالة بأي ثمن: الدولار الأمريكي.
ونشر موقع "بلومبرغ" تقريرًا، ترجمته "عربي21"، ينقل فيه عن إسوار براساد، الباحث في جامعة كورنيل وكبير زملاء معهد بروكينجز، قوله: "إن الارتفاع غير المنضبط في الديون الحكومية، والاختلال الوظيفي في صنع السياسات في واشنطن، واستخدام الدولار كسلاح من خلال الاستخدام العدواني للعقوبات المالية، كل ذلك ساهم في تصور أن هيمنة الدولار الأمريكي يجب أن تكون تحت التهديد".
وأوضح الموقع أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت مكانة الدولار باعتباره العملة المهيمنة في العالم معرضة لخطر وشيك، ولكن ليس هناك شك في أن موقع أمريكا المتميز في قلب النظام المالي العالمي يتعرض لتحديات متزايدة من قِبَل الأصدقاء والأعداء على حد سواء. فلم يُخْفِ المنافسون الإستراتيجيون، مثل الصين وروسيا، رغبتهم في رؤية عملاتهم تحل محل الدولار في بعض المعاملات الدولية. ويحصل اتجاه التراجع عن الدولرة أيضًا على المساعدة من عدد قليل من الدول التي تعتبرها واشنطن حليفة والتي تريد الحصول على تأمين ضد احتمال أن تجد نفسها يوما ما هدفا للعقوبات الأمريكية.
منذ عام 2001، الذي شهد بداية حقبة توسعت فيها الحكومات الأمريكية بشكل حاد في استخدام العقوبات الاقتصادية، انخفضت حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية التي تحتفظ بها البنوك المركزية من 73 بالمئة إلى 59 بالمئة، وفقا لصندوق النقد الدولي. وبدأت دول الخليج في تسوية معاملاتها النفطية باليوان الصيني، ويدرس منتجو السلع الأساسية الآخرون تحولات مماثلة.
وقال تيموثي جايتنر، الذي كان وزيرا للخزانة خلال سنوات أوباما، إن "الأمر الذي سيميز الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل أو نحو ذلك هو مدى مهارة إبحارنا في هذا التغيير الكبير في القوة النسبية"؛ فلقد غيّر اعتبار الدولار سلاحا النظام العالمي. وأضاف أن "سلطة وزارة الخزانة تأتي من نوعية الأشخاص، والقرارات التي يتخذونها، وسمعتها في النزاهة والتصور بأنها تأخذ رؤية طويلة المدى لمصالح الولايات المتحدة، تتجاوز السياسة قليلا".
أما مارك سوبيل، وهو موظف متقاعد أمضى 40 عاما في وزارة الخزانة، فهو أكثر تشاؤما. مستشهداً بالسياسات الشعبوية المتزايدة لكل من الجمهوريين والديمقراطيين وكيف أدت إلى تآكل مكانة أمريكا كزعيم في القضايا الاقتصادية الدولية، يقول سوبل: "يبدو أن الاحتمالات مكدسة ضد ممارسة الولايات المتحدة قيادة اقتصادية دولية قوية" على الإطلاق.
ولفت الموقع إلى أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تنطلق بسياسة اقتصادية غير مقيدة بافتراضات الجيل الماضي. فلعقود من الزمن؛ فضلت الولايات المتحدة أن تكون عملتها قوة عظمى. وقد سعى وزير الخزانة روبرت روبين، الذي خدم في إدارة كلينتون، إلى تهدئة أسواق العملة، التي واجهت أكثر من عقد من التقلبات الناجمة عن التدخلات الحكومية، من خلال الإعلان عن أن الدولار القوي مفيد لأمريكا. وكانت حجته، باختصار، أن الفوائد ــ بما في ذلك تدفق الاستثمار الأجنبي الذي خفض تكاليف الاقتراض المحلي وتعزيز القوة الشرائية للأسر والشركات ــ تفوق الضرر الذي لحق بالصادرات، كما بدأ في التراجع عن تدخلات وزارة الخزانة في أسواق العملات. وعلى مدى العقود اللاحقة، تمسك وزراء الخزانة في كل من الإدارات الجمهورية والديمقراطية بشعار روبن.
وذكر الموقع أن الدولار القوي ساعد الاقتصاد الأمريكي على الازدهار في التسعينيات؛ فقد نما وبلغ المتوسط 3.8 بالمئة من حيث التضخم المعدل في عهد بيل كلينتون، مقارنة بـ 2.8 بالمئة في عهد سلفيه رونالد ريجان وجورج بوش. لكن الدولار القوي كانت له أيضا آثار جانبية خبيثة؛ فإلى جانب صعود الصين، ساهم ذلك في تفريغ قطاع التصنيع في الولايات المتحدة. وشهدت ولايات حزام الصدأ إغلاق المصانع وانهيار مدن الشركات مع انتقال أصحاب العمل إلى مناطق أقل تكلفة.
وبين الموقع أن دونالد ترامب استغل الألم الاقتصادي لهذا الجزء المهمل من البلاد، وتحت شعار "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، قام بتحويل السياسة الاقتصادية إلى الداخل، وأطلق العنان لوابل تلو الآخر من الرسوم الجمركية، وأعاد التفاوض على الاتفاقيات التجارية، وهاجم عبر "تويتر" الشركات الأمريكية التي تحدت دعوته لإعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة.
فجأة أصبح لدى البلاد رئيس ووزير خزانة، ستيفن منوشين، على استعداد للحديث عن خفض الدولار. وقد ألح ترامب مرارا وتكرارا على رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لخفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو ولكن أيضا لإضعاف العملة الأمريكية. وفي مرحلة ما طرح فكرة تدخل وزارة الخزانة في أسواق العملات لإجبار قيمتها على الانخفاض.
وأبقى الرئيس جو بايدن تعريفات ترامب كما هي، في حين استبدل عبارات مثل "أمريكا أولا" بكلمات مثل "الصداقة" و"اشتر أمريكا". ومع ذلك؛ ظل بايدن بعيدا عن طريق مجلس الاحتياطي الفيدرالي عندما رفع أسعار الفائدة ما يقرب من اثنتي عشرة مرة لكبح التضخم، مما ساعد العملة الأمريكية على الارتفاع بنحو 15 بالمئة مقابل العملات الرئيسية الأخرى خلال رئاسته حتى الآن.
وأكد الموقع أنه سواء فاز ترامب أو بايدن بولاية ثانية، فإن المجموعة التالية من مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية سيكونون وكلاء على الدولار في وقت تتزايد فيه الضغوط للابتعاد عن الدولار من بكين إلى برازيليا؛ حيث يرى براساد أن ترامب "سيعمل على تسريع تآكل الإطار المؤسسي الذي يدعم ثقة المستثمرين الأجانب في الأسواق المالية الأمريكية والذي يعزز هيمنة الدولار"، من خلال إعادة عدم الاستقرار في صنع السياسات الاقتصادية، في حين يدفع "تسليح بايدن المفرط" - أي من خلال العقوبات على روسيا - تدفع حتى الحلفاء بعيدًا عن الدولار.
ووفق الموقع فإن نبوءات زوال الدولار قائمة منذ عقود من الزمن. ففي التسعينيات، كان الين الياباني هو الذي يشكل تهديدًا، ثم جاءت العملة الجديدة، اليورو. وتساءل المستثمرون والحلفاء عما إذا كان الاعتماد على الدولار يستحق العناء في عام 2008 بعد أن هزت أزمة الإسكان الأمريكية الصنع الأسواق العالمية، ومرة أخرى عندما بدأ ترامب حربًا تجارية مع الصين في عام 2018.
وجاءت إحدى أكثر الأحداث إثارة للصدمة في صيف عام 2019 عندما بدأ الرئيس ترامب آنذاك في الحديث عن إضعاف الاقتصاد بشكل فعال من خلال الدولار. وللقيام بذلك، كان سيحتاج إلى تعاون وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي معا لبيع الدولارات في الأسواق المفتوحة. والقول بأن مثل هذه الخطوة ستكون مدمرة لمكانة أمريكا كقوة عظمى عالمية سيكون أمرا بخسا؛ حيث يشكل الدولار الأمريكي جانبا من 90 بالمئة من معاملات العملة في مختلف أنحاء العالم، وثلثا الديون الدولية مقومة بالدولار. وأسواق السلع العالمية، مثل أسواق النفط، يحكمها الدولار. كل هذا جعل العالم كله مدينا للتقلبات في أسعار العملة وإدارتها.
وظهرت التساؤلات حول استمرار سيطرة الدولار مرة أخرى في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022. فكعقاب لها؛ أطلقت جانيت يلين - وزيرة الخزانة الأمريكية - ما اعتبر "الخيار النووي" من خلال العمل مع نظرائها الأوروبيين لتجميد نحو 640 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي في الخارج. وكانت هذه الخطوة بمثابة نقطة تاريخية في استخدام أمريكا للدولار كسلاح؛ حيث بدأ المسؤولون الحكوميون في جميع أنحاء العالم بوضع خطط علنية للحد من اعتماد بلادهم على الدولار.
واختتم الموقع التقرير مؤكدا أن دور الولايات المتحدة والدولار آخذ في التحول، مبينًا أن الإجابة على كيفية اجتياز حقبة جديدة من إعادة النظر في الاعتماد على الدولار من قبل الأصدقاء والأعداء، والوضع المالي للولايات المتحدة الذي يتطلب وضعًا أقوى من أي وقت مضى في العالم بالنسبة للدولار؛ قد تأتي للتو من وزيرة الخزانة الأمريكي القادم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الدولار الاقتصادية اقتصاد امريكا دولار صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الخزانة الأمریکی الولایات المتحدة وزارة الخزانة على الدولار الموقع أن من خلال
إقرأ أيضاً:
المليارات السبعة التي أهدرناها لقصف بلد لا نعرف موقعه على الخريطة
ترجمة: أحمد شافعي -
أدت فضيحة سيجنال إلى صيحات غضب عارم من الطريقة التي تبادل بها المسؤولون في إدارة ترامب رسائل نصية غير مؤمَّنة عن الضربات العسكرية لليمن. ولكن من ينقب أكثر يجد فضيحة أكبر.
هي فضيحة سياسة فاشلة تقوي «عدوا» للولايات المتحدة، وتضعف أمننا وسوف تكبدنا وفاة آلاف الأنفس. وهي فضيحة تلوث أيضًا الرئيس جو بايدن لكنها تبلغ حضيضها في ظل حكم الرئيس ترامب.
يرجع الأمر كله إلى هجمة حماس على إسرائيل في أكتوبر من عام 2023، ورد إسرائيل الهمجي بتسوية أحياء كاملة من غزة بالأرض. إذ سعى نظام الحوثيين في اليمن إلى الظفر بدعم إقليمي من خلال مهاجمة سفن يفترض أنها موالية لإسرائيل حال مرورها على مقربة منه في البحر الأحمر. (وواقع الأمر أنهم ضربوا شتى السفن).
والمشكلات في العلاقات الدولية أكثر من الحلول، وقد كان هذا مثالا كلاسكيا: فقد كان نظام الحكم في اليمن يعوق التجارة الدولية، ولم يكن من سبيل يسير لإصلاح ذلك الأمر. فكان أن رد بايدن بعام كامل من الضربات لليمن استهدفت الحوثيين بتكلفة مليارات الدولارات لكن دونما تحقيق أي شيء واضح.
وبعد توليه السلطة، زاد ترامب من الضغط المفروض على اليمن. إذ قلل المساعدات الإنسانية في العالم كله، وتضرر اليمن بصفة خاصة. ولقد كانت آخر زيارة لي إلى اليمن في عام 2018، حين كان بعض الأطفال بالفعل يموتون جوعا، والآن بات الحال أسوأ: فنصف أطفال اليمن دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية - و«هذه إحصائية لا مثيل لها في العالم» بحسب اليونيسيف - وجاء تقليص المساعدات فأرغم ألفي برنامج تغذية على إغلاق أنشطتها وفقًا لتصريح توم فليشر منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة. وقد ألغت الولايات المتحدة شحنة معجون فول سوداني كان يفترض أن تنقذ حياة نصف مليون طفل يمني.
ستكون الفتيات أكثر عرضة للوفاة، لأن الثقافة اليمنية تحابي الذكور. فقد أجريت ذات يوم حوارا مع فتاة اسمها نجود علي تزوجت رغم أنفها وهي في العاشرة. ويجري الآن أيضا تقليص برامج المساعدات الرامية إلى تمكين الفتيات اليمنيات بتقليل زواج الأطفال.
أشك أن إيلون ماسك - الذي تباهى بوضع برامج مساعدات التغذية في الطاحونة - سيقول إننا لا نقدر على مساعدة فتيات صغيرات في اليمن. فهو أغنى رجل في العالم، فقد تكون لديه دراية خاصة بالاستعمال الأمثل لمليون دولار يمثل التكلفة اليومية لستة أسابيع من معجون الفول السوداني الكفيل بإنقاذ حياة طفل جائع.
في الوقت نفسه، فإن الأموال الحقيقية التي تنفقها أمريكا في اليمن هي أموال القنابل، لكن فريق ماسك في إدارة الكفاءة الحكومية بما لديهم من مطاحن للتكاليف بدوا غافلين عن هذه التكلفة. وفي حين وفرت الولايات المتحدة مبالغ بسيطة من خلال السماح بجوع الفتيات الصغيرات، فقد صعدت حملة بايدن القصف في اليمن، بضرب أهداف على نحو شبه يومي. فكانت تكلفة الشهر الأول فقط من حملة ترامب للقصف أكثر من مليار دولار من الأسلحة والذخائر.
أسقط الحوثيون في ستة أسابيع فقط سبع مسيرات من طراز (MQ-9 Reaper) تكلفة الواحدة منها ثلاثون مليون دولار، وخسرت الولايات المتحدة طائرتين مقاتلتين من طراز (F/A-18 Super Hornet) بتكلفة سبعة وستين مليون دولار للواحدة.
يطرح مركز أبحاث «أولويات الدفاع» بواشنطن تقديرا مقنعا مفاده أن الولايات المتحدة أنفقت من خلال بايدن وترامب أكثر من سبعة مليارات دولار لقصف اليمن على مدى أكثر قليلا من عامين. ويبدو أن أغلب هذا الرقم قد تم إنفاقه بإشراف بايدن.
وافقت ليندا بيلمز -خبيرة تكاليف الصراع العسكري في جامعة هارفرد- على أن سبعة مليارات دولار تمثل تقديرا منطقيا بعد إدراج تكلفة نشر حاملات الطائرات وأجور القتال، وعوامل أخرى. وقالت: إن «إنفاق الولايات المتحدة لا يكافئ إنفاق الحوثيين، فنحن ننفق مليون دولار على الصواريخ للرد على مسيّرات الحوثيين إيرانية الصنع التي تتراوح تكلفتها بين مائتي دولار وخمسمائة».
ما الذي حققته مليارات الدولارات السبعة؟ قلل القصف الأمريكي من قدرات الحوثيين بدرجة ما وقتلت أيضا ما لا يقل عن مائتين وستة من المدنيين في شهر أبريل وحده وفقًا لـ(مشروع بيانات اليمن) غير الربحي. كما قللت حملة القصف أيضا من قدرة أمريكا العسكرية من خلال استهلاك ذخائر ثمينة. وعل مدى أكثر قليلا من عامين، يبدو أن الحوثيين قد أسقطوا نحو 7% من مخزون أمريكا الكامل من مسيّرات (MQ-9 Reaper).
لقد أعلن ترامب في مارس أن حملة القصف هذه سوف تؤدي إلى «إبادة كاملة» للحوثيين. لكنه تراجع في الشهر الحالي، وأعلن «توقفا» للعمليات الهجومية. وحفظ ماء وجهه بوعد من الحوثيين بعدم استهداف السفن الأمريكية، ولكن تلك لم تكن المشكلة الأساسية، فالغالبية الكاسحة من السفن التي تعبر البحر الأحمر ليست أمريكية. والنتيجة أن الحوثيين - الذين أتفهم شعورهم بالنصر - قد أعلنوا النصر من خلال هاشتاج «اليمن تهزم أمريكا [Yemen defeats America].
بالنظر إلى الأمر بأثر رجعي، نرى أن ترامب صعّد سياسة بايدن الفاشلة، لكنه أظهر أيضا مقدرة أكبر من بايدن على تصحيح أخطائه.
ما الذي يمكن أن يفعله ترامب لإيقاف هجمات الحوثيين على السفن؟ الخطوة الواضحة هي الضغط على إسرائيل بدرجة أكبر لقبول صفقة تيسر رجوع الرهائن جميعا وتحقيق هدنة دائمة في غزة.
في الوقت نفسه، لم يستأنف ترامب المساعدة الإنسانية، ولذلك يموت أطفال اليمن جوعا.
أخبرتني ميشيل نان ـ رئيس منظمة كير CARE - أن تقليل المساعدات الأمريكية تعني ألا تستطيع منظمتها الاستمرار في مساعدة أكثر من سبعمائة وثلاثين ألف يمني في الحصول على المياه النظيفة وعلى خدمات أخرى. وحكت لي عن فتاة عمرها عامان، تدعى مريم، وصلت إلى عيادة متنقلة ووزنها لا يتجاوز أحد عشر رطلا وتشارف على الموت بسبب سوء التغذية. استطاع مسؤولو الصحة في كير أن ينعشوا مريم، فبدأت تتعافى، ثم أوقفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية البرنامج. ولا يعرف عمال المساعدة الآن إن كانت مريم قد نجت.
إنني أتفهم الشك الأمريكي في تقديم المساعدة الإنسانية لأطفال اليمن، إذ يدير الحوثيون دولة بوليسية مدعومة من إيران لها تاريخ في تسليح المساعدات. غير أن حملتنا القائمة على القصف والتجويع قد تقوي الحوثيين، وتجعل نظامهم الحاكم قليل الشعبية أشبه بحامي حمى الأمة ويزيدهم قربا من إيران.
قال لي جريجوري دي جونسن خبير شؤون اليمن في معهد دول الخليج الغربي إن «تقليل المساعدات الإنسانية لليمن لا يرجح أن تفيد أحدا عدا الحوثيين، فمع تفاقم الوضع الإنساني المزري أصلا بسبب قطع المساعدات، لن يكون للأسر المقيمة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلا أن تقف في صف الجماعة سعيًا يائسًا منها إلى النجاة».
والخلاصة حسبما قال جونسن: هي أن الحوثيين سوف «يزيدون ترسيخ وجودهم في السلطة، بما يزيد من صعوبة اقتلاعهم منها لاحقا». واليمن لم يطرح لنا قط خيارات جيدة. ولكن في خياراتنا السيئة على نحو غير معهود أرى حكاية تحذيرية عن النتائج المترتبة على تكاليف السياسة الخارجية المتخبطة: جوع، وصبية وفتيات يموتون، وإضعاف للأمن الأمريكي وانتصار لخصومنا، وكل ذلك بتكلفة سبعة مليارات دولار من ضرائبنا. وإذن، هذه فضيحة.
نيكولاس كريستوف يكتب في صفحة الرأي بنيويورك تايمز منذ عام 2001
خدمة نيويورك تايمز